19 سبتمبر، 2025، والساعة الآن 4:15 صباحًا بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 9

مركز مبدأ ينظم دورة تكوينية حول “حماية الطفولة”

مركز مبدأ :نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية – مبدأ  اليوم السبت  دورة تكوينية حول (حماية الطفل ).

الدورة التي تركز على حماية الطفل من خلال القوانين الموريتانية قدمها المرشد الإجتماعي محمد سالم ولد أحمد رئيس مصلحة حقوق و حماية الطفل بإ دارة الطفولة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية  و الطفولة و الأسرة الموريتانية  .

 

 

مركز مبدأ يحتضن طاولة مستديرة حول “كتاب مقاصد المعاملات و مراصد الواقعات”

مركز مبدأ : نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية ( مبدأ) طاولة مستديرة ضمن مشروعه الفكري و التجديدي عن الشيخ عبد الله بن بيه حلقة نقاشية تحت :”عنوان النتائج و الاستنتاجات من كتاب مقاصد المعاملات و مراصد الواقعات للشيخ عبد الله بن بيه”.

طاولة مستديرة حول الاتصال من اجل تعديل السلوك

مركز مبدأ – نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية – مبدأ دورة تكوينة (بعنوان الاتصال من اجل تعديل السلوك ) ، الدورة التي اشرف عليها خبير في الاتصال ، شارك فيها العديد من طلاب الجامعة اعضاء منظمات المجتمع المدني .

مركز مبدأ ينظم ندوة كبرى حول فكر الشيخ عبد الله بن بيه

في إطار متابعته للمشروع الفكري و التجديدي للشيخ العلامة عبد الله بن بيه نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية –مبدأ ندوة عليمة حول وثيقة مراكش لحقوق الاقليات في المجتمعات المسلمة قراءة في المحتوى و الدلالات .

بحوث : تامورت محموده: الإمكانات الزراعية والرعوية والتنوع البيولوجي

مقدمة

تحتل المناطق الرطبة مكانة هامة  لدى المجتمع الدولي حيث أنشأت لها  منظمات، وأعدت دراسات حولها وسنت قوانين واتفاقيات، وذلك من أجل المحافظة عليها حيث أن المناطق الرطبة تلطف الجو وتمتص ثاني أكسد الكربون وتطلق الأكسجين وتقاوم الاحتباس الحراري الذي زادت حدته خلال القرن الأخير، كما تمثل المناطق الرطبة مصدرا لموارد طبيعية جمة، يتم استغلالها  لأغراض اقتصادية واجتماعية وثقافية،

لذا فإنه من المهم أن توضع المصادر الطبيعية بصفه عامة في دائرة الاهتمام  لما تشتمل  عليه من مقومات طبيعية ، حيث تعتبر هذه المقومات أحد ركائز التنمية في المناطق الريفية ولاسيما إذا كانت هذه المصادر في بلد مثل موريتانيا التي تقع نسبة70 %  من أراضها تحت وطأة  صحراء   مشكلة بذلك تهديدا مباشرا للمناطق الرطبة، والتي من بين نماذجها  ” ((تامورت أوبحيرة محموده)) في الجنوب الشرقي من موريتانيا ” مما يستدعي الاهتمام بمصادرها ومواردها الطبيعية، وتتمثل هذه المصادر في الأراضي الزراعية الخصبة والشاسعة، و الأشجار المثمرة بأنواعها المختلفة  والمراعي، ناهيك عن توفر الماء طيلة السنة مما جعلها تحتضن تنوعا بيولوجيا كبيرا.

إن هذه المصادر تستغل في مجال  التغذية والأدوية و الطاقة و السكن وهي بالت إلى تمثل عاملا مهما لبقاء الإنسان  ذلك الإنسان الذي هو عنصر مدمر في نفس الوقت ولم تعد إشكالية المحافظة  على هذه المصادر مطروحة للنقاش و لكنها مطروحة في إطار شراكة من اجل تسيير امثل لتلك المصادر والمحافظة عليها وخلق توازن بيئي أفضل يساهم في استدامة تلك الموارد خدمة الرفاهية الإنسان، فوجود الغابات في المنطقة الرطبة يخفف من وطأة التغيرات المناخية، كما تمثل ثمار بعض الأشجار مصدرا اقتصاديا مهما مثل (اوروار، اسدر، الطلح، تمات) إضافة  إلى دورها كمصدر للعلف  الحيواني و كل هذا يلزمنا صيانتها.

يتضح من هذا أن البيئية الطبيعية لها أهمية اقتصادية و اجتماعية تستحق الرعاية وإعادة التأهيل خاصة في مثل هذه الأوساط الهشة.

إن موضوع بحثنا سيتناول (بحيرة أو تامورت محموده في ولاية الحوض الشرقي: من حيث إمكاناتها الزراعية والرعوية وتنوعها البيولوجي)، حيث تتميز تامورت محموده بأنها ضمن المناطق الرطبة التي استولت على اهتمام العالم، ومن هنا جاء هذا البحث ليلقي الضوء على الإمكانات الطبيعية و التنوع البيولوجي لتامورت محموده في تفاعلها مع الظروف المناخية المتقلبة وسطوة أيادي السكان المحلين  عليها حيث تأتي إشكالية البحث في شكل التساؤلات التالية :

الإشكالية :

  • ما هي الموارد الطبيعية المتاحة للأنشطة الزراعية والرعوية في تامورت محموده؟
  • ما هي أهم عناصر التنوع البيئي لتامورت محموده ؟
  • ما المشاريع التي احتضنتها تامورت محموده؟
  • ما الأخطار والتحديات التي تواجه تامورت محموده في ظل زيادة النشاط البشري والتقلبات المناخية؟
  • و ما مدى مساهمة السكان في تسيير المصادر الطبيعية والمحافظة  على التنوع الحيوي و صيانة البيئة الطبيعية باعتبارها ضمانا للبقاء في الريف في الحاضر والمستقبل ومستودعا للتنوع البيولوجي؟

فرضيات الدراسة:

الفرضية الأولي: الموارد الطبيعية لتامورت محموده

الفرضية الثانية : تتوفر هذه التامورت  على مقومات طبيعية لنشاط الزراعي والرعوي

الفرضية الأخيرة: تشكل تامورت محموده موردا طبيعيا قابلا للاستغلال الواسع

أسباب اختيار الموضوع

لم يكن اختيار موضوع البحث سهلا ولم يأتي صدفة بل كان تلبية لاهتماماتي السابقة بدراسات البيئية وعلاقتها بالأمن الغذائي والتنوع البيولوجي، وقد جاء اختيار موضوع البحث بعد نقاش طويل وعميق مع خبير في مجال التنوع البيولوجي مكن من تحديد موضوع الدراسة ” تامورت محموده ” وهو موضوع  لم يدرس من قبل خاصة من لدن طلاب الماستر بقسم الجغرافيا.

أهمية الدراسة

يسعي هذا البحث  إلى معرفة الموارد  الطبيعية لتامورت محموده والوقوف على  إمكاناتها الزراعية و الرعوية و  مدى مساهمتها في خلق التنوع البيولوجي على المستوين النباتي و الحيواني، كما أنها تعتبر مصدرا لمواد أولية يستغلها سكان من أجل حاجياتهم الأساسية، حيث تستغل في الأنشطة الزراعية وغيرها وكمورد اقتصادي من خلال بيع منتجاتها الزراعية و النباتية في المدن مثل الصمغ العربي ..و الفحم…. و أهم من  ذلك كله أنها ملاذ للمنمين في فترة الصيف نظرا لتوفر المراعي معظم السنة، كما تعمل  على التخفيف من حدة المناخ وذالك بفضل تنوعها البيئي.

لتحميل الرسالة كاملة الرجاء الضغط على الرابط التالي

زوايا أخرى لدراسة ظاهرة الميلشيات الشيعية وعلاقتها بإيران

فاطمة الصمادي

باحث أول في  مركز الجزيرة للدراسات تشرف حالياً على الدراسات المتعلقة بإيران وتركيا ووسط آسيا، حاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة علامة طباطبائي/ طهران، مختصة بالشأن الإيراني لديها عدد من المؤلفات والدراسات المنشورة، منها التيارات السياسيّة في إيران، والتقارب الإيرانيّ-الأمريكيّ، وغيرهما من المؤلفات.

—–

هل يمكن بناء ميليشيا في عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؟

قد يبدو هذا السؤال نكتة أمام تعقيد ظاهرة الميلشيات، والعوامل الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تلعب دوراً مهمّاً في تشكيلها. ومع ذلك، فإنّ الجنرال حسين همداني، قائد الحرس الثوري الذي قُتل في حلب، يخبرنا بإمكانية ذلك، وهو ما حدثَ بالفعل في سوريا، وفق شهادة حملها كتاب رسائل الأسماك، الذي صدر في طهران، وتناول السيرة الذاتيّة لهمداني وشهادته بشأن التدخل الإيراني، ونجد على غلاف الكتاب عبارة تعريفية: “رسائل الأسماك سيرة أستاذ الحروب غير المتقارنة في محور المقاومة، وحامل لواء جيش محمد رسول الله (ص)، الشهيد حسين همداني”[1].

 

في واحدة من شهادته من الساحة السورية يفصل همداني في الكيفية التي جرى فيها تنظيم مئات من الشيعة وتدريبهم بشكل مكثف في مدة تراوحت بين 10 أيام إلى 15 يوماً[2].

 

كانت خطة همداني تقوم على اجتذاب الشباب وتجنيدهم في محافظات دمشق وطرطوس واللاذقية وقسم من محافظة حمص التي كانت لا تزال تحت سيطرة النظام. ويورد همداني أنّه كان يتم في كل أسبوع اجتذاب ما يقرب من 600 نفر. كانت تقدم لهم دورات تثقيفية لمدة 12 يوماً، ثمّ ينتقلوا بعدها إلى دورة للتعلم على الأسلحة لمدة ثلاثة أشهر كدورة ابتدائية، يلحقها دورات تكميليّة ومراحل لاحقة. وتبعاً للظرف الذي كان يمر به النظام، جرى اختزال هذه المدة لتكون 12 يوماً تشمل التثقيف والتدريب على الأسلحة[3].

 

ورغم “المصطلحات” المحمّلة بالدلالات العقائدية والدينية، والتي ترافق الحديث عن الميلشيات الإيرانية، إلا أن هذا الكتاب -وهو واحد من المنشورات التي تغصّ بهذه المصطلحات- يحدثنا عن أبعاد ذات طبيعة تتعلق بالدولة ومركزيتها وامتدادها الجيوسياسيّ. ويشرح همداني أسباب التدخل في سوريا، وبعد أن يستعرض كثيراً منها يقول: “ليست هذه الأسباب وحدها ما جعلتنا نقدّم المساعدة لسوريا، لقد كان القائد (خامنئي) يرى أن سوريا هي عمقنا الاستراتيجي”.

في واحدة من زوايا المعالجة تحتاج قضية “الميلشيات الشيعيّة” التي ترعاها إيران، إلى دراستها بصورة أبعد من توصيفها بـ”مجموعات تتلقى المال وتندفع للقتال بحكم الحاجة والفقر واللجوء”، أو حصر فيلق “فاطميون” في قالب واحد، وتصويرهم بأنهم “لاجئون أفغان معدمون تستغل إيران حاجتهم”، لأنه وعلى الرغم من وجاهة هذا الربط ووجود ما يسنده، إلا أنه يتغافل ويسقط البعد العقائديّ والالتزام الذي يبدو جلياً في أحاديث قادته، بل وفي الجمل والتعابير اللفظية التي تصدر عن عائلات المنتمين له، وطريقة لباس نسائهم.

 

ومن بين زوايا الدراسة الضرورية ربط هذه الظاهرة بسعْي إيران لبناء مركزيتها في العالم الإسلاميّ، وفي إطار بناء المركزية هذا تراهن إيران على وجودها في ساحات مثل العراق وسوريا ولبنان وغيرها، وتعتبرها خطوة في سبيل تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهو ما عَبَّر عنه بوضوح نائب قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، بقوله: “في العراق، لدينا جيش شعبي متصل بالثورة الإسلامية، ويفوق تعداده حزب الله في لبنان عشرات المرات، فضلًا عن مقاومة حلقة المقاومة المركزية في سوريا، على الأرض هناك جيش من الناس المعبئين والمرتبطين بالثورة الإسلامية… إن حاصل هذه المجاهدة العاشورائيّة من شأنه أن يغيِّر موازين القوى لصالح الجمهورية الإسلامية”[4].

 

وهنا تحضر مقولة “تصدير الثورة” كفعل لازم لهذه المركزية؛ فالدلائل على تصدير الثورة الإسلامية إلى عدد من المناطق، كما يقول قائد فيلق القدس قاسم سليماني، “باتت واضحة للعيان؛ حيث وصلت إلى كلٍّ من اليمن والبحرين وسوريا والعراق وحتى شمال إفريقيا”[5]، ولولا هذا الدعم لم يكن لإيران أن تتحدث عن أن “نفوذها بات يمتد من اليمن إلى لبنان”[6].

 

بعد أن كانت الصحافة الإيرانية تتعمد تجاهل الخسائر في سوريا، بدأت تنشر تغطيات مكثفة حول القادة القتلى من الحرس ومن يُطلق عليهم “مُدافِعو الحرم” وتقابل أسرهم، وتعدِّد مزاياهم. وبدأ المسؤولون الإيرانيون يزورون عائلاتهم وينشرون صوراً مع أطفالهم وزوجاتهم وهُنَّ يمجدن ما فعله الأزواج القتلى، ولقيت أسرهم اهتمام ورعاية مرشد الثورة الإسلامية[7]، ولوحظ أن جُلَّ هذه العائلات كان من الأفغان المقيمين في إيران، والذين يقاتل أبناؤهم في تنظيم “فاطميون”.

 

وضمن ما يقدِّمه خامنئي، فإن: “هذه العائلات لها دَيْنٌ في عنق الإيرانيين جميعاً، فقد قاتل أبناؤهم دفاعًا عن حريم آل البيت في سوريا والعراق، وواجهوا أعداء إيران في الخارج. وبدون هذه المواجهة، كان يمكن لهؤلاء الأعداء أن يدخلوا إيران، وإن لم يقفوا في وجههم. فإن إيران كانت مجبرة على محاربتهم في كرمنشاه وهمدان وبقية المدن الإيرانية … هؤلاء (الشهداء) قدموا أرواحهم دفاعاً عن إيران والإيرانيين والثورة الإسلامية … وفوق ذلك فقد ماتوا غرباء”[8].

 

وتتحدث الصحافة الإيرانية عن نشاط للحرس الثوري في ست جبهات، هي: العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وأفغانستان، واليمن. وفيما تعمَّدت إيران نشر صور لقادة الحرس الثوري في سوريا والعراق، لم يحدث ما يماثل ذلك في الجبهات الأخرى[9]. ويصلح فيلق “فاطميون” لدراسة حالة، للتأطير وإعادة التأطير العقائدي للحرس ومنحه وظيفة جديدة بوصفه “مكلَّفاً بتهيئة الأرضية لإمام الزمان”. وقدِّر محلِّلون غربيون عدد القوات الإيرانية المقاتلة في سوريا بـ16 ألف جندي،فضلًا عن أن إيران تسيطر على 60 ألف شيعيّ من ميليشيات متعددة الجنسيات تقاتل في سوريا [10]، إضافة إلى حزب الله ذي الهيكل الإداري المستقل والذي يقال إنه يملك 10 آلاف جندي[11].

 

يميل أحمد زيدان إلى ترجيح فكرة تناقلتها بعض المقالات، ونشرت في الصحافة العالمية وكذلك موقع ويكيبيديا، بأن بداية تأسيس فيلق “فاطميون” الأفغاني تعود إلى بداية الحرب العراقيّة-الإيرانيّة عام 1980، ويرى أنه امتداد لفيلق “أبو ذر”، يوم جنّد الحرس الثوري الإيراني المئات من المقاتلين الأفغان للقتال في صفوفه، مستغلاً وجود الملايين منهم كلاجئين على أرضه، نتيجة الغزو السوفياتيّ لأفغانستان في ديسمبر/ كانون أول من عام 1979[12]. لكن مراجعة لعدد من المقابلات مع قادة للواء ومسؤولين عنه نشرت في الاعلام الإيراني، تؤشر بشكل واضح على أن “فاطميون” ليسوا امتداداً لأ”أبو ذر”، لكن عدداً من قادته لعبوا دوراً في بناء “فاطميون”. ويشترك كلاهما في وجود بُعد عقائدي واضح ممن “آمنوا بثورة الخميني وانخرط كثير منهم في القتال طوعاً”[13]، ويستخدم قادة “فاطميون”  قاموس الأدبيات نفسه الذي يستخدمه الحرس الثوري، من حيث “محاربة التكفيريين”، و”حماية حرم آل البيت”، و”الاستضعاف والاستكبار”.

