29 مارس، 2024، والساعة الآن 7:06 صباحًا بتوقيت نواكشوط
Google search engine

الوجهاء الجدد.. المفهوم الوليد

الحسن الحسين : باحث في المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية- مبدأ

استهلال:

“أهم شيء في التواصل مع الناس هو القدرة على سماع كل ما لا يقولونه.” بيتر دراكر

إن ممارسة الوجاهة أمر تفرضه الحاجة الاجتماعية بالنسبة للأفراد والجماعات ولكن باختلاف الوسائل تختلف البنى وتأسس وفق مساق وأنساق تطوريين مما يجعل الحاجة الماسة لتجميع أنساق ومسارات هذه الممارسة القديمة في معناها والجديدة في حلتها المعاصرة “الوجهاء الجدد”.

وهم الفاعلون في الاجتماع والسياسة بحكم امتلاكهم لأساليب غير تقليدية في الوصول، والتغيير، يستخدمون رأس المال الرمزي المستمد من الواقع الذي يعيشون فيه، والذي يمكّنهم من تحقيق مكاسب وإنجازات لصالح البيئات التي ينشطون فيها، لديهم مكانة سياسية في الوسط المحلي، ويتميزون بإمكانية التأقلم في البيئات المضطربة ويعتمدون على الوسائط الاجتماعية كأداة للمناصرة والتغيير .

هذا التعريف يعطي صفة “الوجيه” لمن يمتلك حسابا على إحدى المنصات الاجتماعية – على الأقل – ويستخدمه لعرض أفكاره وتنزيلها على الواقع محاولا التغيير في الميادين المختلفة في الوقت الذي ما زالت فيه المخيلة السياسية تحتفظ بصورة “الفواعل” من “الوجهاء التقليديين” المحملين بكل الماضي الجمعي الذي تحتفظ به الذاكرة الحية للمجتمع وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا بات “الوجهاء الجدد” مصدر آلام وآمال الناس؟

من الواضح أن ثقة الناس فيما ينشر وما يتفاعل معه الشارع الفيسبوكي – مثلا – باتت أكثر من أي وقت مضى، وسرعة استجابة السلطات المحلية للقضايا التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي باتت كبيرة حتى يخيّل للمتابع بأن السلطات نفسها أصبحت تقوم بدور ردة الفعل .

وهذا يؤكد أن لهذا العالم الافتراضي قوة تضاهي قوة الواقع الذي نعيش فيه فبات هو الموجه والمسيطر في مختلف مفاصل حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

إذا ما قمنا بمقارنة بسيطة بين الوجيه التقليدي والوجيه الجديد سنجد أنه لكل واحد منهما رأس مال رمزي يتحرك به الأول استمده من مكانته في القبيلة وسلطته الموروثة، والثاني استمده من التفاعل مع القضايا التي تؤرق الوطن والمواطن، وإشكالات الواقع ومشاكل الحياة اليومية والأشخاص الذين يتصلون به من أجل توفير وصفة دواء لمريض، أو توفير خدمة علاجية، أو دفع الظلم في نزاع عقاري أو مناصرة في قضية رأي عام.. إلخ، ومن نشاطه الجمعوي الذي يمثل حاضنة الفعل المدني في أيامنا، إذ – غالبا – ما يستخدم منظمات المجتمع المدني ككيانات للوصول إلى أهداف اجتماعية ولإسماع صوته لجمهور واسع من الناس.. نعود إلى المقارنة بين نمطي الوجاهة الاجتماعية “التقليدي / الجديد” لكل منهم دور ووجاهة في الحياة العامة والاختلاف بينهما فقط في طريقة استخدام تلك المكانة عند السلطات المحلية، إلا أن الوجيه التقليدي متفوق دائما للامركزيته وتعدد الممارسة السلطوية لديه .

ولكن لم يعد بإمكانه زيادة رصيده من الرمزية فلم تعد القبيلة والفضاء العام كما كانا، بينما يواكب “الوجيه الجديد” التحولات المعاصرة بحكم ما توفره له التقانة من تطور مستمر.

إن المنتج الجديد الذي يشكل هوية الأجيال المعاصرة يعطي الأسبقية لخصائص مثل تجاوز الماضي وعدم العيش عليه، وتجاوز القوقعة القبلية، والسعي لدمقرطة الواقع، وعدم الرضى عن الأنظمة السياسية السائدة… إلخ ويفرض نمطا متسارعا من التغيير وهذا ما يجب أن ننتبه له لكي نستطيع فهم الخلفيات الماورائية من أجل استفادة الوطن من هذه الطاقات الكبيرة فهي رهان التغيير.

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة