19 مارس، 2024، والساعة الآن 3:43 صباحًا بتوقيت نواكشوط
Google search engine

“الإسلاموفوبيا” مفهوم للمراجعة والإلغاء

مصطلح انتشر كالنار في الهشيم في العشرية الأخيرة وهو مكون من كلمتين: الإسلام وكلمة إغريقية الأصل تستخدم عادة في ميداني التحليل النفسي وطب الأمراض العقلية تعني بالضبط “حالة من الخوف المبالغ فيه وغير المنطقي أمام ظاهرة مّا تعتري شخصا معينا نتيجة خلل في شخصيته، تؤدي به إلى نوبات من الفزع الشديد، وقلق متواصل وتوجس من رجوعها ومحاولة لتفادي كل ما يؤدي إليها”.

إن أشهر هذه الحالات هي الأقورافوبيا (Agoraphobie) وهي الخوف من الساحات العمومية ومن الاكتظاظ البشري وينتهي بالمرء إن لم يعالج إلى الانكفاء على نفسه وإنهاء حياته الاجتماعية.

“الالتزام بالمعنى العلمي لمصطلح “الإسلاموفوبيا” سيقودنا إلى عراق اليوم, حيث ينقسم إلى “الشيعة فوبيا”عند السنة و”السنة فوبيا” عند الشيعة ومن مظاهره القصوى القتل على الهوية والتهجير القسري”

إذا قبلنا أننا لا نتحكّم في المصطلحات وأن علينا استعمالها بالمعنى الذي يقرّه القاموس، فيجب أن نبحث في ظاهرة “وجود خوف شديد وغير منطقي ونوبات فزع من الإسلام والمسلمين”.

المشكلة أن الالتزام بهذا المعنى العلمي سيقودنا إلى عراق اليوم حيث ينقسم “الإسلاموفوبيا” إلى “الشيعة فوبيا” عند السنة و”السنة فوبيا” عند الشيعة ومن مظاهره القصوى القتل على الهوية والتهجير القسري.

ولو تابعنا حالات التعذيب التي يتعرض لها المسلمون اليوم من أجل أطروحاتهم الإسلامية لاكتشفنا أنها وقعت ولا تزال في بلدان إسلامية.

وإذا كان ما نعنيه بالإسلاموفوبيا هو التصدي للمسلمين في عقيدتهم كالحجاب لاتضح أن البلد الأكثر تشددا في معاداة هذا الحق الشرعي المضمون من قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو تونس التي يحارب نظامها بشراسة منقطعة النظير هذا التقليد الإسلامي وذلك عبر المنشور 108 الذي صدر سنة 1989 وطبق بصرامة منذ ذلك الحين إلى حد اقتلاع الحجاب من عابرات السبيل ناهيك عن غلق باب العمل والدراسة في وجه المحجبات.

حتى فرنسا التي نقلت هذا التشريع عن تونس لم تتجاسر على شيء كهذا.

لقائل أن يقول إن المقصود بالفوبيا تفاقم مشاعر عداء للإسلام والتعدي على مقدساته والريبة في المسلمين وهي ظاهرة لا جدال فيها.

ثمة اعتراف ضمني بأن المفهوم يستعمل كلمة بداهة في غير محلها. ربما كان من الأصح استعمال كلمة التحامل على الإسلام في العربية أو (Islamo prejudice) بالإنجليزية.

المهم أن “الإسلاموفوبيا” مفهوم ضعيف بالمعلومات وغني بالعواطف حيث تنضح منه مشاعر قوية تحوم بالأساس حول اتهام الآخر المبهم بمعاداة الإسلام وبالجهل به. والسؤال عندما نعتصر منه مكونه “أنتم تعادون الإسلام” هو: وما الجديد؟

يجب التذكير هنا بأن المفهوم استعمل لأول مرة سنة 1921 من الكاتبين أتيان ديني وسليمان بن إبراهيم مما يثبت أن “الإسلاموفوبيا” كانت موجودة آنذاك وعلى الأرجح قبل ذلك بكثير.

ما يجهله الكثير من المسلمين أن واجهات كاتدرائيات العصور الوسطى مرصعة بتماثيل جلها مخصص للدعاية الكنسية ولكنها تحفل بتماثيل تذم الإسلام منها تمثال شبه قار لشيطان يصور في أفظع الصور واسمه -في إشارة واضحة للرسول الكريم- “Baphomet”. فهل سنطالب بهدم الكاتدرائيات الأوروبية؟

بخصوص التهمة الثانية “أنتم تجهلون ما هو الإسلام ومن ثمة تحاملكم عليه” يستطيع التشخيص الموضوعي، لا فقط التذكير بأنه لا جديد تحت الشمس، ولكن توجيه أصبع الاتهام للشاكي نفسه.

“المطالبة بمعاقبة الصحيفة الدانماركية والاعتذار بسبب الرسوم المسيئة لم يأت من جماهير جاهلة ولكن من نخب دينية يفترض فيها أنها تعرف أن النظام السياسي في الغرب ليس كنظامنا, وهو ما يكشف عن عمق جهلنا ”

قال عمر بن الخطاب “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا”. ماذا لو حاسبنا أنفسنا في طريقة تعاملنا مع قضية الرسوم الكريهة البشعة المدانة بالطبع التي اندلعت في فبراير/شباط 2006.

ظاهرتان للتدليل على عمق جهلنا نحن. ثمة أولا مطالبة رئيس وزراء الدانمارك بالاعتذار ومعاقبة الصحيفة والمسكين ضحية صحافة حرة لا سلطة له عليها.

هذا الطلب لم يأت من جماهير جاهلة ولكن من نخب دينية يفترض فيها أنها تعرف أن النظام السياسي في الغرب ليس نظامنا حيث يمكن للرئيس المزمن أن يقول للأشياء “كُوني فتكون”، أو أن كل ما يصدر في الصحف هو بإيعاز منه.

ثمة أيضا القضية التي قدمت في فرنسا بحق صحيفة “Charlie Hebdo” (التي أعادت نشر الرسوم في فبراير/شباط 2006) من قبل منظمات إسلامية.

إن من يقرأ هذه الصحيفة الهزلية الناقدة يعرف أنها كانت منذ بروزها أكبر عدو للدين بصفة عامة وللديانة المسيحية بصفة خاصة وأنها نشرت في السبعينيات إنجيلا أعادت كتابته بصفة ساخرة أذكر أن قراءته تسببت لي -أنا المسلم- في صدمة كبيرة.

وكثيرا ما تقدمت مؤسسات دينية مسيحية بشكاوى ضدها دون جدوى. السبب ليس فقط استقلالية القضاء الفرنسي وتعلقه بمبدأ أساسي في الديمقراطيات الغربية هو حق الرأي، ولكن أيضا حساسية كبرى قديمة ضد الدين وتحديدا ضد الكاثوليكية نظرا لوقوف الكنيسة ضد الثورة الفرنسية.

وقد بلغ الجهل ذروته عندما وقع الخلط بين صحيفة مغمورة وأقلية عنصرية تحرض على كل الأجانب وليس فقط على المسلمين في الدانمارك، وبين دولة وشعب أفاقا مذهولين على مظاهرات صاخبة تنادي بالموت لكليهما.

لا أحد لاحظ أنه خلط شبيه بخروج الأميركيين عشية 11سبتمبر/أيلول لحرق سفارات البلدان العربية والإسلامية والمطالبة بتدمير بلدانهم أو خروج الإسبان والإنجليز في نفس المظاهرات جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل أقليات لا تمثل إلا نفسها.

كل هذا لأن وسائل التعليم والإعلام لا تعلم أطفالنا وشعوبنا باكرا التفريق بخصوص الغرب مثلا بين الأنظمة الغربية والقيم الغربية والمجتمع المدني الغربي وداخل هذا الأخير بين أقليات عنصرية مناوئة للعرب والمسلمين وبين أكثرية من الجمعيات التي تساند كل نضالاتهم المشروعة.

كانت أزمة الرسوم أكبر دلالة على تساوينا مع الغربيين في الجهل. هم يجهلون خطوطنا الحمر ونحن نجهل خطوطهم الحمر، ووجد العقلاء من الجانبين أنفسهم وسط جهل يواجه جهلا وعداء موروثا أوقظ من سباته القديم ليواجه عداء قديما لا يطلب شيئا غير العودة للسطح.

أضف لهذا أن هذه الأزمة لم تكن التعبير عن عمق إيماننا وإنما عن عمق حساسيتنا وعمق هشاشتنا، فهل من المعقول أن تهتز قلعة لأن ذبابة قذرة حطت عليها أو أن نستعمل المدافع الثقيلة ضد الذباب.

يبقى السؤال ما جوهر المسمى الذي لم يفلح مصطلح “الإسلاموفوبيا” في تسميته؟ من يسعى لنشر أبشع الصور عن الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية مثلا؟

“الإسلاموفوبيا مصطلح مبني على الخلط لتتوسع دائرة الخوف والكره من أقلية نشطة وغير ممثلة للإسلام إلى أغلبية ممثلة لكن لا حول لها ولا قوة تبدو وكأنها جاثمة على صدور هذه الأقليات العنصرية”

بديهي أنها جماعات يمينية متطرفة سياسيا في بلدان مثل هولندا وسويسرا والدانمارك وبلجيكا وفرنسا والنمسا وألمانيا، تكره الأجانب عموما والمسلمين تحديدا، في علاقة خاصة بقضايا داخلية محض تتعلق بالضغط على سوق الشغل والخوف على الهوية الوطنية نتيجة ارتفاع نسبة الأجانب، كل هذا في إطار المخزون التاريخي القديم والقريب ككره العرب في فرنسا عقب حرب الجزائر أو ككره الأتراك في ألمانيا.

كيف تستطيع هذه الجماعات توسيع نفوذها؟ طبعا باستغلال الأحداث الدامية التي شهدتها نيويورك ولندن ومدريد وبسلان وما تبعها من خوف وريبة في البلدان المستهدفة.

معنى هذا أننا لو استعملنا مصطلح “الأصولية الإسلامية المسلحة- فوبيا” أو بالإنجليزية “Islamism -phobia” وليس “Islam-phobia” لما جانبنا الصواب كثيرا.

العملية مبنية إذن على الخلط لتتوسع دائرة الخوف والكره من أقلية نشطة وغير ممثلة للإسلام إلى أغلبية ممثلة لكن لا حول لها ولا قوة تبدو وكأنها جاثمة على صدور هذه الأقليات العنصرية.

من له أيضا مصلحة في نفس الخلط؟ إنه الجزء الأصولي المسلح الذي يهاجم المدنيين خارج ديار الإسلام والذي تثير أعماله سواء داخل البلدان الإسلامية أو خارجها كل ما توحي به كلمة فوبيا.

فهؤلاء الذين يقتلون المدنيين خارج ديار الإسلام هم بالطبع الذين لهم مصلحة في متابعة الخلط بين واقعين جد مختلفين وإيهام أنفسهم وغيرهم أن الاعتداء عليهم أو مقاومتهم هو اعتداء على الإسلام.

وهم أيضا كنظرائهم على الضفة الأخرى خبيرون في استعمال هفوات العدو وتضخيمها لتوسيع رقعة نفوذهم. من هذا المنظار لا نستطيع إلا أن نسخر من الأنظمة الاستبدادية التي سارعت في المزايدة بقضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم تظن أنها تخدم مصلحتها وهي تنزلق في أجندة من تحاربهم حربا لا هوادة فيها.

وإن أردنا ألا نكون بيادق لأي طرف فلا خيار لنا غير القول إننا لا نقبل المفهوم كما لو كان بديهيا وأننا سنفككه إلى مكوناته وقد نلغيه أو نبدله بمصطلح أدق. وفي كل الحالات فإننا تجاه انتشار الصورة السيئة عن الإسلام خارج دياره:

1-لا نقلل من الظاهرة ولا نهوّل منها ونضعها في سياقها التاريخي ونتحمل نصيبنا من المسؤولية فيها دون جلد للذات، ونحمّل الآخر نصيبه من المسؤولية دون “بارنويا” وعقدة المؤامرات.

2-نرفض أن يُعتدى على مقدساتنا، أو أن يعامل مواطنو بلداننا بأي كيفية تخل بكرامتهم، كما نرفض أن ترهنهم مجموعات عنصرية أو تستعملهم كبعبع للوصول إلى السلطة حسب تقنيات قديمة قدم السياسة بتسليط مسؤولية المصاعب على الغرباء.

3-نرفض أن ترتهن مجموعات مسلحة عنيفة الإسلام لتشيع الخوف بين شعوب مسلمة، أو غير مسلمة نرفض الخلط بينها وبين حكوماتها.

ونحن إذ ندين العنف الموجه ضد المدنيين داخل وخارج حدودنا لا نسعى ليعجب بسماحتنا أحد أو أن نقول للغرب أو للروس أو أي شعب آخر انظروا كم نحن متسامحون وأي دين عظيم ندين به، ولكن لكي نكون جديرين بهذا الدين ولكي نتوافق مع أوامره ونواهيه وذلك تحت راية الآية الكريمة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

“المشكلة الكبرى التي يعاني منها المسلمون اليوم ليست “الإسلاموفوبيا” وإنما تأرجحنا بين الاستبداد بكل أقنعته الأيديولوجية والفوضى، ولنا في العراق أبشع مثال”

4-إننا واعون لأن الخلل الأصلي هو في بلداننا التي ولّد فيها الاستبداد عنف الجماعات المسلحة, لكن هذه الجماعات ردود مغلوطة على إشكاليات حقيقية لأنها تقودنا إما لتأبيد الاستبداد الحالي أو في حال نجاحها لتشبيب الاستبداد في شكل ديني.

وفي الخلاصة فإن المشكلة الكبرى التي يعاني منها المسلمون اليوم ليست” الإسلاموفوبيا” وإنما تأرجحنا بين الاستبداد بكل أقنعته الأيدلوجية والفوضى، ولنا في العراق أبشع مثال.

الحل الجذري لمآسي الإسلام ليس في اتخاذ وضعية الضحية ووضع مسؤولية إخفاقنا على الآخرين فهذا أمر لا يليق بحضارة عظيمة كحضارتنا، وإنما في استتباب نظام سياسي يوقف الرقاص المجنون المنطلق من الفوضى إلى الاستبداد ومن الاستبداد إلى الفوضى ليستقر في موضع وسط هو إجباريا تلاقي قيم الإسلام وتقنيات الديمقراطية.

آنذاك لن يكون تحسن صورة الإسلام والمسلمين خارج دياره إلا أقل الإنجازات أهمية بالقياس لما تحقق أخيرا بالمصالحة في بلداننا بين متطلبات الروح والعقل، بين ضرورة التجذر في ماضينا والانطلاق منه نحو مستقبل أفضل.

 

الجزيرة

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة