16 يوليو، 2025، والساعة الآن 11:23 مساءً بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 14

“الإسلاموفوبيا” مفهوم للمراجعة والإلغاء

مصطلح انتشر كالنار في الهشيم في العشرية الأخيرة وهو مكون من كلمتين: الإسلام وكلمة إغريقية الأصل تستخدم عادة في ميداني التحليل النفسي وطب الأمراض العقلية تعني بالضبط “حالة من الخوف المبالغ فيه وغير المنطقي أمام ظاهرة مّا تعتري شخصا معينا نتيجة خلل في شخصيته، تؤدي به إلى نوبات من الفزع الشديد، وقلق متواصل وتوجس من رجوعها ومحاولة لتفادي كل ما يؤدي إليها”.

إن أشهر هذه الحالات هي الأقورافوبيا (Agoraphobie) وهي الخوف من الساحات العمومية ومن الاكتظاظ البشري وينتهي بالمرء إن لم يعالج إلى الانكفاء على نفسه وإنهاء حياته الاجتماعية.

“الالتزام بالمعنى العلمي لمصطلح “الإسلاموفوبيا” سيقودنا إلى عراق اليوم, حيث ينقسم إلى “الشيعة فوبيا”عند السنة و”السنة فوبيا” عند الشيعة ومن مظاهره القصوى القتل على الهوية والتهجير القسري”

إذا قبلنا أننا لا نتحكّم في المصطلحات وأن علينا استعمالها بالمعنى الذي يقرّه القاموس، فيجب أن نبحث في ظاهرة “وجود خوف شديد وغير منطقي ونوبات فزع من الإسلام والمسلمين”.

المشكلة أن الالتزام بهذا المعنى العلمي سيقودنا إلى عراق اليوم حيث ينقسم “الإسلاموفوبيا” إلى “الشيعة فوبيا” عند السنة و”السنة فوبيا” عند الشيعة ومن مظاهره القصوى القتل على الهوية والتهجير القسري.

ولو تابعنا حالات التعذيب التي يتعرض لها المسلمون اليوم من أجل أطروحاتهم الإسلامية لاكتشفنا أنها وقعت ولا تزال في بلدان إسلامية.

وإذا كان ما نعنيه بالإسلاموفوبيا هو التصدي للمسلمين في عقيدتهم كالحجاب لاتضح أن البلد الأكثر تشددا في معاداة هذا الحق الشرعي المضمون من قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو تونس التي يحارب نظامها بشراسة منقطعة النظير هذا التقليد الإسلامي وذلك عبر المنشور 108 الذي صدر سنة 1989 وطبق بصرامة منذ ذلك الحين إلى حد اقتلاع الحجاب من عابرات السبيل ناهيك عن غلق باب العمل والدراسة في وجه المحجبات.

حتى فرنسا التي نقلت هذا التشريع عن تونس لم تتجاسر على شيء كهذا.

لقائل أن يقول إن المقصود بالفوبيا تفاقم مشاعر عداء للإسلام والتعدي على مقدساته والريبة في المسلمين وهي ظاهرة لا جدال فيها.

ثمة اعتراف ضمني بأن المفهوم يستعمل كلمة بداهة في غير محلها. ربما كان من الأصح استعمال كلمة التحامل على الإسلام في العربية أو (Islamo prejudice) بالإنجليزية.

المهم أن “الإسلاموفوبيا” مفهوم ضعيف بالمعلومات وغني بالعواطف حيث تنضح منه مشاعر قوية تحوم بالأساس حول اتهام الآخر المبهم بمعاداة الإسلام وبالجهل به. والسؤال عندما نعتصر منه مكونه “أنتم تعادون الإسلام” هو: وما الجديد؟

يجب التذكير هنا بأن المفهوم استعمل لأول مرة سنة 1921 من الكاتبين أتيان ديني وسليمان بن إبراهيم مما يثبت أن “الإسلاموفوبيا” كانت موجودة آنذاك وعلى الأرجح قبل ذلك بكثير.

ما يجهله الكثير من المسلمين أن واجهات كاتدرائيات العصور الوسطى مرصعة بتماثيل جلها مخصص للدعاية الكنسية ولكنها تحفل بتماثيل تذم الإسلام منها تمثال شبه قار لشيطان يصور في أفظع الصور واسمه -في إشارة واضحة للرسول الكريم- “Baphomet”. فهل سنطالب بهدم الكاتدرائيات الأوروبية؟

بخصوص التهمة الثانية “أنتم تجهلون ما هو الإسلام ومن ثمة تحاملكم عليه” يستطيع التشخيص الموضوعي، لا فقط التذكير بأنه لا جديد تحت الشمس، ولكن توجيه أصبع الاتهام للشاكي نفسه.

“المطالبة بمعاقبة الصحيفة الدانماركية والاعتذار بسبب الرسوم المسيئة لم يأت من جماهير جاهلة ولكن من نخب دينية يفترض فيها أنها تعرف أن النظام السياسي في الغرب ليس كنظامنا, وهو ما يكشف عن عمق جهلنا ”

قال عمر بن الخطاب “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا”. ماذا لو حاسبنا أنفسنا في طريقة تعاملنا مع قضية الرسوم الكريهة البشعة المدانة بالطبع التي اندلعت في فبراير/شباط 2006.

ظاهرتان للتدليل على عمق جهلنا نحن. ثمة أولا مطالبة رئيس وزراء الدانمارك بالاعتذار ومعاقبة الصحيفة والمسكين ضحية صحافة حرة لا سلطة له عليها.

هذا الطلب لم يأت من جماهير جاهلة ولكن من نخب دينية يفترض فيها أنها تعرف أن النظام السياسي في الغرب ليس نظامنا حيث يمكن للرئيس المزمن أن يقول للأشياء “كُوني فتكون”، أو أن كل ما يصدر في الصحف هو بإيعاز منه.

ثمة أيضا القضية التي قدمت في فرنسا بحق صحيفة “Charlie Hebdo” (التي أعادت نشر الرسوم في فبراير/شباط 2006) من قبل منظمات إسلامية.

إن من يقرأ هذه الصحيفة الهزلية الناقدة يعرف أنها كانت منذ بروزها أكبر عدو للدين بصفة عامة وللديانة المسيحية بصفة خاصة وأنها نشرت في السبعينيات إنجيلا أعادت كتابته بصفة ساخرة أذكر أن قراءته تسببت لي -أنا المسلم- في صدمة كبيرة.

وكثيرا ما تقدمت مؤسسات دينية مسيحية بشكاوى ضدها دون جدوى. السبب ليس فقط استقلالية القضاء الفرنسي وتعلقه بمبدأ أساسي في الديمقراطيات الغربية هو حق الرأي، ولكن أيضا حساسية كبرى قديمة ضد الدين وتحديدا ضد الكاثوليكية نظرا لوقوف الكنيسة ضد الثورة الفرنسية.

وقد بلغ الجهل ذروته عندما وقع الخلط بين صحيفة مغمورة وأقلية عنصرية تحرض على كل الأجانب وليس فقط على المسلمين في الدانمارك، وبين دولة وشعب أفاقا مذهولين على مظاهرات صاخبة تنادي بالموت لكليهما.

لا أحد لاحظ أنه خلط شبيه بخروج الأميركيين عشية 11سبتمبر/أيلول لحرق سفارات البلدان العربية والإسلامية والمطالبة بتدمير بلدانهم أو خروج الإسبان والإنجليز في نفس المظاهرات جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل أقليات لا تمثل إلا نفسها.

كل هذا لأن وسائل التعليم والإعلام لا تعلم أطفالنا وشعوبنا باكرا التفريق بخصوص الغرب مثلا بين الأنظمة الغربية والقيم الغربية والمجتمع المدني الغربي وداخل هذا الأخير بين أقليات عنصرية مناوئة للعرب والمسلمين وبين أكثرية من الجمعيات التي تساند كل نضالاتهم المشروعة.

كانت أزمة الرسوم أكبر دلالة على تساوينا مع الغربيين في الجهل. هم يجهلون خطوطنا الحمر ونحن نجهل خطوطهم الحمر، ووجد العقلاء من الجانبين أنفسهم وسط جهل يواجه جهلا وعداء موروثا أوقظ من سباته القديم ليواجه عداء قديما لا يطلب شيئا غير العودة للسطح.

أضف لهذا أن هذه الأزمة لم تكن التعبير عن عمق إيماننا وإنما عن عمق حساسيتنا وعمق هشاشتنا، فهل من المعقول أن تهتز قلعة لأن ذبابة قذرة حطت عليها أو أن نستعمل المدافع الثقيلة ضد الذباب.

يبقى السؤال ما جوهر المسمى الذي لم يفلح مصطلح “الإسلاموفوبيا” في تسميته؟ من يسعى لنشر أبشع الصور عن الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية مثلا؟

“الإسلاموفوبيا مصطلح مبني على الخلط لتتوسع دائرة الخوف والكره من أقلية نشطة وغير ممثلة للإسلام إلى أغلبية ممثلة لكن لا حول لها ولا قوة تبدو وكأنها جاثمة على صدور هذه الأقليات العنصرية”

بديهي أنها جماعات يمينية متطرفة سياسيا في بلدان مثل هولندا وسويسرا والدانمارك وبلجيكا وفرنسا والنمسا وألمانيا، تكره الأجانب عموما والمسلمين تحديدا، في علاقة خاصة بقضايا داخلية محض تتعلق بالضغط على سوق الشغل والخوف على الهوية الوطنية نتيجة ارتفاع نسبة الأجانب، كل هذا في إطار المخزون التاريخي القديم والقريب ككره العرب في فرنسا عقب حرب الجزائر أو ككره الأتراك في ألمانيا.

كيف تستطيع هذه الجماعات توسيع نفوذها؟ طبعا باستغلال الأحداث الدامية التي شهدتها نيويورك ولندن ومدريد وبسلان وما تبعها من خوف وريبة في البلدان المستهدفة.

معنى هذا أننا لو استعملنا مصطلح “الأصولية الإسلامية المسلحة- فوبيا” أو بالإنجليزية “Islamism -phobia” وليس “Islam-phobia” لما جانبنا الصواب كثيرا.

العملية مبنية إذن على الخلط لتتوسع دائرة الخوف والكره من أقلية نشطة وغير ممثلة للإسلام إلى أغلبية ممثلة لكن لا حول لها ولا قوة تبدو وكأنها جاثمة على صدور هذه الأقليات العنصرية.

من له أيضا مصلحة في نفس الخلط؟ إنه الجزء الأصولي المسلح الذي يهاجم المدنيين خارج ديار الإسلام والذي تثير أعماله سواء داخل البلدان الإسلامية أو خارجها كل ما توحي به كلمة فوبيا.

فهؤلاء الذين يقتلون المدنيين خارج ديار الإسلام هم بالطبع الذين لهم مصلحة في متابعة الخلط بين واقعين جد مختلفين وإيهام أنفسهم وغيرهم أن الاعتداء عليهم أو مقاومتهم هو اعتداء على الإسلام.

وهم أيضا كنظرائهم على الضفة الأخرى خبيرون في استعمال هفوات العدو وتضخيمها لتوسيع رقعة نفوذهم. من هذا المنظار لا نستطيع إلا أن نسخر من الأنظمة الاستبدادية التي سارعت في المزايدة بقضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم تظن أنها تخدم مصلحتها وهي تنزلق في أجندة من تحاربهم حربا لا هوادة فيها.

وإن أردنا ألا نكون بيادق لأي طرف فلا خيار لنا غير القول إننا لا نقبل المفهوم كما لو كان بديهيا وأننا سنفككه إلى مكوناته وقد نلغيه أو نبدله بمصطلح أدق. وفي كل الحالات فإننا تجاه انتشار الصورة السيئة عن الإسلام خارج دياره:

1-لا نقلل من الظاهرة ولا نهوّل منها ونضعها في سياقها التاريخي ونتحمل نصيبنا من المسؤولية فيها دون جلد للذات، ونحمّل الآخر نصيبه من المسؤولية دون “بارنويا” وعقدة المؤامرات.

2-نرفض أن يُعتدى على مقدساتنا، أو أن يعامل مواطنو بلداننا بأي كيفية تخل بكرامتهم، كما نرفض أن ترهنهم مجموعات عنصرية أو تستعملهم كبعبع للوصول إلى السلطة حسب تقنيات قديمة قدم السياسة بتسليط مسؤولية المصاعب على الغرباء.

3-نرفض أن ترتهن مجموعات مسلحة عنيفة الإسلام لتشيع الخوف بين شعوب مسلمة، أو غير مسلمة نرفض الخلط بينها وبين حكوماتها.

ونحن إذ ندين العنف الموجه ضد المدنيين داخل وخارج حدودنا لا نسعى ليعجب بسماحتنا أحد أو أن نقول للغرب أو للروس أو أي شعب آخر انظروا كم نحن متسامحون وأي دين عظيم ندين به، ولكن لكي نكون جديرين بهذا الدين ولكي نتوافق مع أوامره ونواهيه وذلك تحت راية الآية الكريمة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

“المشكلة الكبرى التي يعاني منها المسلمون اليوم ليست “الإسلاموفوبيا” وإنما تأرجحنا بين الاستبداد بكل أقنعته الأيديولوجية والفوضى، ولنا في العراق أبشع مثال”

4-إننا واعون لأن الخلل الأصلي هو في بلداننا التي ولّد فيها الاستبداد عنف الجماعات المسلحة, لكن هذه الجماعات ردود مغلوطة على إشكاليات حقيقية لأنها تقودنا إما لتأبيد الاستبداد الحالي أو في حال نجاحها لتشبيب الاستبداد في شكل ديني.

وفي الخلاصة فإن المشكلة الكبرى التي يعاني منها المسلمون اليوم ليست” الإسلاموفوبيا” وإنما تأرجحنا بين الاستبداد بكل أقنعته الأيدلوجية والفوضى، ولنا في العراق أبشع مثال.

الحل الجذري لمآسي الإسلام ليس في اتخاذ وضعية الضحية ووضع مسؤولية إخفاقنا على الآخرين فهذا أمر لا يليق بحضارة عظيمة كحضارتنا، وإنما في استتباب نظام سياسي يوقف الرقاص المجنون المنطلق من الفوضى إلى الاستبداد ومن الاستبداد إلى الفوضى ليستقر في موضع وسط هو إجباريا تلاقي قيم الإسلام وتقنيات الديمقراطية.

آنذاك لن يكون تحسن صورة الإسلام والمسلمين خارج دياره إلا أقل الإنجازات أهمية بالقياس لما تحقق أخيرا بالمصالحة في بلداننا بين متطلبات الروح والعقل، بين ضرورة التجذر في ماضينا والانطلاق منه نحو مستقبل أفضل.

 

الجزيرة

المقترب الانقسامي للمجتمع القروي بالمغرب: التحليل والحدود (إرنست غيلنر نموذجا)

شكل المجتمع المغربي عموما، والقطاع القروي منه على الخصوص – منذ فترة ليست بالقصيرة – موضوعا للعديد من الدراسات والأبحاث التي لا يمكن، الجدال في مدى قوتها وجودة وغنى المعطيات التي ساهمت في تجميعها وعرضها. والدراسات المذكورة، كما هو معلوم، تنتمي لقطاعات معرفية وتخصصية متعددة ومتباينة : كالسوسيولوجيا، والاثنولوجيا، واللسانيات، والأركيولوجيا، والسيكولوجيا، والتاريخ، والأدب.

وقد تمخض عن هذه الدراسات الخصبة والمعمقة في الوقت عينه العديد من الآثار œuvres، والكثير من الوثائق، تراوحت بين المونوغرافيات، والنشرات، والتقارير، والبحوث والمذكرات … ما زالت تثير في وقتنا الراهن شهية الدراسة؛ والاطلاع، وتدعو إلى المزيد من التساؤل بصدد مناهجها، وإشكالياتها؛ والخلاصات التي توصلت إليها بغرض مراجعتها، وتقويمها أو من أجل رسم حدودها1 .

ارتبط مسلسل الدراسات الأولى، التي اتخذت فيما بعد سمة الكولونيالية في المغرب، باحتلال الجزائر سنة 1830. وتعود أسباب ذلك إلى كون فرنسا في تلك الآونة كانت بصدد التفكير في الانفلات من المصيدات التي سقطت فيها في بلدان أخرى، والتي اتخذت شكل المواجهة المسلحة العنيفة الشيء الذي جعلها تفكر في إرساء استعمار على قاعدة علمية تقطع مع كل أشكال إراقة الدماء التقليدية. ولربما هذا هو ما حدا بأحد منظري الاستعمار ألا وهو رايمون طوماسي كيما يؤكد بأن العلم والعلم وحده هو أول سلاح يلزم توظيفه بوصفه العامل الحاسم المعبد للأرض التي يتعين الزحف عليها2.هكذا إذن لاحت في الأفق؛ وبالضبط إثر هزيمة المغرب في موقعة إيسلي سنة 1844 سلسلة من النشاطات الاستكشافية بلغت ذروتها سنة 1880 مع الأب شارل دوفوكو3.

وتبعا لذلك حظي المجتمع المغربي باهتمام الزوار والمستكشفين الذين ما انفكوا يدونون أدق التفاصيل عن الجهات التي كانوا يعبرونها؛ حيث اهتموا بأنماط عيش السكان، وأنشطتهم، وأزيائهم، وتقاليدهم، وعاداتهم، ومؤسساتهم، وقيمهم، ونمط تفكيرهم نظير اهتمامهم بالمدن العتيقة، والتاريخية.

و إذا كانت التقارير الأولى قد اهتمت بالعالم الحضري على الخصوص، فإن العالم القروي لم ينل حظه من الدراسة إلا مع بداية القرن التاسع عشر حيث انطلق مسلسل الاستكشافات ذات الطابع السوسيولوجي، والأنتروبولوجي، والتاريخي التي أشرف عليها الحاكم العام في الجزائر: جول كامبون سنة 1890 فأثمرت على يد كل من مولييراس ودوتي اللذين قاما معا بجمع، ووصف، وتأويل كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية من تغذية، ولباس، وأعراف، وطقوس قروية4. كما تميزت أعمال أخرى بغلبة الطابع السردي، والنمط الحكائي، والوصفي الطافح بمعلومات على قدر كبير من الأهمية سياسيا، وسوسيولوجيا، وأنثروبولوجيا. نشير هنا مثلا إلى التقارير التي كان يدونها هاريس مراسل جريدة التايمز5 أساسا.

ومن بين المناطق المغربية التي حظيت باهتمام البحاثة الأجانب، نذكر المناطق الصحراوية، والحدود المغربية الجزائرية. فقد أثارت هذه المناطق اهتمام الباحثين وضباط الشؤون الأهلية بالجزائر.

فحينما أيقنت فرنسا أن المغرب، آيل إليها لا محالة قامت بإعداد دراسات مفصلة حول السكان، والثروات، والتاريخ المحلي. وتمثلت اللحظة الحاسمة التي عاشتها البلاد في احتلال واحة توات سنة 1899. ويمكن القول بأنه بدء من هذه السنة أعطيت الانطلاقة للقيام بما سيعرف لاحقا “بالدراسات النسقية”6حولطبيعة المجتمع المغربي التي نشطت مع حركة “البعثة العلمية” التي توجت أبحاثها بنشر: المحفوظات المغربية، والمحفوظات البربرية، ومجلة العالم الإسلامي بالإضافة إلى ترجمة، ونشر العديد من الوثائق المتعلقة بتاريخ المغرب، والدين الإسلامي؛ كما اهتمت هذه الدراسات الشمولية بالمخزن، والنسق القبلي، وظاهرة الزوايا المرابطية إلى جانب الاهتمام بالعالم القروي، والتربية، والثقافة السائدة7.