 

يقول أحد قادة فاطميون (سيد إبراهيم) في مقابلة نشرتها صحيفة كيهان[14]، لقد تكونت النواة الأولى لفاطميون من عدد من الأفغان الذين قاتلوا الاتحاد السوفياتيّ وتلقوا الدعم الحرس الثوري، وكانوا يحملون مسمى “جيش محمد (ص)”، وأيدوا الثورة الإسلامية في إيران، “لقد كانوا محسوبين كقوة من قوات الأمام الخميني”، وكان لهم دور في قتال حركة طالبان[15].

 

ووفقاً لرواية هذه القائد، فعندما بدأت المواجهات في سوريا، طلب عدد قادة الفيلق من الجمهورية الإسلامية مساعدتهم على المشاركة في الحرب. وقدم الطلب كل من سيد علوي وأبو حامد (قائد لواء فاطميون الذي قتل في سوريا). لقد دعمت الثورة الإسلامية في إيران تشكيل “فيلق فاطميون”.

 

تشكلت النواة الأولى من 25 شخصاً، وكانت هي القوة الأولى التي ذهبت إلى سوريا. في وقت مبكر، وعملت كقوة صغيرة إلى جانب المجموعات العراقية مثل “كتائب سيد الشهداء” وجماعات أخرى[16].وبالعودة إلى سيرة مؤسس وقائد لواء ” فاطميون” علي رضا توسلي الذي قتل في سوريا، كما توردها صحيفة كيهان الفارسية، فتوسلي خريج “جامعة المصطفى” وهي الجامعة التي يتخرج منها أعضاء الحرس الثوري، وكان “مؤمنا بأن “الإسلام لا حدود له”. وتقول الصحيفة إنه شارك في الحرب العراقيّة-الإيرانيّة، كما شارك في “المواجهة مع الكيان الصهيوني”[17].

 

ويمكن العودة إلى مقابلة لموقع مشرق نيوز مع الجنرال محمد علي فلكي[18]، والذي عرَّفه الموقع بأنه من قادة الجبهة في سوريا. ويمكن إجمال ما قاله الجنرال فلكي في مقابلته بالتالي:

 

– هناك ضعف في سوريا، آثرَ فلكي عدم الحديث عنه، لكنه ردَّه إلى ضعف داخل إيران.

– أن إيران ذهبت إلى جنوب لبنان لتدافع عن الشيعة وإلى البحرين واليمن.

– أن إيران استطاعت حماية ثلاثة ملايين شيعي في أفغانستان.

– لـ”الجيش الشيعي الحر” جبهة في سوريا وأخرى في العراق وجبهة في اليمن، بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

– هذا الجيش يأتمر بأمر مرشد الثورة.

– لا يقتصر قوامه على الإيرانيين فقط، بل يتشكل من مختلف شعوب المنطقة.

– ميليشيات “فاطميون” الأفغانية طليعة المعركة في سوريا، يُقدَّم لعناصرها هدية لا تتجاوز 100 دولار شهريًّا.

– هناك مليونا أفغاني في إيران، وشجاعة الأفغان في القتال في سوريا غيَّرت من الصورة النمطية لدى المجتمع الإيراني عن الأفغان.

– هناك ميليشيات أخرى تقاتل في سوريا، منها: “زَيْنَبِيُّون” الباكستانية، وميليشيات “حيدريون” العراقية

– جرى بناء نواة حزب الله السوري من متطوعين سوريين من دمشق ونبل والزهراء ويقاتلون تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني في تنظيم موحَّد من حيث الزِّيِّ والراية.

 

تحتاج ظاهرة الميلشيات في بعض جوانبها، إلى قراءتها ضمن أدبيات الجهة القائمة عليها. ولذلك لا يمكن فهمها بدون إدراجها في “الوظائف المقدسة” التي مُنحت للحرس الثوري، ضمن مقتضيات الوجود في سوريا، وغيرها من الساحات، بصورة تجعل هذا التشكيل الثوري يتجاوز كونه “حرس الثورة” الذي جاء لحماية الثورة، ليصبح في واحد من هذه الوظائف “حرس الإمام المنتظر”، وحام للشيعة ومقدساتهم خارج حدود إيران، وهو أيضاً واحد من أدوات إيران لبناء المركزية الإيرانية، من خلال مؤمنين بها وبدورها، وهو ايمان يقوم على أنه دور عابر للجنسيات والحدود.

 

الهوامش:

 

[1] – گلعلی بابایی، پیغام ماهی‌ها (رسائل الأسماك).”انتشارات بعثت 27″ (دار نشر تابعة للحرس الثوري الإيراني)، طهران، 2015-2016.

[2] – المرجع السابق، ص 435- 436

[3] – المرجع السابق

[4] – سردار سلامی در همایش نقش انگلیس در فتنه ۸۸: ارتش مردمی عراق متصل به انقلاب با کمیتی ۱۰ برابر حزب‌الله است/ انصارالله یمن منطبق انقلاب إسلامی حرکت می‌کند، (القائد سلامي في ندوة دور بريطانيا في فتنة (2009): الجيش الشعبي العراقي المرتبط بالثورة 10 أضعاف تعداد حزب الله/أنصار الله في اليمن يتحركون وفقًا لمبادئ الثورة الإسلامية)، وكالة فارس للأنباء، (9دي 1393) 30 من ديسمبر/كانون الأول 2014 (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2015):  الرابط.

[5] – شوقي، فرح الزمان، إيران تبارك تقدُّم “الحوثيين” وتتحدث عن تصدير ثورتها، العربي الجديد، 4 من يناير/كانون الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2015): الرابط.

[6] – ولايتي يتحدث عن نفوذ إيراني من اليمن إلى لبنان، صحيفة الحياة، 16 ديسمبر/كانون الأول 2014 (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2015): الرابط.

[7] – ده ایرانی دیگر از جمله یک فرمانده ارشد سپاه در سوریه کشته شدند(عشرة آخرين منهم قائد في الحرس قتلوا في سوريا)، وكالة أنباء الأناضول،31 آب 2016: الرابط.

[8] – دیدار خانواده شهدای مدافعین حرم افغان با رهبر انقلاب + في لم وعکس (لقاء عوائل شهداء مدافعي الحرم مع قائد الثورة، فيلم وصور)، 22 ارديبهشت 1395 (تاريخ الدخول: 2 أكتوبر/تشرين الأول 2016): الرابط.

[9] – سخنان منتشرنشده‌ای از رهبر انقلاب درباره مدافعان حرم رهبر انقلاب: اگر مدافعان حرم مبارزه نمی‌کردند باید در کرمانشاه وهمدان می‌جنگیدیم (حديث غير منشور لقائد الثورة حول مدافعي الحرم: لولا مدافعو الحرم لكان علينا أن نقاتل في كرمنشاه وهمدان)، تسنيم نيوز، 14 بهمن 1394 ش (تاريخ الدخول: 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016): الرابط.

[10] – مراد ويسي، ساختار فرماندهی وعملیاتی ایران در خاورمیانه (هيكلية القيادة والعمليات الإيرانية في الشرق الأوسط)، نشرية ميهن، 15 أغسطس/آب 2016، العدد العاشر (تاريخ الدخول: 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016): الرابط.

[12] – موقع ويكيبيديا، الرابط.

[13] – لشکر «فاطمیون» چگونه شکل گرفت؟(كيف تشكل فيلق فاطميون)، صحيفة كيهان، 9 خرداد (1394)ش ، تاريخ الدخول: (5 يناير 2018): الرابط.

[14] – صحيفة كيهان، المرجع السابق

[15] – المرجع السابق

[16] – المرجع السابق

[17] – وحيد ظهوري، فاطمیون؛ لشکر سرداران بی‌ادعای مدافع حرم (فاطميون،

[18] – سردار فلكي: «فاطمیون» پیش‌قراول نبرد سوریه بودند/«ارتش» چندین لشکر داوطلب شهادت دارد/ والله به مدافعان حرم ماهیانه حداکثر 100 دلار هدیه می‌دهند (القائد فلكي: “فاطميون” هم طليعة المعركة في سوريا/الجيش قدَّم عددًا من الشهداء/ والله.. مدافعو الحرم يتلقون هدية شهرية هي 100 دولار بالحد الأعلى)، فارس نيوز، 28/ 5/ 1395 ش (تاريخ الدخول: 19 أغسطس/آب 2016): الرابط.

 

مركز مبدأ يحتضن لقاءا حول التجربة الموريتانية المغربية في مجال المجتمع المدني

احتضن المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ) لقاء حول المجتمع المدني المنتدى الذي تنظمه رابطة الحوار للثقافة و الإبداع يتنزل في إطار النسخة الثانية من منتدى الحوار و التي جاءت تحت عنوان : التجربة الموريتانية المغربية في مجال المجتمع المدني (واقع الأداء و آفاق التعاون ).

اللقاء الذي أداره رئيس رابطة الحوار للثقافة و الإبداع الراجل عمر ابيليل شارك فيه رئيس رابطة المجتمع المدني بالمحدية بالمغرب محمد سيما إضافة إلى عدد من النشطاء في المجتمع المدني الموريتاني تقدمهم محمد عبد الله بليل و عبد الله أمانة الله من بسمة و أمل إضافة إلى الناشطة أمو كان و عضو الجمعية الشبابية للتنمية و التوعية و التعليم احسان عبدو بوهم و افراد من منظمات اخرى .

وقد شهد اللقاء كلمة ترحيبية من رئيس المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات و الانسانية – مبدأ د . محمد سيد أحمد فال الوداني ، كما قدم فيه رئيس رابطة حوار الراجل عمر ابيليل مشروع المنظمة للعام الجديد و هدفها من اللقاءات الحالية ، كما قدم المعلوم اوبك الامين العام لرابطة الحوار مشروع المنظمة و برنامجها في مجال التشبيك و التفاعل مع بعض المنظمات الاخرى .

اللقاء خاتم بمناقشات مفتوحة مع الحضور من المجتمع المدني و النشطاء المشاركين في النقاش الذي كان المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية هو الحاضنة له .

المقاتلون الأجانب في سياق “الرّبيع العربي”: في ضرورة التَسييق ورفض السرديّة الأحاديّة

أبو العباس ابرهام

باحث وكاتب. ألّف كتاب “آلاف السنين في الصّحراء: تاريخ موريتانيا من البواكير حتّى القرن العشرين” (2017)، وترجم بالتشارك “الإسلام في الليبرالية” لجوزيف مسعد (2017). يعمل على دراسة تاريخ العلمنة والتشكّلات الدِّينية في العالم العربي كما في تاريخ الأفكار الإسلاميّة والغربية. نشر عدّة مقالات وأبحاث في صحف ومجلات. يُدرِّس حالياً بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة

قراءة في كتاب “نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي”

محمد مسعودي

يشكل الكتاب قراءة معاصرة لجوانب من التراث الفلسفي، تطمح لتقديم صورة عامة عن وضعية الفلسفة الإسلامية وتاريخها.

عمدت هذه القراءة إلى جعل المقروء معاصرًا لنفسه (أي فصله عنا) من جهة، ومعاصرًا لنا (أي وصله بنا) من جهة أخرى.

وقد انتقد الجابري مجموعة من قراءات التراث المتسمة بالسلفية والمستعيدة لأيديولوجيات سابقة، إذ اعتبرها مفتقدة لموضوعية المنهج والرؤية التاريخية.

يركن الجابري لمنهج ورؤية يخولان له تعبئة هذه القراءة حيث “القطيعة الابستمولوجية”؛ أي التخلي عن الفهم التراثي للتراث والأساليب المعتمدة لتشكيل الفهم والعقل وفصل الذات عن الموضوع ثم وصل القارئ بالمقروء [عبر الحدس الاستشرافي الذي يقوم على أساس رياضي يستكشف المسار ويستبق النتائج ويمكّن من قراءة ما سكت عنه المقروء] من الناحية المنهجية، أما الرؤية فستتكون من وحدة الفكر والاشكالية، تاريخية الفكر [أي التمييز بين المضمون الأيديولوجي والبنية المعرفية]، ثم سؤال امتداد الفلسفة الإسلامية لفلسفات أخرى، خاصة اليونانية. هذه العناصر تشكل المقاربة المنهجية لتناول هذه القراءة التراثية.

صحيح أن الكتاب عبارة عن دراسات متفرقة، إلّا أنها تخضع لزوايا منهجية تصب في نفس الاتجاه. وهذا مايتضح في العلاقة بين دراسة وأخرى وكذا الامتدادات الضرورية للفهم بينها.

قبل الحديث عن محتوى الكتاب الذي توزع بين المدرسة الفلسفية المشرقية [فلسفة الفارابي وابن سينا] ومدرسة المغرب والأندلس [ابن باجة، ابن رشد، ابن خلدون] قدّم المؤلف محورًا عنونه بالخلاصات والآفاق، والذي نراه كعائق منهجي -رغم التبرير المقدم- لقراءة الكتاب .

بدأ الجابري بقراءة جديدة لفلسفة الفارابي “السياسية والدينية”، وأكد أنها لا تأخذ مسارها الصحيح إلا بقراءة ما قرأه الفارابي وبالشكل الذي قرأ به، كما تجاوز النظرة الغربية الأوروبية في المقاربة. ليخلص إلى أنها تهدف إلى التوفيق بين الدين والفلسفة استجابة للنقاش العام في عصره، و تأسيسًا لمدينته الفاضلة؛ حيث يسود العقل والتحكم في السلطات بغرض فكرة التوحيد السياسي، الفكري والاجتماعي.

أما فلسفة ابن سينا المشرقية فتوخى فيها قراءة مباشرة وغير مباشرة بهدف الكشف عن المضمون الأيديولوجي {هنا تكمن الفلسفة حسبه}، وخلص إلى أن الفيلسوف “الشيخ الرئيس” هو أكبر مكرس للفكر الغيبي الظلامي الخرافي في الإسلام، وإلى أن فلسفته تحركها نزعة عصبية وأيديولوجيا قومية تؤسس لاتجاه روحاني لا عقلاني، يعبر عن الفكر الإسماعيلي عبر رسائل إخوان الصفا. بل لم يكن مقتنعًا بما كان يكتب ويتنافى مع سلوكاته العملية، وهذا ما تبين للجابري في القراءة غير المباشرة.

أما لحظة ظهور الفلسفة في المغرب والأندلس، فقد جاءت نتيجة تطور العلوم عبر مرحلتين؛ مرحلة الطب والرياضيات ومرحلة الفلسفة والمنطق، ثم بزوغ الفيلسوف ابن باجة الذي عني بالعلم الطبيعي والإلهي، فتميزت فلسفته بالعلمية والعقلانية والتحرر من قيود السياسة ومن إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة إلى إشكالية التوفيق بين العلم والفلسف.

عبر الكاتب عن أصل هذا الفيلسوف عبر ابن رشد لاحقًا، من ناحية التفسير الأرسطي المنسجم مع النظرة العلمية (عكس أرسطو الشرق) وكذلك من جانب استثنائية رسالة تدبير المتوحد، والتي قدم عنها قراءة توصّل فيها لإطار منهجي، محتوى معرفي، مضمون فلسفي ثم تميزها بوحدة الأيديولوجي والابستمولوجي؛ أي انسجام البنية المعرفية مع تطلعات عصره .

قبل أن يقدم الجابري مشروع قراءة جديدة لفلسفة ابن رشد و للإبستمولوجية الخلدونية عرج على مجموعة من العناصر التي تؤكد استقلالية كل مدرسة على حدة رغم شعار “الفلسفة الإسلامية” الذي يجمعها، ونذكر منها تأثر المدرسة الفلسفية في المغرب والأندلس بالثورة الثقافية والحركة الاصلاحية التي قادها ابن تومرت، هذه الحركة المنادية بقراءة الأصول في حين كانت المدرسة المشرقية تستمد أفكارها من بعض المدارس السريالية القديمة (حران)، كما يختلف التفسير والشرح الأرسطي.

كما كانت وحدة المنهج (حسب ابن رشد) الكامنة في طريقة المتكلمين؛ {أساسها قياس الشاهد على الغائب = محل انتقاد لأنه لا يمكن قياس عالم الغيب على عالم الشهادة} سبيلًا لبناء الفكر النظري في المشرق، وبرز هناك مشكل التوحيد والتعميم، ووحدة السلطة واستمرارية الدولة لغرض دمج الدين في الفلسفة، في وقت كان عنوان الفلسفة في المغرب والأندلس الفصل بين الأخيرين لإنقاذ كل واحد منهما.

يسجل الجابري أن فلسفة ابن رشد “فلسفة أكسيومية”؛ ترجع إطاراتها الفكرية للأصل. كما أن إعجاب هذا الأخير بأرسطو (ليس أرسطو المشرق)، لا يدل دائمًا على تأييده، وإنما على وحدة الهدف والغاية المشتركة؛ وهي البحث عن الحقيقة {ابن رشد على وعي تام بأن الأسس و المبادئ التي استند إليها أرسطو تنافي وتعارض عقيدته}، كما قدم نظرية التأويل من حيث لبانتها وشروطها.

يمكن أن نخلص إلى أن فيلسوف قرطبة احتفظ للدين والفلسفة باستقلاليتهما، ولم يقبل أن يجعل أحدهما بديلًا عن الآخر. أما مسألة العقلانية؛ فالمشرق تسوده عقلانية صوفية تأملية، تأسست على أساس نظرية الفيض، أما بالنسبة للمغرب و الأندلس؛ فقد كانت رسلة تدبير المتوحد نموذج ومنتوج لوضعية فيلسوف عقلاني، قبل أن يظهر ابن رشد بفلسفته الواقعية العقلانية القاطعة مع أفكار المدرسة الأولى، سواء في الفصل بين الدين والفلسفة، أو في النظرة الأكسيومية، أو في الاتجاه المستقبلي الذي استشفه من اسبينوزا.

لحظة ابن خلدون، مع المقدمة تحديدًا، جاءت لتأسس لعلم جديد يرتفع من الفن (السرد، القصة والرواية) إلى العلم (البرهان والاستدلال)؛ حيث يعتمد على جهازي العقل والنفس.

تميزت ابستمولوجية ابن خلدون بالمعقول والامعقول في اتجاه تحركها لتحرير العقل من اللاعقل، والعقلانية من المثالي تجاه الوضعي، ثم حصر العلوم العقلية ضمن إطار القابيلية للتحقيق بالحس والتجربة، وحصر العلوم النقلية ضمن إطار إلحاق الفروع بالأصول، كما لعبت دورًا نقديًا للعلوم المعاصرة لها، التي مزجت بين المعقول واللامعقول في دائرة المعارف التاريخية.

أما قراءة الجابري النقدية للخلدونية، فتستدعي الجوانب السياسية والاجتماعية والفلسفية التي كشفت أن ابن خلدون قرأ التاريخ لذاته؛ لاستنطاق حوادثه والاستعانة بذلك الفهم للحاضر لا لغرض آخر، كما أكدت على عدمية جدوى منهج الأقدمين (الجرح والتعديل) في قراءة التاريخ .

ليخلص إلى أن ما تبقى من الخلدونية هو الطموح العلمي {من الذاتي للموضوعي ومن الأيديولوجي للعلمي}، والعوائق الابستمولوجية المتمثلة في تفسير الظاهرة العمرانية ككل؛ الخلط بين العمران والتاريخ وإنشاء علم جديد بمفاهيم قديمة.

الكتاب قيّم يطرح ويسائل التراث الفلسفي في مناهجه ومعارفه ومذاهبه المختلفة والمتباينة.

لا بدّ أن أذكر –ختامًا- أنني تعمدت إغفال الكثير من التفاصيل في هذه القراءة المتواضعة.

قراءة في كتاب: “الدين في حدود مجرّد العقل” للفيلسوف إيمانويل كانط

الكتاب الذي نحن بصدد تقديم قراءة حوله عنوانه: “الدين في حدود مجرّد العقل[1]، للفيلسوف الألماني عيمانويل كانط*، وقد نقله للسان العربي الباحث التونسي فتحي المسكيني**. ظهر هذا الكتاب لأول مرّة باللغة الألمانية سنة 1793، لدى نيكولوفيوس في مدينة كونيجسبورغ الألمانية، وهو كتاب مؤلف من أربعة مقاطع أو قطع كما يحبّذ كانط تسميتها، وكانت نيّة الفيلسوف أن ينشر هذه القطع على شكل مقالات صحافية، ولكن للأسف لم يكتب له ذلك، إلا أنه ليس من السهولة بمكان ولوج فلسفة الدين، خصوصاً في الفترة التي عاشها كانط، بحكم الرقابة الصارمة المفروضة على حرية البحث في المسألة الدينية، وقد توجسّت خيفة السلطات الحاكمة في ألمانيا، ممّا كان يكتبه كانط في الدين، ممّا اضطره إلى العدول عن أيّة مطارحة دينية مجدداً. وسؤال الدين في الفلسفة الكانطية لم يكن عرضياً البتّة، بل هو سؤال ضروري أفرزه الواقع الديني في أوروبا (حروب دينية في فرنسا، والصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في بريطانيا، والحروب الصليبية[2] طبعاً، فطرح المسألة الدينية سبقت إرهاصاته في كتب كانط النقدية (نقد العقل العملي)[3]، ونقد العقل النظري[4]، أو نقد ملكة الحكم[5] أو حتى في المرحلة ما قبل النقدية، ولكنّ اهتمامه في تلك الكتب انصبّ حول “الله”، لا على الدين من حيث هو نظام عقدي وسلوكي متكامل[6]، وترك إيمانويل كانط سؤاله النقدي الثالث ما الذي أستطيع أن آمل للدين؟ معتبراً أنّ الفلسفة باتت غير قادرة على النظر في مسألة الرجاء في الخلود و الطموح في السعادة القصوى.[7]

عرض كانط في كتاب “الدين في حدود مجرد العقل” الصلة الوثيقة بين الأخلاق والدين، معتبراً أنّ الأخلاق ليست بحاجة إلى الدين من أجل قيامها، بل هي مكتفية بذاتها بحكم طبيعة العقل نفسه، وصحيح أنّ القانون الأخلاقي يفترض وجود كائن أسمى، ولكنّ فكرة هذا الكائن صدرت من الأخلاق دون أن تكون هي الأصل في ظهور الأخلاق[8]، واستهلّ كانط هذا الكتاب بعبارة مقتضبة تحمل دلالات عميقة، إذ يقول: “إذا كان ثمة شيء يحق للإنسان الحديث أن يفخر به على سائر البشر السابقين؛ فهو إيمانه العميق بالحرية، بأنه كائن حر، لا يدين بقدرته على التفكير بنفسه، ومن ثمة على إعطاء قيمة خلقية لأفعاله أو لمصيره الخاص، إلى أية جهة كانت مهما علت أو بسطت هيبتها على عقولنا”.[9]

ويقول أيضاً: “إنّ ديناً يعلن الحرب على العقل، سيصبح مع مرور الزمن غير قادر على الصمود أمامه”.[10] والأطروحة المركزية التي يتبلور حولها الكتاب هي أنّ الأخلاق بحكم طابعها الإنساني، والكوسمولوجي، لا تحتاج إلى الدين، بل لها قيومية ذاتها بذاتها، والعكس هو الصحيح.[11]

لكن لماذا وضع كانط نظرية فلسفية في الدين؟ وما علاقة الدين بفلسفته الخلقية؟ وكيف يتأتى لنا الخروج من الدين الطقوسي الشعائري إلى الدين العقلي الكوسمولوجي؟ من دين يحمل بعداً تاريخانياً تعنى به طوائف معينة أو شعوب خاصة إلى دين عقلي كوني صالح لكل شعوب العالم البشري؟

يتمفصل كتاب كانط إلى أربع قطع هي كالآتي:

1- القطعة الأولى: حول الشر الجذري في الطبيعة البشرية.

2- القطعة الثانية: في صراع مبدإ الخير مع مبدإ الشر من السيادة على الإنسان.

3- القطعة الثالثة: في انتصار مبدإ الخير على مبدإ الشر، و تأسيس ملكوت الله على الأرض.

4- القطعة الرابعة: في العبادة الصالحة والعبادة الباطلة (تحت سيادة مبدإ الخير أو في الدين والكهنوت).

يستهلّ كانط القطعة الأولى من كتابه بعبارة مستهترة يقول فيها: “إنّ العالم خبيث، ولا يُطمأن له، هي شكوى قديمة، قدم التاريخ”[12]. ثم يردف قائلاً: “العالم يبدأ بالخير، بالعصر الذهبي، والحياة في الفردوس، صحبة جماعة من الكائنات السماوية”[13]، ولكنّ هذا النعيم سرعان ما يأفل نجمه ويتبدد ليعجل بالسقوط في براثن الشر، بحكم أنّ تاريخ الفيزيقا ابتدأ بالخير، لأنها من صنع الله، بينما تاريخ الحرية بدأ بالشر، لأنها من عمل الانسان[14]. واعتبر بذلك الفيلسوف كانط أنّ تجذرية الشر فينا المبطونة في كوامننا هي من باب النومين (الشيء في ذاته)، هذا الشر يوجد في جوهر الطبيعة البشرية، وليس شيئا عرضياً، وهنا نتجلى نوعاً من الاتفاقية مع توماس هوبز كون الإنسان شريراً بطبعه، ولكنّ هذا الشر بتجذريته، لا يدان له بتخريب الخير (الإرادة الخيرة)، لأنها جذرية، بل أعمق تجذراً من الشر في حد ذاته، ولكن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو هل الإنسان شرير بالفطرة على المطلقية؟

حقيق أن يقر كانط بأنّ الشر جذري فينا، لأنه جزء من طبيعتنا كبشر، ولكنه مردوف دوماً بالحرية؛ أي لا وجود لشر أخلاقي من دون الحرية، فالحرية هي التي تخرج إمكان الخير والشر في الإنسان إلى الفعل؛ فالشر يحمل طابعاً نزوعياً، والخير يحمل طابعاً استعدادياً، كما يؤكد كانط أنه من المحال أن يمزج الإنسان بين الخيرية والشرية في الآن عينه، فهو إما أن يكون خيراً أو شريراً، وبإدراج هذا الفيلسوف لمدلولية “الشر الجذري” حصل في فلسفته الخلقية نوع من التوتر والاضطراب. أمّا حينما نسعى لاستكناه الشريّة في المنظور الكانطي، نجد بأنه ليس خبثاً في الإنسان، بل هو متمخّض عن الحيوانية فينا الذي ينجر هو الآخر عن الاستعمالات المبالغ فيها لإرادتنا الحرة التي جنيناها على أنفسنا.

كما صرّح كانط في مستهل القطعة الثانية بجملة تحوي في طياتها دلالات كثيرة تقول: ”إنه من أجل أن يصبح المرء إنساناً خيراً في خلقه، لا يكفي أن يدع بذرة الخير الكامنة في جنسنا تنمو بلا عائق، بل عليه أن يصارع علّة الشر التي توجد فينا[15]. فهذا الشر المتجذر فينا لا يد لنا بالقضاء عليه بالمرة، بل الأفضل بالنسبة لنا أن ندينه ونقمعه، كما يجب على الإنسان أن يأخذ في الحسبان مرارة ما يجبله من مشكلة الشر، وحقيق أن يقتدر الإنسان على الانفلات من التناقضات التي تلفّ أخلاقه المترنحة بين الخير كاستعداد والشر كنزوع، وهذه المقدرة يسلكها المرء عن طريق الرجوع إلى الإرادة الخيّرة، لأنّ الشر لا يستطيع أن يفسدها ويخربها، صحيح أنّ الشر الجذري يحطم الاستعداد للخير فينا، لكنه لا يستطيع أن يستأصل الحرية، ولذلك فعلى الإنسان أن يجدد الاستعداد للخير في النفس البشرية. لكن هذا الخلق المتجدد، لا يستنجد بسماحة السماء والمدد الإلهي، طبعا كانط يلحّ على ضرورة النهل من اللاهوت، ولكن يبقى الاعتماد على النفس هو الدأب والديدن. إنّ الانسان بحكم جبلته الخلقية يسعى دوماً، بل ومطالب أن يكون الأفضل، وبهذا نخلص إلى أنّ الشر أمر ممكن باعتباره محدداً بالإرادة الحرة، وهذه الأخيرة تعرف كخير أو شر عن طريق القواعد الخلقية؛ فالنزوع إلى الشر بالمعنى الأخلاقي هو الأساس الذاتي لإمكانية الانحراف عن قواعد القانون الخلقي، فقدرة الإرادة الحرة أو عدم قدرتها في أن تأخذ أو لا تأخذ بالقانون الخلقي في قاعدتها ينبثق عنه هذا النزوع.

والنزوع للشر له ثلاثة مستويات عند كانط:

1-المستوى الأول: كامن في ضعف قلب الإنسان.

2-المستوى الثاني: كامن في خلط الدوافع الأخلاقية بالدوافع اللا أخلاقية.

3-المستوى الثالث: كامن في النزوع إلى تبني الشر، وإهمال قواعد القانون الخلقي.

وبهذا يكون الإنسان شريراً لما يعكس النظام الخلقي للنزوع الذي يتبناه في قاعدته.[16] وبهذا، لا يوجد في النزوع الطبيعي نزوع للشر الأخلاقي، لأن النزوع للشر ينبثق عن الحرية.

ولا يقتدر الكائن البشري أن يتغلب على نزوعية الشر، اللهم إلا بثورة عقلية داخلية، وفقاً لمؤهلاته الخاصة، ليصبح إنساناً جديداً، هذه الثورة الداخلية تصبح نوعاً من إعادة الإحياء والخلق، ويصبح الخير حاضراً في كوامننا عندما نقوم بهجران مبدإ الشرّية.

ويرى كانط في كتابه الدين في حدود مجرد العقل أنّ العقل البشري في منحاه الكوسمولوجي، يسعى دوماً إلى التمييز بين دين طقوسي مصلحي أناني، قائم على إقامة الصلوات وتصنع الابتهالات، والاعتناء بالمظهريات في الصوامع والكنائس والمعابد، وبين دين أخلاقي يتجسّد في الأعمال السلوكية الطيبة الحسنة، دين لا ينتظر من الإله أن يريه طريق مرضاته، بل يكون بسلوكياته وسيرته الحسنة أهلاً لأن يعينه الله ويخلصه[17]. فهناك إيمان وثوقي قطعي تزمتي، يجزم أصحابه بالقطيعة ويعرفه صفوة من الخلص، ودين مفكر عاقل لا يأتي بالخوارق ليعتقد به الناس، ولا يستعين بالطاقات الغيبية الماروائية المستهينة بالعقل ليفرض سطوته، دين يدعي العمق في خباياه، وتشجبه الحماسة، ويؤمن بالمعجزات والخرافات، ويقول بالألطاف الروحية الفياضة الإلهية التي تنبجس عنها الرحمات ويتكشف معها المستور من الحجب، وينار القلب بالأسرار الملكوتية، العرفانية، الصوفية، بخلاف الدين الذي يدعونا إليه كانط الذي يقتدر بفضل الفكر والعقل أن يجعل الإنسان يعرف نفسه بنفسه، و يغيره ما بداخله ذاتياً، دين حر لا ينتظر معونة ملائكية خارجة عن فيزيقاه.

إنّ الدين الخلقي الذي دعانا إليه كانط ليس مأموراً به من لدن سلطة قيدية، ليست له أسرار وطقوس ومعجزات. ليست له سجلات أو مزامير داود، ولا كتب مقدسة ولا ألواح موسى، ولا يخضع لسلطان الأحبار والكهنة ورجال اللاهوت والقساوسة والرهبان، إنه دين أخلاقي بامتياز مؤسس على الأخلاق الفاضلة، مخالف تماماً لكل العقائد والملل والنحل التاريخية التي نقرأ عنها الفرقة والاختلاف والغلبة والحروب والصراعات والفتن والتنافر بين البشر. إنّ تأسيس الإيمان على الأخلاق يجعل علاقة الله بالبشر علاقة أخلاقية، الله هو المشرع الأسمى للقانون الأخلاقي فينا، إنه دين يجنب البشرية كلّ أنواع الحروب والصراعات التي تمخضت عن العقائد الدينية ذات المنحى التاريخي[18]، يقول كانط: “إنّ الوهم والتعصب الديني هو الموت الأخلاقي للعقل، وبدون العقل لا يكون هناك دين ممكن”.[19]

إنّ الدين الطقوسي هو دين العبيد يمارسونه في دور العبادة، ولكنهم لا يحذقون معناه، ولا يستكنهون مغزاه. أمّا الدين الصحيح، فهو دين الأحرار يؤمنون بمقدرات نفوسهم، فقط بالإرادة الخيرة التي هي مخلص العباد من كلّ تصورات خرافية، حينما نستوعب مدارك وعينا الذاتي، نستطيع أن ننير طريقنا دون أن ننتظر مهدياً منتظراً أو مخلصاً موعوداً. يتساءل كانط ما إذا كان بإمكاننا أن نفرض معتقداً دينياً بقوة السيف والقهر والقسر؟ ليجيبنا قائلاً: إنه على كلّ مؤسسة دينية أو سياسية أن تترك المواطن حراً في أن يختار ما يشاء من الأخلاقية الخاصة به.

إنّ فكرة الله التي في عقولنا هي وحدها القادرة على التشريع الأخلاقي، شتان بين دين العبادات المسلط من لدن قانون نظامي مفروض بالقوة، وبين دين خلقي خالص مستنبط من العقل الأنسي، فهذا العقل يمتاز بالكلية والضرورية والشمولية، ويصلح لكل الكائنات العاقلة[20]. إنّ كل دين يقبل الخضوع للقوانين اللاهوتية المدسترة هو إيمان ذو نزعة تاريخانية منقول إلينا بوساطة الوحي المتراتب الواصل إلينا والمتوارث جيلاً عن جيل. أمّا دين العقل، فهو عقلي محض يبلغه أي كائن يملك عقلاً، وفقاً لإرادة خيرة مطبوعة في قلوبنا. إنّ الكوسمولوجي فينا المتكنه في خبايانا هو عقلنا، فالدين النظامي لا يكتسي البتة طابع الكونية، هو يعبّر دوماً عن نحلة أو ديانة تمارس شعائرها طائفة محلية في قطر من أقطار الكون الفسيح[21]، فقط حينما نعود إلى العقل البشري بمجرده نقتدر حينها على دعوة بني آدم على الخروج من إيمان رجل الكنيسة إلى أنموذج إيمان عقلي، يتشكل في “الجماعة الأخلاقية” شاملة وكونية؛ فهذا ما يتجلاه كانط مكتوباً في الكنائس ومنقوشاً في الألواح، تحت طائلة “إنّ الله يأمرك فأطع كما تؤمر “هاته الصرامة اللاهوتية الرهبانية لا تبالي بتاتاً بالخلقي فينا[22]، ويحثنا كانط على أن نربي الإنسانية التي تقوم مقام أنفسنا منا، على الدين الواحد الموحد، لا ضروب كثيرة من الملل والعقائد والنحل، إنّ من يدّعي كونه متديناً هو في الحقيقة رجل دين لقرية أو بؤرة معينة في العالم ولكنه لن يجرؤ على القول بأنه كائن متخلق، إنّ المعتقد الديني النظامي يصنف الناس كفاراً زناديق ومؤمنين. هناك ما يطلق عليه كانط بالاستعداد للدين الخلقي، المطمور في صلب العقل البشري، ولكن ليس يعني أنّ الإيمان العقلي الحر يرفض ويتنكر للعقائد والملل، وإنما كونه لا يحتاج البتة إلى شعائر حتى يقتنع به رجال الدين. ويؤكد كانط أيّما تأكيد على أنّ الدين النظامي قائم في قاعدته على المجاز تتلبس به مصطلحات كالرحمة بدل النعمة، والخدمة بدل العبادة.

إنّ أجلّ قيمة في الإيمان الحر هي كونه لا يسعى إلا إلى ابتغاء ذاته، وأن الإنسان عندما يؤمن بحرية فهو يعمد لتغيير حياته ويجدّدها، ليقوم بالواجب الخلقي على أكمل وجه، العقل وحده هو القادر على تحريرنا من أي شعور بالخطيئة والإثم، الواجب عليك ككائن عاقل، هو أن تسلك سلوكاً حسناً وفقاً للإرادة الخيرة، إنّ الانسانية التي ترضي الإله الأعظم هي التي تبحث عن الخلاص في نفسها؛ فالسيرة الخلقية الحسنة المثلى هي الكفيلة بأن تجعل الله يرضى عنها.[23]

 لكن كيف يتأتّى للإنسان أن يشرّع لنفسه؟

إنّ الله يشرع فينا، وهذا بما نحمله من قوة عقلية قادرة على التشريع لنفسها، ومتى وصل الإنسان إلى الحرية، طوعاً تمكن من بلوغ مرتبة الإيمان العقلي الكوني، ويضرب لنا أمثلة بالديانات النظامية وعلى رأسها الديانة اليهودية التي اختزلت الجنس البشري من دائرتها كشعب الله المختار[24]، ويشيد كانط في مقابل ذلك بالمسيحية كونها اقتدرت أن تستوعب الطابع الكوسمولوجي في الدين عبر الكنيسة الكونية، وأدرجت الدين الخلقي المحض بديلاً لها عن الطقوسي المهترئ، صالحاً للإنسانية جمعاء[25]، إنّ الدين النظامي يحتاج إلى توثيق تاريخي. أمّا إيمان العقل الحر، فهو بمنأى عن هذا كله، بل يبرهن عن نفسه بنفسه، إنّ كلّ تمظهرات الرهبانية والتعصب الديني وطقوس العبادات والحضرة والطلسمة، ما هي إلا حشد لعدد هائل من البشر بلا جدوى وإرهاق كواهلهم بالتزامات عقدية تجبلها الخرافات، وهذا بحكم ما نستشفه من لدن بعض الطوائف الدينية المتشددة، كالأرثوذكسية التي ترى بقدرتها على فهم مقاصد الكتاب المقدس، ثم تعمد إلى فرض مفاهيمها على الناس الأحرار، مما يؤدي إلى نشوب النزاعات والفرقة وتفشي الفتن، وبالتالي التشرذم والضياع والتفكك[26]، إنّ الدين المستبد يعامل الإنسان كالطفل الصغير، يهدده، ويزرع الكراهية بين القرناء تحت طائلة القوة “اتبع ولا تبتدع”، ويعتبر كانط أنّ الكنيسة النموذجية التي حققت الإيمان العقلي الحر، هي الكنيسة الكونية لأنّ عقيدة الكنيسة الاستبدادية هي ألدّ أعداء الدين، والأوفى لها أن تجعل الدين مقاماً على نمط خلقي خالص، لكن هذا لا يعني أنّ كانط يدعو إلى مقاطعة الكتاب المقدس، ولا أن نعبث به بهجمات متزلفة هرطقية، بل الأقدر ألا نفرض على أي كائن حر عاقل، الإيمان بما ورد فيه ليحصل له الخلاص والتكفير عن الخطيئة[27]، وحمّل كانط الدولة المسؤولية كاملة في حماية الدين، فعليها أن تحمي الكتاب المقدس من أن يحول إلى جهاز استبدادي، يفرض إملاءاته الإلزامية القسرية على العقول الحرة، وتعمد كذلك إلى حماية عقول الناس حتى تقتدر على الإيمان بالكتاب المقدس بطريقة حرة، وعلى الدولة كذلك ألا تفرض قراراتها الزاجرة على الضمير الخلقي البشري.27*

والأخطر في سياسة الدولة هو كونها تمنع الفرد وتفرض عليه قيوداً ردعية، حتى لا يقول قولته في السؤال الديني على المستوى العمومي، وتمنع التفكير في الدين أو أن يخالف الديانة المعتمدة من لدن الدولة التي قامت بضبطها وتقنينها[28]، ولكن مع ذلك يبقى الأفراد يفكرون بطريقة سرّية فردية، لأنّ الحريّة متجذرة في عقولهم، والعقائد المستبدة لا تنتج إلا متعصبين أو كفاراً.

وكان مسعى كانط الكوسمولوجي هو تحقيق فكرة شعب الله، وذلك عن طريق جماعة أخلاقية يعتمد فيها على قوانين وقواعد أخلاقية موحدة، ولتحقيق فكرة شعب الله وملكوته في الأرض، لا بد من أن تجتمع هذه الجماعة الأخلاقية على فكرة موحدة عن القوانين الأخلاقية يشتركون بها جميعاً، وأن تصفو هذه القوانين من كوادر التعصب الديني والخرافة، إذ لا يفرض أيّ مذهب ديني أو عقدي على الناس، وبالتالي يسهل انتقال البشرية من إيمان مستبد إلى الدين المحض والاقتراب من ملكوت الرب، ويقترح علينا كانط طريقة صاعدة في قراءة الكتاب المقدس، وذلك بنمطية السرد؛ أي أن نسرد عظات الكتاب، لا لنفرضها على الناس، بل لتهذيب وإيقاظ الضمير الخلقي الحر فينا، دين نحكيه للناس بغية مساعدتهم على التحرر من الخرافة، وجعلهم يحذقون ما يخبو في ضمائرهم الخيرة والوصول إلى الإيمان الحر، وتتحول الصلوات والابتهالات، ونطهر بها ضمائرنا الخلقية من الطابع الوعظي الطقوسي إلى منحى صلوات عمومية تكتسي صبغة عمومية، إنّ الدين الحقاني ليس سراً يصل إليه البعض من الناس فقط، بحكم صوفيتهم أو رهبانيتهم، بل بممارسة حرّة كونية موصلة إلى المقدس الإلهي فينا، ونقيم ملكوت الرب في قلوبنا الطاهرة النقية.[29]

إنّ الايمان العميق هو ألا تمارس معتقداتك الدينية بتطرف ومغالاة وتنطع، بل أن تعمد للتفكير في الدين على نحو كوني نتقاسم فيه نحن البشر نقاوة ضمائرنا، دين يستوعب الكل الحر المالك للعقل بدون أن نستثني أحداً من العالمين.[30]

ما الفرق بين العبادة الصحيحة والعبادة الباطلة عند كانط؟

يستهلّ كانط هذه القطعة بالجملة التالية (إنها لبداية لسيادة مبدإ الخير، وإمارة على أنّ ملكوت الرب قد أتى إلينا)[31]، لوّح كانط إلى حقيقة العبادة الصحيحة التي تخدم الله بشكل حقيقي، وليس عبادة تخدم الله بشكل باطل، تتشكل على ضوء ديانة قائمة على أحكام شرعة ما، ولا تنحصر في نطاق شعب واحد، بل تتضمّن خدمة الله وعباده بصورة عامة مخالفة تماماً لأيّ وهم في الدين يكون اتباعه ضرباً من عبادة زائفة تزعم التقديس. ويضرب لنا كانط أمثلة عن هذه الديانة الزائفة التي يجبلها الوهم الديني كأن يحج إلى مقدسات لوريتو، وهو هيكل مقدّس في وسط إيطاليا يخلد مريم العذراء، أو يجاهر بصلاته، أو يظهر تديناً بواسطة ألاعيب تقوية كسولة، أو أن يتحمّس دينياً عن طريق شطحات صوفية. إنّ المبدأ الأساسي للعبادة الصحيحة هو أن تتضمن في ذاتها نشر دين السيرة الحسنة، لا أن يعمد لتقديس كائنات خرافية غيبية، وهذا ما نتجلاه في حضرة البابوية التي هي هيئة مبجّلة في الكنيسة تقوم بعبادة طلسمية و صناعة الشعوذة وتنتهي قريبة إلى الوثنية.[32]

إنّ العبادة الخلقية الحقيقية لله التي ينبغي على المؤمنين أن يؤدوها من حيث هم رعايا ينتمون إلى ملكوته، إنها عبادة القلوب والنوايا النقيّة التي تصدر عن قوانين الحريّة، نوايا نذرت نفسها إلى ملكوت الله في أنفسنا الراسخة في صلبه، إنها عبادة حقيقية صادقة تنبجس عن النية الباعثة على الخير الموقظة لوجداننا، إنها صلاة خاصّة، فمثلاً الصلاة من حيث هي عبادة باطنية شكلية لله ومفكر فيها على أنها نعماء علينا، هي في الحقيقة وهم ناجم عن الإيمان بالخرافة والطلاسم، بخلاف الصلاة الحقانية التي نتحلى فيها بالنيّة التي تصاحب كلّ أفعالنا، إنها روح الصلاة التي توجد فينا بدون انقطاع، وليست مجرّد ألفاظ وكلمات، إنها إخلاص ونيّة حقانية. “إنّ الضمير الخلقي وحده كفيل بهداية البشريّة إلى مسائل الإيمان”.[33]


[1]– إيمانويل كانط، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، جداول للنشر والتوزيع، بيروت (لبنان)، الطبعة الأولى، فبراير 2012

* إيمانويل كانت Immanuel Kant 1724 – 1804(وقد يكتب «عمانوئل كانط») فيلسوف من القرن الثامن عشر ألماني من مدينة كونغسبرغ. كان آخر فيلسوف مؤثر في أوروبا الحديثة في التسلسل الكلاسيكي لنظرية المعرفة خلال عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين جون لوك وجورج بركلي وديفيد هيوم. من أهم مؤلفاته: نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم، الدين في حدود مجرد العقل.

** فتحي المسكيني: من موالد 1961، في تونس، أستاذ التعليم العالي للفلسفة المعاصرة بجامعة تونس، بدأ التدريس بالجامعة علم 1990، تحصل على دكتواره دولة في الفلسفة عام 2003، من أهم مؤلفاته: هيجل ونهاية الميتافيزيقا، فلسفة النوابت، الهوية والزمان، نقد العقل التأويلي، له ترجمات عديدة منها “الكينونة والزمان”، “الدين في حدود مجرد العقل”، “جينيولوجيا الأخلاق”.

[2]– فريال حسن خليفة، الدين والسلام عند كانط، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2001

[3]– إيمانويل كانط، نقد العقل العملي، ترجمة أحمد الشيباني، دار اليقظة العربية، بيروت، دط، 1966

[4]– إيمانويل كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الإنماء القومي، د ت، بيروت، لبنان

[5]-إيمانويل كانط، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، سبتمبر 2005

[6]– مجموعة من المؤلفين، إشراف علي عبود المحمداوي، فلسفة الدين، منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف، دار أمان بالرباط، ط 1، 2012، ص 71

[7]– المرجع نفسه، ص 70

[8]– زكريا إبراهيم، كانت أو الفلسفة النقدية، مكتبة مصر (القاهرة)، ط، 1972، ص 206

[9]– إمانويل كانط، الدين في حدود مجرد العقل، ص 3

[10]– إيمانويل كانط، الدين في حدود مجرد العقل

[11]– المصدر نفسه، ص 3

[12]– المصدر نفسه، ص 65

[13]– المصدر نفسه

[14]– مجموعة مؤلفين، فلسفة الدين، ص 83

[15]– المصدر نفسه، ص 113

[16]– المصدر نفسه

[17]– نفسه، ص 37

[18]– المصدر نفسه، ص 155

[19]– المصدر نفسه.

[20]– المصدر نفسه، ص 163

[21]– المصدر نفسه، ص 168

[22]– المصدر نفسه، ص170

[23]– المصدر نفسه، ص 175

[24]– المصدر نفسه، ص 180

[25]– المصدر نفسه، ص 201

[26]– المصدر نفسه، ص 210

[27]– المصدر نفسه، ص233

27*– المصدر نفسه، ص233

[28]– المصدر نفسه، ص238

[29]– المصدر نفسه، ص 240

[30]– المصدر نفسه، ص 291

[31]– المصدر نفسه، ص 239

[32]-المصدر نفسه، ص265

[33]– المصدر نفسه، ص 312