5 يوليو، 2025، والساعة الآن 7:32 صباحًا بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 5

السياسة الخارجية الأمريكية – America’s Foreign Policy

المصدر : الموسوعة السياسية

تقوم السياسة الخارجيّة على مبدأ تحقيق المصالح عبر إدارك مصادر القوّة، وتبيان الأهداف التّي تسعى النخب الحاكمة إلى تحقيقها من خلال سلوكها السياسي في البيئة الدولية، وعليه ترتبط السياسة الخارجيّة بحجم الإمكانيات الذاتيّة وحجم الطموح السياسي، إلى جانب تأثر عوامل البيئة الخارجيّة من قوى ومواقف ومتغيرات ومصالح. وتُعبّر السياسة الخارجيّة عن مجمل توجهات الدولة تجاه الدول والفواعل الأخرى، إذ يمكن أن نلمس أدوار أي دولة في السياسة الخارجية من خلال مواقفها وآرائها في السياسة العالميّة، وما يجري من أحداث وتطورات في العالم ، وكيف تنظر إلى حاضرها ومستقبلها وسط كم من الأحداث المتضاربة في خضم التفاعلات الإقليمية والدولية، التي من الصعب على أي دولة النأي بنفسها أمامها في الكثير من القضايات والمواقف.

ولعلّ تحديد مفهوم السياسة الخارجيّة لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أمرٌ في غاية الصعوبة، وذلك لما تتميز به من ناحية المساحة الجغرافية الكبيرة نسبياً وكذلك من حيث المتغيرات السياسية والاجتماعية التي رافقت نشوء الولايات المتحدة منذ استقلالها عن المملكة المتحدة في 1783 حتى يومنا هذا، وما يزيد في صعوبة تحديد الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية؛ هو حجم تأثيرها وفاعليتها على الساحة الدولية وكذلك مكانتها في سلم القوى الدولية.

على هذا وللوصول إلى تصور شامل بخصوص السياسة الخارجية الأمريكية، لابدّ لنا من التطرق للمسار التاريخيّ والعوامل المتعددة التي رافقت نشوء الولايات المتحدة قبل أن نبدأ برصد أهم السلوكيّات التي نستطيع من خلالها رسم نقاط أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية.

لمحة تاريخية 

في عام 1775 كانت الولايات المتحدة راضخةً تحت الاستعمار البريطاني ذو الطابع الاستبدادي الملكيّ المتركز في السواحل الجنوبية لأمريكا الشمالية، وهو ما دفع تلك الولايات للانتفاض والثورة ضد هذا الاستعمار، حتى أعلنت استقللها في الرابع  من تموز 1776 بقيادة جورج واشنطن.

بعد ثمان سنوات، وبمساعدة فرنسا وإسبانيا وهولندا ،هُزمت القوات البريطانية وتم إبرام معاهدة اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات الشمالية عام 1783, وتم وضع أول دستور أمريكي في عام 1787، الذي أصبح نافذاً عام 1789 وعُينَ جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة.

بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية واعتراف القوى الكبرى بها, كان لابدّ لهذه الدولة أن تتبنى سياسات خارجية محددة وخصوصاً تجاه القضايا والملفات المثارة في بيئتها المحيطة، فتبنت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين مجموعة من التوجهات العامة عبر عدّة مراحل واكبت تطورها، و كانت لكل مرحلة من هذه المراحل ميزتها وأثرها في بناء السياسة الخارجيّة الأمريكية. وللتبسيط والإيجاز سنقسم المراحل إلى أربع مراحل وهي:

.1 مرحلة العزلة  :

اتسمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالانعزالية في الفترة الممتدة من الإستقلال حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

فقد خَلُصَ القادة الأمريكيون بعد الاستقلال إلى ضرورة مفادها وجوب بناء دولة قوية قادرة على حماية استقلالها ودرء الأخطار الخارجية عنها، واعتقد الساسة الأمريكيون أنّ هذا لا يتمّ إلا عبر البناء الاجتماعي، والثقافي، والإقتصادي الموجّه نحو الداخل، والنأي بالنفس عن كل الملفات والمشاكل الخارجية.

وهذا ما يفسر عزوف الولايات المتحدة عن الارتباط السياسي بالدول الأوربية، التي تشهد نزاعات ومشكلات فيما بينها في تلك الحقبة خوفاً من انتقال آثارها إلى الداخل الأمريكي.

لقد ظهر الاتجاه الانعزالي للولايات المتحدة مع وصول الرئيس جورج واشنطن إلى الحكم  لبناء القوة الداخلية والحفاظ على الاستقلال، وتكرّس هذا بشكلٍ أكبر مع وصول الرئيس الثاني للولايات المتحدة جيمس مونرو صاحب شعار “أمريكا للأمريكيين”.

تمكنت الولايات المتحدة في هذه الفترة بناء استقرار داخلي وقاعدة إقتصادية لا بأس بها،والتي ستشكل أحد المرتكزات  الأساسية للتوجّه نحو الانفتاح على العالم الخارجي.

.2 مرحلة الخروج من العزلة :

نظرت الولايات المتحدة في بادئ الأمر إلى الحرب العالمية الأولى على أنها حرباً أوربية لا شأن ولا مصلحةً لها فيها، وهذا ما كفل لها ميزة التعامل مع كل الأطراف وخصوصاً من الناحية الاقتصادية التي كونت قاعدة أمريكية ثابتة إلى جانب الاستقرار الداخلي مقابل هشاشة القاعدة الاقتصادية الأوربية، وهذا بالضبط ما كون حافزاً عند الساسة الأمريكيين للتوجه نحو الانفتاح للخارج مابين الحربين .

وفي عام 1916 اقترح الرئيس ويلسون آنذاك وساطة أمريكية لحل الخلافات الأوربية تحت شعار سلام بدون نصر،وإعتُبِر هذا أول مؤشر على نية الولايات المتحدة بالانفتاح على الخارج، وفعلاً دخلت الولايات المتحدة الحرب في 1917 إلى جانب دول الوفاق، حيث شكل هذا التغير في السياسة الأمريكية سبباً رئيسياً لهزيمة دول المحور وبروز الدور الأمريكي على الساحة الخارجية.

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبروز نجم الولايات المتحدة، أعلن الرئيس ويلسن المبادئ الأربعة عشر الشهيرة، التي تناولت مواضيع حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحرية التجارة وفكرة إنشاء تنظيم دوليّ. وعلى هذا النحو خرجت الولايات المتحدة الأمريكية بذكاءٍ من عزلتها التي استمرت منذ استقلالها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، محققةً حجم سياسي من خلال دورها في إنهاء الحرب وحجم إقتصادي من خلال التقليل من الآثار السلبية للأزمة الإقتصادية التي عصفت بالعالم بعد الحرب.

.3 مرحلة السعي نحو الهيمنة العالمية :

على غرار السلوك الذي اتبعته الولايات المتحدة فترة الحرب العالمية الأولى، فإنها نأت بنفسها إلى حدٍ كبير في خضم الحرب العالمية الثانية، حيث لم تتـدخّل في الحـرب بشـكل مباشـر و لم تبـادر بـأيّ سـلوكٍ عسكريٍّ تجاه أي طرف رغم استعدادها للحـرب، إلى أن جـاءت حادثـة “بـيرل هـاربر” التي ضمنت للولايات المتحدة تأييد الرأي العام الأمريكـي للـدخول في الحـرب، ليتوسـع الرد على اليابان بعد ذلك إلى مستوى تحويـل دفـة الحـرب لصـالح بريطانيـا و الـدول المتحالفة.

وكما هو الحال في المرة الأولى ،فإنّ الولايات المتحدة خرجت بوزن دولي وإقتصادي هام جعل منها دولة متأهلة لتوسيع سياستها الخارجية والانتقال من العزلة إلى الانفتاح، لكن وبذات الوقت برز نجم الاتحاد السوفيتي كقاعدة للإشتراكية العالمية مقابل القاعدة الرأسمالية الأمريكية، ما شكل بنية جديدة للنظام الدولي الذي انتقل من التعددية القطبية إلى القطبية الثنائية.

تسببت المصالح المتضاربة وبروز الدولتين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) كقوى عظمى وحيدة ومتنافسة على قيادة العالم، بنشوء ما اصطلح عليه بمرحلة الحرب الباردة التي استمرت حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، في تلك الفترة انفتحت الولايات المتحدة على العالم بشكل كبيير، حيث رافق هذا الانفتاح وجود مجموعة من المصالح المتشعبة للسياسة الخارجية الأمريكية على رأسها إحتواء المدّ الشيوعيّ والسعيّ للهيمنة العالمية.

لقد تجلّت سياسات الولايات المتحدة الرامية إلى الهيمنة العالمية بشكلٍ واضح مع وصول الرئيس هاري ترومان إلى السلطة من خلال التغييرات التي اتخذها في السياسة الخارجية الأمريكية التي تناولت فكرة الحاجة إلى حماية جميع الأحرار في العالم، وهو التفسير الأيديولوجي للمساعدات الأمريكية التي عُرفت بمبدأ ترومان والتي بدأت بتقديم المساعدات لتركيا واليونان عام 1947.

فيما بعد وإضافة إلى مبادئ ترومان فقد نتج ما اصطلح عليه بسياسة الاحتواء التي سعت للوقوف في وجه المد الشيوعي، وقد تجلت بشكلٍ واضح  من خلال خطة مارشال لإعادة بناء القارة الأوربية والمساعدة في إعمار ما دمرته الحرب والتي توجهت بحقيقتها إلى فرض النفوذ الأمريكي على أوربا الغربية وجعلها مناطق نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الفترة الممتدة بين  1963- 1969 انقسمت السياسة الأمريكية نتيجة حرب فيتنام إلى تيارين أُطلِق عليهم؛ الصقور والحمائم، حيث يدعو تيار الصقور إلى مواصلة التدخّل الأمريكي في الشأن الدولي واحتواء المد الشيوعيّ، في حين يدعوا تيار الحمائم إلى السلام وإيجاد صيغ من التوافق بين العملاقين.

مع وصول ريتشارد نيكسون من الحزب الجمهوري إلى سدة الرئاسة تم إتباع سياسة الوفاق بين القطبين والوصول فيما بعد إلى فكرةٍ مفادها؛ أنّه يمكننا العيش بسلام، وعلى هذا بدأت سياسة تخفيض التسليح من قبل الطرفين لإظهار حسن النيّة التي ما لبثت أن انهارت مع التدخّل السوفيتي في أفغانستان.

ومع وصول الديمقراطيّ جيمي كارتر إلى السلطة انتهجت السياسة الأمريكية فكرة الترغيب والترهيب من خلال الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان من ناحية ، والتهديد بعدم قبول المساس بأيّ من المصالح الأمريكية في العالم من ناحية أخرى ،وهنا ظهر ما عُرِف بمبدأ كارتر الذي جاء فيه: “تَعْتَبر الولايات المتحدة الأمريكية أية محاولة سوفييتية تستهدف السيطرة على منطقة الخليج اعتداء على مصالحها الحيوية …، و ستقوم برد هذا العدوان بشتى الوسائل لديها بما في ذلك القوة المسلحة”.

في آخر مراحل الحرب الباردة ومع عودة الجمهوريين إلى الرئاسة مع رونالد ريغـان، بدأت السياسة الخارجيّة تؤسـس لرؤية عالمية أحاديّة قائمة على فكرة نشر النموذج الأمريكي بالجمع بين القوة العسكرية و نشر مبادئ السلام و الديمقراطية الرأسمالية، وهذا مع وضع المصالح القومية الأمريكية فـوق كـل اعتبار، يقول ريغان : “أريد إعادة الاعتبار لأمريكا بعدما أنتقص منها جيمي كارتر”.

 .4 مرحلة الهيمنة على العالم وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 

مع انهيار المعسكر الشرقي بدأت معالم الإنفراد في السيطرة على العالم وفرض النموذج الأمريكي ، فكان لابدّ لأمريكا أن تؤكد للعالم أنها الدولة الأعظم المهيمنة على الشؤون الدوليّة ، وبالتالي تم فتح مرحلة جديدة من الإستراتيجية الأمريكية بإعلان الرئيس جورج بوش الأب عن قيام النظام العالمي الجديد الذي يخلو من الإرهاب ويسعى للعدالة والمزيد من الأمن، ويتيح لأمم العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه أن تزدهر وتعيش معاً بانسجام، وتكرس هذا أكثر مع قدوم كلينتون ،الذي بنا سياسته فيما يُعرف بإستراتيجية “الالتزام والتوسع” على أعمدة ثلاث هي الحفاظ على الهيمنة الحربية الأمريكية في العالم ،وتحقيق الرخاء الإقتصادي وتعزيز وترويج ديمقراطيات السوق الحرّة في العالم.

وفي عام 2001  شَّكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بداية مرحلةٍ جديدةٍ في تاريخ العلاقات الدوليّة، إذ أنها حملت إلى الولايات المتحدة واحدة من أسوأ الأحداث في تاريخها منذ حادثة  بيرل هاربر،  فقد تلقَّت الولايات المتحدة ضربة استهدفت أبرز رموزها الإقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وبالتالي وضعتها أمام مرحلة صعبة كدولة عظمى ومُهيْمنة على النظام العالمي ،ونتيجةً لذلك أعلنت الولايات المتحدة الحرب بكل الوسائل المتاحة على ما وصفته بالإرهاب العالمي وعلى كل من له صله أو علاقة به أو بأفكاره.

وعلى هذا قامت السياسة الخارجيّة الأمريكية زمن بوش الابن على أربعة مبادئ رئيسية هي :

١- استثنائية القوة العسكرية الأمريكية

٢- الحرب الإستباقية

٣- نشر الأفكار الديمقراطية

 ٤- استخدام القوة، وذلك لمجابهة أربعة أخطار تمثّلت؛ بالإرهاب العالمي والدول المارقة والدول الفاشلة وأسلحة الدمار الشامل  .

عند دراسة السياسة الخارجيّة الأمريكية نرى مجموعة من المبادئ الأساسية التي لازمتها منذ الاستقلال ووجهت سلوكها الخارجي إلى يومنا هذا. إلا أنّ دراسة تطور السياسة الخارجية الأمريكية مابين الفترات السابقة تكشف بوجود فترات متقطعة يمكن وصفها بالبراجماتية ،أو بمرحلة استعادة القوة يكون فيها لشخصية الرئيس والجوانب النفسية عموماً لمستها الخاصة في هذا المجال، فنراهم في هذه الفترة يكرّسون معظم اهتماماتهم حول قضايا الإقتصاد والأمن الداخلييَن أكبر مما يكرسونه لقضايا الأمن الدوليّة، فيرون أنّ الإهتمام بالسياسة الخارجية يكون في إطار خدمة المصالح والمتطلّبات الداخلية، و يتجلى هذا بشكلٍ أكبر عند الساسة الديمقراطيين .

ولعل أبرز مثال على ذلك ،هي سياسة كلاً من الرئيسيَن ؛بيل كلينتون و باراك أوباما حينما وجه كلاً منهما من خلال أسلوبه الميّال للحلول الوسط التي تنال رضا معظم الأطراف، معتمدين على المفاوضات، والاتفاقيات الدولية وميلهم نحو العمل المشترك تحت المظلة الدولية ورعاية المؤسسات الدولية المشتركة كالأمم المتحدة وحلف الناتو.

فعامل شخصية الرئيس ذو دور هام في التأثير على السياسة الخارجية خصوصاً إذا ما اقترن ذلك مع سلطات واسعة يخوّل بها الرئيس في ميدان السياسة الخارجية، فيلعب نمط شخصيته المركّبة من مجموعة من الحاجات المميّزة  كالحاجة إلى الإنجاز، الحاجة إلى القوة والسيطرة…. دوراً هاماً في تحديد سلوك الأفراد وبالتالي سلوك صنّاع القرار الخارجي للدول. 

المصادر والمراجع:

محمد السید سلیم، تطور السیاسة الدولیة في القرنین التاسع عشر و العشرين، الطبعة الأولى. دار الأمین
للطباعة و النشر والتوزيع، مصر، 2002.جوزيف ناي، المنازعات الدولیةمقدمة للنظرية و التاريخ، ترجمة: أحمـد أمـین الجمـل و مجـدي كامـل، الطبعـة الأولى. الجمعیة المصرية لنشر المعرفة و الثقافة العالمیة، القاھرة ، 1997.د. خالد المصري , محاضرات في السياسة الخارجية , الأكاديمية السورية الدولية.مصطفى صايج، السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية: التركيز على إدارة جورج ولكر بوش 2000 – 2008، أطروحة دكتوراه في العلاقات الدولية. جامعة الجزائر 2006،2007 .

الوجهاء الجدد.. المفهوم الوليد

الحسن الحسين : باحث في المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية- مبدأ

استهلال:

“أهم شيء في التواصل مع الناس هو القدرة على سماع كل ما لا يقولونه.” بيتر دراكر

إن ممارسة الوجاهة أمر تفرضه الحاجة الاجتماعية بالنسبة للأفراد والجماعات ولكن باختلاف الوسائل تختلف البنى وتأسس وفق مساق وأنساق تطوريين مما يجعل الحاجة الماسة لتجميع أنساق ومسارات هذه الممارسة القديمة في معناها والجديدة في حلتها المعاصرة “الوجهاء الجدد”.

وهم الفاعلون في الاجتماع والسياسة بحكم امتلاكهم لأساليب غير تقليدية في الوصول، والتغيير، يستخدمون رأس المال الرمزي المستمد من الواقع الذي يعيشون فيه، والذي يمكّنهم من تحقيق مكاسب وإنجازات لصالح البيئات التي ينشطون فيها، لديهم مكانة سياسية في الوسط المحلي، ويتميزون بإمكانية التأقلم في البيئات المضطربة ويعتمدون على الوسائط الاجتماعية كأداة للمناصرة والتغيير .

هذا التعريف يعطي صفة “الوجيه” لمن يمتلك حسابا على إحدى المنصات الاجتماعية – على الأقل – ويستخدمه لعرض أفكاره وتنزيلها على الواقع محاولا التغيير في الميادين المختلفة في الوقت الذي ما زالت فيه المخيلة السياسية تحتفظ بصورة “الفواعل” من “الوجهاء التقليديين” المحملين بكل الماضي الجمعي الذي تحتفظ به الذاكرة الحية للمجتمع وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا بات “الوجهاء الجدد” مصدر آلام وآمال الناس؟

من الواضح أن ثقة الناس فيما ينشر وما يتفاعل معه الشارع الفيسبوكي – مثلا – باتت أكثر من أي وقت مضى، وسرعة استجابة السلطات المحلية للقضايا التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي باتت كبيرة حتى يخيّل للمتابع بأن السلطات نفسها أصبحت تقوم بدور ردة الفعل .

وهذا يؤكد أن لهذا العالم الافتراضي قوة تضاهي قوة الواقع الذي نعيش فيه فبات هو الموجه والمسيطر في مختلف مفاصل حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

إذا ما قمنا بمقارنة بسيطة بين الوجيه التقليدي والوجيه الجديد سنجد أنه لكل واحد منهما رأس مال رمزي يتحرك به الأول استمده من مكانته في القبيلة وسلطته الموروثة، والثاني استمده من التفاعل مع القضايا التي تؤرق الوطن والمواطن، وإشكالات الواقع ومشاكل الحياة اليومية والأشخاص الذين يتصلون به من أجل توفير وصفة دواء لمريض، أو توفير خدمة علاجية، أو دفع الظلم في نزاع عقاري أو مناصرة في قضية رأي عام.. إلخ، ومن نشاطه الجمعوي الذي يمثل حاضنة الفعل المدني في أيامنا، إذ – غالبا – ما يستخدم منظمات المجتمع المدني ككيانات للوصول إلى أهداف اجتماعية ولإسماع صوته لجمهور واسع من الناس.. نعود إلى المقارنة بين نمطي الوجاهة الاجتماعية “التقليدي / الجديد” لكل منهم دور ووجاهة في الحياة العامة والاختلاف بينهما فقط في طريقة استخدام تلك المكانة عند السلطات المحلية، إلا أن الوجيه التقليدي متفوق دائما للامركزيته وتعدد الممارسة السلطوية لديه .

ولكن لم يعد بإمكانه زيادة رصيده من الرمزية فلم تعد القبيلة والفضاء العام كما كانا، بينما يواكب “الوجيه الجديد” التحولات المعاصرة بحكم ما توفره له التقانة من تطور مستمر.

إن المنتج الجديد الذي يشكل هوية الأجيال المعاصرة يعطي الأسبقية لخصائص مثل تجاوز الماضي وعدم العيش عليه، وتجاوز القوقعة القبلية، والسعي لدمقرطة الواقع، وعدم الرضى عن الأنظمة السياسية السائدة… إلخ ويفرض نمطا متسارعا من التغيير وهذا ما يجب أن ننتبه له لكي نستطيع فهم الخلفيات الماورائية من أجل استفادة الوطن من هذه الطاقات الكبيرة فهي رهان التغيير.

العنـــف الرمـــزي عند بيير بورديو

أغنى الباحث الفرنسي بيير بورديو (Pierre Bourdieu) (1903-2002) السوسيولوجيا المعاصرة بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية التي لايمكن تجاوزها أثناء ممارسة البحث السوسيولوجي، أو مقاربة الظواهر المجتمعية والثقافية والتربوية نظرية وتطبيقا ورؤية، مثل: العنف الرمزي، وإعادة الإنتاج، والحقل الاجتماعي، والهابيتوس، والرأسمال  الثقافي، والبنيوية التكوينية، والمدى الحيوي، والتمايز، وسوق الخيرات الاجتماعية.

العنف الرمزي:

من المعلوم أن العنف نوعان : عنف فيزيائي يكون بإلحاق الضرر بالآخرين جسديا وماديا وعضويا، وعنف رمزي مهذب يكون بواسطة اللغة، والهيمنة، والإيديولوجيات السائدة، والأفكار المتداولة. ويكون أيضا عن طريق السب، والقذف، والشتم، والدين، والإعلام، والعنف الذهني. لذا، يعرفه بيير بورديو بقوله:” العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرائق والوسائل الرمزية الخالصة .أي: عبر التواصل، وتلقين المعرفة ، وعلى وجه الخصوص عبر عملية التعرف والاعتراف، أو على الحدود القصوى للمشاعر والحميميات.” [1]

وعليه، يرتبط العنف الرمزي بالسلطة والهيمنة والحقل المجتمعي. بمعنى أن الدولة تمارس، عبر مجموعة من المؤسسات الرسمية والشرعية ( الإعلام، والدين، والتربية، والفن، والصحافة… )، عنفا رمزيا ضد الأفراد والجماعات. ويعني هذا أن المجتمع الحاكم والمسيطر يمارس عنفا رمزيا (violence symbolique) ضد الأفراد. وهذا العنف أكثر خطورة من العنف المادي الجسدي. وفي هذا، يقول بيير بورديو:” يمكن أن يحقق العنف الرمزي نتائج أحسن قياسا إلى ما يحققه العنف السياسي والبوليسي،…إن أحد أكبر مظاهر النقص في الماركسية هو أنها لم تفرد مكانا لمثل هذه الأشكال اللطيفة من العنف التي هي فاعلة ومؤثرة حتى في المجال الاقتصادي…والعنف الرمزي هو ذلك الشكل من العنف الذي يمارس على فاعل اجتماعي ما بموافقته وتواطئه.ولهذه المسألة نتائج كبيرة على النقاش الفكري الدائر حول ما إذا كانت السلطة تنبثق من تحت، وحول ما إذا كان الشخص الخاضع للسيطرة يرغب في هذه الوضعية المفروضة عليه.وبصيغة أخرى، فإن الفاعلين الاجتماعيين يعرفون الإكراهات المسلطة عليهم، وهم- حتى في الحالات التي يكونون فيها خاضعين لحتميات- يساهمون في إنتاج المفعول الذي يمارس عليهم نوعا من التحديد والإكراه. ولعل مفعول الهيمنة إنما ينبثق من هذه التفاعلات والتوازنات بين المحددات الحتمية وكيفيات إدراكها.

هناك قدر من الإنكار في التعرف على العنف الذي يمارس على المرء مع عدم الاعتراف به كعنف…فانطلاقا من كوننا نولد في عالم اجتماعي، فإننا نتقبل عددا من البديهيات والمسلمات التي تفرض نفسها علينا بتلقائية وسهولة، ولا تكاد تتطلب تلقينا.ولذلك، فإن تحليل كيفيات تقبلنا التلقائي للآراء والمعتقدات المتداولة في عالمنا الاجتماعي، هو الأساس الحقيقي لنظرية واقعية حول السيطرة وحول السياسة.وذلك بسبب التوافق المباشر بين البنيات الموضوعية والبنيات الذهنية.إن من بين كل أشكال الإقناع الصامت والسري هي تلك التي تتم بكل بساطة بفعل النظام العادي للأشياء.” [2]

ويلاحظ أن العنف الرمزي أكثر خطورة من باقي أنواع العنف المادي والسلطوي؛ لأنه عنف عاد وبسيط ولاشعوري، ولايعترف به – مجتمعيا- على أنه عنف، بل تعود عليه الناس، وقبلوا به ماداموا خاضعين لمجموعة من الحتميات والجبريات المجتمعية التي تتحكم فيهم، ويعملون على تكريسها في واقع حياتهم. ومن ثم، لانرى لدى الناس أي رفض أو مقاومة لهذا العنف المعنوي والرمزي، بل يعتبرونه فعلا عاديا، على الرغم من خطورته وآثاره الخطيرة نفسيا ومجتمعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا. وأكثر من هذا لم يشر كارل ماركس إلى هذا النوع من العنف، بل اكتفى بالعنف الطبقي ، على الرغم من وجود هذا العنف على الصعيد الاقتصادي.

أضف إلى ذلك، فقد ركز بيير بورديو على التلفزيون باعتباره أداة إعلامية خطيرة تمارس العنف ضد المواطنين، إذ تقدم لهم ما تشتهيه السلطة المهيمنة التي تستغل وسائل الإعلام لتحقيق مصالحها وأهدافها وأرباحها. ومن ثم، يتلاعب التلفزيون بعقول الناس، وينشر بينهم إيديولوجية الدولة المهيمنة، وأفكار الطبقة الحاكمة. وهذا يهدد – فعلا- الثقافة والفن والديمقراطية الحقيقية [3]. وينطبق هذا الحكم نفسه على الصحافة التي صارت من الوسائل الخطيرة التي تشارك الفئات الحاكمة في ممارسة العنف الرمزي ضد الآخرين.

وفي الأخير، ينتج العنف الرمزي عن اختلاف أنماط الرأسمال لدى الفاعلين المجتمعيين باختلاف مواقعهم الاجتماعية ، ووجود طبقات اجتماعية مسيطرة ومسيطرة عليها، واختلاف مصالح الأفراد والجماعات من حقل إلى آخر، ووجود تفاوت اجتماعي وطبقي بين الجماعات.

[1] -Pierre Bourdieu, La domination masculine, p:88.

[2] -Pierre Bourdieu et Loïc Wacquant, Réponses : pour une anthropologie réflexive, Paris, Seuil,‎ 1992,pp:141-143.

[3]– Pierre Bourdieu, Sur la télévision suivi de L’emprise du journalisme, Paris, Liber, coll. « Raisons d’agir »,‎ 1996, 95 p

بتصرف عن أدب وفن – د. جميل حمداو

النسوية المحلية بعيون لا شرقية ولا غربية / الشيخ ولد المامي

القصة : لم يكن جمال كازوكو  أوذكائها هم السبب في حصولها على لقب ملكة نحل أناتهان ، ولكن القهر وحده هو من جعلها سبب وفاة عدد كبير من الرجال ، كانوا في الواقع أزواجها.

وأناتهان هي جزيرة يابانية انفردت بها  كازوكو خلال الحرب العالمية الثانية مع 38 رجلا ، وقد استطاعوا تحويل عصير جوز الهند إلى نبيذ مسكر ، ولك أن تتخيل وجود مجموعة رجال مخمورين مع سيدة وحيدة في جزيرة معزولة .

فلم تجد كازوكو أمامها سوى المناورة والتكتيك مما سبب حربا على الجزيرة ، وانتهى بقتل 12 رجل ممن تزوجتهم كازوكو ، وبذلك نالت هيبتها. 

******

المقال: هناك فعلا شيء يسمى فطرة ، لا تقل لي سأضرب به عرض الحائط لأنني متمرد ثوري ، وغير مبالي بالمنظومة التراكمية التي أناضل يوميا من أجل تغييرها ، حتى لا أضحك علي ضحالة فكرك وسطحيته، وهناك فعلا شيء يسمى سلاحاً لا تقل لي سأقاتل بدونه فأنا شجاع ، حتى لا أضحك على  تهورك وخفة عقلك وطيشك ، وهناك قانون مطلق يحكم نفسية الأفراد في كل مجتمع ويختلف باختلافه نُحِس بتحكمه بنا في حالة اللاوعي ، وأي نشاز في أوتار قيثارته سيسبب خرقا في نظام النشوة الروحية لنغمة الحياة ، وربما يفضي بنا إلى نوع من الغثيان أو القرف ، وهذا تعبير لا شعوري مطلق عن خروجنا على الفطرة التي تتحكم في لا وعينا، والتي نشأت لدينا نتيجة تراكمات تلقائية ومكتسبة. 

*****

إن الحراك كله خير ، فقد قيل : ناضلوا تصحوا. ولابد أن ندرك أن الحقوق لا تمنح مجانا ، فالإنسان بطبعه قتور، وهو مستثمر كذلك في نفس الوقت ، والمستثمر من الطبيعي أن يبتعد عن قيم الفضيلة بل وينسى المصطلح هذا من الأساس حينما يراه سدا يحول بينه وبين هدف معين ، حتى ولو تعلق ذلك الهدف بحقوق الآخر أوحياته. 

وبالتالي فأي حراك مطلبي يجب على الجميع أن يشجعه ويقف إلى جانبه ، لأن نيل بعضنا لحقوقه يعد لبنة مضافة في جدار التكامل الأعم ، وتقليصا في مساحة النقص العام ، وإتاحة فرصة لطابور آخر في الانتظار ، وتهيئة نفسية للمسؤولين حتى يتعودوا على العطاء الدائم. 

لكن أي حركة مطالبية قبل أن تقرر الظهور للعلن نازعة الحجاب ، يجب أن تتسلح أولا بسلاح المعرفة، أو بشكل أوضح المعرفة التي تمكنها من إيصال رسالتها دون أن تقوي صف خصومها في فترة النشأة بشكل أخص ، كما يجب أن تتخلق بأسلوب وكيل الدعاية المبدع ، والمفاوض الواعي ، والمطالب المرن المتقن لفنيات الكر والفر ، البعيد عن الارتجالية والماسك بالمسطرة والبيكار بشكل سرمدي ، والسريع كا البرق في اقتناص الفرص، هذا بالإضافة ألي دراسة شاملة ودقيقة لملعبه ، ومعرفة كل مطباته وحفره وعوائقه بالمليمتر ، وبالتالي فلا مجال هنا للاسقاطات في غير محلها ، ولا للقياس مع وجود الفارق، حتى ولو قل ذلك الفارق أو تفه في النظر، ولا مجال أيضا للتفكيك الغلط ، ولا للشعاراتية العقيمة، ولا المزايدة على الخصوم ، ولا استعداء الحَكَم. 

وإذ نحن هنا بصدد الحديث عن الحراك النسوي لابد أن نعرف شيئا من تاريخه ولو بشكل سردي بعيدا عن التحليل ، وذلك من باب الوصول بتدرج إلي الإرهاصات الناشئة محليا،  ومن باب تلوين الصورة أيضا لأن معظمنا لم يسمع عن اتجاه كهذا حتى الآن. 

******

لقد ارتبطت الحركات النسوية التحررية بالتغيرات السياسية عالميا، وذلك نتيجة لما قاسته المرأة خلال تلك التغيرات والفترات التي سبقتها، من معاناة كانت مضاعفة. لكونها تساهم في التغيير بدور لا يقل أهمية وصعوبة عن الرجل، ولأن ما يسمى “المجتمع الذكوري” حالما تنتهي فترة التغيير يعيد المرأة قسرا إلى مكانها التقليدي في البيت والمخدع ، الأمر الذي تطلب رفع العقيرة بالمطالب لأن الحقوق دائما تكون بحاجة لمن ينادي بها. 

وقد ظهرت بواكير الحركات النسوية الأولي في الغرب كجزء من منظومة الأيديولوجيات الهادفة للحصول على الحقوق والمساواة.

ورغم أن النسويين يدعمون قضايا وأهداف مختلفة تبعاً للظرف الزمكاني والثقافي ، إلا أن الباحثين يؤكدون على أن أي حركة تسعى للحصول على حقوق المرأة تعتبر نسوية.

وقد مرت الحركة بأجيال ثلاثة كان بكرها مع بداية القرن الماضي ونهاية سابقه ، واستمر حتى العشرينيات من الماضي ، وارتكزت مطالب الجيل أساسا على حق التصويت الانتخابي والتعليم، والعمل وإلغاء التمييز الجنسي.

وقد تمت تهدئته بإصدار وثيقة “سينيغا فيلز” والتي منحت للمراة حقوق التصويت ، والزواج بمن تختار ، إضافة لحق التملك. 

ومع بداية الستينيات ظهر الجيل الثاني من الحركة ، واستمر لفترة ثلاثة عقود ، وقد ربط بين التفرقة الاجتماعية والسياسية. وشخّص معالجة الخلل في التأثير على أفكار المجتمع. 

وهنا اصطدمت الحركة بمماثلات “رجالية”  ووقفت الأخيرة في وجهها مع بداية السيتينيات من القرن الماضي ، وقد اعتبرت الحركة الرجالية بعد ذلك رجعية، وامتدادا لتيار “الباكلاش” الرجعي ، وتبنيا واضحا لرؤيته ومع ذلك فقد نجح المناوئون للحراك النسوي في وأد الجيل الثاني من الحركة.

ومع فشل هذا الجيل ظهر الجيل الثالث وقد أسس استراتيجيته الجديدة مستفيدا من أخطاء الجيل الذي سبقه رغم فشله، ومن تراكماته وتجاربه التي نجح فيها، وقد عمل على إيجاد حلول أكثر تأثيراً في حل مشاكل المرأة ، وذلك من خلال القيام بمغازلة الشارع والمنظومة غير العالمة وتمركزت معظم أيديولوجياته حول تفسير معنى الجندر والجنسانية خارج الإطار المغاير ، وثنائية الذكورة والأنوثة. 

وخلال الأجيال الثلاثة انقسمت الحركة النسوية الى خمس تيارات ذات طابع مختلف تمثلت في تيار “النسوية الإصلاحية الليبرالية” التي تعد امتدادا فكريا لأطروحات الثورة الفرنسية ، وتتلخص مرتكزاتها على مبادئ المساواة والحرية والمطالبة بمساواة حقوق الرجل والمرأة في مختلف مجالات الحياة.  كما ارتكزت “النسوية الماركسية” على اعتبار أن معاناة المرأة جاءت نتيجة للملكية الخاصة، وحث هذا الاتجاه على انخراط المرأة في سوق العمل ومحاربة الطبقية وأنها بذلك ستنال حقوقها بشكل كامل. 

أما “النسوية الراديكالية” فقد عملت على تأكيد طابع التمييز العام ضد النساء بغض النظر عن الزمكان أو الثقافة وشكلت بذلك التيار الثالث. 

ونفس الطرح هذا يشتركه معها التيار الرابع “النسويات السوداوات” الذي نشأ في أوساط السود مضيفاً البعد العنصري للمعادلة التي تشمل البعدين الجنسي والطبقي ووضع كل ذلك في خانة واحدة.

وقد تم اختراق هذه التيارات جميعا من قبل تيار “النسوية المثلية” -التيار الخامس- تحت ذريعة أن التمييز يكمن في علاقة التزاوج بين الجنسين، وتتم محاربته عن طريق الانسحاب من هذه العلاقة “المغايرة” واللجوء إلى علاقة مثلية “سحاق” تكون فيها المرأة مستقلة عن الرجل بشكل تام.

 وقد بدأت النسوية العربية قوية وموحدة منذ أيام هدى الشعراوي ، ومثلت امتدادا وعمقا للحركات التي تتبنى القضايا المصيرية للوطن العربي كالتحرر من قيود الاستعمار والتبعية للأجنبي كما ركزت بشكل أولي على معالجة الآثار الاجتماعية والإنسانية التي تعني منها المرأة.

وحققت الحركة أكبر مكاسبها في مؤتمر المرأة العالمي في المكسيك عام 1975 باستصدار قرار يدين الصهيونية بصفتها عائقا للتنمية في المنطقة العربية ، لكن المكسب هذا لم يشفع بمكاسب أخرى مهمة.

وقد تأسس الاتحاد العربي للنساء 1944 وانقسم بعيد التوقيع بعد اتفاقية كامب ديفيد. 

وفي غياب إستراتيجية نسوية عربية موحدة لمواجهة المستجدات ظهرت منظمات نسوية عربية غير حكومية تضع في سلم أولوياتها قضايا كثيرة البعد عن القضايا المصيرية للأمة العربية ما نتجت عنه حالة من الفوضى الانتمائية بسبب لحالة الإرباك والتشويش االعولمي الذي ضرب كافة مؤسسات المجتمع المدني الحديث.

ومن أهم تلك أطروحات هؤلاء أن المرأة العربية تعيش حالة اغتراب عن جسدها ولا تشعر بامتلاكه وغير قادرة على لتصرف به، إضافة لجملة من الأطروحات الأخرى التي ما زال المواطن العربي يحتاج إلى فهمها أولا قبل البت في تقبلها من عدمه. 

******

وامتدادا لهذه الحالة بدأ حراك نسوي يخترق جدار الصمت المحلي، وقد أعاد أحد الباحثين ظهوره إلى نسبة العائدات من البعثات الدراسية في الخارج وتونس بشكل أخص، لكن تحجيم الحراك ومقارنته بالقياس الإحصائي مع تعداد أربعة ملايين -عدد سكان البلد- يجعل تصنيفه تحت اسم “حركة” قائمة بالفعل لا القوة ، يحمل بعض التجاوز والتعسف في التصنيف. 

كما أن الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الصوت الناشئ والتخندقات التي قام بها والاسقاطات في غير المحل والقياسات مع وجود الفارق البين التي مارس في طور نشأته ربما تلقي بظلالها على ضعف تناميه بين الأفراد المستهدفين بشكل أخص ، وتحد من تأثيره وربما تكون سببا في شل حركته على المدى المتوسط والبعيد. 

ونحن هنا إذ نتحدث عن جوهر المقال لابد أن نتوقف مع آخر وثيقة مطلبية تم رفعها في العيد الدولي للمرأة الماضي والتي توصلت اليها عن طريق بعض الناشطين في الحراك، كي نحلل الواقع على ضوئها بشيء من التفصيل. 

*******

لقد ذكرت الوثيقة بأن قضية النسوية تعد وعيا اجتماعيا و نضالا سياسيا وهذه نقاط مشتركة مع الكثير من الحركات وتعد مهمة في أي ديباجة بغض النظر عن ملامستها للواقع من عدمها ، كما ذكرت من سمتهم “المجتمع الذكوري بكل بنياته و مؤسساته” وهنا ندخل في بداية النفق ، فمطلع القصيدة كفر ، لأن حراكا مازال في بواكير النشأة حينما يعلن حربا شمولية على مؤسسة اجتماعية وسياسية ودينية ضاربة في القدم، وهو مكشوف الصدر أعزل ، فإننا نلتمس مراهقة فكرية مُمَأسَسَة ، والمراهقات لم تتوقف على هذا فقط ، ففي الجملة الموالية وردت عبارة تؤكد ما أشرت اليه حيث تقول الوثيقة “أننا مصممات على انتزاع”  ولاحظ معي عبارة “انتزاع” فهي عبارة في قمة الرومانسية ، وكان من الأكثر ملامسة للواقعية أن تكون هذه العبارة صادرة عن كيان يمثل نسبة ميأوية معتبرة من الكينونة العامة ، حتى لا نجنح نحو شاطيء العبثية ، ونبقى جادين في طرحنا. 

وقد كان أول مطلب للوثيقة هو:

-“قانون يحمي من الاغتصاب و التحرش و العنف الزوجي، و التزويج القسري للقاصرات و إهانة المرأة و احتقارها و تعنيفها و اضطهادها ككائن تابع للرجل” .

وحينما نقول قانون “يحمي” فإننا قد وصلنا أيض لقمة الرومانسية ، فحالة البلد معروفة ونحن في موريتانيا ولسنا في اسكندنافيا ، وقانون الرشوة وقوانين محاربة الفساد ، وقوانين تنظيم السير ، كلها على الرف ترقب ما يجري. 

ورغم أن المطلب وجيه ، وليس مطلبا للنسويات فقط ، إلا أنه يبقى عبثيا في بلد ما زال يحكم عن طريق الهاتف والواسطة والقبيلة والجهة. 

ثم إن القانون الموريتاني يجرم الاغتصاب ويعاقب عليه ، وتخصيصه بعقوبة مستقلة كان مطلبا للكثيرين، إبان حالات حدثت سابقا ، لكن يبدو أن السلطات مازالت غير مقتنعة بذلك. 

وفي الجزئية الثانية “العنف الزوجي” والذي يطلقون عليه “الاغتصاب الزوجي” خارج الوثيقة ، وهي عبارة مترجمة تحتاج إلى تعريف يناسب خصوصيات البلد، لأن الذائقة المحلية التلقائية تجد تنافرا لفظيا بين طرفي الجملة، ومحاكم الأسرة تنظر عادة في حالات مشابهة ، لكن اتخاذ خطوة عقابية في هذا الاتجاه قد تحتاج تفسيرا جديدا للنص الديني ، لأنه في حال تعارض النص الوضعي مع الديني فإن المنطقة هناك تكون منطقة ألغام. وبالتالي فإن إعطاء أولوية لها في بلد مازال يحتاج الماء والغذاء لا يخلو بالنسبة لي من لمسة عبثية واضحة.

وإذا نظرنا الى جُمل “التزويج القسري للقاصرات و إهانة المرأة و احتقارها و تعنيفها و اضطهادها ككائن تابع للرجل” فحسبما أذكر -ولست متأكدا- أن القانون الموريتاني أصبح يمنع ويرتب عقوبة على تزويج القاصر.

كما أن كرامة المرأة ومكانتها مصانة في موريتانيا بالمقارنة مع النظراء والإشادات بذلك بالعشرات، أما الجزئية الأخيرة ورغم مخالفتها الصريحة القانون “القوامة” إلا أنها تظل واقعا معاشا في موريتانيا. فموريتانيا من الدول النادرة أو حتى الوحيدة التي يعد الرجل فيها تابعا للمرأة بشكل فعلي ، وليس العكس ، ومعالجة الأزمات تحتاج لوجودها أصلا. 

-“فرض تمدرس البنات كحق بديهي” وهذا مطلب لا يخلوا من غرابة فليس هناك نص يمنع تمدرسهن ، واستراتيجيات الحكومة لتشجيع تمدرسهن قد سبقت وجود الحراك بعقود. وانا هنا لا يمكن أن أطالب بفتح مدارس كي يدرّس بها بنات أختي لأنها موجودة وهن يدرسن فيها بالفعل ، أما ترتيب عقوبة على عدم ذلك فلا أرى أنه يوافق الحريات الفردية بل يناقضها بشكل فج وصريح. 

“و التصدي للخطابات الذكورية التي تريد أن ترجع بالنساء إلى عصور الاستغلال و الاضطهاد، و نؤكد على أن مكاسب النساء التي حصلن عليها بفعل التراكمات النضالية للنساء ليست قابلة للنقاش و أننا نحن بصفتنا استمرارا لذلك التراكم النضالي سنقف سدا منيعا دون أي فعل أو قول من شأنه المساس بتلك المكتسبات” 

طبعا لا يوجد لدي تعليق محدد على هذه الفقرة سوى ، أنني حينما أقرأها أجدها ستكون معبرة أكثر لو صدرت عن حراك نسوي في العربية السعودية وليس في موريتانيا. كما أرجو أيضا أن تتحقق وأن يحترم الحراك كل الوعود التي قطع فيها وأشجع عليها جدا. 

وفي فقرة “حقنا في المشاركة السياسية و التمتع بالحريات التي يكفلها لنا الدستور الموريتاني دون وصاية من الرجل، و فرض تلك المشاركة من خلال التأكيد على رفضنا لنسبة الكوتا “التمييز الإيجابي بصفته رشوة ذكورية لإسكاتنا عن حقنا في المساواة الكاملة”

وهذه الفقرة تمت صياغتها من وجهة نظري بدون وعي تام ، ولن أجانف أن أقول أنها فقرة صبيانة جدا ، فلا يوجد مطلقا أي منع للمرأة من ممارسة هذا الحق ، أما التفريط في نسبة “الكوتا” فهو تصرف غير راشد موغل في الصبيانية ، لأن الحفاظ على المكاسب أولى من جلب المكاسب الجديدة ، وإذا كانت الحركات الشبابية تتدارس دوما المطالبة بـ”كوتا” خاص بالشباب ، فكيف يفرط فيه من تحصل عليه سلفا ، ألا يعد هذا نوعا من العبثية ، والنزعة الصدامية وافتعال الأزمات ، دون وعي معرفي.؟!

_تذكيرنا بمعاناة العاملات في المنازل وضرورة إتخاذ إجراءات من خلال عقود تضمن لهن حماية حقوقهن و حمايتهن من العنف المنزلي المعرضات له.

_ المطالبة بخلق مشاريع صغيرة ممولة من الدولة للمرأة في الريف وآدوابه والقرى الهامشية. وفتح فصول لهن لمحو الأمية وتعليم القراءة والكتابة سبيلا لدمجهن في حياة الدولة المدنية. 

وهذان المطلبان كانا الشذوذ الوحيد عن خط العريضة الذي غلبت عليه العبثية والرومانسية. وهما مطلبان يجب أخذهما بعين الاعتبار ووضعهما ضمن الأولويات القصوى ، نظرا لوجاهتهما ومنطقيتهما وعدم تحقق أي تنمية شاملة بدونهما. 

******

لقد وقع الحراك النسوي الناشيء في أغلاط كثيرة منذ بداياته الأولى، ولعل ذلك جاء نتيجة لعدم الوعي وضعف التكوين المعرفي، فغياب المعيارية المناسبة للنطقة المستهدفة شمل معظم تصرفاته، ومحاولة إسقاط الطرق المعلبة دون تعديل على هياكلها كان سببا في اخفاقاته الكثيرة. 

فلم يضع الحراك في الحسبان أن ما يناسب تونس وفرنسا من معايير قد لا يتناسب مع أضلاع المجسم المحلي، وهذا أمر طبيعي ولا يعطي بالضرورة صورة مغايرة للمثالية، فحتى القوانين الشاملة كقانون الإرهاب ، قد تختلف من بلد الآخر ، فحزب الله مثلا يصنف كمقاومة شرعية في بعض البلاد ، ويصنف إرهابيا في بلاد أخرى. وحتى معاملة المرأة في فرنسا تختلف عنها في اليابان. وهذا أمر طبيعي لأن الخصائص المحلية أحد أسس القانون التي ينبني عليها منذ الأزل. 

********

إن تخندق الحراك النسوي المحلي في خندق “المطاريد” اجتماعيا، وتركيزه على القشور والإجتزاءات ، وغياب خطة دعائية تبشيرية لديه، وانتهاج الصِّدامية المنفّرة في عصر ما بعد الصِّدامية ، وموقفه من المؤسسة الدينية المسيطرة ، وهو لم يزل في طور نشأته تعد أمورا غير سديدة ويمكن أن تقضي عليه في المهد ، كما أن عدم تقديمه لرسالة بديلة وواضحة تراعي خصائص المجتمع الأهلي وتقدم الأوليات على القشور ، وتعتمد منهجية التدرج العقلاني ويمكن أن تقنع المتلقي الذي يحمل رؤية مغايرة مسبقا ليجعله كل ذلك مجرد زوبعة في فنجان. 

كما أن غياب المسوّق الماهر والمؤطّر الواعي والمنظّر المتبصّر عن صفوفه ، والارتهان في الرؤية المحلية لرؤية الكونية ، والاحتكام لنص عام دون وعي بوجود مخصص محلي له كل هذه تشكل عوائق ستطيل مسيره دون حصد للنتائج المتوخاة منه بشكل حتمي. 

ولعل قيام الحراك بمراجعات تؤسس لرؤية ذات طابع محلي، تحترم الطابع الإجتماعي للبلد وتتحرز من الطبعة الدينية “نصف كم” إضافة لوضع خطط جديدة وفتح قنوات تصالحية مع الركائز الاجتماعية للمؤسسة المحلية القائمة، وشرح الأهداف بلغة أقل تشنج تكون أفضل ما يمكن أن يقوم به في الوقت الراهن، فقد يُقطع بالحوار مالا يُقطع بالمنشار ، ويدرك بالحيلة ما لا يدرك بالقوة، كما أن الهدف الأول والأهم من كل شيء هو تكوين كادر بشري متخصص يمكن أن يفرض التغيير بأسلوب علمي مدروس ، لأنه بالعلم وحده يمكن أن تنشق الأرض وتخر الجبال هداً. 

للعبرة: ليس المهم أن أكون من أتباعك فقط ، بل الأهم أن أقتنع بك

تقرير الجسلة الثالثة : مؤتمر مبدأ : الشباب والمشاركة في صناعة المستقبل

مؤتمر مبدأ : الشباب والمشاركة في صناعة المستقبل
5 – 8 – 2019 – مركز المختار داداه – الميناء

الجلسة الثانية : الدور التنموي والاجتماعي للمجتمع المدني

المحاضرون: أ. إبراهيم يماني
د. الهادي بن المنير الطلبة

رئيس الجلسة: أ. ……. ؟

تركز عرض المحاضر الأول حول ثلاث نقاط أساسية:

١- علاقة العملية التنموية بالعمل الاجتماعي : مؤكدا أنها علاقة كلٍ بجزء، أي ان العملية التنموية تشمل العمل الاجتماعي.
٢- أن فضاء المجتمع المدني يجب أن يظل مستقلا تماما عن فضاء العمل الحكومي وفضاء العمل التجاري الربحي.
٣- أن هنالك تحولات شياسية على الصعيد العالمي والمحلي ستنمح المزيد من الأدوار والمسؤوليات للمجتمع المدني حيث يمكن أن يتحول المجتمع المدني مجرد شريك تنموي مواز إلى فاعل رئيسي وضروري في العمل التنموية.

وأضاف المحاضر في خاتمة عرضه أن هنالك نماذج عربية وإفريقية للمجتمع المدني تنبغي الاستفادة منها مركزا على النموذج المغربي.

فيما تركزت معظم المداخلات حول أهمية ضبط العلاقات بين قادة المجتمع المدني وبين المتطوعين والتركيز على تكثيف التعاون بين منظمات المجتمع المدني.

تقرير: سعد الدين ابوه.

تقرير الجلسة الاولى لمؤتر مبدأ

نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية ( مبدأ ) جلسة حوارية حول موضوع الشباب المتعلم و صناعة الفرص في مقر مركز المختار ولد داداه بمقاطعة الميناء صباح الاثنين 5/8/2019 انعش الجلسة المحاضر : د .محمد السوداني الذي افتتح حديثه بالشكر و العرفان للمركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية ( مبدأ ) على إتاحة الفرصة له ، الدكتور محمد السوداني تناول الموضوع من جوانب شتى مع التركيز على مفهوم الفرصة و ما تعنيه من معاني لاعتبارها وسيلة مثالية تعود بالنفع العميم و النتائج القيمة اذا ما استقلالها استقلالا معقلنا لما يترتب على ذلك من مكاسب مفيدة مبينا قيمة و اهمية الوقت الذي يشكل العنصر الاهم اذا ما تعلق الأمر بالفرص ، لأنه في حالة ضياعها يصبح من الصعب اجاد حل جديد ربما لا يحصل .

كما تطرق الى اسباب اضاعة الفرص و التي منها الاتكالية التي تشكل عائقا كبيرا أمام الباحثين عنها ، و يمكن من خلالها الحصول على مكاسب من شأنها الرفع من مستوى الفرد و الجماعة و هو ما يعني رؤية فجر جديد قوامه التنمية الشاملة للكيان الاجتماعي .

و في سياق أخر اشار الى ارشادات يقدم الخبراء من اجل الرفع من مستوى المتعلمين من اجل مواكبتهم للتطور الحضاري و ذلك عن طريق البحث المستمر عن سبل تطوير الذات بالمطالعة و التكوين المستمر و وضع خطط و برامج واضحة على المدى البعيد و العمل على تحقيقها في اجال قصيرة  .

و في الاخير خلص الى اهمية صناعة الفرص عن طريق تحويل المشاعر الى مشاريع تطبيقية مدروسة تحقق نتائج معتبرة في النهاية و هي رؤية نموذجية تستمد طاقتها من التحفيز الذي يشكل العنصر الاهم في اشعال روح الابداع في المخيال الفردي و الجماعي للرفع من منسوب الاهداف التنموية في ظرفية قليلة .

اشفعت الجلسة بنقاشات مفيدة تناولت الموضوع من جوانب شتى فسدت النواقص و عللت الاخفاقات و استشرفت بآفاق واعدة مما اضفى على الجلسة رونقا جماليا و هو ما ترك اثرا على نفوس الحاضرين .

المقرر : محمد سيدي

الميناء بتاريخ 5/8/2019

تقرير الجلسة الثالثة من مؤتمر مركز مبدأ “الشباب بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية

الشباب بين الحرية الفردية والمسؤولية العامة..

المحاضرين:

عبد الكريم الحر

الشيخ المامي

افتتح المحاضر الاستاذ عبد الكريم محاضرته بالقول أن الشباب يعتبر رهان أي مجتمع مؤكدا على أهمية مشاركته في المجتمع

وقد دارت المحاضرة حول التأطير نظريا  للحرية الفردية والمسؤولية العامة في فلسفة جون ستوارت ميل ليفصل في محورين الأول الحرية الفردية والحرية الجماعية والعلاقة بينهما، والمحور الثاني علاقة الفرد بالسلطة.

في النظرية الليبرالية.

وتحدث المحاضر عنالحرية الفردية في فلسفة جون ستوارت ميل الآراء الفكرية المؤيدة والمنتقدة لنظرية الحرية الفردية عند الليبرالية

أما في ما يتعلق بالمسؤولية الجماعية فقد شرح المحاضر واقع وجود عقد اجتماعي يحكم علاقة الفرد بالسلطة  ووجود مديونية بين الفرد والمجتمع الذي نشأ فيه وواجبات تترتب على مجموعة حقوق وخدمات يقدمها المجتمع.

وفي نهاية المحاضرة أكد الاستاذ عبد الكريم الحر أن هناك حاجة لنتعلم الحرية وكيف يكون المرء حرا دون أن يضر بالآخرين، وكيفية انتقاد المجتمع دون المساس بثوابته لأنه من المستحيل تغيير المجتمع بقرار أو بصدامية لأن الصدامية عائق في وجه الحرية والتغيير.

الحاضرة الثانية:

قدم المحاضر الاستاذ الشيخ المامي محاضرة حول الشباب بين الحرية الفردية والمسؤولية العامة، مشيرا إلى طبيعة البلد الفتي حيث تمثل فئة الشباب 70% واصفا السياسات الوطنية الموجهة إلى الشباب انها تحمل الكثير من الاختلالات.

لكنه أكد أن هذه الفئة قادرة على العطاء مادام هناك حراك دائم وهو الضامن الأبرز لمشاركتها.

فعلى المستوى السياسي كان لوجودالحركات الشبابية انعكاس على السياسات الوطنية واشراك الشباب من خلال هيئات وطنية استشارية كالمجلس الاعلى للشباب ومشاركات.

وتناول المحاضر ولد المامي في عرضه ثلاث أمثلة للحركات الشبابية في موريتانيا :

حركة نستطيع

التغيير الجاد

والمحامي العيد ولد محمدن

إضافة إلى مثال الربيع العربي في مصر الذي قاده الشباب مبرزا اثر الصدامية فيه وانعكاسها السلبي على وصول الشباب للتغيير والمشاركة في صنع القرار.

في نهاية المحاضرة أكد الاستاذ الشيخ المامي أن على الشباب جعل مصالحهم هي المرجعيةأولى.

وقد قدم المشاركون مداخلاتهم خلال بعد انتهاء المحاضرات، في ما رد المحاضرون على مختلف الاشكالات المطروحة ن قبل الشباب الحاضر للمؤتمر

                 المقررة: حوراء احميده

محاضرة الأستاذ عبد الكريم الحر في مؤتمر الشباب وصناعة المستقبل

الشباب بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية

عبد الكريم الحر امبيريك

حينما نتطرق للشباب كطاقة قادرة على البناء والتغيير فنحن نتكلم عن رهان مجتمع ما أو دولة أوحتى أمة… على مستقبلها، وهو موضوع آني لحظي يتطلب الكثير من الدراسة والتعمق خاصة في ظل رواج فكرة أهمية الحرية الفردية وهي المطلب الذي نادى به الليبراليون الأوائل من أمثال الفيلسوف الانجليزي جون استيوارت مل مع تحمل عبء مخالفة معلمه جريمي بنتام، – الذي كان ينادي بالجماعية معتبرا أن حرية الفرد في حرية الجماعة، رافضا وجود الحرية الفردية في ظل الجماعة-، ومدى امكانية تحمل الفرد “الشاب” مسؤولية هذه الحرية أمام القانون والجماعة، وهذا ما يحيلنا ضرورة إلى المسؤولية التي تقع على الجماعة اتجاه أحد أفرادها. فما هي الحرية كما تتكرس في الواقع المسؤول، وتعطي معنى للأفعال الإنسانية؟

يعتبر مفهوم الحرية مفهوما واسعا ومتشعبا وله تعريفات مختلفة، وذلك يرجع إلى كثرة مجالات الحرية فمثلا هناك الحرية الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك من الحريات بجانبيها الجماعي والفردي، وقد اقترن هذا المفهوم بالليبرالية Libéralisme، وهي الايديولوجيا التي تهتم بالدفاع عن الحرية، والمناداة بها، وخاصة الحرية الفردية. فالليبرالية ترفض السيطرة على الفرد، سواء من طرف السلطة أو المجتمع، والليبراليون يجعلون من الفرد مركزا وفاعلا، ويعتبرونه عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه في تقدم المجتمع، ولذلك وجب احترام حريته، وتوفير كل ما من شأنه أن يحقق له الرفاه، والسهر على أمنه. ويعرف محمد عاطف غيث، الليبرالية بأنها: «مذهب أو توجه ايديولوجي يقوم على الاعتقاد في أهمية الفرد ورفاهيته… ومن أهم خصائص هذا المذهب معارضته لسيطرة الحكومة أو الطبقة العليا على الفرد… »[1]. وهذا ما يبين أن الليبرالية مذهب يهدف إلى حرية الفرد، ورفاهيه، داعيا إلى رفض كل ما من شأنه أن يعيق حريته، أو التدخل في أفعاله، كوسيلة ليكون الفرد فاعلا حرا، لا مفعولا به مجبرا.

وما يهمنا في هذه الورقة هو تقديم الحرية كما يراها جون استيوارت مل، الذي  دأب إلىتجسيد الحرية في حدّ ذاتها freedom as such  أي: لا الحرية كمفهوم ميتافيزيقي، بل الحرية التي تتجسد واقعيا، مضيفة القيمة المعنوية للفعل الإنساني بما في ذلك من مسؤوليات، وهذا ما ساهم في جعلها من بين أهم المفاهيم التي اتفق أغلب الفلاسفة المعاصرين على وجوب تحقيقها لضمان استقلالية الفرد عن طغيان الأغلبية. فالخوض في أشكال الحرية وغاياتها، وحدود ممارستها، يقتضي ضرورة الاحتواء على نموذج تطبيقي للمسؤولية في مجال الحرية، مفصلا طبيعة العلاقة التي من المفترض أن تكون بين المجتمع والفرد من جهة، وبين السلطة والحرية من جهة أخرى، متخذين من أهمية الفردانية شرطا لا غنى عنه لتحقيق مبدأ الحرية والوصول لمقتضى المسؤولية، التي لا يستقيم تحميلها للفرد بدون حصوله على حريته، واستقلاليته.

هذه المسؤولية التي ترتبط بالحرية اتباطا وثيقا لها تعارف عدة ومتنوعة، فالباحث عن مراد المسؤولية في الكتب التي تعرضت للحديث عنها يجد تعريفات متعددة متباينة العبارات، يقتصر كل تعريف منها على تبيان زاوية خاصة من زوايا المسؤولية بحيث لا نجد غالبا تعريفا جامعا مانعا للمسؤولية، ومن أكثر تلك التعريفات شيوعا هو أنها: «شعور الإنسان بالتزامه أخلاقياً بنتائج أعماله الإدارية فيحاسب عليها إن خيراً وإن شراً»[2]، ف«هي أمر داخلي شديد التعقيد في صميم الإنسان، على اتصال وثيق بكل من ميتافيزيقا وعلم الأخلاق والعلوم الإنسانية»[3].

 ففي حالة ما أردنا أن يكون الفرد مسؤولا عن تصرفاته فلا بد من اعطائه حريته فمن المستحيل بل ومن الظلم تحميل الفرد مسؤولية فعل لم يكن حرا في اتيانه، فتحمل الفرد لمسؤوليته يقتضي تحديد علاقة الفرد بالمجتمع، وهذا ما جاء  جون ستيوارت مل في كتابه “عن الحرية” لتأكيده، حيث يدور هذ المؤلف حول مبدأ الأفعال والمعاملات الاجتماعية مع الفرد، بأسلوب الإكراه أو بهدف السيطرة والتحكم، سواء كانت الوسيلة المتخذة في ذلك هي القوة المادية أو المعنوية، وهذا المبدأ حسب مل هو الغاية الوحيدة المكفولة للإنسانية، بشكل فردي أو جماعي. كما يؤكد على حرية الذات وضرورة إعطائها الاستقلالية التامة، وأن الهدف الوحيد إذا ما قمنا بممارسة الإكراه على الفرد أو استخدام القوة بشكل مشروع عليه، أو الوقوف بينه وبين إراداته وميولاته ورغباته، هو منعه وردعه من إلحاق الضرر بالأفراد الآخرين أو بالمصلحة العامة للمجتمع، وهذا ما يعني أن مل يشرع ممارسة الإكراه على الفرد في حالة واحدة لا غير، وهي: منعه من إلحاق الضرر بالآخرين، و أما «السؤال عما إذا كان الصالح العام سوف يستفيد من تدخل المجتمع أم لا؟ فهو سؤال مطروح للنقاش لكن لا مجال لطرح هذا السؤال على الإطلاق، إذا كانت تصرفات الفرد لا تمس مصالح شخص آخر غير مصالحه هو الخاصة. أو مادامت لا تمس مصالحهم إلا باختيارهم»[4]. فمثلا إذا قام تاجر ببيع بضاعة فاسدة للمشترين، ونجم عن ذلك ضرر لهم أو لم ينجم ضرر عنه، فإنه حسب مل قد توجب عليه العقاب الأخلاقي وان كانت ثمة قوانين تنص على عقوبات لمرتكبي مثل هذه الجرائم، فقد وجب تطبيقها عليه، لأنه قد ضر بالصالح العام عبر غشهم ببضاعة فاسدة، الشيء الذي من شأنه أن يضر بالصحة العمومية.

لكن من ناحية أخرى نجد مل يسلم بفكرة مفادها، أن الإنسان إذا قام بفعل لا يضر غيره  لا يستوجب العقاب، لكن في نفس الوقت هذا الفعل الذي يضر بنفسه لا بالآخرين، قد يلحق ضررا بآخرين، كأقاربه، وأسرته وحتى معارفه، لأنه إذا وقع في الإدمان على فعل أفقده بمرور الزمن القدرة على الإحجام عن فعله وفقد بالتالي حريته في أن يفعل أو لا يفعل كلما يحدث لمتناولي المخدرات، فإنه بذلك يعرض أسرته على تناولها، ويؤثر تأثيرا سلبيا عاطفيا على معارفه، ومحيطه ككل وهذا ما يراه مل شيئا، يستوجب اللوم لأنه فعل غير أخلاقي، ويقرب لنا هذه الفكرة من خلال مثال: «فافترض أن شخصا ما يسمى “جورج بارنويل George Barnwell قتل عمه ليحصل على مال ينفقه على عشيقته، أو أنه فعل ذلك ليحصل على مال يستثمره في التجارة، فإنه يستحق الشنق في الحالتين سواء بسواء. وهناك من ناحية أخرى الشخص الذي يحزن أسرته لإدمانه عادات سيئة، انه يستحق اللوم لعقوقه أو جحوده… وبصفة عامة فإن كل من يفشل في الوفاء بواجبه تجاه مصالح الآخرين ومشاعرهم، دون أن يكون مضطرا إلى ذلك بسبب الوفاء بواجبات أعلى أو دون أن يبرر ما يسمح به من ايثار للذات، فإنه يعرض نفسه للامتهان الأخلاقي بسبب هذا الفشل»[5]، هذا المثال يحيلنا إلى المسؤولية الجماعية التي على المجتمع تحملها من أجل ضبط أفراده، ولتحقيق هذه المسؤولية كما يجب أن تكون فلا بد من وعي الفرد بحريته وحدودها، كوسيلة لمنع الضرر بالآخرين مما يجعلنا أمام حتمية احترام العلاقة البينية التي تربط الفرد بمجتمعه. هذه هي الحرية التي قال مل بضرورة تحققها، لكنها لم تكن محط اجماع حيث هناك من يرى أنها لا تعدو حرية إباحية تخول الفرد فعل ما يشاء.

وقد تعالت الأصوات التي تعارض آراءه التي أوردها في كتابه “عن الحرية” معتبرة أن الحرية التي نظر لها في كتابه المذكور إنما هي حرية كإباحة من أمثال الآنسة هيمالفراب التي اعتبرت أنه بكتابته لمؤلفه “عن الحرية” إنما هو يناقض أفكاره ويفندها بنفسه، وترجع ذلك، إلى تأثير هاريت تايلور زوجته عليه، مقدمة الكثير من الأدلة، وهو الشيء الذي يعارضه رونالد دووركين متفقا بذلك مع مل، فهو يرى أن مشكلة الآنسة هيمالفرب ومن قال برأيها، هي في سوء فهمهم لكتاب مل “عن الحرية”، لأنهم لا يرون فيه سوى دعوة لحرية الإباحة، وتنمية الفردانية والأنانية في الفرد، معتبرا أن هذه الاتهامات هي ما جاء مؤلف مل “عن الحرية” لعلاجها، لأنه في نظره مؤلف يدعو إلى الحرية بمعناها “الاستقلالية” وليس “الإباحة”.[6]

وهكذا إذا رأينا أن الحرية بما هي غياب أي مانع، أو إكراه لا تتعارض ترتبط بالمسؤولية التي تهدف إلى تحقيق الحرية الواعية المسؤولة ارتباطا وثيقا. فالحرية عند جون ستيوارت مل لا تتحقق إلا بإعطاء الفرد حريته واستقلاليته، داخل المجتمع وهو المبدأ الذي أسست عليه المسؤولية لأنها تقتضي وجود الحرية، مخالفا بذلك ما جاء في نظرية معلمه جيرمي بنتام الذي أن الفرد جزء لا يتجزأ من المجتمع. فمسألة سلطة المجتمع على الفرد عند مل، هي مسألة جوهرية، حيث دافع عن حرية الفرد معتبرا أن حريته مهددة من طرف الجماعة، معتبرا أن لا حق للمجتمع في التدخل في شؤون الفرد إلا في حالة واحدة وهي في حالة إلحاقه الضرر بالآخرين. لكنه مع لك يرى ضرورة عدم ترك الفرد خاضعا لنزواته وميولاته دون توجيه أو إرشاد، ففي حالة ما قام الفرد بفعل من شأنه أن يضر بنفسه، فإن المجتمع يتدخل ليرشده إلى الطريق الصحيح دون ممارسة أي إكراه أو عنف عليه، وذلك عن طريق التربية والبرامج التوجيهية الإرشادية. وهذا ما يمكننا من القول: إن الحرية الفردية، والمسؤولية الجماعية هما وجهان لعملة واحدة، مرهونة بمدى صحة فهم الشباب لهذه الحرية وحدودها، ووعي المجتمع بمسؤوعيتها نحو الفرد.


[1]  محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، حرف “L”، Libéralisme، الليبرالية، دار المعرفة الجامعية، 40 ــ ش ــ سويترـــ اسكندرية، 1979م، ص 271.

[2]  مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الفلسفي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1979م.

[3] الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول “الاصطلاحات والمفاهيم”، مسؤولية،  ط1، معهد الإنماء العربي1986، ص744.

[4]  جون ستيوارت مل، نصوص مجمعة، مذهب المنفعة العامة وعن الحرية، ترجمة وتقديم وتعليق إمام عبد الفتاح إمام وميشيل ميتياس: (أسس الليبرالية السياسية)، مكتبة مدبولي، مصر ــــ القاهرة 1996م، ص208.

[5] جون ستيوارت مل، نصوص مجمعة، مذهب المنفعة العامة وعن الحرية، مصدر سبق ذكره، ص214 ـــــ 215.

[6]  نقصد هنا من اتهموا جون ستيوارت مل حول نظريته، حيث قالوا أن نظريته في الحرية التي أوردها في كتابه عن الحرية هي نظرية تجعل من الحرية الفردية إباحة ليس إلا من أمثال الآنسة هيمالفرب وهو الشيء الذي نفاه مل في كتابه المذكور آنفا، مما جعلنا نصفهم بعدم الإحاطة أو سوء فهم لفكر مل وهو نفس الشيء الذي قال به رونالد دووركين في كتابه أخذ الحقوق على محمل الجد، وللتعمق أكثر في هذه الفكرة انظر نفس الكتاب، الفصل 11.

انطلاق فعاليات مؤتمر مبدأ في الميناء حول الشباب وصناعة المستقبل

نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية (مبدأ) يوم 05/08/2019 مؤتمرا حول الشباب والمشاركة في صناعة المستقبل، المؤتمر نظم تحت شعار “نحو تعزيز دور الشباب كقوة اقتراحية”.

البعد الديمقراطي في الاتفاقيات الدولية المنشأة للمساعدات والقروض حالة موريتانيا

د. بتار ولد اسلك

باحث وأكاديمي

يعتبر التعاون الدولي أحد المرتكزات المهمة في دراسة علم العلاقات الدولية[1]، إذ من المعروف أن دراسة المقاربات الدولية في مجال التعاون الدولي ترتكز أساس على نمطين أساسيين: النمط الأول هو نمط صراعي، أما النمط الثاني فهو تعاوني، ويعتبر هذا الأخير هو الذي يغلب على التفاعلات الدولية. كما أنه عبر التاريخ قد مر بمراحل ذات حلقات متصلة ببعضها البعض[2].