19 مارس، 2024، والساعة الآن 3:44 صباحًا بتوقيت نواكشوط
Google search engine

الدولة عند فوكوياما :  الأطوار و الأشكال و نهاية السيادة

قراءة في كتاب “بناء الدولة” لـ فرانسيس فوكوياما

الشيخ الحسن البمباري

استهلال

“في أواخر القرن التاسع عشر سأل اوسكار وايد نفسه في سياق جدل مع معارضي إلغاء الرق و إعطاء المرأة و العاملين حق التصويت و حق المساواة و العيش الكريم داخل حدود الدولة الليبرالية هل هذه طوباوية ؟.

و كانت إجابته “نعم إنها طوباوية .قائلا إن خريطة العالم  التي لا مكان للطوباوية فيها لا تستحق حق عناء النظر”

نعم بكل صراحة نحن أيضا الأجانب و الغرباء و الملونون و المختلفون و أنصاف البرابرة خارج تخوم الدولة الليبرالية مثلنا في ذلك مثل رعاع الستينات داخلها نريد كل شيء و نريده الآن ” .

هل كان ميلتون فريدمان على خطئ حين دعا “خصخص , خصخص, خصخص” متجاهلا دور الإصلاح الاقتصادي بغياب دولة المؤسسات وحكم القانون خاصة بعد فشل اقتصاديات السوق في تحقيق أحلام العالم ما بعد اشتراكي “روسيا و بقية الدول السوفيتية” .

وكيف بنت “الأنظمة الوقفية” الدولة  في العالم الثالث ؟ في ظل حرصها على “النهب المتوحش” و “حكم الزعيم الضاري” (الحكام الطائفيين و الأسريين و القبائليين او المذهبيين أو حتى الاثنيين…) … الخ من أنظمة الحكم في المنطقة العربية و إفريقيا.

“بناء الدولة هو تقوية المؤسسات و بناء مؤسسات جديدة فاعلة  و قادرة على الاكتفاء الذاتي و البقاء ؟ فوكوياما .

و عرف فوكوياما الدولة أيضا “مدى الدولة وأفق مجالاتها و أنشطتها ووظائفها المختلفة بدءا من توفير الأمن و النظام و المرفقات و الخدمات العامة في الداخل و الدفاع عن الوطن ضد الغزو الخارجي مرورا بتوفير التعليم و حماية البيئة و انتهاء بوضع السياسيات الصناعية والاجتماعية و إعادة توزيع الثورة ”

” تحجيم الدولة و الحد من قدرتها من قبل الحملات الليبرتارية و إضعاف قدرتها المؤسساتية  خطأ لا بد من تصحيحه ” فوكو ياما .

يطالب فوكوياما بأن لا يصل تحجيم سلطات الدولة إلى حيز وضع السياسات الاجتماعية او إعادة توزيع الثروة .

وبالرغم من تقليص مدى الدولة في الثمانينيات و التسعينيات كيف حافظت هذه المؤسسات على قوتها وتحذرها  في الإنسان الغربي  و حفاظه على دولة الرفاه و الرعاية الاجتماعية وجه الخصخصة  الفريدمانية ؟.

هل تساءل فوكوياما عن بناء  دولة   التعادل بين اليمين و اليسار في العالم ” المتقدم ” الأمر الذي نجده سياسيا  في تعايش ميتران  الاشتراكي و شيراك الديغولي تحت سقف الاليزيه مع حكومات يمين ويسار الوسط  ؟.

وما مدى وجود شرخ حقيقي في تاريخ الليبرالية الغربية و هل تفتت “الهوية البروتستانتية الأوروبية” حسب تعبير صاموئيل هينتينغتون ؟

ثم كيف يبرر فوكوياما اتفاقه مع الليبراليين و الهنتغتونيين الجدد في  نزع السيادة عن الدول الضعيفة و الناشئة كما يصفونها” الصومال – أفغانستان- صربيا…من الدول المطربة من البلقان إلى الشرق الأوسط و صولا إلى جنوب أسيا ”   أليست هذه دول بالرغم  مما تمر به من ظروف خاصة ؟ و هل مبرر الحرب الوقائية كان مقنعا لسحب السيادة بسبب الإرهاب و التهديد النووي حتى إن كانا خارج الحدود الغربية؟

إلى أي حد يعي فوكوياما التناقض الصارخ بين النظام العالمي المنشود و الدعوة إلى استعمار الأخر (المختلف).و المتخلف اقتصاديا و بين الادعاء الليبرالي بنشر الديمقراطية و الحرية ونشر التعددية و حقوق الإنسان؟ و أيهما اخطر على السيادة الوطنية “المحلية” التدخل العسكري آم التدخل الإنساني ؟  .