1-النسق المخزني:

أكد اغلب الباحثين الأوربيين؛ خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ؛بأن ثمة تشابها إلى حد كبير بين المجتمع المغربي وباقي بلدان شمال إفريقيا التي كانت تخضع لنفوذ الخلافة العثمانية. كما ذهبوا إلى أن المغرب يتوفر على عناصر تنظيم بيروقراطي إلى جانب تنظيم قبلي قوي ومحكم البناء ؛ وعلى هذا الأساس عمدت هذه الدراسات إلى الاهتمام بالهيئة المخزنية في علاقتها بباقي القبائل المغربية. وضمن هذا السياق تم النظر إلى السلطان باعتباره قطب رحى النسق السياسي المغربي. ومن أهم الأعمال التي ركزت على ذلك دراسة إيركمان الموسومة ب » المغرب الحديث« . فقد اجتهدت هذه الدراسة في إعطاء تفاصيل مدققة حول البلاط السلطاني والجيش المغربي فضلا عن وصف كتاب المخزن في »البنيقات « ومختلف الإداريين والأعيان كما اهتمت بوصف مميزاتهم ومستوياتهم الثقافية8.

هذا من جهة؛ومن جهة ثانية انتبه ايركمان؛ومن لف لفه، إلى الصراع الذي كان يطبع علاقة القبائل بالمخزن. فقد استنتجوا؛ من دراساتهم؛ أن سلطة السلطان لا تعدو أن تكون سلطة دينية محض لا سلطة زمنية نظرا لأن القبائل تعترف بالسلطان كرئيس ديني؛ وكرجل مكلف من قبل الله بالدفاع عن التراب ضد الغازي الأجنبي؛ ولأجل هذا تقام الصلوات باسمه9.

2- النسق القبلي والعالم القروي:

خلص الباحثون الأجانب من دراساتهم للقبائل المغربية ؛وفي إطار تدشينهم للقول بثنائية بلاد السيبة وبلاد المخزن10، المغرب النافع والمغرب غير النافع ؛التي ستفعل فعلها القوي فيما بعد سنة 1912 إلى أن سلطة المخزن لا تمارس سوى في جزء ضئيل من العالم القروي ؛وهو الجزء الذي يشمل أطراف المدن، والسهول، في حين ان المناطق الجبلية والمتاخمة للصحراء تعد مناطق الفوضى العارمة، والثورات، والقلاقل، والاضطرابات المستمرة.

3- الزوايا والمرابطية :

استرعت الظاهرة الدينية في المغرب اهتمام الباحثين الأجانب والرحالة الذين زاروا مغرب القرن التاسع عشر فرادى أو زرافات. وقد انتبه هؤلاء المستكشفون إلى وجود نوعين من الإسلام في المغرب :الإسلام الأول هو إسلام رسمي اورثوذكسي يتمركز في المدن وهو إسلام العلماء، والشرفاء، والفئات الارستقراطية المدينية. والإسلام الثاني هو إسلام شعبي ينتشر في العالم القروي ؛ويتضمن هذا النوع من الإسلام تقديس الأولياء الذي يعود بأصوله إلى التأثير الرمزي والسياسي لبعض الشخصيات المرابطية ذات الحظوة الكبيرة .

وقد أفاضت الدراسات الاثنولوجية في إعطاء تفاصيل حول المقدس بالمغرب . وفي هذا الصدد أكدت تلك الدراسات بأن المرابط يعتبر مصدرا أو سببا في الممارسة الطقوسية الشخصية أو الجماعية إذ إن الجماعة المحلية باعتبار حاجتها إليه؛ تطلب توسطه في كل ما يتعلق بالشؤون الدينية والاجتماعية الاقتصادية. يضاف إلى هذا أن الولي يتدخل في العالم الطبيعي قصد جعله ملائما للناس وقصد طلب الفأل الحسن فضلا عن أنه يتميز بحضوره الفاعل في السير العادي لشؤون الجماعة. ولربما هذا ما يفسر الإخلاص الجماعي/ القبلي؛ والجهوي بل وحتى الوطني لكبار المرابطين. وبمكنتنا أن نستشف من ذلك اختلاف وتنوع الالتزامات، والواجبات، ورموز الاعتراف بقوة هؤلاء الأولياء بمناسبة الزيارات أو التظاهرات الموسمية أو السنوية11.

على أن هذا التبجيل لا يقتصر على الأولياء والمرابطين الذين يتمتعون ب »البركة « فحسب ؛بل يتعداهم إلى تقديس ظواهر طبيعية أخرى كالقبور، والمزارات، والمغارات، وعيون المياه،وبعض النباتات…12.

إن هذه الممارسات التي أشرنا إليها تدخل، كما هو واضح ؛في سياق إسلام شعبي يشكل مزيجا من المعتقدات الموروثة المتجذرة في التاريخ؛ وخليطا من العقائد الإسلامية الأورثوذكسية…

4-سيكولوجية الإنسان المغربي:

انصب اهتمام البحث الغربي أيضا في المغرب على طبيعة الشخصية المغربية القاعدية personnalité de base وبأسس تربيتها، وبنسقها القيمي، والتقليدي كمحاولة للإحاطة بسيكولوجية الإنسان المغربي؛ولأجل هذا اتجه البحث صوب التأمل في طبيعة» العقلية الإسلامية « والأهلية للكشف عن مميزاتها وخصوصيتها. والملاحظ أن هذه الأبحاث كرست مقولات الاستشراق التقليدي وأنثروبولوجيا الفكر الغرائبي الذي تحكمه المرجعية الأرومركزية كمنطق؛ وتفكير إذ تم تقديم »عقلية الإنسان المغربي « بوصفها عقلية ميالة إلى الإفراط في التدين؛ وقاصرة عن القيام بالاستدلال التدريجي، والتأمل النظري الخالص. بالإضافة إلى كونها عقلية تنفر من محاولات التركيب والتحليل …إلى غير ذلك من النعوت المعيارية والقيمية التي وصفت بها »عقلية الإنسان المغربي13«.

أوردنا في ما سبق نظرة مقتضبة لمجموعة من الدراسات التي قام بها الفرنسيون من مستكشفين وباحثين حول المجتمع المغربي؛ وذلك خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومما لا شك فيه أن هذه المساهمات السوسيولوجية والأنثروبولوجية تشكل في الواقع وثائق أساسية لا غني عنها لكل باحث في العلوم الاجتماعية؛ والتاريخية، والأنثروبولوجية تتوق إلى دراسة المجتمع المغربي14.

غير انه بعد “الثورة المالينوفيسكية” في مجال علوم الإناسة تم التصدي للأفكار التطورية، والتاريخانية بسبب طرحها لمشكلة العلاقات بين المؤسسات الاجتماعية البريطانية من منظور تعادل الوظائف. ففي هذا الصدد بحث مالينوفسكي بمعية زميله رادكليف براون عن طريقة ما لتأسيس “علم طبيعي للمجتمع” ويهدف هذا العلم ، من بين ما يهدف إليه، حسب مالينوفسكي، إلى إنجاز دراسات إختبارية حول الشعوب البرية/ المتوحشة Sauvages، ترتكز على مصادرة أساسية تتمثل في اعتبار مؤسسات تلك الشعوب أنساقا ثقافية بالدرجة الأولى15، وأن دراسة الإنسان البدائي من شأنها أن تكون سبيلا لدراسة الإنسان عامة16

وعندما عمدت الأنثروبولوجيا الأنجلوسكسونية، وبالضبط البريطانية، إلى دراسة مجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط وافريقيا بعد الحرب العالمية الثانية ركزت بشكل رئيسي على ظاهرة السلطة داخل هذه المجتمعات. ومرد ذلك إلى أن البريطانيين رغبوا في دراسة الأنظمة السياسية المحلية17بهدف المزيد من إحكام الطوق عليها وهكذا برز في ميدان الأنثروبولوجيا نموذج تحليلي جديد للمجتمعات “البرية” سيعرف لاحقا بالتحليل الانقسامي كتحليل طفق يمارس جاذبية وإغراء لا يستهان بهما في مجال العلم الأنجلوسكسوني والذي سيبلغ أوجه في التطبيق على يد ثلة هامة من الباحثين أقصد بذلك: غيلنر، وواتربوري، ورايمون جاموس تحديدا18،إلا أنه فيمحاولتنا هذه سنركز على الباحث غيلنر كنموذج لهذا التحليل. وفي هذا الصدد سنتساءل:

ماهي جذور النظرية الانقسامية؟ وما هي عناصر التحليل الانقسامي؟ ثم ما هي مرتكزاته المعرفية؟ وكيف تم تطبيق هذا النموذج التحليلي من قبل أبرز علماء الأنثروبولوجيا البريطانيين المعاصرين ونقصد بذلك غيلنر؟ واخيرا لا آخرا، ما هي إمكانيات وحدود تطبيق التحليل الانقسامي ؟

حاول الأستاذ الراحل بول باسكون (1923-1985) في إحدى دراساته البحث عن جذور مفهوم “انقسامية” أو “تقاسمية”؛ فخلص إلى القول بأن المفهوم مأخوذ من مصطلحات علم الحيوان أكثر مما هو مأخوذ من مجالي الفيزياء، والرياضيات. فالحيوانات المسماة انقسامية مكونة تكوينا معينا يمكن معه للحيوان الواحد أن ينقسم على نفسه قسمين مخرجا إلى الوجود كائنين قادرين على الحياة19.

ويعتبر إميل دوركايم (1858-1917) أول باحث وظف مفهوم “انقسامية” في ميدان علم الاجتماع معتمدا في ذلك على معطيات أثنوغرافية مختلفة كتلك الواردة في دراستي هانوتو ولوتورنو من جهة، وماسكري من جهة ثانية20، بحيث أعد نظرية البنية الاجتماعية القائمة على مفهوم التضامن وذلك في عمله: » في تقسيم العمل الاجتماعي«21.فقد بين بأن المجتمعات الإنسانية تنتقل بالتدريج خلال صيرورتها التاريخية، من أشكال التضامن الميكانيكي إلى أشكال التضامن العضوي، أي من أشكال التضامن الناهضة على أساس التشابه بين العناصر المكونة للمجتمع إلى نمط آخر من التضامن يفرض الاختلاف؛ والتكامل الناجمين عن تقسيم العمل الملازم للنمو الديموغرافي.

وهكذا فإن أشكال التضامن العضوي هي التي تسود أوروبا المعاصرة، في حين أن مجتمعات التضامن الميكانيكي هي مجتمعات العشائر؛ والتكتلات البسيطة المتميزة بانقساميتها22. يكتب دوركايم في هذا الصدد “نقول إن هذه المجتمعات انقسامية، لأنها مبنية على تكرار تكتلات تتشابه فيما بينها، مثل الحلقات المتتالية، ويمكن تسمية الكتلة عشيرة باعتبار أن هذه الصيغة تعبر عن طبيعة مزدوجة: عائلية وسياسية في آن واحد. والواقع أن هنالك قرابة دم تجمع بين جل أفراد العشيرة، الشيء الذي يخلق بينهم شعورا بروابط القرابة”23.

وبوسعنا تلخيص أهم سمات المجتمعات الانقسامية في النقاط التالية :

– محورية النسب وأسطوريته إذ يتم الاعتقاد في الجد المشترك المؤسس.

– ضعف تقسيم العمل الاجتماعي حسب فئات العمر وحسب الجنس أيضا.

– أهمية وأولوية نظام القرابة؛ والروابط العائلية، وروابط الدم لأن هذه العناصر متظافرة تشكل القوة الجاذبة نحو المركز، ويمكن أن نضيف إلى هذه العناصر عدم تفرد الملكية.

– لامركزية السلطة، بحيث ينجم عن هذه اللامركزية ما يسميه إيفانز بريتشرد “الفوضى المنظمة”. فالمجتمعات الانقسامية لا تتوفر على جهاز سياسي متخصص، كل ما يوجد هنالك هو شخص ينتمي لسلالات معينة قد يكون أجنبيا، فيقوم من ثمة، بدور الوساطة بين المتخاصمين ويعرف في قبائل “النوير” الافريقية بـــ “ذي فروة الفهد” ويعرف في القبائل المغربية بــ “أكرام” أو المرابط أو الولي أو الصالح.

– قوة الوعي الجمعي.

– أهمية العامل الديني كعامل للضبط الاجتماعي.

– شعار المجتمع الانقسامي يتمثل في المقولة التالية : “لنتجزأ كي لا يحكمنا أحد”24

على أن التوازن بين مختلف القسمات يحصل بفعل عمليتي الانصهار والانشطار. فالانشطار يتمثل في تعارض القسمات فيما بينها؛ والانصهار هو تكتل مجموع القسمات ، كلما تهددها خطر خارجي، في إطار لفوف وصفوف25تكون بمثابة قوى متساوية مما يضمن للنسق الاجتماعي استمراريته واستقراره26.

ويمكن تفسير ذلك من خلال هذا الجدول :

ويعني ذلك أنه حينما تتعارض ز1 مع ز2 لا تنضم القسمات الأخرى للصراع. ولكن حينما تتصدى ز1 ل ص 1 يتحالف ز1 مع ز2 ليشكلا تحالفا واحدا هو ص 2، كذلك عندما تتعارض ص 1 مع س 1 فإن ص 1 وص 2 تتحالفان داخل لف ب للحفاظ على التوازن27.

والحال أن الدراسة التي أنجزها دوركايم حول المجتمع القبائلي، وقوله بانقسامية هذا المجتمع، لم تلق أصداء في أوساط الباحثين؛ كما لم تحظ نمذجته بالاهتمام المستفيض سوى في ثلاثينيات القرن العشرين وتحديدا لما اكتشفت الأنثروبولوجية البريطانية دوركايم ومارسيل موصMauss (1950-1872)، وفي هذا الإطار كان إيفانز بريتشرد مساعد رادكليف براون (1881-1955) أول من عاين نماذج من المجتمعات الانقسامية وذلك في دراستين مهمتين:

أ‌-الدراسة الأولى: وهي الدراسة التي خص بها قبائل “النوير” NUER السودانية حيث حلل أنظمتهم الاجتماعية التي يطبعها التعقيد والتشابك.

فقبائل النوير قبائل تعيش متقوقعة على نفسها لأن كل قرية معزولة عن غيرها. وتشكل الأنساب ضمنها وحدات اقتصادية ثابتة تتعاطى لتربية المواشي؛ والزراعة، والصيد في آن معا. أما علاقات النوير مع جيرانهم فهي علاقات يطبعها العداء خصوصا مع “الدنكا”. فالأساطير تفرض على النوير غزو الدنكا باستمرار.وإذا كان الأمر كذلك على مستوى العيش؛ والتنظيم الاجتماعي عامة فإن التنظيم السياسي يتميز بكونه بنية متألفة من عناصر متداخلة فيما بينها. وتجدر الإشارة إلى أن القرية تشكل الوحدة الاقتصادية الثابتة ، في حين تمثل المقاطعة الوحدة السياسية القارة، والقبيلة تعتبر الوحدة السياسية الأكثر اتساعا.

وقد خلص بريتشرد من دراسته هاته إلى القول بأنه لا وجود لنظام سياسي واضح المعالم ومتعارف عليه لدى النوير ذلك لأن القسمات داخل القبيلة تنزع إلى التعارض باستمرار كما تنزع إلى التحالف فيما بينها كلما هددها خطر خارجي.

ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤسسة التي تقوم بالحفاظ على التوازن بين القسمات هي مؤسسة ” ذو فروة الفهد” الذي يشرف على عمليات المصالحة والفصل في مختلف النزاعات التي تحصل بين العشائر والأشخاص28.

ب‌-الدراسة الثانية :وهي الدراسة التي أنجزها حول الحركة السنوسية بليبيا سنة 1949 وهي الحركة الصوفية التي امتدت فروعها عبر ربوع ليبيا من سنة 1837 إلى بداية الاجتياح الايطالي.

وبعد مرور حوالي عشر سنوات على تينك الدراستين لبريتشرد طرح من جديد موضوع المجتمعات العربية القبلية، مع الباحثين الأنجلوسكسونيين، من خلال الاعتماد على فرضيات، ومنطلقات النموذج الانقسامي. وهكذا بدأت منذ 1959 تتوالى دراسات كل من بارط، وبيترز، ومورفي، وماركس، وكاسدان الذين أكدوا على أن للقبائل العربية ذات الخصائص الأساسية التي تميز باقي المجتمعات ذات الطبيعة الانقسامية. فقد مكنت دراساتهم من تطوير وإغناء أسس وآفاق الانقسامية على المستويين النظري والميداني. ولعل من أبرز الباحثين الذي استلهموا النموذج الانقسامي؛ مثالا لا حصرا؛ الباحث إرنست غيلنر في كتابه الشهير صلحاء الأطلس29. ويمكن مقاربة الإشكالية العامة لهذا العمل في تساؤلين اثنين:

-ما هي الخصائص البنيوية للقبيلة المغربية؟ وموازاة مع هذا كيف تستطيع القبيلة المغربية المحافظة على أمنها وتوازنها في غياب سلطة مركزية قوية أي في غياب الدولة؟

يعتبر غيلنر، بدون شك أشهر من طبق في دراسته المشار إليها حول قبائل الأطلس الكبير المركزي؛ النظرية الانقسامية كنموذج منهجي مثالي30، على اعتبار أنه كان مقتنعا تمام الاقتناع بأن قبائل شمال إفريقيا قبائل انقسامية بامتياز. لذلك ظل يؤكد على أن المبادئ الانقسامية هي وحدها الكفيلة بل والملائمة لفهم الإواليات التي تحكم وتتحكم في تلك القبائل.

ينتقد غيلنر بشدة مساهمة البحث الفرنسي في دراسة الحياة السياسية للأمازيغ بسبب تجاهلهم للبنية القبلية الانقسامية. فالباحثون الفرنسيون لم يتمكنوا، في تقديره، من فهم الطريقة التي تنتظم بها قبائل الأمازيغ أمام غياب كل مؤسسة سياسية متخصصة31بسبب غياب سلطة مركزية داخل القبيلة فضلا عن ان السلطة السياسية تكون مشروطة بوضعيات معينة…32″

ومبررات ذلك أن الأمغارات ينتخبون في سياق نظام يحكمه العرف بالدرجة الأولى؛ ويحدث ذلك على الشكل التالي: مثلا إذا كانت هنالك ثلاث عشائر :أ-ب-ج ؛ففي السنة الأولى ينتمي الأمغار (الرئيس) إلي العشيرة أو ينتخب من قبل ب وج؛وفي السنة الثانية ينتمي إلى العشيرة ب ويتم انتخابه من طرف أعضاء أ وج. وتجدر الإشارة إلى أنه من غير المقبول إعادة انتخاب أمغار مرتين متتاليتين كما أن عملية الاقتراع لا بد وأن تتم في موضع محايد يخضع لنفود ولي صالح يدعي “أكرام”33.

ومما أثار انتباه غيلنر هو أن سلطة الامغارات المنتخبين سلطة هشة نظرا لأنهم لا يحوزون على وسائل مادية كفيلة بزجر العنف؛ ولا يتوفرون على شبكة من المصالح الإدارية أو الأمنية. إنهم يستندون فقط على الضغط المعنوي الذي يمارسه «الرأي العام» داخل القبيلة وعلى الاواليات العادية للمجتمعات الانقسامية التي يحركها غضب فرقة من زمرة إن هي تعرضت لإهانة ما34.

ويغلب على ظن غيلنر أن هذا النظام هو الذي ساعد قبائل الأطلس الكبير المركزي على تفادي السقوط في قبضة الاستبداد القاسي الذي هيمن بصورة عابرة على الجزء الغربي من الأطلس الكبير خلال القرن العشرين35؛مما جعلها تعيش أقصى درجات الهامشية بحيث تتمفصل مع السلطة المركزية لكنها مع ذلك تتخذ مسافة معينة منها. على أنه في إطار هذه الهامشية تستطيع القبائل ضمان استمراريتها والمحافظة وعلى توازناتها بفعل حضور أكرام أو الصالح.36فالمرابطون ؛حسب غيلنر ؛رغم كونهم يقطنون في المناطق المحايدة بين القبائل؛ فإنهم يضطلعون بأدوار من الأهمية بمكان داخل القبيلة مثل تنظيم المبادلات التجارية ومساعدة الزوار الذين يفدون على الأسواق المجاورة لهم وضمان أمن الحدود37؛ وتنظيم انتخابات من أجل اختيار الأمغارات؛ إلى جانب اضطلاعهم بدور فض النزاعات بين المتخاصمين … وتعود أسباب ذلك إلى كونهم شخصيات “محايدة ومسالمة” وفوق كل نزاع قبلي انقسامي؛ ولربما هذا هو ما أهلهم للقيام بأدوار تحكيمية بحسبان أنهم يتوفرون على وسائل الإقناع وعناصر الوساطة؛ خصوصا وأن رجال القبائل يعتقدون بان سلطة المرابط سلطة روحية هائلة تصدر عن الله وليس بوسع البشر رسم حدود لها.38

نقد النموذج الانقسامي:

تعترض غالبية الدراسات والأبحاث التي أنجزت من قبل الباحثين الفرنسيين والأنجلو سكسونيين حول المجتمع القروي المغربي “عوائق ابستمولوجية” كبرى تحول دون معرفة موضوعية دقيقة بالواقع الاجتماعي المغربي39؛ا ذ يظل الجزء الأكبر من المونوغرافيات حول القبائل وكذا حول المجموعات القروية مشبعا بنزعة أثنولوجية ذات رنين تاريخاني أورومركزي. ويمكننا أن ندرج في هذا الإطار النظرية الانقسامية التي يرتكز طرحها وحيثياتها على مقولة “الفوضى القبلية” .

وبناء على هذا نسجل المؤاخذات الآتية على المقاربة الإنقسامية:

أ‌- إسقاط النموذج:ونعني بذلك أن الانقسامية سقطت في فخ النموذج الذي كان دوركايم قد رسم معالمه فيما سبق واستكمل انجازه ايفا نز بريتشرد في إطار مجتمع نيلي40له خصوصيات تميزه عن المجتمع الإسلامي في منطقة برقة.إن بريتشرد اقتصر على نقل النموذج على النحو الذي استخلص من واقع قبائل النوير دون تعديل؛ وأضاف إليه عناصر من تاريخ الحركة السنوسية في علاقاتها مع الإدارة العثمانية ثم مع ايطاليا غداة غزوها لليبيا.

ومن المعروف أن هذا النموذج تم توظيفه من قبل الانقساميين لدراسة القبائل المغربية. من ثمة اتجه النظر إلى اعتبار البنيات الاجتماعية المغربية مماثلة إلى حد كبير للبنيات الاجتماعية التي درسها بريتشرد.

ب‌- إهمال البعد التاريخي والتراتب الاجتماعي:يضاف إلى ما سبق أن التناقض البارز الذي وقع فيه الانقساميون هو التناقض مع واقع القبائل التي قاموا بدراستها وهذا هو الذي أدى بهم إلى فصل القبائل عن سياقها التاريخي العام؛ والذهول عن صيرورة الأحداث المكونة لها إلى جانب القول بستاتيكية المجتمع المدروس41، والإعراض عن دراسة التراتبات الاجتماعية جراء القول بالمساواة بين الأفراد فيما يتعلق بالحقوق. على أن الأستاذ عبد الله حمودي؛ في دراسته النقدية لانقسامية غيلنر؛ بين كيف أن هذا الأخير لم يفطن لأمر وجود عائلات كبرى تحظى بالتقدير الكبير من لدن العطاويين وهم المعروفون بـــ “اختارن” مفرد “أختار” وتعني الكلمة الشيخ أو الكبير/كبير القوم . فـــ » إختارن« هم الذين يحتكرون الرئاسة نظرا لعراقة نسبهم وكرمهم.يقول حمودي في هذا الإطار : “يحدد النسب ظاهريا القسمات الاجتماعية باعتبارها مفهمة للمجموعات البشرية ولمستويات الانقسام التي تحتلها وكذلك لنقاط الانصهار والانشطار.غير أن هذه القسمات ليست متساوية. كذلك الأمر بالنسبة للأفراد إذ أن الأصل يستحضر في الوقت المناسب لإضفاء المشروعية التاريخية على التفاوت القائم”42.

ويضيف الأستاذ حمودي إلى ما سبق أيضا : “على سبيل المثال تستطيع بعض السلالات أو بعض الأسر أن تدلي بشجرة تشهد على انتسابها إلى جد القبيلة عبر سلسلة متصلة من الأجداد ؛في حين يتعذر ذلك على بعض الأسر الأخرى ولا تحظى ادعاءاتها النسبية باعتراف الجماعة ؛إذا كان النسب يمد بمفهمة للانقسام ؛فانه يقيم كذلك أساسا للتراتب، وللنفوذ مع كل ما ينتج عن ذلك من نتائج عملية على المستوى السياسي بوجه خاص”43.

ج- إهمال أشكال الملكية: وفضلا عن ذلك إن ما يبعث على الاستغراب والدهشة لدى الباحثين ذوي المنحى الانقسامي إهمالهم لمسألة تحليل أشكال الملكية داخل المجتمعات القبلية؛ وذهولهم الشديد عن البت في تأثير الإسلام على نظام الملكية. إن النموذج الانقسامي عجز عن تحديد أنواع التناقض بين أشكال الملكية؛ ونماذج الانقسام كما عجز عن إعطاء الحلول الجزئية التي يلجأ إليها السكان من أجل الدفاع عن أراضيهم ناهيك عن البحث في أنواع النفاوت الاجتماعي الذي يبدو على مستوى توزيع السلطة44

د- نقد نظرية الجد المشترك: حينما ركزت النظرية الانقسامية على مسألة الجد المشترك الذي تنحدر منه القبيلة فإنها بذلك جانبت الصواب كثيرا. فالواقع يثبت بما لا يدع مجالا للارتياب، أن الجد المشترك المزعوم قد لا يكون جدا فعليا. ولتوضيح ذلك يرى الأستاذ حمودي بأنه بسبب الصراعات القبلية المستمرة يحدث أن تستولي قبيلة ما على أدوار أو على قبيلة أخرى فيتم إدماج المجموعات المغلوبة ضمن المجموعات الغالبة؛ ومنح أعضائها حق اللجوء، والضيافة وفي نهاية المطاف إعطاء أسماء جديدة للمناطق التي تم إخضاعها، ومثال ذلك أن قبيلة آيت عطا كانت قد استولت منذ الأيام الأولى للحماية على عدد كبير من واحات درعة فضمت إليها الأشجار، والأراضي، والمياه، وأقامت فيها مستوطنات. وحول هذا كتب الأستاذ حمودي: “إننا هنا بكل تأكيد أمام ظاهرة شائعة جدا تتمثل في تبني العناصر المغزوة ودمجها من طرف الغزاة45. ويردف حمودي قائلا: “بهذا الأسلوب يبرر الغزاة شرعية وجودهم واستحواذهم على أراضي القرية، كما يحاولون إعطاء صورة متجانسة بالنسبة للخارج عن المجموعة التي يشكلونها مع “مستقبليهم”46.

إن استخدام مقولة الجد المشترك يمكن فهمها انطلاقا من وظيفتها الهادفة إلى تحديد هوية المجموعة؛ والرامية إلى المساعدة على التمييز داخل المجموعة نفسها بين الأسلاف الفعليين وما عداهم أي بين الغزاة والخاضعين لهم، ولهذا السبب وحده لا يتم انتخاب رئيس القرية سوى من ذرية الجد47.

هـ- المرابطون وطوبى التحكيم:

يتبين مما سبق أن غلينر يعطي أهمية قصوى للمؤسسة المرابطية في الحفاظ على توازن القبيلة؛ وضمان السير العادي للانتخابات، وفض النزاعات المختلفة التي تحصل بين الفينة والأخرى. فقد اعتبر غيلنر أن الصلحاء يشكلون أسرا مبجلة مجردة من السلاح؛ ويتصفون بأقصى ما يمكن من الحياد والمسالمة باعتبار وظيفة التحكيم التي ينهضون بها والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تعتبر فئة الصلحاء فعلا فئة مسالمة كما ذهب إلى ذلك غيلنر؟

تفيد بعض الدراسات التي أنجزت في حقل التاريخ الاجتماعي المغربي أن الصلحاء كانوا رجال حرب من الدرجة الأولى؛ فقد كانوا يكلفون بمهام إخماد الفتن؛ وشد أزر السلطان عبر التعاون وممثلي المخزن المحليين لإخضاع السكان إما، بالترهيب وإما بالترغيب، فالولي طالما أنه ينتمي لمنطقة نفوذه، يكون على دراية تامة بأحوال أهلها؛ وأعيانها، وعلى علم أيضا بتحركاتهم… وهذا ما يجعله مؤهلا ليكون صلة وصل بين القبائل والحكم المخزني، ويمكن ان نورد في هذا المضمار أمثلة على هؤلاء المرابطين/ الأعوان الذين كانوا يضطلعون بأدوار تيسر مهمة السلاطين وخلفائهم:

– نموذج الحسين أهاشم في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان.

– شيخ الزاوية الوزانية.

– شيخ الزاوية الشرقاوية48.

و في السياق نفسه ذكر الأستاذ عبد الله حمودي بأن صلحاء زاوية أحنصال التي درسها غيلنر كانوا يتميزون بقدرة هائلة على إخماد الفتن بالقتال الضاري الشيء الذي يجرنا إلى القول بأن “الأكرام” زعيم عسكري يقود جموعه التي يرتكب بها أحيانا مجازر وحشية في حق معارضين الأمرالذي يضحى معه خطرا على السلطان نفسه كما حدث مع الولي سيدي يوسف أحنصال. وهو ما يقذف بنا إبى القول بأن مسالمة الصلحاء، وأدوارهم التحكيمية بين القسمات المتنازعة؛ كما لاحظ غيلنر، تظل في تقديرنا في غاية النسبية.

إحالات مرجعية وهوامش

[1] – Houroro (F.M.) : 1988, « Sociologie politique coloniale au Maroc, cas de Michaux-Bellaire » Afrique Orient, pp. 9 -10.

2 – Burke III ( E) : 1979, « La Mission scientifique au Maroc, sciences sociales et politiques dans l’âge de l’impérialisme », IN : Actes de Durham, recherches récentes sur le Maroc moderne, pub.du B.E.S.M. documents. p :39 أنظر أيضا: عياش (جرمان) 1986، دراسات في تاريخ المغرب. الرباط ص11-13

3 – De Foucauld (V.Ch) :1985, Reconnaissance au Maroc (1883-1884) Paris.Editions d’aujourd’hui.

4 – Moulieras (A) : 1902, Le Maroc inconnu, étude géographique et sociologique, 2 Volumes, Paris, Challamel.

__ Doutté (E) :1914, en tribu, Paris, Geuthner. __Douté (E) : 1905, Marrakech, Paris.

5- Harris (W) : 1929, Le Maroc disparu, Paris, Librairie Plon.

6 – Michaux-Bellaire(E) : 1925, La mission scientifique du Maroc, conférence faite au cours des affaires indigènes, Cours des affaires indigènes, pp.3-22.

7 -Ibid.p.6.

8 – Erckmann (J) :1885؛le Maroc moderne ؛Paris Challamel pp 244-245-246 et Sq.

9 -Michaux-Bellaire(E) :1909 « L’organisme marocain » R.M.M.N°9.PP.1-2.

10 – يسمى بعض الباحثين هذه الثنائية ب :La Vulgate marocaineانظر في هذا الصدد:

D . Seddon :sa préface à l’édition anglaise de :R Montagne : « The Berbers.their social and political Organisation ».IN Regards sur le Maroc .actualité de R : Montagne . préface de J.Chirac. Paris.pub du C.H.E.A.M.1986.P.110

1[1] – Bouasla (E) –Bentahar (M) : 1988, « La sociologie coloniale et la société marocaine 1830-1960 », IN : La sociologie marocaine contemporaine, bilan et perspectives, Rabat, Pub. De la faculté des lettres et des sciences humaines, serie colloques et séminaires, N°11 p.35.

[1]2 – Pascon (Paul) : 1986, Mythes et croyances au Maroc, IN 30 ans de sociologie du Maroc. B.E.S.M.N° double :155-156. Pp : 73-74.

[1]3 – Hardy (G) : 1926, L’âme marocaine d’après la littérature française, Paris.pp.20-67.

14- التوزاني (نعيمة هراج): 1979، الأمناء بالمغرب في عهد السلطان مولاي الحسن 1873-1894 موافق 1290-1311 ه الرباط. منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية. سلسلة أطروحات ورسائل، مطبعة فضالة- المحمدية. أنظر مقدمة جرمان عياش ص ص 5-11.

و أيضا : عياش (جرمان): دراسات في تاريخ المغرب، مرجع مذكور: ص ص 47 – 50. حيث لا يقتنع جرمان عياش بأطروحات ووثائق السوسيولوجيا الكولونيالية إذ يعتبرها ضحلة وناقصة من الناحية المعرفية، من تم وجه تلامذته الباحثين إلى ضرورة التنقيب عن الوثائق الوطنية والمحلية لإعادة كتابة التاريخ الوطني ولسد ثغرات العلم الكولونيالي.

[1]5 – Pitt- Rivers (J)- Kayser (B) : 1986, « Anthropologie méditerranéene », IN : Benard Kayser : Les sociétés rurales de la Méditerranée, Aix-en-Provence, Edisud.pp.5 et 6.

16 – حرب (علي): 1983، الهوية الثقافية: السياسية من منظور أنثروبولوجي، تقديم لــ “أثريات العنف” لكلاستر. مجلة الفكر العربي، عدد مزدوج : 33 – 34، السنة، الخامسة، آب/ غشت 1983. ملف: المجتمع والسلطة : دراسات في أنتروبولوجيا السياسة والاجتماع، الجزء 1 . ص 76.

[1]7 – Middelton (J)- Tait (D) : 1958 ; Tribes without Rulers , Studies in African Segmentary Systems ; London ; Mair (L) M 1962, Primitive government.

[1]8 – Voir : Gellner (F) : 1969, Saints of the Atlas, London. Weidenfeld and Nicolson ; Jmous (R) : 1981, Honneur et baraka, les structures sociales traditionnelles dans le Rif, Maison des sciences de l’homme et Cambridge University Press ; واتربوري (جون) :1982، الملكية والنخبة السياسية في المغرب، ترجمة ماجد نعمة، عبود عطية، بيروت، دار الوحدة.

[1]9- Pascon (P) : 1979, « Segmentation et stratification dans la société rurale marocaine ». IN : Burke III op.cit.pp. 107-108.

20 – Masqueray (E) : 1886, Formation des cités chez les populations sédentaires de l’Algérie, Paris ; Leroux ; Hanoteau (A) et Letouneux (A) : 1893, la Kabylie et les coutumes Kabyles. Paris Challamel.

21 – Durkheim (E) : 1996, De la divison du travail social, Paris, PUF.

22-Op.Cit.pp.98-102.

23-Op.Cit.p150.

24 -Sadki (A) : « Sur la théorie de la segmentarité appliquée au Maroc », Hésperis XXIII, Fascicule unique.p.107.

25 – تسمى في جنوب المغرب خصوصا في الأطلس الصغير الغربي: تحكات وتكزولت.

26-Berdouzi (M) : 1986, « Robert Montagne et les structures politiques du Maroc pré-colonial ».IN : Regard sur le Maroc.op.cit.p.138.

27 – Khatibi (A) : 1983, Maghreb pluriel, Paris. S.M.E.R et Denoel, pp.98-99.

28 -Evans-Pritchard (E) :1968, les Nuer, traduction française, par Louis Evard, Paris, Gallimard.

29- Gellner (E) : 1969, op.cit.

30 -C.f ; Gellner (E) : « Comment devnir marabout », B.E.S.M N° double 128-129.

31- Sadki(A) : Op.cit.p.105.

32 – 106:p.Ibidولو أن غيلنر انتقد الفرنسيين، فإن مع ذلك اعتمد على مفهوم “الديمقراطية” في هذه القبائل كما بلور ذلك هانوطو ولوتورنو وصاغه مونتاني، أنظر في هذا الصدد :

a- Montagne (R) : 1953, Révolution au Maroc, Paris, ed. France-Empire, p.46 et Sq.

b- Montagne (R) : 1986, « La vie sociale et politique des bérbères », IN : Regards sur le Maroc.

Op.Cit.p.53 et Sq.

33 – بنسالم (ليليا) 1988، “التحليل الانقسامي لمجتمعات المغرب الكبير، حصيلة وتقييم”، موجود في: الأنثروبولوجيا والتاريخ، حالة المغرب العربي، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، الدار البيضاء، دار توبقال، ص 21.

34 – غيلنر (إرنست): 1988، “السلطة السياسية والوظيفة الدينية في البوادي المغربية”، موجود في : الأنثروبولوجيا والتاريخ. م.س، ص ص 48-49.

35- المرجع نفسه، ص 49.

36- Morsy (M) : 1985, « Réflexion sur le système politique marocain dans la longue durée historique ». In : L’espace de l’Etat au Maroc et dans le tiers monde, Rabat, Edino, p.93.

37- Skelly Ponasik (D) : « Les fonctions modernes du souk marocain » B.E.S.M, N° double : 128-129.p.155.

38- حمودي (عباد الله ): 1988، “الانقسامية والتراتب الاجتماعي والسلطة السياسية والقداسة، ملاحظات حول أطروحة غيلنر”: موجود في ليليا بنسالم. م.س، ص 64.

39 – بنسعيد العلوي (سعيد) 1994، “صورة المغرب في الاستشراق المعاصر”، مجلة الاجتهاد، العدد 25، السنة السادسة، ص ص 121 – 122.

40 – نسبة لنهر النيل.

40- واتربوري (جون) : 1982، الملكية والنخبة السياسية في المغرب، مرجع سابق.

42 – حمودي (عبد الله) : 1988، مرجع سابق، ص 69.

43-المرجع نفسه، ص 69.

44 – Bensalem (L) : 1982, « Interêt des analyses en termes de segmentarité pour L’étude des sociétés du Maghreb », R.O.M.M. N°33. P. 130.

45- حمودي: م.س، ص 66.

46-المرجع نفسه والصفحة ذاتها.

47- المرجع نفسه، ص 67.

48-المحمدي (علي): 1989، السلطة والمجتمع في المغرب، نموذج آيت باعمران، الدار البيضاء، دار توبقال، ص 95-100.

حقوق المؤلف محفوظة “للمركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية”

الكاتب: ناصر السوسي

المصدر

الاتحاد المغاربي والرؤوس والكسكوس

د. محمد بدي ابنو

“المقياس الأكثر وضوحا هو إعادة فتْح خدمات الطرق والسكك الحديدية بين الجزائر والمغرب، و هي المهمة التي لا تتطلب من العمل إلا بضعة أسابيع “. غاري كلايدهوف باورا و كلير برونيل  في دراستهما : “الإقليم المغاربي و الاندماج الاقتصادي العالمي”

ـ1ـ

يحبُّ صديقنا “بول بالتا” أن يروي أنه في بداية عمله كصحفي في دول المغرب سأل أحد أصدقائه عن الصفات المشتركة لشعوب هذه البلدان. فكانت الإجابة أن ما يجمعهم هو “حكّ الرؤوس ولبس البرنس وأكل الكسكوس″.

قد يكون فعلا حكّ الرؤوس وأكل الكسكوس يعبران بشكل خاص، واقعا ومجازا، عن نمطٍ من السلوك السياسي الذي حكمَ وربما ما يزال يحكم مستوى معتبرا من العلاقات التي تربط الأنظمة الحاكمة في دول المغرب. صحيح أنّ التّجانس المذهبيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ والاستمرار الجغرافيّ يمثّل ميزة يُفتَرض أنّها تمنح دول المغرب فرصا أكثر في التّكامل. وصحيح أنّ طموحات بعض هذه الدّول في إيجاد موقعِ قدمٍ جدّي في فضاءات أخرى موازية قد فشلتْ بنسبة كبيرة خصوصا منذ بداية تراجع الحرب الباردة. ولكن صحيح أيضا أنّ الـ27 سنة التي مضتْ من عمر الاتحاد قد أظهرتْ أن المشترك السياسي لم يتجاوز كثيرا مستوى الإجابة المسجوعة.

ـ2ـ

تُجمِع المعطيات المنشورة على أنّ نسبة التّبادل التجاريّ البيني في فضاء دول المغرب الخمس أقلّ من ثلاثة بالمئة من مجموع تبادلاتها التّجارية الخارجية. بينما يصل التّبادل التّجاريّ البينيّ مثلا في فضاء الاتّحاد الأوروبيّ نسبة 67 بالمئة من مجموع التّبادلات التّجاريّة الخارجيّة لدول الاتّحاد. تُظهر هذه النّسبة الإشكاليّة الأساسيّة الّتي عانتها مؤسّسات الاتّحاد المغاربيّ منذ إنشائها رسميّا في 17 فبراير 1989. لقد كانت الفكرة حينها هي أنّ الخلافات بين الدّول المغاربيّة هي أساسا سياسيّة موروثة عن استقطابات الحرب الباردة. وأنّ مناخ ما بعد هذه الحرب سيدفع شيئا فشيئا إلى تراجع الخلافات السّياسيّة. وأنّ تهيئة تراجع هذه المشكلات بين الأنظمة هو فصلها عن المصالح اليوميّة لمواطني الدّول الخمسة عن طريق تكامل اقتصاديّ تدريجيّ والسّماح بالتنقل الحرّ للأفراد والبضائع والخدمات والرساميل. وأنّ هذا التكامل التدريجي سيمثّل أرضيّة تُحَجِّم شيئا فشيئا نقاط الخلاف السّياسيّ وتدفع الرّأي العامّ إلى تجاوزها. وبداهة كان مناخ تشكّل عشرات التكتلات الاقليمية في أواخر الثمانيات عاملا محفزا. كما أنّ انتهاء الحرب الباردة قد أشعرَ الأنظمة المغاربيّة حينها أنّ المنظومات الأمنيّة الدّوليّة الّتي كانت “سندها” هي إمّا قيد الاندثار أو قيد إعادة التّشكّل حسب الدّول. إلى ذلك كان التّكامل الأوروبّيّ (حينها المجموعة الاقتصادية الأوروبّيّة) هو النّموذج الحاضر في الإنشائيات التسويقية. ما كان يُستنفرُ هنا في هذا المثال هو طبعا كون الدّول الأوروبّيّة، الّتي عرفتْ ليس فقط خراب الحرب الكونية الثانية (ما يناهز 50 مليون قتيل) ولكن سلسلة من الحروب الطّويلة والنّزاعات الوطنية، نجحتْ “أخيرا” عبر البوّابة الاقتصاديّة ( تجارة الفحم والصّلب) في تحييد الخلافات السّياسيّة تدريجيّا. نجحتْ إلى درجة أن ألمانيا وفرنسا تخطتا الخلاف حول انتماء الأَلْزَاس وَاللُّورِين رغم سلسلة الحروب الإبادية الّتي خاضتاها بسببهما.

ـ3ـ

ركزتْ الدراسات والتقارير المتعلقة بهذه النقطة على امكانية تكامل اقتصادي يسمح بزيادة الإنتاج الكلي للدول الخمس بالنصف خلال سنتين. وتلاحظ تقارير البنك العالمي أن التبادلات التجارية تتم أساسا بين دول المغرب وأوربا لأسباب تتعلق بانعكاسات ظروف تاريخية من جهة وطبيعة السلع المتبادلة من جهة اخرى. ولكن أيضا يضيف التقرير بسبب الجهود التي تقوم بها دول الاتحاد المغاربي بصفة فردية معزولة عن بقية الدول الأخرى بينما يظل شريك كل منها الاتحاد الأوربي مجتمعا. وهو ما يعني من جهة أن هذه الدول لا تقوم بجهود موازية لرفع مستوى تبادلها البيني البالغ الانخفاض. ومن جهة ثانية أن تعاملها فرادى مع الاتحاد الأوربي، وأيضا مع الولايات المتحدة ومع الصين، يحْرمها من مزايا موقع القوة النسبي التفاوضي الذي يُفترض أن التنسيق الاتحادي أو الجماعي يسمح به. ويصدق ذلك خصوصا بالنظر إلى امكانية تكامل المصادر البشرية و الطبيعية المغاربية (تقرير البنك العالمي عن الاتحاد المغاربي 2010) واستثمار الموقع الجيوستراتيجي متوسطيا وأطلسيا وإفريقيا والتقاطعات المرتبطة به (التقرير المشترك لمؤسسات الاتحاد الأوربي عن الاندماج الجهوي المغاربي 2012). وتكررّ جلّ الدراسات أنه بالرغم من وجود مصادر استثنائية استراتيجية في دول المغرب إلا أن استغلالها مازال جدّ ضعيفٍ لأسباب سياسية. فتلاحظ مثلا على صعيد مصادر النفط والغاز غيابَ العمل على توسيع شبكة الأنابيب التي قد تكفي إنْ تمّ تطويرها لتغطية الحاجيات الأساسية المحلية الطاقية قبل 2020 (مثلا دراسة غاري كلايدهوف باورا وكلير برونيل، الاقليمي المغاربي و الاندماج الاقتصادي العالمي : حلم لكي يُحقق،  دورية التحليلات السياسية والاقتصاد الدولي 2008). كما تلاحظ نفس الدراسة الأخيرة أن البنوك المغاربية تحتوي كميات كبيرة من السيولة الغير المستخدمة والتي لا تتمتع بأدوات مالية تكاملية عبر سوق مشتركة. وطبعا هنالك ملاحظات مشابهة حول شبكة الطرق والتكامل في الأمن الغذائي.

ـ4ـ

يبدو أن اشكالية العجز الشرعوي للأنظمة والاستقطاب الجيوستراتيجي واختلاف الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والبنْينة القطرية للنخب، مع ارتباطها بمناخ الحرب الباردة الذي يفترض أنه تمّ تجاوزه، مازالت قائمة بنسب معينة. وبالرغم من التحسن النسبي في التداول السياسي مثلا في المغرب والجزائر خلال العقد ونصف العقد الأخيرين (الانتقال التعددي في المغرب و خروج الجزائر من العشرية الدموية) و بالرغم من وجود نقاش حيوي حول قضايا كثيرة لدى النخب السياسية والثقافية في البلدين إلا أنّ نظاميهما نجحا في نقل حزازاتهما الموروثة أساسا عن استقطابات الحرب الباردة إلى النخب والإجماع السياسي بينها (أنوي أن أعود بشكل خاصّ إلى موضوع الصحراء في حديث قادم). فيمكن أن يقال دون كبير مبالغة إن المجتمع السياسي في الجزائر يختلف تقريبا على كل المواضيع المناقشة لديه باستثناء موضوع الحزازات مع المملكة كما يمكن أن يقال نفس الشيء عن المجتمع السياسي في المغرب تجاه الحزازات مع الجزائر. وشرائح واسعة من نخبهما منكفئة على اجترار الاصطدامات البينية المرحلية واستثمارها ومحاولة تأبيدها وأسْطرتها. وطبعا لا يتعلق الأمر فقط بالجانب الدعائي المحلي ولكنه يتعلق في مستوى معتبر بالسلوك السياسي الداخلي والخارجي. وحتى المجموعات التي كانت تقف مثلا في السبعينات والثمانينات خارج هذا الاجماع قد أُدمجتْ أو اندمجتْ فيه شيئا فشيئا. فقد شهدتْ الساحتان عملية إعادة تمركز إيديولوجي أصبحتْ معها شرعية التموقع الداخلي مرتبطة بالقدرة على رفع الحزازات الصغيرة مع الجار المشيطن إلى مستوى “الثوابت”.

وكما رأينا في أحاديث سابقة فإن الدراسات المتوفرة حاليا تُظهر أن الجزائر والمغرب تقفان الآن أمام فرص استراتيجية معتبرة على الصعيد الاقليمي. ولكن نفس الدراسات تلحّ على أن ما يحجِّم قدرة البلدين بهذا الخصوص هو أنهما يستنفدان داخليا وخارجيا جزءا كبيرا من طاقتهما في حزازاتهما البينية. *  مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل

النهر والرمل والبحر

 د. محمد بدي أبنو

جزيرة سان لوي، جسر الجنرال لوي فيديرب، 17 نوفمبر 2016

-1-

تتهادى هذه الجزر الأرخبيلية بشكل طريفٍ بين الماء والماء. تلامسُ بقبضةٍ واحدةٍ مصبّ النهر (السنغال) وساحل المحيط (الأطلسي).

كلُّ من مرّوا هنا جذبتْهم أو صدّتْهم هذه الثلاثية التزاحمية : النهر والرمل والبحر. فمجْمع البحرين الذهبي والأزرق هو أيضا ملتقى الرمل والباؤوباب.

عَـبْرَ الرملِ والنهر جاء السكّانُ الأوائل، من الضفافِ والصحراء، على ظهور الجمال وفي أحضان القوارب والزوارق العتيقة. وعبْرَ البحر أو، بعبارة أدقّ، عبْرَ المحيطِ تَنافَسَ لاحقاً القادمون مع التجارة الثلاثية من البلدان الأوربية الصاعدة. تسابقتْ السفنُ العسكرية والبواخر التجارية. وتصارع البرتغاليون والهولنديون، ثم الفرنسيون والانجليز.

-2-

في “البدء” سكنَ القادمون من الضفاف والصحراء مع الصيادين في “غتّ اندرّ” (توجد روايات ومرويات متضاربة بشأن أصل هذه التسمية) وسَطَ الشريط الرملي الرقيق الذي يحاذي غرْباً ـ دون أن يلمسَ ـ جزيرة سان لوي. يقال غالباً، رغمَ تردّد بعض الؤرخين، إنّ بحّارةً نورمانديين همْ من أطلقَ عليها هذه التسمية سنة 1659 باسم الملك الفرنسي لويس الأكبر (لويس الرابع عشر)، استحضاراً لذكرى جدّه لويس التاسع، المعروف بـسان لوي (القدّيس لويس) التي هي طبعاً لقبُه التعميدي البَعْدِي.

فمنذ مَـقْدمهم اختارَ الأوربيون هذه الجزيرة الوسطى، فهي محصّنة نسبياً بسلاح الطبيعة. تالياً أصبحَ اسمُ “سان لوي” يُطلق على أكثر من ذلك. فهو يشملُ غرباً حي “غت اندر” وامتدادَه شمالا أي حييْ “اندر توت” و”غوخومباث” (بعض الناطقين بالعربية الذين يُمَثّلون ربّما أغلبَ سكان هذا الحي الأخير يلفظون اسمه تقريباً : “بوخمباي”). كما يشمَلُ شرْقاً جزيرة سور، بلْ وضواحي أخرى.

-3-

تمييزاً لها عن يقية المدينة، تُسمى هذه الجزيرة سان لوي البيضاء نسبةً إلى لون بيوتها الاستعمارية و، بداهةً، إلى سكّانها الأوربيين. معظمُهم هجَرها منذ عقودٍ. ولكنَّها ظلّتْ على صلةٍ موسمية ما بهم. تُحاولُ بصعوبةٍ أنْ تستثمرَ حنينَهم وتساؤلات أبنائهم وأحفادهم. فالعابرون مع ناي الشّجن همْ غالباً من سوّاح كبار السنّ، الباحثين في هذه الأرصفة الهرِمة عن كلمات السرّ في ذاكراتٍ معْتمة. أمّا من معهم من الشبّان والشابّات فكانّهم قدْ خَرَجوا للتو من بعْض روايات بلزاك وزولا ولوتي.

-4-

يفصلُ الذراعُ الغربي للنهر بين الشريط الرملي وجزيرة سان لوي. ويربطُهُما اليومَ جسران. أحدهما (التدشين الأول: 1856) من جهة حي “غت اندر” والثاني من جهة الحي المجاور له شمالا “اندر توت” (التدشين الأول: 1864). كلاهما تمّ تدشينهما في البداية تحتَ إشراف الجنرال فيديرب خلال العشرية التي حكم فيها السنغال. فقدْ عادَ إلى فرنسا للعب أدوارٍ أخرى قابلة هي أيضاً للنقاش سنة 1865 في نفس السنة التي سيتمّ فيها تدشين الجسر الرئيس باسمه (يربط الجزيرةَ شرْقا بحي تندوغين، أحد أحياء جزيرة سور).

أين جسر الأمير محمد الحبيب ؟ الجسران الغربيان يحملان الآن رسمياً اسميْ عمدتين سابقين للمدينة. وليس في قائمة ألقابهما القديمة اسمٌ للأمير. فقط تتمُّ الإشارة ،عند الحديث عن تأسيس جسر “ليبر” (1855) الذي يربط شرْقاً جزيرةَ “سور” بالقارة، عن تعرّضه سنة تأسيسه لهجوم قادَهُ الأمير محمد الحبيب. كيف اختفى الاسم ؟ لمْ أجد بعْدُ منْ يفسِّر لي هذا اللغز.

-5-

ينتصبُ الشريط الرملي الرقيق، في ظاهرة نادرة وغريبة، كالجدار العازل بين المحيطِ والنهر. يفصلهما ليظلاّ في توازٍ مدْهشٍ على امتدادِ مسافةٍ تزيدُ على العشرين كيلومتراً جنوبَ ّغتّ اندرّ”.

هنالك فقط يُودّعُ وينطفئ في المائين هذا الشريطُ الرملي الذي يسمّيه الأوربيون حرْفياً بـ”لسان البربرية”.

إنّه الوداعُ الذي يَندمجُ من خلاله أخيراً الساحلُ والضفة ويَتعانق الموجُ تحت أناشيد أنواع الطيور: أبناء الماء (مالك الحزين)، البجع البحري، طائر الغاق، البلشون الأبيض، إلخ.

-6-

قدْ يكون في ذلك ما يُفسّر بعضاً من خلاف المؤرخين على مكان رباط المرابطين : هلْ هو مثلاً جزيرةُ تدرة قبالة حوض آرغين أم هو جزيرة سان لوي المجاورة شرقاً لـ”غت اندر” أي للسان البربرية. يتحدث ابن خلدون عن جزيرة الرباط : “يحيطُ بها النيل، ضَحْضَاحًا في الصيف، يُخاض بالأقدام، وغمرًا في الشتاء يُعْبَر بالزوارق” (تاريخ العبر). وكما هو معروفٌ فالنيل في التعبير الخلدوني وفي تعبيرِ كثيرٍ من المؤرخين المسلمين القدماء يَعْني في مثْلِ هذا السياق نهْرَ السنغال.

ولعلّ من الطريف هنا أنْ نشيرَ إلى ما كتَبَه فيديرب (الحاكم الفرنسي الأشهر لـسان لوي) في عمله عمّا سمّاه بـصنهاجية القبائل الصنهاجية في ضفة السنغال (مع عنوانِ فرعي : “مساهمة في دراسة اللغة البربرية”) الذي أصدرَه في آخر حياته (1877) : “في القرن الخامس الهجري (والحادي عشر في تقويمنا) فإنّ صنهاجة، في ضفاف السنغال (النهر الذي سمّيناه باسمهم والذي اختلطَ على الكتّاب العرب مع نهر النيجر، تحت اسم نيل السودان) لعبوا دوْرًا كبيراً في العالم”.

-7-

واستطراداً، فالتعريف الجغرافي الموسّع للسان البربرية، في بعض النصوص على الأقلّ، لا يقفُ عند هذا الشريط السانلويزي بلْ يضمّ كلَّ “الزبارة” : يَستمرُّ شمالاً في معانقة ساحلِ الأطلسي ليمرّ بحوضَ آرقين ويواصل حثيثاً حتى يلفّ شاطئ شبه جزيرة نواذيبو في أقصى الشمال الغربي الموريتاني.

هذا المَقامُ المائيُ الاستثنائي جعلَ هواةَ الألقاب يُطلقون على مدينة سان لوي لقبَ بندقية إفريقيا. قد تكون مقارنةُ مُدن الثراء الفاحش بمُدن الفقر المدْقع غيرَ واردة أو وغيرَ وَجيهة. ولكنَّ الشاعر بيراغو ديوب يزيد التساؤل في قصيدته “سان لوي” (1925):

“قربَ المحيط الذي يمنعك من أن تعيشي

موجة الصحراء تدور في الأفق”

“من نومك العميق ليسَ لشدوٍ أيًّا يكن أنْ يخلّصكَ”.

“تريد أن تسمعَ صوتَك الذي سكتَ

وتمتمةَ لياليك التي انقضتْ

حيث تهيج أفكارٌتجاه القادم”

(بيراغو ديوب، ديوان “إغراءات وومضات”)

فوزي غليد ينعش دورة تدريبية لصالح مركز مبدأ

 

احتضنت مباني المركز على مدى اليومين السابقين دورة تكوينية منظمة بالتعاون مع معهد الفضاء المدني و الذي يرأسه الدكتور فوزي غليد .

الدورة و التي استفادت منها حوالي 20 منظمة من المجتمع المدني تأتي في إطار التعاون بين المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) و معهد الفضاء المدني بالولايات المتحدة الامريكية .

و استمرت الدورة التي نظم حول فن إدارة هياكل المجتمع المدني لمدة يومين و شملت العديد من الأنشطة الجماعية و التطبيقية التي قام بها المشاركون حو آليات إدارة هيئات الجتمع المدني و مدى القدرة على الاستفادة من هذه المؤسسات كواجهة خيرية و استثمارية .

المدرب في اطار عرضه عرج على الجوانب المتعلقة بالمشروع خاصة في بعد القانون الموريتاني و مطابقته مع القوانين الأخرى في العالم .

اختتام دورة التنمية البشرية التي نظمها مركز مبدأ

اختتم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ) دورة تكوينية في التنمية البشرية حول برنامج خطوات النجاح .

الدورة أنعشها المدرب محمد الأمين و لد الفاضل و قد استمرت ليومين ، قام خلالهما المشاركون بعديد الأنشطة التدريبية و الاختبارات التي أطرها الأستاذ ولد الفاضل .
و تعد هذه الدورة ضمن سلسلة من الدورات التدريبية ينظمها المركز حيث نظم في الشهر الحالي ستة دورات في مجالات مختلفة شملت الاحصاء و التنمية البشرية و غيرها من المجالات المتعلقة بالبحث و بناء القدرات للشباب الموريتاني و خريجي الجامعات بالبلاد .
و ينظم المركز ابتداء من بداية الشهر الخامس سلسلة من الدورات ستكونها أولاها في الثاني من الشهر من إنعاش الأستاذ فوزي غليد من الولايات المتحدة الأمريكية ثم دورات أخرى في مجالات الإرشاد الاجتماعي و الحكامة السياسية في نفس الشهر .

فعاليات اليوم الأول من دورة خطوات النجاح

انظلقت اليوم بمقر المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية مبدأ دورة تكوينية تحت عنوان خطوات النجاح .

 

الدورة التي ينعشها المدرب محمد الأمين ولد الفاضل ستستمر ليومين

و قد ركزت نشاطات اليوم الاول على التقديم النظري و معرفة ابرز خطوات النجاح خاصة في الابعاد المتعلقة بالموهبة كملكة أساسية في مسألة النجاح .

و سجل في هذه الدورة قرابة ثلاثين شاب من الطلاب و الباحثين و اعضاء المجتمع المدني

  

دمب ولد الميداح في مركز مبدأ ( نقاش الثقافة و المجتمع )

احتضن المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) ، طاولة مستديرة مع الاستاذ دمب ولد الميداح الطاولة التي نظمها منتدى بيت الحكمة في قاعة المركز حضرها  عدد من المهتمين بلغنى الحساني و علاقته بالثقافة المجتمعية .

وقد قدم الاستاذ دمب و لد الميداح في الامسية الثاقفية علاقة لغن الحساني بالثقافة الشعبية و كيف صنعت الموسيقى الثقافة الشعبية الموريتاني  .

 

ناجي محمد الإمام يسرد تجربته في مركز مبدأ

قدم الأستاذ ناجي محمد الامام  تجربته الشعرية في حلقة نقاش احتضنته قاعة الاجتماعات في المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) .

و قد حضر النقاش مجموعة من الباحثين و المهتمين بالمجال الثقافي

 

مركز مبدأ ينظم طاولة مستديرة حو كتاب نظرية الأيام المتغيرة

نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) طاولة مستديرة حول كتاب “نظرية الايام المحيرة في الغضب و الاعمال العدوانية ” لمؤلفه  الاستاذ فريد حسن .

الطاولة حضرها عدد من الدكاترة و الباحثين و المثقفين

حيث حضر الى جانب الاستاذ فريد حسن كل من الدكتور عبد الوهاب ولد محفوظ رئيس قسم الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة نواكشوط العصرية و الدكتور بتار ولد العربي منسق قسم التاريخ اضافة الدكتور الحسين ولد مدو و الدكتور الحسين بديدي .

اضافة الى جمع من الباحثيين و المثقفين .