6 نوفمبر، 2025، والساعة الآن 2:19 مساءً بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 18

المهدي المنجرة: المعلومة والسيادة..

عن كتابه : قيمة القيم

إن أكبر تحول على مستوى تطور الإنسانية يخطو أولى خطواته ؛ ويتعلق الأمر بتحويل الحضارة الصناعية إلى حضارة للمعرفة والمعلومة . صحيح أن بذور هذا التحول يتم الإحساس بها حاليا بشكل كبير في البلدان الرائدة في مجال التصنيع ، تلك الدول التي تولي أهمية استراتيجية للبحث العلمي والتكنولوجيات الدقيقة ( المعلوميات ـ التيليماتيك ـ الروبوتيك ـ البيوتكنولوجيا ـ هندسة الوراثة ـ الكيمياء الجزيئية ) ، وتخصص له قرابة 3 % من ناتجها الوطني الخام (PNB) ، غير أن بلدان العالم الثالث اليوم التي لا زالت تضم بين ظهرانيها مليارا من الأميين وتصرف أقل من 3 %  من ناجها الوطني الخام الضعيف على البحث والتنمية ، تتحمل هزات هذه الثورة ، أي ثورة المعلومة .

إن الهوة في ما بين البلدان المصنعة وتلك السائرة في طريق النمو تقدر اليوم بنسبة 1 إلى 20 ، ويعتقد أنه من الممكن أن تصل إلى نسبة 1 إلى 50 من الآن وإلى حدود سنة 2000 ، وذلك بشكل أساسي بفعل التغيرات البنيوية التي تطال النظام الدولي باعتبارها عواقب للتأثيرات السياسية والاقتصادية والسوسيوـ ثقافية للتكنولوجيات الجديدة ، وبخاصة تكنولوجيا المعلومة.

إن ثورة المعلومة هاته تضر بشكل لا محيد عنه بمحتوى المفهومين اللذين يشكلان موضوع مناظرتنا هاته ؛ أي « الإمكانيات الاقتصادية والسيادة » ؛ فالإمكانات الاقتصادية لبلد ما لم يعد من الممكن أبدا اختزالها في الشروح التي نجدها في المختصرات والكتب المدرسية المتعلقة بالجغرافيا والاقتصاد السياسي . إن الموارد الطبيعية تظل دوما معطى هاما ، لكن ما أضحى أكثر فأكثر  حيوية منها هو الموارد البشرية والمعلومة والبحث العلمي ؛ فبدون هذين الأخيرين يستحيل الإعلاء من قيمة الإمكانات الاقتصادية حتى تؤدي إلى تقدم حقيقي ، فتنمية بلد ما ليست مشابهة لعملية حرث حقل من القمح ، إذ هي تمر أكثر من أي وقت مضى عبر تنمية الإنسان وعبر التحكم الاجتماعي في مبتكراته ، وهذا يتلاءم تماما مع أنظمة القيم في المجتمع الإسلامي ومقاصد الإسلام التي تفرد للشخص الإنساني المكانة الأولى والمقام الرفيع.

إن الإمكانيات الاقتصادية لبلد ما هي متمثلة باذئ ذي بدئ في الناس الذين يعمرون هذا البلد ، ولقد ميز الله الإنسان عن الحيوان والنبات عندما حباه بنظام داخلي للإعلام جد معقد يمكنه من الحلق والتفكير والتطور والانتعاش وإصدار الأحكام ، وكل هذا يختزل في نهاية المطاف إلى أن معالجة المعلومات تتطلب عنصرين أساسيين اثنين : المعلومة ذاتها والألغوريتمات التي تعطي بنية ومعنى لهذه المعلومة. إن مصادر المعلومة هي الملاحظة والإدراك والبحث والذاكرة الطبيعية والاصطناعية ، أما الألغوريتمات فهي نتاج العقل والتجربة والحدس والإبداع والخيال والإيمان ، والكتب المقدسة هي منابع للألغوريتمات بالنسبة للمؤمنين من الناس.

إن التقدم الاقتصادي لم يعد مرهونا اليوم باستغلال الموارد المادية وحدها ، لأنه أضحى مرتبطا أكثر بمعالجة المعلومة وبالمعرفة ، فهل تواجدت الإمكانيات الاقتصادية لليابان في سنة 1983 مختزنة في أراضيها ؟ .. إن العالم الثالث يضم عددا كبيرا من البلدان الغنية بالموارد الطبيعية ، لكنها بلدان فقيرة من حيث المعرفة ، وبالتالي فهي بلدان متخلفة . إن لدى إفريقيا من إمكانات اقتصادية هائلة ( بالمعنى التقليدي للكلمة ) ، وذلك بالنظر إلى غنى مواردها الأولية ، غير أنها تظل القارة الأكثر فقرا على مستوى البسيطة. وإذا ما ذهبنا أبعد قليلا بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة عن ثورة المعلومة هاته ، فإننا سنفهم بسهولة لماذا أضحى محتوى مفهوم السيادة عرضة للتغيرات في أيامنا هاته.

إن قطاع المعلومة الجديد والمعرفة والخدمات في البلدان المصنعة يمثل اليوم 56 % من الناتج الوطني الخام ببلدان أوربا العشر ، ويشغل 54 % من الساكنة النشيطة بالولايات المتحدة ، لذا فإن الإحصائيات الكلاسيكية المتعلقة بالتجارة الخارجية ، والتي لا تنسحب على ما نسميه الصادرات الخفية ، تجعل التحليل المتعلق بالتجارة الدولية تحليلا مغلوطا ؛ فالولايات المتحدة تعاني ، حسب هذه الإحصائيات ، من عجز في ميزانها التجاري مع اليابان ، وهذا ليس صحيحا ، وذلك لأن اليابان في السنة الأخيرة عرفت عجزا على مستوى الصادرات ” الخفية ” يوازي 18 مليارا من الدولارات على صورة خدمات مستوردة بالأساس من الولايات المتحدة .

إن النظرية الاقتصادية في أزمة ، والتحليل الاقتصادي فقد البوصلة ، فبنيات النظرية الاقتصادية العقلية تجد صعوبة في تصور واستيعاب عواقب ثورة المعلومة هاته ، فهل نعلم أن تكنولوجيا واحدة من تكنولوجيات المعلومة ، كالتكنولوجيا المتعلقة باستعمال الألياف البصرية في مجال الاتصال ، ستخفض صادرات النحاس قبل سنة 1990 بنسبة 40 % .. وأن التطورات التي يعرفها علم الوراثة البيولوجي والبيوتكنولوجيات ستمكن البلدان الصناعية من الاستغناء عن صنف بأكمله من الموارد النباتية التي تستوردها من بلدان العالم الثالث ؟ .. وما ذا نقول عن استغلال الموارد البحرية ؟ .. كل هذا هو نتاج ثورة المعلومة . بدون تكنولوجيات المعلومة لم يكن بإمكان التكنولوجيات الدقيقة الأخرى أن ترى النور ، وهي تتوقف عن الوجود حالما نسحب تكنولوجيات المعلومة من الميدان .

إن البلدان الصناعية لا تشكل فريقا متجانسا في مواجهة التحولات الجارية حاليا ، لذلك فإن ريكاردو بيتريلا ، وهو موظف سام بالاتحاد الأوربي يقول : ” إن صورة العالم التي يمكننا ، نخن الأوربيين ، أن نصنعها لأنفسنا من خلال النظر فقط إلى نتائج وعواقب تكنولوجيات المعلومة الجديدة ، هي صورة مجتمع عالمي يتهدد بلدان المجموعة الأوربية فيه خلال 20 سنة القادمة خطر أن تضع بقاءها على الحياة في خطر باعتبارها اقتصادات صناعية مستقلة ” (1)

وإذا كان هذا ممكنا على مستوى بلدان أوربا العشر ، فماذا سيكون عليه حال بلدان العالم الثالث التي ليست لحد الآن بلدانا مستقلة اقتصاديا أو صناعيا بشكل حقيقي ؟ .. هل هو تعميق التبعية ؟ .. إزاء من ؟ .. إن هذه ليست أسئلة نظرية ، بل هي في صلب موضوعنا .

في عالم تتطور فيه المعرفة العلمية بشكل حثيث وهائل ( حجم المنشورات العلمية سنة 1984 سيكون مساويا لكل ما نشر ما بين عصر النهضة وسنة 1976 ) هل يمكن الحديث عن الإمكانات الاقتصادية من خلال تقدير كمية الاحتياطيات التي تختزنها الأرض فقط ، وخجم المجاري المائية وعدد السدود ومساحة الأراضي الزراعية وعدد رؤوس الماشية وعدد الليالي التي قضاها السياح بالفنادق وكذا معدل تزايد السكان ؟ ..

الجابري: الهوية “الأقوامية”… ومسألة “العروبة”

لم يختلف وضع الهوية العربية كثيراً على عهد الخلافة العثمانية عنه زمن العباسيين. فالهوية الجامعة على مستوى الإمبراطورية بقيت هي الثقافة العربية الإسلامية التي لم يتغير وضعها كثيراً بعد سقوط الدولة العباسية. نعم، لقد افتقد العثمانيون “النسب” العربي الذي كان يستمد منه الخليفة العباسي بعض شرعيته، كما أنهم احتفظوا بلغتهم فلم يتعربوا، لا على مستوى أجهزة الدولة ولا مستوى الثقافة، وبالمقابل لم يحاولوا فرض لغتهم على الشعوب العربية. لقد كانوا يستمدون شرعيتهم من رماحهم: لا الرماح الموجهة إلى الممالك الإسلامية التي كان يتشكل منهما ما عرف بـ”دار الإسلام”، بل الرماح المتجهة صوب “الكفار” في أوروبا. وقد نجح الأتراك العثمانيون في تثبيت شرعية إمبراطوريتهم من خلال استئناف “الفتح الإسلامي” في ذلك الاتجاه، خصوصاً بعد تمكنهم من القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية) سنة 1453، بعد أن كانت قد استعصت على الأمويين والعباسيين. وهذا ما منحهم في نظر فقهاء الإسلام مكانة خاصة.

وبما أن الأتراك العثمانيين لم يكونوا يحملون معهم موروثاً إسلاميّاً خاصّاً، وبما أنهم كانوا يجهلون اللغة العربية، فقد وقع في عهدهم نوع من الانفصال -ولا أقول القطيعة- بين طرفي الزوج الإيديولوجي الذي “سيولد” في أواخر عصرهم: أقصد زوج “العروبة والإسلام”. لقد كان الخليفة العباسي يستند في شرعيته القومية إلى كونه عربي النسب، وفي شرعيته الدينية إلى كونه من سلالة العباس بن عبدالمطلب عم النبي محمد عليه الصلاة والسلام. أما في العهد العثماني فقد استحدثت مؤسسة دينية خاصة هي “مؤسسة شيخ الإسلام”، أقول “مؤسسة” لأن لقب “شيخ الإسلام” قد ظهر من قبلهم وناله كبار علماء الدين ولكن دون أن يكون له أي دور مؤسسي في الدولة، وإنما هو لقب معنوي يعبر عن اعتراف العامة وكثير من الخاصة بكون حامله متبحراً في علوم الدين. أما في الإمبراطورية العثمانية فقد كان منصب “شيخ الإسلام” أحد الأركان الأساسية في نظام الحكم المكون من السلطان (الخليفة) والصدر الأعظم (الوزير الأول)، وشيخ الإسلام (المشرف على الأوقاف والقضاء والتعليم وصاحب النفوذ الواسع الذي قد يمتد إلى عزل السلطان)، ثم قاضي العسكر والدفتردار (ناظر المالية)… الخ. هذا على مستوى رئاسة الدولة (أو”الباب العالي نسبة إلى مقرها في إسطنبول)، أما على المستوى الاجتماعي/الثقافي فقد اعتمدت هذه الإمبراطورية نظام الولايات والأقليات والملل (غير المسلمين).

لم تكن هناك في الإمبراطورية العثمانية هوية جامعة بالمعنى الذي عرفته الإمبراطورية العباسية. وإذا كان الإسلام هو القاسم المشترك الأكبر، وباسمه كانت “الفتوحات في دار الحرب” (القارة الأوروبية) وكان “الحكم والتحكم في دار الإسلام”، فإن نظام الولايات والأقليات والملل قد جعل “الهويات الخاصة”، قومية كانت أو طائفية أو دينية “ملية”، هي التي تحدد شخصية الأفراد والجماعات. كانت الإمبراطورية العثمانية أشبه بخيمة: ضيقة في القمة واسعة عريضة في القاعدة، خيمة يشدها عماد في الوسط، هو السلطان وممثلوه في الولايات، وأوتاد في الأطراف تربطها بأرض الإمبراطورية، مع فجوات تختلف ضيقاً واتساعاً.

بقي الحال كذلك -تقريباً طوال الخلافة العثمانية- إلى أن قام عصر القوميات في أوروبا… حينذاك أخذ الجوار مع أوروبا، وداخل القارة الأوربية نفسها، يفعل فعله في ذلك العالم متعدد الجنسيات والقوميات والطوائف والأديان. لقد أخذ شكل جديد من الشعور بـ”الهوية الأقوامية” ينتشر في أحشاء خيمة “الباب العالي”: شعور الأتراك بقوميتهم الطورانية، وشعور عرب المشرق بوقوعهم خارج هذه القومية، وبالتالي خارج دولتها… الخ. أما بلدان المغرب، وإلى حد ما مصر، فقد بقيت علاقاتها، في الجملة، سواء مع دار الخلافة في بغداد أو في الأستانة (إسطنبول) كما كانت من قبل، علاقة انفصال مع نوع من الاتصال…

والواقع أن الحضارة العربية الإسلامية لم تشهد التغاير أو التمايز أو الانشطار داخل “الهوية العربية الإسلامية” إلا عندما تأثرت النخبة العصرية في تركيا، خلال القرن التاسع عشر، بالحركات القومية في أوروبا، وقام فيها تيار ينادي بتسويد القومية التركية الطورانية على مختلف القوميات المنضوية تحت الخلافة العثمانية، فكان رد فعل النخبة العصرية العربية في سوريا ولبنان (وخاصة المسيحية منها)، أن طرحت شعار المطالبة بالاستقلال عن الترك، الشيء الذي يعني الخروج عن الخلافة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام السياسي الموروث. ومن هنا ظهرت فكرة العروبة والقومية العربية (في بلاد الشام خاصة) لا كطرف ينازع الإسلام أو ينافسه بل كتعبير سياسي عن الرغبة في التحرر من هيمنة القومية التركية الطورانية التي كانت تطمح إلى الاستئثار بالسلطة.

وتزامن انتصار دول أوربية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي كان الصراع على المستعمرات من أهم أسبابها، تزامن مع دخول الإمبراطورية العثمانية وضعية “الرجل المريض” -وكانت في الصف المنهزم في تلك الحرب- وانتهى أمرها باستيلاء أتاتورك على السلطة في تركيا، فألغى الخلافة وأقام دولة علمانية في أوائل العشرينيات، وبذلك تحول مجرى الأحداث، وأصبح “الآخر” لـ”العرب” ابتداء من الثلاثينيات من القرن العشرين هو الاستعمار الأوروبي الذي أدى التنافس بين أقطابه إلى تكريس نوع جديد من التقسيم والتجزئة داخل العالم العربي؛ وقد اكتست التجزئة مظهراً مأساويّاً في المشرق بصفة خاصة.

ومن هنا أخذت الهوية العربية تتحدَّد، ليس فقط برفض الاستعمار الأوروبي فحسب بل أيضاً بالتنديد بالتجزئة التي فرضها أو كرسها وبعدم الاعتراف بـ”إسرائيل” التي غرسها في فلسطين، ثم بالابتعاد عن الأحلاف العسكرية التي تنشئها القوى الاستعمارية الإمبريالية وفي مقدمتها حلف بغداد CENTO الذي أنشأته بريطانيا عام 1955، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية. وكان ذلك الحلف يضم ثلاث دول إسلامية كبرى هي باكستان وإيران وتركيا، ودولة عربية واحدة هي العراق، وذلك في إطار استراتيجية الحزام العسكري الذي كانت تقيمه الولايات المتحدة والدول الغربية ضد الاتحاد السوفييتي”…

هكذا وقع الفصل مرة أخرى بين القومية العربية و”الإسلام السياسي” الذي كان يضم هذه المرة حكومات (باكستان وإيران وعراق نوري السعيد…) فضلت مهادنة الدول الاستعمارية والسير في صف الليبرالية الإمبريالية ضداً على الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية من جهة، وابتعاداً عن حركات التحرير في العالم الثالث وضمنه العالم العربي من جهة أخرى. وهكذا وقف بعض تلك الحكومات موقفاً سلبيّاً من القضية العربية، قضية فلسطين وقضية التحرر العربي عامة. وفي خضم هذا الصراع ظهر منظرون وإيديولوجيون حاولوا، تحت ضغط هذه الملابسات، وربما بدوافع أخرى أيضاً، التنظير للقومية العربية مع السكوت عن الإسلام واستبعاده صراحة أو ضمناً. فكان من الطبيعي أن يقوم رد فعل مضاد يعتبر “الإسلام” كمقوم أساسي وأولي للهوية وليس “العروبة”… وللمقال صلة.

الربيع العربي من الإصلاح إلى الثورة – د. المختار بنعبدلاوي*

سيزيف العربي

سخر الكثيرون من أنصار الواقعية السياسية عندما سمع البعض منهم أو قرأ قصيدة: “عابرون في زمن عابر” لمحمود درويش: بصورة خاصة المقطع:

منكم السيف ـ ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار ـ ومنا لحمنا

منكم دبابة أخرى ـ ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز ـ ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا

وادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا

وعلينا ، نحن ، أن نحرس ورد الشهداء

وعلينا ، نحن ، أن نحيا كما نحن نشاء!

رغم أن القصيدة كتبت في سياق الانتفاضة الفلسطينية فإن منطقها ينسحب اليوم على الثورات العربية؛ لقد أحرق الرماد المتفحم لجثة البوعزيزي “عرش” بنعلي القائم على أسنة الرماح، ودك أركانه، ولم بفتأ اللهب المنبعث أن امتد لكي يبعث الحرارة في كل مكان، ولكي يصبح مصدر إلهام لعدد من الثورات العربية في مصر والشام والجزيرة العربية وشمال إفريقيا.

إن ضيق ذات اليد لا يفسر وحده واقعة البوعزيزي؛ من يصرخ من أجل الخبز لا يضع حدا لحياته لأن الصراع من أجل الخبز صراع من أجل البقاء… من يطلب الموت بهذه الحدة يعاني أزمة وجود! أزمة معنى وجود! أزمة كرامة!

بهذه الحدة عبرت “الحالة التونسية بصورة مبكرة عن معاناة عربية خالصة، أطلق عليها الشباب الجزائريون قبل ذلك مسمى “الحيطية”، وكانت إحدى أبلغ صورها؛ وقفات عدد من الشباب المغاربة أمام سور “المعاجيز” في طنجة، وهم يرقبون طيلة اليوم، حالمين”، عشرات البواخر المغادرة إلى أوربا من ميناء المدينة.

في العالم العربي، توقف التعليم، منذ عقود، عن أن يكون وسيلة للارتقاء والاندماج الاجتماعيين، كما حصل ذلك في السنوات الأولى لما بعد الاستقلال، وأصبحنا أمام وضعية غير مسبوقة؛ وعي دقيق لدى الشباب بالوضعية الاجتماعية السياسية العامة، وانخراط في مجتمع الاستهلاك من جهة، وحالة إحباط مطلقة، من جهة أخرى، أمام العجز المستفحل، يواكبها غضب عارم بسبب الفساد المستشري، ومظاهر الترف الخرافي التي يرونها في الأحياء المجاورة على بعد عشرات الأمتار من بيوتهم.

ليس أمام هؤلاء الشباب إلا أن يديروا ظهرهم إلى الحيطان وينظروا بعجز إلى ما يدور من حولهم… لقد تحولوا إلى جزء من المشهد فقط وفقدوا صفتهم كبشر… لقد جربوا كل الوصفات الممكنة من التمرد “اليساروي” إلى “الانمحاء” السلفي… وفي كل مرة كانوا يجدون أنفسهم خارج الدائرة وخارج المعنى؛ وحتى عندما وقع انشقاق داخل دائرة القرار الضيقة في الجزائر، وانفلق من داخله أمل بالعودة إلى المجتمع للتحكيم في ألفق بلورة مخرجات جديدة، صودرت كلمة الشعب بمجرد ما تبين أنها تسير في اتجاه ثالث لا يخدم مصالح لا هؤلاء ولا أولئك، وتلتها عمليات إبادة جماعية منظمة، تجاوزت من بعيد ما أرعب العالم في سربرنيتشا… ومع ذلك فإن رائحة النفط أزكمت الأنوف وأعمت الأعين عن رؤية ما يحصل.

الموجة الرابعة: بين نظرية المؤامرة، ومنطق المؤشرات الاجتماعية

لقد جعلت هذه التجربة، وتجارب أخرى، المواطن العربي يدأب على تفسير كل شيء بنظرية المؤامرة. إن هذا التفسير هو الأقرب إلى الذهن بسبب المحن والتجارب التي عاشها العرب مع الغرب، منذ وعد بلفور، ومع أنظمتهم منذ الاستقلال. إن هذا التفسير هو كذلك الأكثر بساطة، والأكثر تطابقا مع منطق الأشياء، ومع أجواء الإحباط المطلقة التي تخيم على المنطقة.

من جهة أخرى فإن ما ميز ردود الفعل عموم المثقفين العرب على انبثاق الحركات الاحتجاجية هو نوع من “فرحة الخلاص”، وكأننا حيال تحقق نبوءة أو حالة إعجاز، في الوقت الذي يبين فيه إلقاء نظرة على المؤشرات الاجتماعية السائدة في معظم البلاد العربية أن هذه التحولات هي أكثر من ذلك؛ إنها جزء من منطق التطور العام الذي عرفته مجتمعاتنا، خارج دائرة وعينا المباشر، والذي أصبحت هذه الثورات بمقتضاه مسألة وقت فقط، بحيث إن “انتحار البوعزيزي” كان فيها مجرد فركة القمقم التي أخرجت المارد من عقاله.

لقد ربطت دراسات إمانويل طود Emanuel Todd منذ عقود بين تضافر عدد من المؤشرات الديمغرافية وبين التحولات الديمقراطية، وإذا وقفنا على التحولات التي عرفتها أوربا في بداية القرن الماضي، فإن العين لن تخطئ الربط بينها وبين ما نعيشه اليوم، من ارتفاع معدلات التمدين (ارتفاع ساكنة المدن) التي أصبحت تتجاوز 60% في مقابل انخفاض ساكنة الأرياف، وامتداد الطبقة الوسطى، وارتفاع نسبة التعليم بصورة تجاوزت معها حاجز 50% إلى جانب ترسيخ الأسرة النووية كوحدة ديمغرافية أساسية، مع ما لذلك من تأثير على صعود النزعة الفردية، وعلى أنظمة السلوك والقيم، وعلى حلول آليات التضامن العضوي في محل التضامن الآلي. إن هذه التحولات لا تلغي تأثير الأزمة الاجتماعية أو تفاعلات العوامل الأيديولوجية بل تستوعبها جميعا؛ فهي بمثابة الوعاء الأساسي للدينامية الاجتماعية؛ فتعمل على تسريعها أو تبطئتها بفعل كثافة أو ميوعة الآليات المشار إليها.

في ظل هذا المشهد، وبروح هذا المنطق، يبدو النظام السياسي في تونس ضحية لنجاحاته؛ لقد كانت وتيرة التمدين والتعليم في تونس، من بين الأسرع في الوطن العربي، كما نجحت الطبقة الوسطى، في هذا البلد، في الحفاظ على موقعها الأساسي في المجتمع، وكان التناقض يزداد في كل يوم بين نضج هذا الجسم الاجتماعي، وبين ضيق رئة الحريات المتاحة، في وقت أصبحت فيه مقارنة الحالات الاجتماعية والسياسية ممكنة في كل لحظة بفضل انتشار الفضائيات، واتساع دائرة الشبكة العنكبوتية التي أتاحت بعدا جديدا للاحتجاج، لا يحتاج فيه المناضل إلى الذهاب إلى مقر الجمعية أو إلى فرع الحزب لعقد الاجتماعات أو الخروج بقرارات، ولا حتى أن يخضع لتوقيت محدد للاجتماع… كل هذا، إلى جانب كون المجتمع التونسي مجتمعا منفتحا بطبيعته، مما وفر الزخم الشعبي الضروري للثورة التونسية.

من جهة أخرى قدمت مصر نموذجا مقابلا (وليس مناقضا) للحالة التونسية؛ صحيح أن مستوى التنمية البشرية ضعيف جدا في مصر، والطبقة الوسطى أكثر انكماشا، والفساد أوسع بكثير، لكن بنية الدولة في مصر هي من أقدم البنيات في العالم، كما وتيرة التمدين هي من بين الأسرع في العالم، مع إبقاء وتعميق الفوارق الاجتماعية. وحتى فيما يخص مؤسسات الدولة المركزية الحديثة فإنها تعود إلى عهد محمد علي، كما أن تركز الساكنة على ضفتي النيل، منذ أقدم العصور، جعل من الكثافة الديمغرافية ثقلا ينوء به أي كيان سياسي، وهو ما أدى إلى خلق هوامش مريفة ruralisés في حواف المدن أدت إلى توتير العلاقة مع المركز، ومع السلطة، بسبب الاكتظاظ السكاني، وانتشار البناء العشوائي والفساد، كما أدت إلى تصادم واضح في المرجعيات القيمية، كأحد تجليات تصعيد المعاناة اليومية، والانحباس العام القابع في الأفق.

كان جميع المصريين يعانون من ضيق هامش الحريات لكن ما وحد الجميع هو امتهان الكرامة الذي عرف تعبيره الأعلى في الشريط المهرب لعميد الأمن الذي كان يخاطب عناصره ويقول لهم: “من يمد يده على سيده فإن يده يجب أن تقطع”… إن هذه الخطاب يعود إلى ثقافة مصر ما قبل الثورة… إلى عهود الإقطاع، وقد طورت الثورة المصرية فيما بعد، وعلى مدى أجيال، خطابا مناهضا تماما لهذه الثقافة لتكتشف فيما بعد أنها لا زالت حية في كل مكان… بين أوساط عدد من رجال الأعمال، وفي أجهزة الدولة والأمن. ولعل صور عشرات المصريين وهو يضربون صور مبارك “بالجزمة” لا يعني إلا هذا: “الرد على الإهانة بالإهانة”.

إننا نادرا ما يمكننا أن نرى مثل هذا المشهد في الغرب… أن تضرب صورة الرئيس ب: “الجزمة” حتى في أكثر صور الكرتون قساوة، لأن الاختلافات هناك تأخذ طابعا سياسيا معقلنا وتتعلق باختلافات في البرامج أو في التدبير، ولا تصل إلى التعبيرات العاطفية والانفعالية. إن المواطن المصري يريد أن يثأر لكرامته أولا ثم يفكر بعد ذلك فيما يريد… إن هذا قد يعتبر مأخذا يدل على أن “الثورة” لا تملك خارطة طريق للإصلاحات؛ لكن لهذا إيجابياته كذلك، لأنه يجعل “فرقاء” المستقبل ينخرطون في معركة واحدة قبل أن يضعوا ركائز المؤسسات التي سوف تعبر عن اختياراتهم اللاحقة.

هل المجتمعات العربية جاهزة للتغيير؟

تهيمن في كل المجتمعات العربية اليوم المتوالية الجبرية المصرية، والمتوالية الهندسية التونسية،[1] ولا تكاد تقف في طريق هذا التحول، في بعض المجتمعات، إلا بعض البنيات التقليدية العصية على التحول (القبيلة والطائفة والاختلافات اللغوية والعرقية)، التي تهدد بتحويل هذه الانتفاضات إلى حروب استنزاف أهلية طويلة المدى.

لقد انتبهتت عدد من النظمة السياسية في العالم العربي إلى خطورة الفئوية، بتعبيراتها المتعددةفي العالم، مع إبقاء وتعميق الفوارق الاجتماع عدد من الأنظمة السياسية في العالم العربي إلى خطورة الفئوية، بتعبيراتها المتعددة، وتعاملت معها بحس أمني يمكننا اعتباره وريثا للأنثبولوجيا الاستعمارية. كلما تزايد الاندماج الاجتماعي، في ظل عمل آليات الدولة الحديثة، إلا وعملت الأجهزة الأمنية بترساناتها القانونية وأبواقها الإعلامية على إيقاظ الأشباح الفئوية بأسمائها المتعددة (دينية، عرقية، لغوية…) لشق المجتمع، وتشتيت تركيزه، وبلبلة أهدافه. شاهدنا هذا في مصر، منذ أحداث الزاوية الحمراء، وقبل ذلك في لبنان السبعينيات، وبعده في سورية الثمانينيات، وأخيرا في المغرب العربي خلال التسعينيات، قبل يرسمه بريمر في العراق، ويحوله إلى مؤسسات قائمة بذاتها. إن المعادلة التي تركن إليها هذه المناورة مباشرة وبسيطة: “إما أن يبقى نظام الحكم الموجد قائما أو أن يعم الطوفان”، أكثر من ذلك يبدو نظام الحكم في هذه الحال بصفته المحافظ على التوازنات الثقافية، والحامي لوحدة البلاد.

تدرك قوى المحافظة والتقليد أن البنيات القائمة على التضامن الآلي Mecanic Solidarity تؤدي إلى خلق انحباسات اجتماعية، في منتهى الخطورة على مآلات الثورات الاجتماعية، لأن التضامنات الآلية التي تخلقها تسير ضد منطق الدينامية الاجتماعية الديمقراطية، التي ترى في قيم المواطنة، وفي أولوية المصالح العمومية، الضمانة الفعلية لحقوقها ولمصالحها الشخصية.

مبيان: المجتمعات التي لا زالت بنيات التضامن الآلي قوية فيها

إن هذه الانتظامات الآلية هي من رواسب الماضي، لكن عددا من الأنظمة السياسية لم تأل جهدا من أجل الإبقاء عليها أو تطويرها لرهن الدينامية الاجتماعية، لكي يجري تبرير الشمولية، وحتى تكون الشعوب مخيرة بين الاستبداد أو الفوضى، ولربما التقسيم.

إن هذه الوضعية هي ما يمدد الصراعات اليوم في ليبيا[2] وفي اليمن[3] كما أن الوضع في سورية ليس أفضل بكثير، حيث تكاد المعالم الطائفية تفقأ العين، في نظام سياسي يفترض أنه يتبنى مرجعية قومية عربية علمانية، وأخيرا في المغرب العربي، حيث يجري تلويث المطالب الاجتماعية والسياسية المتعلقة بقوت الناس وكرامتهم، بمطالب نزوعية عرقية، في مجتمع يكاد يمتنع فيه الجزم بمن هو عربي ومن هو أمازيغي.[4]

في المحصلة، تبدو قوة الدفع داخل الحركة الاحتجاجية العربية في أحسن حالاتها، بسبب المآل البائس الذي عرفه النظامان البائدان في تونس ومصر، والذي كانت إحدى دروسه الرئيسية أنه: في ظل النظام الدولي المعاصر، لا يمكن للأجهزة الأمنية وحدها أن تحمي النظام السياسي ضد إرادة الشعب، وأن خدمة مصالح الغرب أو الانخراط في الحرب على الإرهاب لا يوفر الحصانة الكافية للحاكمين.

إن الصعوبة الوحيدة التي تعوق الحركة التحررية العربية قائمة اليوم في البنيات الاجتماعية المغلقة، التي لا زالت تسود فيها علاقات التضامن الآلي.[5] إن هذه الحقيقة المؤسفة، والثمن الفادح الذي تؤديه القوى الديمقراطية في تونس واليمن، ولربما في سورية، يبين أن التحديث الاجتماعي السياسي أساسي في أي تحول ديمقراطي، وأن الكلفة تزيد بقدر ما تزيد تقليدانية المجتمع.

كما أن عددا من المخاطر الكبرى لا زالت تحف بالثورة المصرية اليوم، هل سوف يقبل الجيش بالخروج من الحياة العامة؟ وبأي ثمن؟ كيف سوف يجري إطفاء الحريق الطائفي الذي تم إيقاده وتغذيته على مدى سنوات؟ هل سوف تستطيع القوى الصاعدة الجديدة تفادي ألغام “الثورة المضادة”؟ وهل سوف تنجح في إثبات جديتها في محاربة الفساد؟ إلى جانب إيجاد متنفسات اجتماعية معقولة، تعطي للناس إحساسا بأن هناك تغييرا جاريا في الأفق؟

****

[1] بالإحالة إلى بطء وإلى تسارع التحولات

[2] حيث لم يتردد القذافي في بعي الورقة القبلية بين قبائل الشرق والغرب بل وإعادة تجنيس قبائل هاجرت من ليبيا إلى مصر منذ قرون، لمحاصرة “خصومه” القبليين.

[3] حيث عمل عبد الله صالح، إلى جانب قوى إقليمية، أبرزها السعودية على إبقاء النعرات القبلية، مع تسليح وتمويل القبائل الموالية.

[4] من أكثر المظاهر طرافة في المغرب أن رموز الحركة القومية العربية مثل الفقيه البصري، أحد مؤسسي جيش التحرير وقادة المقاومة، والمفكر محمد عابد الجابري، وبنسعيد آيت أيدر، ينحدرون من مناطق أمازيغية،

[5] ليبيا، اليمن، وسورية (جزئيا)

*مركز مدى جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء

طَبَقَاتَ المُثَقًفِينَ المُورِيتَانيِيِنَ، المختار ولد داهي

0

تكاد تجمع مجالس ” التقييم و التحليل السياسي و الاجتماعي” العرفي ومنها و “العفوي” خصوصا أن البلد يعاني ” أزمة النخبة المثقفة” و من رواد تلك المجالس من يُصنف تلك الأزمة بأنها “أزمة وجود” و منهم من ينعتها “بأزمة نوعية و جودة” و منهم من يذهب إلي أنها ” أزمة انهزام و انكسار” و منهم من يضعها في خانة ” الإصابة بدرجة حادة من وباء “الموضة العربية و الإفريقية”  المتمثلة في “كساد النخبوية و رواج الشعبوية”،…

و المثقف المقصود في هذه الحروف هو  كل من كان له  حظ من العلم و الفهم و نصيب من  العمل بما عَلِمَ  و قسط من  المثابرة من أجل تبليغ و تعليم ما عَلِمَ حتي ينتفع به عامة الناس و هو ما يعني أن أركان الاتصاف بصفة المثقف ثلاثٌ أولها العلم و ثانيها العمل بالعلم و ثالثها إفشاء العلم و كل ما فُقِدَ أحد هذه الأركان فُقِدَتْ ذات الثقافة و انْتَفَتْ صفة المثقف.

و المتابع للمشهد الثقافي بالبلد يمكن أن يقسم المثقفين الموريتانيين إلي خمس مجموعات:-

أولا: فئة “القابضين علي الجمر”:و يقصد بهم فئة المثقفين الذين لا زالوا حريصين علي تغيير المجتمع نحو الأفضل مع جرأة لافتة في مواجهة “حماة” و “لوبيات” العقليات المضادة لمفهوم الدولة و قيم الجمهورية و مُثُلِ المساواة دافعين في سبيل ذلك أثمانا باهظة من التهميش و الإقصاء  و اللاستهزاءِ و الاستخفاف و الشيطنة و التبخيس ،… و هم يمثلون الفئة الأقل عددا من مجموع فئات المثقفين الموريتانيين، منهم سياسيون محنكون و أدباء نابهون و أساتذة مُبَرًزُون و إعلاميون بارزون و “أَعْمَالِيُونَ ناجحون” و علماء ربانيون و  دعاة “مَنْصُورُونَ” ،…

ثانيا: طائفة “المُكِبِينَ علي وجوههم”:و هؤلاء هم المثقفون الذين يئسوا و قنطوا من هزيمة العقليات المجتمعية و السياسية “الرجعية” فلجأوا إلي الانكفاء و الانعزال و البَيَاتِ  و السير مُكبين علي وجوههم غايتُهم القصوي و هدفهم الأسمي أن يُحصنوا أنفسهم من ” الردة و الارتكاس” و تأثير العقليات المجتمعية المضادة  للتطور و الإصلاح و التقدم،…كأنما شعارهم و لسان حالهم ناطق “بأن ليس عليهم في أيام موريتانيا المَوَاخِضِ هذه إلا أنفسهم”.

ثالثا:طبقة الصداميين و الاستئصاليين: و أعني بهذه الطبقة مجموعة من المثقفين الموريتانيين الذين ينهجون نهجا صداميا مع المجتمع و عقلياته و رموزه و ثوابته غير آبهين بسنة التدرج في التغيير و لا باذلين أدني الجهد لتمييز العقليات الضارة من العقليات النافعة و العقليات غير الضارة و العقليات الأقل ضررا أعدادهم قليلة و مَقْبُولِيًتُهُمْ لدي بعض فئات المجتمع مهزوزة لكن صخبهم الإعلامي كبير  وظهيرهم الدولي أثير منهم سياسيون و حقوقيون  و جامعيون و نِضَالِيُونَ و فاعلون مدنيون،…

رابعا: مجموعة دعاة “التكيف السلبي”:و هم  مجموعة من المثقفين الذين استنتجوا استحالة تغيير العقليات المجتمعية المضادة للتقدم إلا من خلال  الانصهار في المجتمع و التكيف مع هذه العقليات مع الإصرار علي محاولة تغيير و إصلاح ما أمكن منها و قليلٌ من هؤلاء من حقق نجاحا معتبرا و كثيرٌ منهم من تأثر بسلبيات المجتمع أكثر مما أثر و تغير هو سلبا أكثر مما غير إيجابا فجاز أن يطلق علي منهجهم منهج ” التكيف السلبي”؛

رابعا: جماعة “المُتَحَوِلِينَ فكريا”: وهم الأغلبية الغالبة من المثقفين الموريتانيين الذين كفروا عمليا بثقافتهم و أضحوا من أكابر الممارسين و الممجدين للعقليات المجتمعية و السياسية المضادة للتقدم  و العصرنة و الإصلاح كالقبلية و الشرائحية و المناطقية و العنصرية و “الفردانية” و قد مثل هذا “التحول البهلواني” لهذه المجموعة أسوأ دعاية ضد الثقافة و المثقفين حيث أضحي المثقف في مِخْيَالِ جزء عريض من  الرأي العام الموريتاني  سَمِيً المنافق و رديف الحِرْبَائِيِ وصِنْوَ الإِمًعِيِ و مثيل “الزِئْبَقِيِ”،…

و من المتواتر عليه أن موريتانيا أحوج ما تكون  إلي “يقظة نخبوية” تحمل مشروعا مجتمعيا إصلاحيا يرأب صدع  ” اللحمة الشرائحية” و يعيد إلي مربع الفعل الثقافي الإيجابي بكل سرعة وثقة  و قوة و عنفوان و  إيمان صادق بواجب أسبقية و استعجالية تغيير العقليات المجتمعية المضادة و المعادية “للأمن المجتمعي”  فئات ” المُكبين علي وجوههم” و الصداميين الاستئصاليين و “المتكيفين تكيفا سلبيا” و المتحولين فكريا.

ندوة فاتح مارس: الحركة الحقوقية في موريتانيا.. مسار التشكل وطبيعة التأثير

0

نظم المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإنسانية “مبدأ” مساء اليوم الأربعاء 01 مارس 2017، ندوة تحت عنوان: “الحركة الحقوقية في موريتانيا مسار التشكل وطبيعة التأثير”.

وشارك في إنعاش الندوة التي ترأسها السفير بلال ولد ورزك، كل من د.بدي ولد أبنو، والحقوقي سعد بوه كمرا والحقوقية سعداني بنت خيطور.

كما حضرها عدد من قادة الحركات الحقوقية في موريتانيا من بينهم بلال ولد رمظان والسعد ولد أوليد ومحمد فال ولد هنضية.

 وقال رئيس المركز محمد ولد سيد أحمد فال الملقب “بوياتي”، إن الندوة تأتي ضمن خطة للمركز تهدف لتسليط الضوء على التاريخ الموريتاني، مضيفا أن مركز “مبدأ” سينظم أيضا ندوات مماثلة عن الحركات الثقافية الوطنية والتيارات القومية والإسلامية في موريتانيا.

وأوضح بوياتي في حديث للأخبار، أن من بين أهداف هذه الندوة جمع ذوي وجهات النظر المختلفة حول الحركة الحقوقية، مؤكدا أن اللقاء والنقاش سوف يمكن من الوصول إلى حلول للإشكاليات التي تواجه الوطن.

تابع الفيديو:

الربيع العربي… هل توقف؟ / د. السيد ولد أباه

0

ذكرت لي شخصية دبلوماسية عربية مرموقة شاركت في «منتدى اسبن» المغلق، الذي التأم الأسبوع الماضي بمراكش بحضور 26 وزير خارجية سابق من البلدان العربية والغربية أن الموقف كما توصل إليه المنتدى يتلخص في عبارتين: «انهيار مؤسسي جذري لبلدان الربيع العربي، وضياع الرؤية والتوجه لدى القوى

الدولية التي واكبت التحولات وشجعتها». بعد فترة الحماس المشروع والأمل الجارف، تزايد الشعور بالخطر والقلق من سير الأحداث في البلدان الخمسة التي مر بها «الربيع العربي»: احتقان سياسي وأمني وأفق مسدود في مصر وأزمة سياسية خانقة في تونس وفتنة أهلية وانفلات أمني في ليبيا، ومسار انتقالي متعطل في اليمن، وحرب أهلية حقيقية في سوريا. بعد حركية الثورة دخلت المنطقة العربية منعرج الأزمة، أي أزمات الانتقال والتحول التي توشك أن تصبح أزمات بنيوية عميقة، تطال شكل النظام السياسي والهياكل المؤسسية للدولة والأنساق الاجتماعية العميقة. كتب الفيلسوف السويسري الأشهر «جان جاك روسو» قبيل اندلاع الثورة الفرنسية :«إننا نقترب من حالة الأزمة ومن عصر الثورات، من يمكنه أن يخبرنا حول ماذا سيقع حينئذ؟». يقف الفكر العربي اليوم أمام سؤال مماثل ، بعد أن دخلت المنطقة عصر الثورات وتفاقمت أزماتها الداخلية في أوجهها المختلفة.

ويمكنني القول بعد حضور العديد من الندوات والمؤتمرات الاستشرافية للوضع العربي بعد التحولات الأخيرة الجزم بأن مصائر المنطقة العربية غدت ضبابية قاتمة، لا أحد يمكنه المجازفة بتحديدها بدقة وجلاء. ليس من همنا في هذا الحيز رصد أوجه أزمات التحول الراهنة في أبعادها السياسية والقانونية والمجتمعية التي سبق أن نبهنا إليها مبكراً في هذه الصفحة، وفي الكتاب الذي تتبعنا فيه ديناميكية «الثورات العربية الجديدة»، وإنما حسبنا التوقف عند الأفق التأويلي للحظة التحول التي اعتبرت تدشيناً لزمن سياسي عربي جديد.

تحيل مقولة الثورة في منابعها الفلسفية الأصلية إلى تصور جديد للزمن بصفته محرك التاريخ وصانع المعنى وأفق التحرر الإنساني. بهذه الخلفية أثرت الثورتان الفرنسية والأميركية في العقل السياسي الحديث وصاغتا الأطر الأيديولوجية والنظرية للأنساق الفكرية والمجتمعية المعاصرة. في الثورة يخرج الزمن السياسي من منطق الانتظام المؤسسي وهوية الجسم الاجتماعي الموحد، لكي تنفتح لحظة إعادة البناء الجذري وتشكل الشرعيات الجديدة ومراجعة النظم الاجتماعية والبنيات الدستورية والقانونية. حدث الثورة إذن يتنزل على الخيط الدقيق بين خطر التفكك والفوضى وزخم الأمل الطوبائي الخصب بتحقيق المثل الإنسانية المطلقة التي يتم الالتفاف حولها في أي نسق سياسي قائم مهما كانت شرعيته وعدالته. وما يبقى من الثورات الكبرى بعد انحسار زخمها الحدثي الاحتفائي هو الوعود التي تحملها والآفاق الرحبة التي تدشنها.

فإذا كانت الثورة الفرنسية في جانب منها هي حصيلة تأليفية لقيم النهضة الأوروبية والإصلاح الديني وفكر الأنوار، فإنها في جانب آخر منها هي مدونة حقوق الإنسان وأحلام الكونية الإنسانية التي حملتها مشروعاً مفتوحاً للبشرية (على الرغم من سوء استخدامه واستغلاله في الحروب الإمبراطورية والسياسات الاستعمارية التوسعية)، بل إن الثورة البلشفية على قساوتها وفظائع جرائمها حملت وعوداً خصبة مماثلة غذت المخيال الجماعي للطبقات المسحوقة والشعوب المقهورة، هل تحمل الثورات العربية الراهنة مثل هذه الوعود الخصبة؟ وهل تدشن بالفعل هذا الأفق التأويلي للزمن؟

لا مناص من الإقرار بأن الانتفاضات الشعبية العربية حملت في عفويتها وسلميتها وأجوائها الاحتفائية حلم التحول الجذري وطوبائية التحرر والانفكاك من قيود التسلط والاستبداد، إلى حد أن العديد من كبار المفكرين الغربيين اعتبروا «الربيع العربي» محطة فاصلة في مسار البشرية التي دخلت مجدداً عصر الثورة بعد انحساره ونضوبه، بيد أن عوائق ومصاعب الانتقال الديمقراطي التي عرفتها بلدان «الربيع العربي» سرعان ما صرفت الاهتمام إلى الإشكالين الجوهريين اللذين يطرحهما الوضع العربي الراهن وهما: علاقة الديمقراطية التعددية في شرعيتها الإجرائية بأطر المشروعية الدينية والقيمية للمجتمع، وضبط الخط الفاصل بين مقتضيات ومآلات المنافسة الانتخابية من جهة والضمانات المؤسسية البنيوية للممارسة الديمقراطية من جهة أخرى (للحيلولة دون شبح الديكتاتوريات الانتخابية). لم تعد حركية الثورة قوة دافعة راهناً في الشارع العربي المحبط، وإنما تحولت المقولة إما إلى خلفية ومرتكز للشرعية لأنظمة ورثت الأحكام التسلطية المخلوعة، أو إلى ورقة تعبوية للحركات الاحتجاجية التي تسعى دون نجاح إلى استئناف الزخم الأصلي للثورات.

لا يبدو أن أياً من البلدان العربية الأخرى مرشحة لسيناريو ثورات «الربيع العربي»، وإن كان بعضها يشهد نفس عوامل الاحتقان والتأزم التي قادت إلى مشهد التغيير الجذري الجارف: انهيار اقتصادي وأزمات اجتماعية خانقة وبنية سياسية تسلطية… في تونس حيث كنت الأسبوع الماضي ، قابلت أحد وزراء «الترويكا» الحاكمة، الذي صارحني، بأن التجربة التونسية فشلت لحد الآن في تقديم النموذج المغري للتحول الثوري الناجع. وقد اعتبر محدثي أن الخطر الذي يتهدد الحالة التونسية هو أن تفضي إشكالات ومصاعب التحول الانتقالي إلى مزيد من تردي الأوضاع المعيشة والأمنية، فبفقد شعار الثورة بريقه، مما بدت مؤشراته تخرج للعلن.

إن مكمن الخطر أن الثورات من حيث تعطيل للشرعيات القائمة وتقويض للنظم المؤسسية ولموازين الحكامة السياسية لا يمكن أن تتجاوز وضعها الاستثنائي بصفتها لحظة فارقة ومؤسسة، وعندما تتحول إلى وضع دائم تفضي إلى الفوضى والتفكك في الوقت الذي تغدو مجرد حركية عقيمة وهشة المخزون الرمزي والدلالي. ولذا فإن التحدي المطروح راهناً بقوة في الساحة العربية هو إخراج مطالب التغيير النوعي عن رمزية الثورة ومرجعيتها بتنزيلها في دائرة الصراع السياسي السلمي وموازينه الواقعية. كان العالم النفساني الفرنسي «جاك لاكان» يقول إن مفهوم الثورة ارتبط أصلًا بحركة النجوم، التي هي وحدها تثور، وذلك ما يؤدي بها إلى العودة دوماً لمواقعها الأصلية، وثورات النجوم لا تختلف عن ثورات البشر.

الوعي الواعي والوعي الناقص/ د.خالد الحروب

0

كواحدٍ من عشاق شنقيط وكنواكشوطي مخضرم عشتُ في المدينة قبل حوالي ربع قرن، علي أن أقول بأن نشوةً صوفية محلقة تغمرني كلما أجد نفسي هنا. أحس بأنني عدتُ ذلك الشاب الذي يحج كل صباح إلى شاطئ المدينة الرملي، قبيل التوجه للعمل، يحفه شدو فيروز للمدائن كلها، وما أن يحضنه هواء البحر حتى يشرع بالركض بلا هوادة على طول الرمل المشبع بماء البحر الجازر. كنت اركض بفرح غامض وعشق عذري مُبهم، وهأنذا أعود راكضاً نحو ذات العشق. التأملات والملاحظات التي أتداولها معكم الآن حول الكتاب والقراءة والوعي لم أرد أن تكون جافة وأكاديمية وتنظيرية، بقدر محاولتها مزاوجة مقاربة ذاتية وجدانية بتجربة ترحالية ما مع الكتب والوعي.
سألني أصدقاء كثر ما الذي جاء بي إلى موريتانيا وكنت أنهيتُ دراسة الهندسة المدنية حديثاً، وأصدقائي في جلهم توجهوا إلى الخليج، حيث العمل الواعد بمال ومستقبل. في أوراقي القديمة إجابة من كلمة واحدة على هذا السؤال الذي سألته أيضا لنفسي قبيل قبولي بعرض العمل المتواضع آنذاك. يومها كتبت في منتصف ورقة دفتر ملاحظاتي تلك الكلمة وأحطتُها بدائرة كبيرة، اذهب من أجل “المعرفة”. اذهب لأتعرف على الغرب العربي، على بلد ربما لن تتاح لي فرصة الذهاب إليه مرة ثانية. يا لروعة الأقدار على ذلك القرار، ولكم اعتز بتلك الإجابة الآن، وابدأ بها ملاحظاتي اليوم. المعرفة هي الكنز المجاني المنثور حولنا في الكتب وفي تجارب الحياة. هي الأغلى لكنها الأكثر وفرة والأكثر كرماً بذاتها، تمنح نفسها لروادها، بواباتها واسعة باتساع الفضاء بين اوغاريت وشنقيط.
كلما أبحرنا في المعرفة، وركضنا في فضائها الوسيع اشتد وعينا وصار اكثر عمقاً وحدة، واقتربنا مما يمكن وصفه بـ “الوعي الواعي”. لا ضرورة للتبجح بمحاولة تعريف “الوعي الواعي” لكن يمكن التأمل في بعض تمثلاته، ويمكن لنا ان نعيه اكثر لدى مقارنته بضده، او ما يمكن وصفه بـ “الوعي الناقص”. “الوعي الواعي” هو الوعي الواعي بنقصه والذي لا يرى اكتمالاً في ذاته، بل يواصل رحلة المعرفة الأبدية، اما “الوعي الناقص” فهو الوعي الموهوم باكتماله، والذي لا يرى نقصاً في ذاته ويقفل باب المعرفة، او يكاد. لنتأمل معاً تسعة تمثلات وتقابلات بين “الوعي الواعي والوعي الناقص”، وهي ليست حصرية مطلقاً بل انتقائية، واختيار “تسعة” على وجه التحديد وليس “عشرة” مثلاً قصدت منه الابتعاد عن “الإقفال” الذي توحي به الأعداد المدورة، عشرة، عشرون، ثلاثون، وهكذا. “تسعة” عدد غير مُكتمل … يقف على عتبة اكتمال عشرية لكنه لا يصلها، وهو بالضبط جوهر الوعي الواعي، اي البحث الدائم.
التمثل الأول في التناظر بين نوعي الوعي المتقابلين والذي نبدأ به هنا ليكن “وعي الرحلة مقابل وعي الوصول”. هو المدخل الأولي للتفريق بين وعي يرى المعرفة والحياة والعلم والتعلم رحلة لا تنتهي، ووعي ناقص منهمك بـ “الوصول”. الوعي الواعي ينتقل من مرحلة وعي إلى أُخرى في رحلة لا تنتهي، أما الوعي الناقص فيظن انه “وصل” وانه يمتلك الوعي المطلق والمغلق. التمثل الثاني للوعيين هو “وعي السندباد مقابل وعي السكون”، وهو امتداد لوعي الرحلة مقابل وعي الوصول، او هو رؤية له من زاوية مغايرة. السندباد هو الباحث المستديم عن الجديد، الشغوف بمعرفة الناس والجهات، المنطلق بلا بوصلة، يتلذذ بالاكتشافات الجديدة. وعلى الضد منه وعي السكون، المُتجمد، المتشكك من الآخرين، المُكتفي بالوعي الموروث والمنقول في مكان سكونه. التمثل الثالث هو “وعي الحرية مقابل وعي القسرية”: في الوعي الواعي الحرية هي قلب الحياة والكون وهي الاختيار، ولا مهادنة في ذلك. أما في الوعي الناقص فالقسرية جزء منه، والاستسلام لها والانقياد وراءها لا حيدة عنه، وهذه القسرية هي التي تقود في نهاية المطاف إلى إغلاق الوعي وإنهاء الرحلة باكراً بزعم الوصول.
التمثل الرابع هو “وعي الماضي والتواريخ المتعددة مقابل وعي التاريخ الواحد”، وهذا في غاية الأهمية لأنه يفرق بين الماضي والتاريخ. الماضي هو ما حدث فعلا وواقعاً في الماضي، أما التاريخ فهو ما كتبه أشخاص عن الماضي، وتضمن انتقائيتهم، وتفسيرهم، واختياراتهم، وانحيازاتهم. نحن لا نعرف الماضي، نعرف فقط التاريخ او بالاحرى التواريخ. لهذا كل امة وجماعة لها تاريخها الخاص، او قولبتها الخاصة للماضي التي تدعم حاضرها. وعي الماضي والتاريخ مركزي لأنه يفتح بوابات الأسئلة العريضة والشك الإيجابي في كل ما وصلنا، ويسهل علينا الولوج للأنسنة. وهذه الأخيرة، هي جوهر التمثل الخامس وهو “وعي الأنسنة مقابل وعي الانغلاق”، وهنا يتمدد الوعي الواعي إلى ما بعد الذات، إلى الآخر، ويستكشف فيه الجدة ومساحات التشارك الإنساني، بعيدا عن التراتبية الثقافية او الإثنية او الدينية. مقابل ذلك يتكلس الوعي الناقص عند حدود الانغلاق، ولا يعني ذلك عدم التواصل مع الآخرين، بل يحدث رغم التواصل. الانغلاق هو حالة ذهنية تفترض الفوقية والتفوق على الآخرين سواء صراحة او استبطاناً.
التمثل السادس هو “وعي الجمال مقابل وعي الحكم المسبق” وفيه يتبدى الوعي الواعي منحازاً للغوص في الجمال الكامن في الأشياء والناس والحياة، على الضد من شهوة الوعي الناقص بإطلاق الأحكام وفق معياريات مُسبقة الصنع ومتحفزة للتقييم. وعي الجمال يوسع أيضاً نطاق الأنسنة ويخفف من صدام المعياريات والثقافات المغلقة على ذاتها. امتداداً من وعي الجمال يأتي التمثل السابع وهو “وعي التموج مقابل الوعي الخطي”، وهو التمرد على الأفكار الخطية الحاسمة، والحتميات، والسرديات “التاريخية” المتبجحة بامتلاك أسرار الماضي وحسم خيارات المستقبل. وعي التموج هو السير “نحو المُستقبل” في منحنيات ودوائر تستكشف الجوار وتبدع في كل الاتجاهات، ولا تقع فريسة الوهم الخطي (الغيبي منه والحداثي).
التمثل الثامن هو “وعي الرمادي مقابل وعي الأبيض والأسود” وهو تمثل لئن كان وضوحُه يوفر شرحَه، فإن تجسده في الواقع والممارسة يظل الأصعب، نظراً لإغواء ثنائية الأسود والأبيض: معنا أم ضدنا، أنا الصواب المطلق وانت الخطأ المطلق، وهكذا. وعي الرمادي هو الإقرار بأن هذا الرمادي هو الأكثر اتساعاً في الحياة والأفكار والممارسات والماضي والحاضر والمستقبلات. اليقين بالرمادي يوفر علينا الكثير من الدم والصراعات ويعلي من نسبية “الحق”.
اختم بالبحر الذي بدأت به، بالتمثل التاسع وأُحب ان اسميه “وعي البحر مقابل وعي النهاية”، وهو تعبير اضافي واسهاب في التمثلات السابقة ليس إلا. إنه التأمل في البحر، في اسراره، في كينونته، في صوته، في لونه، في امواجه التي تتلاحق وراء بعضها وتنهي رحلتها الميؤوس منها على الشاطئ، حيث تنتحر بفرح هناك. ذلك يعني الامتداد واللانهاية. وذلك كله يعني التضاد التام مع وعي النهاية، ووعي إغلاق الملف. إنه وعي إبقاء كتاب الحياة الزاخرة مفتوحاً على كل الاتجاهات وكل الاحتمالات.

*من محاضرة أُلقيت في “فضاء كمارا الثقافي” في نواكشوط بتنظيم مكتبة الآداب، 2 شباط 2017
[email protected]

د. بوياتي: تحول مالى إلى دولة فاشلة سيهز استقرار المنطقة

0

قال رئيس المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية  (مبدأ) وأستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط محمد ولد سيد أحمد فال (بياتى) إن شعور قادة الجماعات الإسلامية المسلحة فى ليبيا وسوريا بصعوبة الواقع المعاش، والبحث عن مسارات أخرى للتحرك بعد تكثيف المجتمع الدولى لضرباته المباشرة لمراكز الجماعات الجهادية، يجعل من مسؤولية القادة الأفارقة وخصوصا فى دول الساحل التحرك بسرعة لمواجهة الآفة المستحكمة ووضع رؤى وخطط لمواجهة المخاطر المحتملة بشكل جماعى.

وقال ولد سيد أحمد فال فى حوار مع التلفزة الموريتانية إن الفشل الفرنسى فى منطقة الساحل وعجزها عن مواجهة الوضعية الأمنية الهشة فى الشمال المالى، يجعل من تدخل الدول الفاعلة فى المنطقة والمعنية باستقرارها أمر لامناص منه.

ورأى ولد سيد أحمد فال أن الخطأ يكمن فى دفع الفرنسيين بقوى جامدة إلى معسكرات محددة فى الشمال المالى، كل همها التحصن خلف أسوار الثكنات الهشة، وانتظار الموت الذى يتفنن المسلحون فى تنويع مصادره عبر المفخخات أو إطلاق الصواريخ أو الهجمات المسلحة على المناطق التى توجد بها نقاط حساسة، وهو ماكان جليا فى الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسى “فرانسوا هولاند”.

حول قمة باماكو إن موريتانيا تطرح رؤية أمنية واقتصادية متلازمة، بحكم المخاوف الناجمة عن تمدد الإرهاب داخل دول الساحل، وضرورة معالجة الواقع الإقتصادى والسياسى بالمنطقة من أجل احتواء مختلف التحديات، مع تشكيل قوة ضاربة وحيوية تدحر الإرهاب وتطهر المنطقة من جماعات العنف وتهريب السلاح وتضع حدا للمتاجرة بالمخدرات، مع تحييد القوى السياسية التى حملت السلاح من أجل مطلب شرعى، والعمل من أجل حل الإشكال القائم فى الجارة مالى عبر الحوار والتفاوض.

ورأى ولد سيد أحمد فال (بياتى) أن أنجامينا ونواكشوط لديهم أجندة مشتركة ويحملان نفس الرؤى فى مايتعلق بمواجهة الإرهاب بأدوات محلية، مع التعويل على دعم الاتحاد الإفريقي باعتباره المظلة السياسية لمجمل دول القارة السمراء.

وأعتبر ولد سيد أحمد فال أن أول خطوة يجب القيام بها هى تدعيم الشرعية السياسية ومنطق الدولة الحاكمة بجمهورية مالى، لأن تحولها إلى دولة فاشلة من شأنه ضرب استقرار المنطقة، مع ضرورة التمييز بين جماعات تنتهج العنف كهدف ووسيلة، وبين جماعات أخرى استخدمت السلاح ضمن خلافها السياسى مع الحكومة المركزية فى باماكو، ويمكن تحييدها بالحوار ولها أجندة محلية معلومة ومحددة.

وأعتبر الأستاذ ولد سيد أحمد فال أن الغرب سيستوعب مع الوقت أن أمنه مرتبط بتنمية المناطق الأخرى، وأن فقر الساحل – الذى ساهمت فيه دول الاستعمار-  يشكل مصدر قلق ليس لدول الساحل وحدها ، بل لمجمل دول العالم ، لأن الإرهاب إذا أنتشر تضرر الجميع، وحركة الإرهابيين لم تعد عبر فضاء الساحل وحده بل عبر مجمل المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومن الأسلم تعزيز التنمية ودعم الجهود الإقليمة المقام بها لكسب المعركة قبل فوات الأوان.

إصدار: موريتانيا التي لا تغرب عنها شمس المراء السياسي

0

أصدر المركز الموريتاني للبحوث الإنسانية “مبدأ” لدي دار النشر المغربية “أبي رقراق” كتابا تحت عنوان ” موريتانيا التي لا تغرب عنها شمس المِرَاءِ السِيًاسِيِ”.. لمؤلفه الخبير و الكاتب السفير السابق المختار ولد داهي و قد قَدًمَ الكتابَ للقراء الاقتصادي البارز الوزير السابق الدكتور عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا.

و  يزيد الكتاب علي خمسين مقالا تقع في  300 صفحة من الحجم المتوسط  تناولت بإيجاز غير مُخِلٍ متناسبٍ مع متوسط الوقت المخصص من القراء للقراءة مواضيع الوقت كإطفاء المظالم الاجتماعية المتوارثة و القابلة للاشتعال  و “النقد الناعم أصدق الشكر و أعذبه”و “السياسة الصفراء” و “النخب المُكِبًةِ “علي وجوهها” و” الإدارة المريضة” و” التقليد المؤسسي الأعشي” و “الوظيفة العمومية الحائرة” و” الحوار الحرون” و “التعليم المفخخ” و “الإعلام الحر الظالم و المظلوم” و التعايش العرقي و اللغوي  المنشود و التساكن العرقي و الشرائحي المفقود و عضلة التوازن المناطقي الكؤود…

و قد اختار الكاتب عنوان “موريتانيا التي لا تغرب عنها شمس المراء السياسي” تقديرا منه  بان الفكرة المتواترة و الناظمة لكل المقالات التي يحويها الكتاب  هي أن “مُخَدِرَ” التجاذب السياسي العنيف العقيم و السرمدي بين الموالاة و المعارضة قد عَطًلَ و أَضَلً العقل النخبوي الموريتاني عن الانتباه”للألغام الاجتماعية”العديدة التي تتخطف الوطن و المجتمع الموريتاني و تتربص به الدوائر!!.

و يعتبر الكتاب إسهاما مهما في تحريك المياه السياسية و الثقافية الراكدة بفعل استقالة النخب الوطنية أو ما وصفه الكتاب في أحد المقالات المنشورة بالكتاب  “بنكبة البيات النخبوي”.

ندوة تبحث مصادر التاريخ الموريتاني من خلال الأدب الشعبي

0

نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) ندوة ثقافية حول “مصادر التاريخ الموريتانى من خلال الأدب الحسانى، وذلك عبر نقاش كتاب “الموزون” لمؤلفه الأديب الصاعد محمد ولد أصوينع.

وقد شارك فى الندوة التى أفتتحها رئيس المركز – محمد ولد سيح أحمد فال (بوياتى) – عدد من أبرز الأدباء الفاعلين فى الساحة الموريتانية،وجمهور غفير من رواد المركز والمهتمين بالحراك الثقافى فى موريتانيا.

وقال رئيس المركز  د/ محمد ولد سيد أحمد فال (بياتى) إن الندوة تدخل ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الحراك الثقافى بموريتانيا وتنشيط الساحة السياسية والثقافية وتشجيع الكتاب والمؤلفين من أجل مواصلة العمل وإنتاج المفيد للبلد، سواء تعلق الأمر بتاريخه وأدبه وإبراز أوجه التعايش والأخوة، أو تعلق بالأمر بالواقع السياسى من خلال تقييم الواقع ونقاش المستقبل والتحديات المطروحة فيه، وإسهام كل جهة من أجل تعزيز الاستقرار وتحصين مشاريع التنمية وإعلاء قيم الحوار والتفاهم والشراكة.