“فيما مضى كانت الدول الغربية تغزو هذا البلد أو ذاك و تضمه إداريا إلى إمبراطوريتها  … ولكن اليوم ندعوا إلى نشر الديمقراطية و حقوق الإنسان و نؤكد أن محاولة حكم الشعوب الأخرى تبقى محاولة انتقالية … وليس طموحها استعماريا لذلك إن كان الغرب ليبراليا حقا و إنشاء الخروج بشرف من هذه الدول مستقبلا فعليه تحويل بناء الدولة إلى فن يتقنه تماما  و يبقيه مكونا مفتاحا من مكونات القوة القومية لا يقل أهمية عن القدرة على استخدام القوة العسكرية (حفاظا على النظام العالمي )” فوكوياما .

منذ الغزو الذي قادته أمريكا على أفغانستان تعلمت أمريكا  بعض الدروس المؤلمة  عن بناء الدولة في كل من العراق و أفغانستان و حسب مقاربتها في كل بلد على حدة جسدت نموذجي احتلال متباينين حيث مثل نموذج أفغانستان مقاربة خفيفة الوطأة في حين كانت مقاربة الحكم في العراق اشد وطأة .

أبعاد الدولة المفقودة

يرد فوكوياما تاريخ نشأة الدولة إلى مجتمعات ما بين النهرين أي حوالي ستة آلاف سنة ثم الدولة البيروقراطية في الصين فيما يصف الدول الأوروبية  بالحديثة رابطا قيامها بالجيوش و الضرائب و قيام نظام بيروقراطي مؤسساتي مؤرخا لها بحوالي أربع مئة عام من خلال الملكية الفرنسية والاسبانية والسويدية القائمة على ثلاث ضرورات هي توفير الأمن والنظام و حكم القانون و حماية حقوق الملكية هذه النماذج حسب فوكوياما هي ما سمح بظهور الدولة كما نعرفها اليوم .

و الدولة عند فوكوياما تتمتع بمدى واسع من الوظائف  المختلفة تستخدمه في الوجهين و السلبي و الايجابي “سلطة” القسوة الإكراه تتيح حماية حقوق الملكية و توفير الأمن و السلامة العامة هي السلطة ذاتها التي تخولها مصادر الأملاك الخاصة و الاعتداء على حقوق المواطنين إضافة إلى احتكار الشرعية ” حسب فوكوياما هو ما يبرر ” حرب كل إنسان ضد كل إنسان آخر” (حسب تعبير هوبز)  .

و لكن هذه الوسائل أو المعنى يبقي الدولة بعيدة كل البعد عن وصفها بالمؤسسة الإنسانية أو العمومية أو حتى العالمية فهذا النمط مثلا لم يكن هو الموجود في إفريقيا في فترة ما قبل الاستعمار و إن نجحت الهند والصين في تطبيقه ما بعد الاستعمار فان غالبية الدول الأخرى حافظت على ما يسميه د . محمد بدي ولد ابنو ” الدولة الكومبرادورية المعلقة ” و هذا ما جعل حداثة الغرب الليبرالي بعيدة المنال عن العديد من الدول و مجتمعات العالم و هو ما دفع و يدفع إلى الهجرة في وجهة واحدة .

وهنا يلخص فوكوياما إشكالية بناء الدولة في أجزاء العالم إن كانت مؤسسات وقيم الغرب الليبرالي كونية وعالمية حقا أم أنها مجرد امتداد للثقافة السائدة في جزء معين من أوروبا الشمالية .و هنا بالذات يسأل فوكوياما عن تسويق النموذج الغربي الليبرتاري للدولة و تجاوزه لمقولة التخلف أو الاختلاف هو ما تعنيه أجزاء العالم الأخرى .؟

دور الدولة المتصارع عليه

 

إن الخلاف حول حجم وقوة الدولة المناسبين هو ما يجسده نموذج بريطانيا  العظمى مع بداية القرن العشرين كدولة ليبرالية رائدة آن ذلك و التي لم يكن نشاطها خارج المجال العسكري واسعا جدا حتى داخل أوروبا نفسها فهي فشلت تقريبا في الحصول على ضرائب الدخل في أمريكا أو القيام ببرامج مكافحة الفقر… الخ من المشاريع التي تعكس سيطرة الدولة ومع نهاية الحرب العالمية الأولى أصبحت ادوار الدولة أكثر تقلصا و تمركزا و اعتمادا على الليبرالية لنصبح أمام ما سماه فريد ريتش و برويزنسكي 1945 ” الدولة الشمولية ” التي حاولت إلغاء المجتمع المدني و إخضاع الأفراد لأغراضها السياسية الخاصة و أن النسخة اليمينية منها انتهت في العام 1045 بهزيمة ألمانيا النازية و انتهى جزؤها اليساري بانهيار جدار برلين 1989 في ما وصف بالتناقض الداخلي داخل الدولة الشمولية “.

في نفس الوقت كانت وظائف الدولة و حجمها يتوسعان في البلدان غير الشمولية ” الديمقراطيات الغربية” و لكن انهيار الدولة الاستئثارية ” الشيوعية” أعطى دفقا إضافيا للدولة الليبرالية لتقليص حجم الدولة في البلدان غير الشيوعية و الحد من القطاع الحكومي و إبقائه في أدنى مستوياته .

من هنا نسال هل كان فريدريك هايك على حق حين أشار إلى وجود علاقة بين و دولة الرفاه و الرعاية الاجتماعية خاصة من العام 1992حيث مثلت فترة وصول الأحزاب المحافظة  و أحزاب يمين الوسط مقاليد الحكم كمظهر سياسي يبرر رؤية هايك أو حتى أكاديمي بالاعتماد على الاقتصاد الكلاسيكي كفرع رائد في الدراسة في مجال علم الاجتماع.

ثم ما الذي مثلته الموجة الثالثة من الديمقراطية حسب تعبير هينتينغتو “خاصة مع تحرر العديد من الدول الشيوعية و تحرر دول آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية و إن كان هذا التحرر لم يوقف عدوى “تورم الدولة” التي  كانت خاصية شيوعية إلى دول أخرى ففي المكسيك مثلا ازدادت حصة الدولة في الناتج المحلي الإجمالي من 21%1970 إلى 48%1982  و نفس الشيء في إفريقيا حي مثلت الدولة دورا رياديا في إدارة شركات كبيرة تحكم اقتصاديات هذه الدول و ما سعى “إجماع واشنطن ” أو مسماه رافضوه (الليبرالية الجديدة) إلى الحد منه خاصة فيما يتعلق بتحجيم دور الدولة كشرط للحصول على مساعدات البنك الدولي و غيره من المؤسسات المانحة .و بالتالي هل على الدولة التنازل عن السيادة لصالح رجال أعمال أو مؤسسات لا تدري مدى قدرتها على الاسمرار أم أن شرط السيادة يحرم هذه الدول من المساعدات المالية .في ما يتعلق بدور الدولة يقول فوكوياما “إن الفشل كان على مستوى تحديد المفهوم و الفهم الدقيق لأبعاد الدولة الواجب تحريرها و علاقة هذا التحرير أو الخصخصة بالتطور الاقتصادي .

المدى مقابل القوة

 

 

في إجابته عن سؤال إن كانت الولايات المتحدة دولة قوة أم لا؟ يجيب ليبسيت 1995 أن المؤسسات الأمريكية مصممة عمدا لإضعاف الدولة مضيفا أن أمريكا ولدت في ثورة ضد الدولة  (النظام الفدرالي فصل السلطات..),فدولة الرفاة في أمريكا نشأت لاحقا و بقيت محدودة “فأمريكا ليس لديها نظام الرعاية الصحية “. هذه النظرة ناقضها فوكوياما تماما بالاعتماد على تعريف ماكس فيبر 1946 ” الذي يرى أن الدولة مجتمع سياسي يمارس (بنجاح) حق احتكار شرعية استخدام القوة في منطقة معينة ” و يقرب فوكوياما التعريف بأن الشخص بالزي الرسمي قادر على إجبار الناس على إطاعة قانون الدولة و الامتثال لمشيئتها بهذا المعنى تبدو الدولة أكثر قوة أو النموذج الأمريكي على الأقل الذي يعتبره مثار حسد في جميع أنحاء العالم على اعتبار أن تذمر الشعب الأمريكي من القوانين لا يذكر إن حاولوا الحصول على خدمات في بلد كالمكسيك أو أندنوسيا .

و يفرق فوكوياما بين نشاط الدولة (الوظائف و الأهداف المختلفة التي تطلع بها الدولة) و بين قوة السلطة (قدرة الدولة على تنفيذ سياساتها و فرض القوانين و ما سماه قدرة الدولة أو القدرة المؤسساتية محذرا من استخدام “القوة” بشكل اعتباطي لا يفرق فيه بين مدى الدولة و قدرة الدولة أو قوتها  .

ورتب فوكوياما نشاط الدولة  على النحو التالي (وظائف ضرورية ومهمة – وظائف اختيارية أو مرغوبة – وظائف ذات نتائج عكسية و تدميرية)مضيفا انه ليس ثمة تراتبية  مشروطة و إن كان من الأولى على الدولة “توفير النظام العام في الداخل و الدفاع عن مواطنيها ضد الغزو الخارجي كل ذالك قبل توفير الضمان الصحي الشامل أو التعليم العالي المجاني

المدى و القوة والتطور الاقتصادي

 

هنا يساءل فوكوياما أيهم أولى الدولة بمؤسسات قوية و مدى شامل أو بمؤسسات ضعيفة ودولة محدودة و إن كانت دولة التسعينيات تبنت النموذج الأخير القائم على أساس إن الأسواق تنظم نفسها بنفسها .منبها إلى العديد من الدول وقعت في خطئ (قلصت من مدى الدولة حتى قللت من قوتها أو خلقت أنماط جديدة من قدرة الدولة كانت ضعيفة أو معدومة )هذا التكيف البنيوي يمثل حسب فوكوياما تقطيعا لأوصال الدولة و تقليص قدراتها في كل المجالات .

وهناء يساءل هل كانت هذه الليبرالية أو تقليص مدى  الدولة  هو ما أنتج الأنظمة الوقفية  الجديد (القائمة على النهب المتوحش ) وجعل السلطة و قفا على شبكة زبائنية من مؤيدي قادة الدولة تسخر السلطة لصالحها “كما  حدث في زائير مثلا” الذي وصفه انفيز 1989 “بسلوك النهب المتوحش ” و في جميع النماذج يصر فوكوياما على قوة الدولة أكثر أهمية من مداها متخذا من نجاح نماذج  اقتصادية آسيوية (هونكونغ كدولة أكثر ادنوية  ” ليبرالية” و كوريا الجنوبية كدولة عالية التدخل “شمولية”) .و بالنسبة لضرورة المؤسسات للدولة تحدث عن أربعة جوانب ينبغي تناولها (التصميم التنظيمي و الإدارة – تصميم النظام السياسي – أساس الشرعية – و العوامل الثقافي و البنيوية ).

  • = التصميم التنظيمي و الإدارة : و يمثل مجموعة من العلوم الفرعية المتخصصة ومجموعة خبرات وكفاءات و يمكن للمرء تعلمها .
  • = تصميم النظام السياسي : يميل هذا المحور إلى معاجلة المستويات بين أهداف التصاميم السياسية المختلفة .
  • = أساس الشرعية : لا يتمثل مظهر الدولة في عمل المؤسسات بطريقة لائقة بالمفهوم الإداري بل يجب النظر إليها كمؤسسات شرعية من قبل المجتمع . و إن كان هينتينغتون لم يوافق على سهولة الفعل بين قدرة الدولة على شرعيتها و إن كان تطبيق هذه الرؤية على الاتحاد السوفيتي اثبت شيئا من صدقيتها “فهو بدأ ينهار لان طابعه الديكتاتوري  قلل من شرعيته لدى المواطنين”.

وفي المستوى الثاني من الشرعية هل من السهل الوصول الفصل بين الديمقراطية وإدارة الحكم الجيدة (فالمؤسسة الحكومية الجديدة تخدم مواطنيها بكفاءة و شفافية ) و هنا نساءل هل كان نموذج عمر ابن الخطاب ديمقراطية أم نموذج حكم جيد ؟

في رأيه حول الشرعية قال فوكوياما   إن الدولة من اكبر مصادر الشرعية و إن كان ثمة هامش مناورة بالخصوص للأنظمة الشمولية لكسب بعض الشرعية و إن انتهت مع أول مشكل اقتصادي يواجها و العكس تماما في الدول الديمقراطية التي يصفها بأنها أكثر قدرة على تخطي العوائق و بالتالي تجسيد شرعيتها .

  • = العوامل الثقافية و البنيوية : و تشمل المعايير و القيم الاجتماعية السائدة أو ما يسميه فوكوياما “مظهر تحت سياسي” أو اقل مباشرة في علاقته بالسياسة حيث يمثل هذا البعد عائقا في وجه الدولة من خلال من خلال خلق رهاب مؤسسات معينة .و تجدر الإشارة هنا إلى أن ما قله تشالمز جونسون 1982 (بأن تحقيق اليابان لنمو اقتصادي … لا يرجع إلى الثقافة بل إلى المؤسسات الرسمية التي “الصناعية والسياسية ..التي خلقتها) .

 

المعارف المؤسساتية القابلة للتحويل

 

الدولة الضعيفة وثقب الإدارة الأسود

 

إن إشكالية كيفية مساعدة البلدان النامية على تقوية دولتها تفرض أن تكون الحلول الفعالة محلية الطابع الأمر الذي يتطلب إقامة نوعية مختلفة من العلاقات بين الدول النامية وتلك المانحة والمستشارين الأجانب . وان كانت نظرية التنظيم تساءل حول تفويض السلطة و الصلاحيات ضمانا لتحقيق الكفاءة الاقتصادية و إن كان هذا التفويض للآخرين يحيلنا إلى عملية السيطرة و الإشراف . ولكن ما قدمه آلتستايان  على النقيض من هذا الجدل حول علاقة الدولة بالمانحين معتبرا” أنها علاقة طوعية بين مشاركين و في سوق إنمائي اقتصادي “, و بالتالي يمكن فهم التراتبية في العلاقة . بين الدول الضعيفة و الدول المانحة على أنها مجموعة متوازنة من عقود العمل يوافق بموجبها على القبول بالسلطة الخارجية .

و ثمة ثلاث أسباب منهجية حسب فوكوياما لعدم وجود مواصفات مثلى للمؤسسات الرسمية وضعية تنظيم مؤسساتي يتبناها المانحون أو الشركاء الخارجيين  :

  • =عدم وضوح الأهداف : تتطور الأهداف عبر التفاعلات بين الجهتين “موقع في المؤسسة يحدد مكانتك “
  • = نظم المراقبة والمحاسبة : مما يؤدي إلى مراجعة سلوك الوكيل بمعايير غير رسمية .
  • = تباين الدرجة المناسبة من السلطة و الصلاحية تبعا لشروط أشكال التعويض .

 

لامركزية الصلاحية

 

و التي تعني عند فوكوياما نوعا من التناسب بين حيز المسؤولية الممنوحة مع المشاغل في نطاق السيطرة و هو ما يسميه علماء السياسة “مبدأ التناسب” أي  وجوب اتخاذ القرارات على مستويات حكومية لا تزيد عن الحد الضروري لأداء وظيفة معينة “.

إن الهوة بين هذين المستويين من الصلاحية مثله فشل اللجنة التي بعثت بها الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1945 لإصلاح نظام ما كانت  تصفه بالبيروقراطية و قلة التنظيم في اليابان و انتقد فوكوياما تجاهل هذه اللجنة للثقافة و المنظومة المؤسسية القائمة في اليابان و غطرستها في التعامل مع اليابانيين كشعب بدائي يراد أن نتقل إليه تجربة أمريكا و كندا في و هذا حسب رأي فوكوياما هو  اكبر سبب لفشل هذه الجنة التي ترأستها مجموعة من صفوة الإداريين في البلدين .

مبررا أن البيروقراطية اليابانية كانت في مناح عدة نخبوية و كفؤة ومحمية من متطلبات الرعاية و المحاباة السياسية بدرجة تفوق نظيرتها الأمريكية لذالك لم ينجح “المصلحون ”  في إزالة هذا النظام القائم في اليابان كجزء من مؤسسات الدولة .

 

 

الدولة الضعيفة و الشرعية الدولية

يمثل تآكل مفهوما السيادة و الأمة باعتبارهما حجر الزاوية في النظام العالمي ما بعد “اتفاقية وستفاليا” . وتعرض المفهومين لهجوم عنيف  لان ما يحدث مع الحكم و الإدارة المحلية  يؤثر على الأعضاء الآخرين في النظام العالمي . مما دفع إلى السؤال من يمتلك حق أو شرعية انتهاك سيادة دولة أخرى و لأي أغراض ؟ و هل ثمة مصدر آخر للشرعية الدولية لا يعتمد بحد ذاته على وجود قوة الأمم “الدول ذات السيادة”؟وان لم يكن الأمر كذالك ألا يصبح الاعتداء على السيادة مشروعا متناقضا ذاتيا ؟

بعد نهاية الحرب الباردة ظهرت مشاكل كبيرة في الدول الضعيفة أو النامية و باتت تمثل بالتالي مشكلات النظام العالمي الجديد من قبيل ( انتهاك حقوق الإنسان و الحروب الداخلية و الهجرة ليصل الأمر إلى تصدير الإرهاب في الفترة ما بين سقوط جدار برلين و تفجيرات الحادي عشر سبتمبر 2001 حيث مثلت مرحلة انتزاع السلطة و الاستيلاء عليها و انتزاع مهمة الحكم من الحكام المحليين  لصالح ما بات يعرف بالمجتمع الدولي  , وفي هذه الفترة كانت مجموعة من الدول (الفاشلة) – كالصومال و هيتي و كمبوديا و البوسنة و تيمور الشرقية- مجال تدخل المجتمع الدولي لنزع الشرعية  حيث مثلت حجة تنظيم القاعدة في أفغانستان الذي سيطر على دولة برمتها فرصة أخرى ليكون هذا التدخل الخارجي أكثر شرعية و مبررات لنزع الشرعية من الحكومات المحلية .

و تعتبر حجة تهديد السلم العالمي من أكثر المبررات التي استخدمها المجتمع الدولي في هذا الاتجاه , و إن كان من غير المبرر الاعتماد على ما سماه برنامج الأمم المتحدة للتنمية 2002 غياب الديمقراطية و التعددية “المشاركة الفاعلة ” في الحياة السياسية في معظم الدول العربية ذريعة للتدخل في بلدان كالعراق

الامبراطورية الجديدة

 

منذ أحداث أيلول / سبتمبر  2001 أخذت أمريكا على عاتقها مسؤولية حكم الدول الضعيفة و شرعنة تلك السيطرة من خلال المجتمع الدولي . فشكل خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في جامعة  وست بوينت العسكرية 2002 الذي أعلن في ه عن إستراتيجية الأمن القومي في أمريكا بداية تبني “الحرب الاستباقية ” هذا جعل أمريكا عمليا مخولة لتغزي أي بلد تعتبره يمثل تهديدا امنيا لأمنها القومي و هذا بالضبط ما حدث مع أفغانستان 2001 و العراق 2003 .

 

تآكل السيـــــــادة

 

 

يطلق فوكوياما مفهوم الضعف على مجموعة من الآليات التي تشمل ضعف القدرة المؤسساتية لتنفيذ و فرض السياسات و افتقار النظام السياسي في أحيان كثيرة إلى أساس الشرعية و من هنا يظهر تأكل السيادة عند فوكوياما وذالك بسبب المشاكل التي تولدها الدول النامية أو الضعيفة لنفسها و بالتالي للعالم  وهو ما جعلها محط تدخل قوى ترى نفسها وصية على هذه الدول و مسؤولة عن حماية مواطنيها في نفس الوقت .

و انتقد الكثيرون العقيدة الهجومية الاستباقية  لإدارة بوش  باعتبار أن “مبدأ السيادة عند ها يقوم على الانتهاك الدوري للسيادة” هاسر 2002.

أما بعض المهتمين بالسيادة فقد حددوا تاريخ بداية السيادة قبل ما بعد 11 أيلول و اعتبروه بدأ مع التدخلات الإنسانية في البلقان و الصومال … حيث تجاوز المجتمع الدولي العمل الإنساني إلى التمهيد للتدخل الخارجي . ومثلت نهاية الحرب العالمية الثانية إجماعا في المجتمع الدولي على مبدأ الشرعية السياسية وحقوق الإنسان و هو ما يتنافى تماما مع التسليم بالسيادة الوطنية .

إن فوكوياما يعتبر أن السيادة في دول “أمراء الحرب ”  ما هي إلا “نكتة رديئة” و بالتالي هو يبرر التدخل الخارجي أو يميل إليه من اجل إعادة الشرعية و إن على حساب السيادة الداخلية لهذه الدول . في حين تم تعليق السيادة الوطنية لدول ك الصومال و البوسنة و أفغانستان و سمح هذا للمجتمع الدولي بالتحول من مجرد مصطلح ليكتسب وجودا “نابضا بالحياة “.

بناء الأمـــــــــــــة

 

للتحول إلى هذه النتيجة تبنى فوكوياما دافع الرغبة في إعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب و النزاعات أو ما سماه “تفريغ مناطق تفريخ الإرهاب في العالم ” و هو ما تسميه الولايات المتحدة “بناء الأمة ” أما في أوروبا فالفروق أكثر وضوحا بين الأمة والدولة فبناء الأمة هو إشارة إلى مجتمع يرتبط أفراده بتاريخ وثقافة مشتركين يتجاوز القدرات الخارجية على تهيئته , بينما الدولة يمكن بناؤها عن عمد و بشكل مدروس و إذا نشأ عن بناء الدولة قيام امة فتلك مجرد عملية حظ و ليس شيء مخطط حسب ما يقول فوكوياما .

و حدد فوكوياما ثلاثة أطوار لبناء الدولة

  • =إعادة العمار هي مرحلة ما بعد النزاع المسلح : يشمل دول كانت في نزاع عنيف تطلب إعادة بنائها من القمة إلى القاعدة .
  • = إقامة مؤسسات حكومية قادرة على البقاء و الاكتفاء الذاتي بعد انسحاب قوى التدخل الخارجي .
  • = ما المحور الثالث فهو متداخل جدا مع الثاني إذ يتمثل في تقوية الدول الضعيفة التي لا تزال سلطة الدولة فيها قائمة إلى حد معقول .

 

أصغر ولكن أقوى

 

إن مسالة تحجيم الدولة و إطلاق العنان للاقتصاد وحركة رأس المال و المجتمع المدني بات ضرورة من اجل بناء دولة فردية و في مقابل ذلك فان الدول النامية أثبتت إنها ليست بحاجة إلى دولة شمولية وواسعة بل إلى دولة قوية وفاعلة ضمن المدى المحدود لوظائف الدولة الضرورية . ففوكوياما يرى أن ما تحتاجه الدول هو حصر استخدام القوة وقصرها على أغراض محدودة و هي سلطة ضرورية لغرض تطبيق القانون محليا و الحفاظ على النظام العالمي دوليا .

 

 

الخاتمة

 

و يمكن القول إن الذين بشروا “بغسق السيادة ” سواء كانوا من دعاة الأسواق المفتوحة يمين الخارطة السياسية أو ملتزمين يسارها وتقديم بديل للسلطة و سيادة الدولة الأمة .و إن كان البديل الوحيد حتى الآن هو حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات التي تحكم العالم إضافة إلى مجموعة الهيئات غير الحكومية و المنظمات الإرهابية .

فهل ستتمكن من سد الفجوة في جميع أشكال الدولة التي حاول فوكوياما التنظير لها و الدفاع عنها “؟

و بالتالي السبيل الوحيد في ما يبدو هو العودة للدولة الأمة ذات السيادة والسلطة و محاولة فهم العراقيل و الآليات التي تجعلها قوية وفعالة”.

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة