4 يوليو، 2025، والساعة الآن 7:54 صباحًا بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 15

الدكتورة امباركة منت البراء (باته) ….. خيار العودة

فى بداية العام 2000 الميلادى غادرت الأديبة الشاعرة استاذ الأدب العربي الحديث الدكتورة مباركة بنت البراء موريتانيا لتلتحق بهيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض كاستاذ محاضر بعد عام من عملها فى المدرسة

 

العليا للأساتذه كلية الآداب بجامعة نواكشوط والمعهد العالى للدراسات الإسلامية ، الأديبة بالفطرة والشاعرة المطبوعة لم تكن بحاجة الى كثير عناء ووقت لتلفت الأنظار من بين أعضاء هيئة التدريس فى الجامعتين المرموقتين جامعة الملك سعود وجامعة الإمام فى العاصمة السعودية الرياض حيث قضت عامها الأخير، بذكائها الفطرى ولغتها المتفرده وشاعريتها الطاغية وتمكنها المنهجى من ناصية التخصص الذى تدرسه وبمهاراتها التربويه التى استطاعت بها كسب إعجاب ومودة طالباتها فى مرحلة البكالوريوس وفى التعليم العالى لاحقا حيث كانت الطالبة التى تحظى بإشراف الدكتورة باته على رسالتها تعتبر محظوظة ، كانت الدكتورة باته تمتلك أسلوبا تربويا سلسا يجمع مابين جدية البحث والاجتهاد فيه مع وشيجة مودة تضمن عدم نفور الباحث وشعوره بتعقيد المشرف له ، هكذا تحدث عنها بعض من درستهم والذين برزوا بعد انخراطهم فى الحياة العملية الأكاديمية وسرعان ماتكشفت شاعرية بنت البراء لتصبح ضيفا دائما وأيقونة لافتة فى كل الملتقيات والمهرجانات الشعرية فى المملكة والمرشح الدائم لرئاسة البرامج الثقافية فى كلية الآداب حيث استطاعت انعاش هذه البرامج وجلب جمهور الطلبة اليها رغم انشغالاتها التعليمية والبحثية

 

وقدمت أولويتها الملحة دائما ــ بلاد شنقيط ــ فى أمسياتها الشعرية فى الأندية والمراكز الثقافية فى ربوع المملكة الشاسعة حيث كانت توجه لها الدعوات من خلال قصائدها التى كانت تغنيها للوطن الساكن فى ذاتها والمنتشى على حرفها الباذخ ، كما حصدت جوائز فى مسابقات شعرية وأسند اليها تحكيم إصدارات ومباحث أدبية هامة مما يعكس دورها كأكاديمية فاعلة وبارزة فى الشأن المعرفى والثقافى وكصورة بهية لإبنة شنقيط الواعية والمترعة بالمدنية والهوية الثقافية العريقة والتراث العربي الأصيل ما أهلها لتكون امتدادا لصورة أسلافها من الشناقطة الذى نحتوا صورة مشرقة لا تزال راسخة فى الذهنية العلمية لبلاد الحرمين

فى السعودية كبلاد تزخر بالجاليات من كل بلاد الله حيث تنتظم الجاليات وتتبارى فى الظهور والمشاركة فى الفعاليات الثقافية الكبرى فى البلاد من خلال الأنشطة والأسابيع الثقافية التى تعكس هويتها وتسلط الضوء على حضورها فى البلد كحاضنة من خلال البعثات الدبلوماسية والملحقيات الثقافية وهو مالم تكن دبلوماسيتنا معنية به كما يجب، كنا مع الدكتورة باته والأكاديمى الكبير أ.د مختار الغوث وبعض الأدباء نقوم وبجهد فردي بين الفينة والأخرى بتنظيم أمسيات ثقافية فى بعض المنابر الثقافية تحمل عناوين تسلط الضوء على بلاد شنقيط كان آخرها تلك الأمسية المشهودة بعنوان (الشعر فى شنقيط تجلياته وتصنيفاته ) والتى كانت مساهمة فى فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الاسلامية فى العام 2014م قدمت فيها الدكتورة باته ورقة بعنوان (المرأة والكتابة فى الثقافة الموريتانية ) صفق فيها الجمهور كثيرا عندما عرضت نموذج التبراع كجنس أدبي يعكس غزل المرأة فى الرجال كما سلطت الضوء على كاتبات موريتانيا واعمالهن الادبية ، كما عرضت دور المرأة الموريتانية فى تكوين العلماء فى مساهمة اخرى (ليلة الثقافة الموريتانية بنادى جدة الثقافى الأدبى )

تتمتع الدكتورة باته بمميزات عديدة أقلها التحضر والوعي المدنى ومهارات التواصل وكاريزما العلاقات العامة والشخصية الجذابة والهادئة مما يجعلها تترك انطباعا لدى من يقابلها بالألفة والتقدير كان ذلك يشعرنى بالأرتياح عندما تكون باته هي من يمثلنا فى القسم النسائى فى قاعات المحاضرات التى يحضرها النخبة من ثقافات وهويات متنوعة وكانت دائما مادتها البحثية تطلب لنشرها فى دوريات تصدرها المراكز المنظمة لأماسينا وندواتنا الثقافية التطوعية من أجل شنقيط

فى العام الماضى أرسلت لها الدعوة للمشاركة فى ملتقى العقيق الثقافى فى دورته السادسة بعنوان “الحركة الادبية فى المدينة المنورة خلال اربعين عاما” فاعتذرت ووافقت بعد ان أخبرتها انها الباحث الموريتانى الوحيد فى الوقت الذى يوجد فيه مشاركون من عدة دول عربية كنت أعلم ان ذلك كفيل بقبولها ، لكنها بدت كمن يضمر أمرا او اتخذ قرارا لا يريد ان يثنيه عنه احد كانت باته قد قررت الاستقالة فى وقت مبكر من العام ولم تفلح أي محاولة من الزملاء او المقربين فى ثنيها عن ذلك القرار فقد كان السيف قد سبق العذل

عادت باته الى الوطن تاركة لنا الذهول والدهشة واليتم الثقافى ومحدثة فراغا انحسر من خلاله ظل دوحتها الوارف تماما كما تقول فى قصيدتها المذهلة (رحيل)

شدوا الرحال وادلجوا

هل عرجوا

ما عرجوا…..

لكن العزاء والسلوى لنا انها تعود الى رحاب الوطن والأهل حيث لا شيء يعدل الوطن، حين تضع عصا الترحال وتعانق الأرض وتنتشى بالريح على ضفة الاطلسي توشوش المحارات وترقب العمال وهم يعودون فى المساء ، ملهم لا شك ذلك الشعور وروح باته الشاعرية تدركه وتنزله حق منزلته

تعود باته الى الوطن محملة بالخبرة العملية، ناقلة لتجربة ثرية ، خبيرة أكادمية ومخططة استراتيجية تربوية ، وحاصلة على الكثير من الدورات المتخصصة، صاقلة موهبتها الاكاديمية بالممارسة والتماهى مع نخب الاكاديميين الذين تعج بهم جامعة الملك سعود من هيئة التدريس والأساتذة الزوار مؤهلة لأن تفيد بلدها فى تطوير التعليم واصلاحه وتطوير المناهج وفق رؤية التعليم الحديث الذى يعنى بالموائمة والقياس والقدرات وعديد تقنيات اتقنتها باته ومارستها وتدارستها فى مؤتمرات دولية عدة ،

فى الدول التى تسعى الى النهوض يكون التركيز عاليا على التعليم على اعتبار انه الإستثمار الاساس فى عملية البناء وعادة ما يستقدمون الخبراء فى هذا المجال وبتكاليف باهظة أحرى ان يكون من ابناء هذه البلدان من يمتلك الخبرات والتجارب

الأدب والشعر والنقد سمة من سمات الدكتورة باته وجزء من كينونتها ولا مراء فى علو كعبها فيه غير انها اليوم الى جانب ذلك خبيرة تربويه وفق المنهج التعليمى المعاصر لها تجربتها التطويرية وبصمتها العملية فى المشاريع التطويرية فى أكثر من جامعة وحري ببلد يسعى الى اصلاح التعليم ان يفيد منها اذا قبلت مع علمى بحبها لوطنها الأمر الذى قد يجعلها لا تتوانى عن خدمته

كما انه جدير باتحاد الادباء والكتاب الموريتانى ان يحتفى بعودة أديب من العيار الثقيل مثل الدكتورة باته الى ارض الوطن والى الاسرة الثقافية وأن يكرمها فى حفل لائق بعودتها المثمرة

السيرة الذاتية للدكتورة باته حمل بعير وانا ابه زعيم فقد حصلت عليها خلال تنسيق فعالية سالفة وسأضعها هنا دون استئذان منها ولا ضير فسعادتها حفظها الله لم تعد تبحث عن عمل

هنيئا لأهلى فى موريتانيا عودة باته وعزائنا فى فراغ العودة الذى تركته قول الاعرابي لابن عباس

اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الراس

وأجرك فى العباس خير من بعده والله خير منك فى العباس

 

مباركه البراء (الشهرة: باته

المؤهلات العلمية

دكتوراه في الأدب العربي الحديث، جامعة محمد الخامس، الرباط 2004م،ميزة مشرف جدا ماجستير في الأدب العربي الحديث، جامعة محمد الخامس، الرباط 1996م، ميزة جيد جدا شهادة البحث المعمق في الأدب الأندلسي جامعة محمد الخامس، الرباط 1988م، ميزة حسن شهادة المتريز في اللغة العربية وآدابها، المدرسة العليا للأساتذة، انواكشوط 1983م باكالوريا التعليم الثانوي في الآداب ، انواكشوط 1979م

الوظائف في التدريس

من العام 2013 الى2014 استاذ مساعد بجامعة الإمام بالرياض – من العام 2000- 2011م، أستاذ محاضر بجامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعـودية – من العام 1989-2000 م، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للأساتذة، وبجامعة انواكشوط ، كلية الآداب ، وبالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بانواكشوط.

الدورات التدريبية: –

دورة في استخدام تقنيات التعليم الحديثة في التدريس الجامعي أكاديمية التدريب النوعي بالرياض من 22/6/1435هـ إلى 24/6/1435هـ -دورة “استخدام قواعد المعلومات الألكترونية” من 26-27/4/1435هـ، عمادة شؤون المكتبات بالجامعة، الرياض -دورة حول”الأستاذة الجامعية بين التعليميات التنظيمية والتجارب العلمية والعلمية” من 24-25/12/1434هـ المدينة الجامعية للطالبات، الرياض -دورة في اللغة الإنكليزية ، أكاديمية التدريب النوعي بالرياض، من 4/2/1434-5/5/1434هـ – دورة البحث في قواعد البيانات العلمية مكتبة مركز الدراسات الجامعية للبنات،عليشه 14/3/1432هـ – ورشة مهارات اللغة العربية في مجالات العمل 26-27/6/1432هـ الموافق 29ت30/5/2011م الغرفة التجارية بالرياض -دورة في استخدام السبورة الذكية، كلية الآداب، جامعة الملك سعود، من 4-6/3/1429هـ – دورة مكثفة في الحاسب الآلي وخدمات الأنترنت مركز التقنيات الجديدة ( C.D.D ) التابع للوزارة الأولى انواكشوط، موريتانيا، من 9يوليو- 28 سبتمبر 2008م – دورة مكثفة في اللغة الإنجليزية،المعهد الآمريكي لتعليم اللغة الإنجليزية، انواكشوط من 3مارس-30 يونيو1994م – دورة تدريبية في التخطيط التربوي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، القاهرة من 1-19 فبراير 1992م

الجوائز العلمية: –

جائزة النادي الأدبي بالرياض في مسابقة (قصيدة إلى طيبة) بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية عام1434هـ/2013م – جائزة هزاع آل نهيان لثقافة الطفل العربي، أبو ظبي 2000م – جائزة وزارة الثقافة انواكشوط 1995م

 

تحكيم الأعمال الأدبية والمسابقات: –

تحكيم ديوان “تداعى له سائر الجسم”، المنيفي، النادي الأدبي ، الرياض 1/2/2014م -تحكيم مسابقات مهرجان الإبداع لطالبات جامعة الملك سعود، للسنوات 1427-1435هـ -تحكيم مسابقة” شاعر الرسول” المنظمة من طرف التلفزة الموريتانية خلال شهر رمضان2011م – تحكيم المسابقات الثقافية بإدارة النشاط الثقافي، مركز الدراسات الجامعية للبنات عليشه، للأعوام (1421وحتى1431هـ) -تحكيم المسابقة الشعرية المنبرية للشعراء الشباب المنظمة من طرف النادي الأدبي بالرياض من 21-23/7/1431هـ بمقر النادي الأدبي – تحكيم دواوين الشاعرات نوره العتل- رشا الكردي- ملحه الحربي ، مركز البابطين، الرياض 3 /12/1430هـ – تحكيم ديوان “على طريقة لوركا” للشاعر حمد الفقيه، النادي الأدبي بالرياض 6/5/2007م – تحكيم ديوان “شدو الغرباء” للشاعر أسامه كامل خرجي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية 6/5/2007م – تحكيم المسابقة الشعرية المنظمة من طرف وزارة الثقافة بانواكشوط، من4-6 مارس 1999م – تحكيم المسابقة الشعرية المنظمة من طرف وزارة الثقافة بانواكشوط، من6- 8 ابريل 1996م تأطير الدورات والإشراف عليها – تأطير دورة فن الإلقاء، كلية الآداب ، جامعة الملك سعود، 7-9/2/1431هـ -إدارة وتأطير الأيام التفكيرية حول الكتاب الموريتاني المنظمة من طرف وزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي ورابطة الأدباء الموريتانيين من9إلى 15 يناير 1994م -إدارة وتأطير أعمال الندوة الدولية حول الطفل العربي المنعقدة بنواكشوط،- من7إلى11 يوليو 1990م -تأطير الدورة التدريبية المنظمة من طرف المعهد التربوي الوطني و المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(الألكسو) لصالح أساتذة التربية في التعليم الثانوي، من 10إلى18- ابريل 1989م -تأطير الدورة التدريبية المنظمة من طرف المعهد التربوي الوطني والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(الألكسو) لصالح أساتذة اللغة العربية في التعليم الثانوي، من 2إلى10 مارس 1987م

العضويات العلمية –

عضواتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين – عضو اتحاد الكاتبات المغاربيات – نائبة رئيس الهيئة الوطنية للكتاب بانواكشوط – رئيسة نادي الإبداع الثقافي الموريتاني اللجان الإدارية في جامعة الملك سعود: – من العام 1429-1433هـ، عضو لجنة مهرجان الإبداع بجامعة الملك سعود – من العام 1423-1433هـ، مسؤولة النشاط الثقافي بقسم اللغة العربية،جامعة الملك سعود – من العام 1424 -1433هـ، ممثل قسم اللغة العربية لدى لجنة النشاط الثقافي بكلية الآداب – من العام 1427-1433هـ ممثل قسم اللغة العربية في لجنة نادي الكتاب بكلية الآداب، – من العام 1429-1433هـ عضو لجنة الإبداع بقسم اللغة العربية ب-

البحوث المقدمة والمحاضرات –

الذات والآخر في رواية البحريات، أميمة الخميس، المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، 18/2/2014م – المرأة والكتابة، في الثقافة الموريتانية، النادي الأدبي بالمدينة المنورة 30/10/1434هـ – محاضرة عن المشهد الشعري الموريتاني، ليلة المشاهد الشعرية، نادي الرياض الأدبي،21/4/2011م – دور المرأة الموريتانية في تكوين العلماء، النادي الأدبي، جدة فبراير2011م – القصيدة عند ابن زيدون ،(نظرة في المعجم والتركيب) الندوة الدولية حول قضايا المنهج في اللغة والأدب، جامعة الملك سعود 2010م -القصيدة النبطية المعاصرة(خالد الفيصل وبدر بن عبد المحسن نموذجا)مركز البحوث بعليشة2009م – صورة المرأة في المعلقات السبع (مركز البحوث،بعليشه) 14/1/1424هـ – هاجس الزمن في مدونة امحمد الطلبه اليعقوبي(الندوة الدولية حول ديوان محمد الطلبه اليعقوبي) 9-11يوليو 2003 م ، انواكشوط – بنية القصيدة المدحية عند ابن زيدون(سمنار قسم اللغة العربية) 1422هـ – الطفل والفضائيات ، المهرجان الثقافي للمدينة المنورة 1421هـ – الرواية النسائية المعاصرة ( المؤتمر الأول للأديبات الإسلاميات) 9-14يوليو 1999م القاهرة ، جمهورية مصر العربية – محاضرة (كتاب الطفل) المؤتمر العشرون لاتحاد الكتاب والأدباء العرب ، دمشق سوريا، 4-12أغسطس1997م – تقنية السرد في “رواية القبر المجهول لولد عبد القادر”( ندوة إفريقية للرواية) سوسة، تونس8-17ابريل 1996 م – صورة الآخر في الأدب الشعبي الموريتاني ( الندوة الإقليمية حول التأثر والتأثير ما بين الثقافتين الإفريقية والأوروبية) 5-7مارس 1995م انواكشوط ، موريتانيا – تأثيرالشعر الفصيح في القصيدة الشعبية الموريتانية،معهد إفريقيا للدراسات والبحوث الرباط المملكة المغربية 7-12يناير 1992م – التسرب المدرسي أسبابه وانعكاساته، الندوة المنظمة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، انواكشوط،9-11مارس 1987م

المؤتمرات والمهرجانات: –

المشاركة في فعاليات معرض الكتاب بالدار البيضاء من 18-21/2/2014م – المشاركة في الندوة الثقافية لنادي المدينة المنورة من 28-30/10/1434هـ -المشاركة في الندوة الدولية حول قضايا المنهج في الدراسات اللغوية والأدبية (النظرية والتطبيق) جامعة الملك سعود الرياض من 7-10/3/2010 م -المشاركة في مهرجان النيلين للشعر العربي بالخرطوم، 12/4/2011م – المشاركة في فعاليات المعرض السادس عشر للكتاب ،الدار البيضاء من 12-21/2/2010م – المشاركة في المهرجان الثاني للشعر العربي بالقاهرة من 15-19مارس2009م(أمسية شعرية) – المشاركة في الملتقى العربي حول “المرأة والكتابة ” المنظم من طرف اتحاد كتاب المغرب، آسفي المغرب – يوليو 2007 م – المشاركة في مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي حول “ثقافة الطفل”، الرياض المملكة العربية السعودية 12/3/2005 – المشاركة في الندوة الدولية حول “ديوان محمد الطلبه اليعقوبي”، يوليو 2003م انواكشوط – المشاركة في مؤتمر “إبداع المرأة” مراكش المغرب مارس 2000 م – المشاركة في المؤتمر الأول للأديبات الإسلاميات ، يوليو القاهرة 1999م – المشاركة في مهرجان جرش للثقافة والفنون ، عمان الأردن يوليو 1999 م – المشاركة في مؤتمر النساء الإفريقيات المنعقد بزنجبار حول ثقافة السلام مايو 1999 م – المشاركة في ندوة البابطين حول الأخطل الصغير بيروت لبنان سمتمبر 1998 م – المشاركة في المهرجان الأول للشعر العربي، تونس سبتمبر 1997 م – المشاركة في المؤتمر العشرين لاتحاد الكتاب العرب المنعقد بدمشق سوريا ديسمبر 1997 – المشاركة في دورة البابطين حول أحمد مشاري العدواني، أبو ظبي الإمارات نوفمبر 1996 – المشاركة في ندوة إفريقية حول الرواية، سوسة، تونس مارس، 1996م -المشاركة في مهرجان الجنادرية بالرياض، 1995م – المشاركة في مهرجان توزيع معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين الكويت ديسمبر1995م – المشاركة في الندوة الدولية المنظمة من طرف اليونسكو حول تأثير الثقافة العربية في شبه الجزيرة الإيبرية، انواكشط موريتانيا ابريل 1994م – المشاركة في الندوة الدولية حول المرأة والتنمية، نيويورك، الولايات الآمريكية 1989م – المشاركة في مؤتمر قمة الأرض ريو دي جانيرو1991م – المشاركة في المؤتمر الإفريقي الأول المحضر لقمة الأرض جنيف سويسرا1991 م – المشاركة في المؤتمر الإفريقي الثاني المحضر لقمة الأرض آبدجان 1991 م – المشاركة في المؤتمر الإفريقي الأول المحضر لقمة الأرض القاهرة 1991 م – المشاركة في مهرجان المربد بالعراق للسنوات 88-1989م – المشاركة في ندوة المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم حول “المناهج التربوية ، وآليات التطوير” الرباط المغرب اكتوبر 1989م

الإنتاج العلمي والمؤلفات

-الإصدارات المنشورة : – ديوان ترانيم لوطن المطبعة الوطنية، انواكشوط 1991 م – سلسلة حكايات الجدة، ثلاثة أجزاء(3) مطابع اسعيدان، سوسة ، تونس 1997 – ديوان مدينتي والوتر مطابع اسعيدان سوسة تونس 1997 م – ديوان أحلام أميرة مطبعة المعهد، انواكشوط ،1998 م – الشعر الموريتاني الحديث، دراسة نقدية، اتحاد الكتاب العرب ،دمشق، 1998 م ب-

الإصدارات المشتركة: –

الحكايات الشعبية الموريتانية جمع وتعريب مجموعة من الأساتذة، مطابع المعهد التربوي الوطني انواكشوط 1998 م – كتاب أطفال الروضة، مؤلف بالفرنسية بالاشتراك مع الدكتور كوريرا إيساغا ، طبع على نفقة منظمة الأمم المتحدة للطفولة 1999 م

الأعمال المعدة للنشر: ديوان: فضاء الغياب رواية: سيريندا رواية: هذه قريتي الأظافر الحمراء (مجموعة قصص قصيرة) .

مركز مبدأ ينظم طاولة مستديرة حول [التجديد و فقه السلم في مشروع العلامة الشيخ عبد الله بن بيه]

العلامة عبد الله بن بيه
البروفسور السيد ولد أباه
ذ. محمد المهدي محمد البشير

ينظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) طاولة مستديرة حول

 التجديد و فقه السلم في مشروع العلامة الشيخ عبد الله بن بيه

الطاولة ستكون انشاء الله   بتاريخ 26 مايو 2017

 

وسيحضرها العديد من الشخصيات النخبوية و ذوي الرأي في الفقه و العلوم ذات الصلة

 

ضعف الخطاب الإسلامي في موريتانيا وعلاقته بغياب خطاب علماني

محمد المهدي ولد محمد البشير

 

شاركت يوم الخميس 20-12-2012 في نقاش دار بين الشيخ راشد الغنوشي وبين مجموعة من النخبة السياسية والثقافية وقد كادت الخصومة العقيمة بين الإسلاميين وبين القوميين في موريتانيا وحساسية الطائفتين من كلمة “العلمانية” تفسد هذا النقاش،

 

مما جعل بعض الحاضرين يزج بالشيخ راشد الغنوشي في هذه الخصومة العقيمة ناسين أن الشيخ حليف سياسي للعلمانيين في تونس وأن خطابه أكثر “علمانية” من خطاب جميع التيارات القومية في موريتانيا…

 

 

 

 

 

وقد قلت حينئذ وأكرر أن الشيخ راشد الغنوشي ممن انتشلوني من ضيق الفكر الإيديولوجي المحدود، إلى سعة الفكر الإنساني الرحب، حيث لم أعد أقبل تقليد مفكر بعينه أو التقوقع في فهم مدرسة خاصة، أو أنظر إلى تأويل النص الديني في فترة تاريخية محددة باعتباره حجة ملزمة للمسلمين في فترة تاريخية مغايرة لها، أو استنكف من قراءة ما تفتقت عنه عبقرية مبدع حيثما كان، أو أنتجته مدرسة ما في هذا العالم الفسيح، مهما كان اختلافي العقدي معها… بينما كنت قديما كلما قرأت فقرة من كتاب لمفكر علماني – رغم انني لم أكن أعرف عن العلمانية إلا ما يقوله الإسلاميون عنها – أتوقف عن القراءة بسرعة مخافة أن ينتزع مني العلمانيون إيماني بالله وعقيدتي الإسلامية أو تصيبني لوثة من فكرهم فتدخلني النار… أما اليوم فإنني استمتع بالقراءة للعلمانيين وللادينيين لأنهم يقدمون لي تفسيرا للكون ورؤية للوجود تختلف اختلافا جذريا عن التفسير الذي أومن به انطلاقا من عقيدتي الإسلامية وفهمي للقرآن الكريم. لأن هذا الاختلاف في الرؤية الفلسفية وفي المرجعية الفكرية يمنحني لذة التفكير وتمرين العقل عندما أجدني ملزما بالبحث عن أدلة جديدة أثبت بها عقيدتي ورؤيتي للكون؛ لعد أن يتحول أقوى ما عندي من أدلة دينية عند العلمانيين واللادينيين إلى مجرد دعاوى أو أساطير يتعين علي أن أبحث عن أدلة أخرى لإثباتها بها…

 

 

 

إن كل فلسفة تحمل تفسيرا للوجود جديرة بأن تقرأ ويستمع إلى أصحابها وهو منهج قرآني أصيل، ومن يكتفي بما ورثه عن آبائه من فكر من غير أن يقف على ما عند الآخرين من فكر مغاير، مجرد مقلد جعلت منه البيئة الثقافية مؤمنا بالميلاد، ولا يأمن أن يقال له ذات يوم وما أدراك أن ما تفتخر به من تفسير للكون موروث عن آبائك مقارنة بما توصلت إليه الفلسفة من تفسيرات للكون مثل ما ورثته عنهم من وسائل النقل والاتصالات البدائية مقارنة بوسائل النقل والاتصالات الحديثة.

 

ثم إن الحقيقة بطبيعتها لا يمكن أن تورث عن الآباء؛ لأنها قناعة شخصية يتوصل إليها كل فرد بجهوده الذاتية بعد معاناة معرفية ومقارنة شاقة بين الشيء ونقيضه، واختبار مستمر لما استقر عليه العقل كيلا يكون قد أخلد إلى وهم كاذب بسبب تقليد أعمى أو قصور في منهج البحث أو تقصير في إعمال الفكر. وكل مرحلة تاريخية يكتشف فيها العقل الإنساني مناهج جديدة للتفكير العلمي وأدوات للبحث لم تكن معروفة من قبل لا بد أن تعرض عليها الحقائق القديمة حتى يعرف الصحيح والخاطئ . وهذا ما يحتم على كل باحث عن الحقيقة أن يستمع لما عند الآخر

 

أما العقيدة التي يخاف صاحبها أن تنتزع منه فليست عقيدة صالحة لأن تمنحه تفسيرا علميا للكون ورؤية متماسكة للوجود يمكن أن يقدمه للآخر، وإن كان من الممكن أن تمنحه سعادة نفسية كسعادة الأطفال بتفسيراتهم الساذجة للكون، إذ لا علاقة بين صحة الفكرة وبين ما تمنحه لصاحبها من سعادة باتفاق جميع المفكرين مؤمنين وملحدين…

 

من هنا فإنني أستطيع أن أقول بأن الخطاب العلماني منح الخطاب الإسلامي في مصر وتونس ثراء وصلابة؛ لأن الشعور بالتحدي الفكري والخطر الإيديولوجي كان حافزا معرفيا فرض على الإسلاميين هناك أن يجتهدوا في دراسة المواضيع الفكرية المتنازع عليها بينهم وبين العلمانيين وأن ينتدبوا أقوى مفكريهم للكتابة والتأليف عن الخطاب الإسلامي هناك لتوضيح معالمه والرد على الخطاب العلماني، بينما كان غياب الخطاب العلماني هنا في موريتانيا من أقوى أسباب ضعف الخطاب الإسلامي، مما جعل الإسلاميين الموريتانيين يخلدون إلى الراحة لعدم شعورهم بتحدي فكري يواجههم ويقتضي منهم بناء خطاب إسلامي يقوم على نسق فكري متين، أو إصدار كتب وبحوث تحمل رؤيتهم الفكرية أو ترد على الفكر العلماني..

 

قد يجادل شخص لا يعرف معنى العلمانية بأن في موريتانيا من يتبنى فكرة فصل الدين عن الدولة، وعلى افتراض صحة هذه المقولة التي لا نجد لها أثرا عمليا في الواقع، فإن فصل الدين عن الدولة ليس سوى عنصر واحد في البناء المعماري للعلمانية .

 

وسوف أورد مجموعة من الأسئلة التي يطرحها العلمانيون في الغرب وفي العالم الإسلامي تبين أنه لا يوجد خطاب علماني في موريتانيا لعدم وجود من يطرح هذه الأسئلة:

 

–         هل سمعتم أن للعلمانيين في موريتانيا رؤية للكون تختلف عن رؤية الإسلاميين؟

 

–         هل سمعتم أن في موريتانيا علمانيا واحدا ينادي بضرورة فصل الدين عن المعرفة وينكر أمور الغيب باعتبارها مجرد “دوغمائيات” لا تمكن البرهنة عليها، أو يدعو إلى ضرورة المساواة التامة بين الرجل وبين المرأة في الميراث ؟؟؟

 

–         وهل سمعتم أن علمانيا موريتانيا يقول بأن فكرة التدين برمتها هي مجرد خيال بشر تواقين إلى أن يظلوا جزءا دائما من الكون فابتدعوا فكرة الحياة الآخرى؟

 

–         وهل سمعتم ان علمانيا موريتانيا يقول بان عقيدة التوحيد هي مجرد تطور من عقيدة التجسيم في فترة طفولة العقل البشري إلى عقيدة التجريد وفق فكرة التطور عند داروين؟

 

–         هل سمعتم أن علمانيا موريتانيا يقول بان نظام الأسرة في موريتانيا هو مجرد نظام أبوي لا علاقة له بالدين وانه لا بد من تدميره؟؟؟

 

–         بل هل سمعتم أن علمانا موريتانيا يدعو إلى ضرورة شطب جميع الحدود من قانون العقوبات في موريتانيا مع أن بعض المفكرين الإسلاميين يدعون إلى ذلك اجتهادا منهم ؟؟؟

 

إنني لم التق في حياتي بعلماني واحد بالمعنى الحقيقي للكلمة في موريتانيا وعلى افتراض وجود علمانيين في موريتانيا فإن مشكلة موريتانيا ليست الصراع بين العلمانيين والإسلاميين بل هي مشكلة الفقر، والبطالة، والأمية، ورداءة التعليم، وغياب التنمية، وضعف البنية التحتية، وعدم نفاذ المواطنين إلى الخدمات العمومية، والفجوة الرقمية، والتفاوت الاجتماعي .

 

فلماذا الخلاف بين الإسلاميين في موريتانيا وهم دعاة الإسلام وبين القوميين وهم حماة اللغة العربية وفيهم العباد والزهاد؟ هل هو خلاف فكري؟ أم صراع من أجل احتكار عناصر الهوية الوطنية وجعلها ملكا خاصا ؟ أم هي خلافات سياسية وشخصية لا علاقة لها بالدفاع عن الإسلام ولا بالغيرة على اللغة العربية ؟

 

وما الذي يتوجب على الموريتاني العربي المسلم فعله إن أراد الانتماء إلى حزب قومي أو الانخراط في حزب إسلامي حتى نعرف الفرق بين هذين التيارين؟

إشكاليات الهوية والمواطنة في موريتانيا

 

د/ محمدو ولد محمد المختار

 

لا خلاف حول أن صعوبات كبيرة اكتنفت البدايات الأولى لنشأة الدولة الوطنية في موريتانيا، بل إن قيام هذه الدولة، قد مثل عن حق قهرا فعليا للكثير من الصعوبات والتحديات التي صاحبت وربما ميزت ظروف نشأة هذا الكيان عن سواه، ولعل هذا ما يجعل من الحديث عن تشكل هوية وطنية جامعة بين الموريتانيين عشية قيام كيانهم الوطني أمرا في غاية الصعوبة والالتباس،

وهو ما يفسر إلى حد بعيد وجود مشاريع بديلة عن الكيان الموريتاني الحالي لدى بعض النخب آنذاك ، تزامن معظمها مع مساعي قيامه، فغياب إرث مركزي للدولة الوليدة وعدم وجود تقاليد سلطوية أو تنظيمية مركزية راسخة لفترة طويلة في هذه البقعة من الأرض، فضلا عن وجود صعوبات جمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وبنيوية وجيوستراتيجية وحتى ثقافية، كلها أمور وقفت بحزم في وجه بناء الدولة الموريتانية الحديثة، وبالتالي في وجه تبلور هوية وطنية واضحة لهذه الدولة .

 

 

 

غير أن الحديث عن الهوية الوطنية في موريتانيا وفي غيرها فضلا عما يطرحه المفهوم من الإشكالات، يبقى حديثا نسبيا وإشكاليا ، ذلك أن الهوية بطبيعتها ليست شيئا ناجزا يكون أو لا يكون ، فالهويات هي من صنع أهلها ، ومن هنا ربما يتأتى لنا الاعتقاد بوجود حد أدنى مفترض من الاتفاق حول هوية موريتانية على نحو ما ، الأمر سمح بقيام الكيان الموريتاني الحالي وبالاتفاق حول رموزها العامة ، ومع تسليمنا بأن الهوية التاريخية والحضارية لسكان هذه المنطقة من العالم قد حسمت منذ قرون، فإن قيام الدولة الوطنية الموريتانية الحديثة في ظل حصول اختراق ثقافي استعماري فرانكفوني هدد ولا يزال تلك الهوية الحضارية التاريخية للشعب الموريتاني، وما زال يطرح علينا كموريتانيين وبإلحاح كبير سؤالا أساسيا وصعبا مفاده عن أية هوية وطنية لموريتانيا يمكننا أن نتحدث اليوم؟ ، وهل يمكننا الحديث بثقة عن هذه الهوية رغم ما نراه ونشهده من عوامل التهديد للهويات الوطنية الكبرى وفي مقدمتها عامل تيار العولمة الجارف، الذي يقوم على المزيد من اختراق الحدود الجغرافية والثقافية وعلى دعم وسائل الاتصال والتواصل الثقافي والإعلامي والاقتصادي والتجاري بين الشعوب ، يعزز ذلك تدفق غير مسبوق للمعلومات والأفكار في هذا العالم، الذي يصفه أحد مفكري العولمة الأمركيين المدافعين عن الأمركة بالمسطح، للتأكيد على عدم وجود أية كوابح حقيقية تعيق في نظره إمكانية هيمنة بعض الثقافات على بعضها .

 

إذن هل نحن الموريتانيين فعلا نمتلك تصورا مشتركا وناجزا لهويتنا الوطنية في الوقت الراهن، وخاصة في بعدها الثقافي؟، وهل تتناقض هذه الهوية إن وجدت مع حقوق الجميع في المواطنة وفي الخصوصية الثقافية ؟ ثم إلى أي مدى يمكن القول بأن بناء دولة المواطنة أصبح ضرورة قصوى لبقاء الكيانات الوطنية؟ وحلا سلميا للتناقضات الثقافية في البلدان ذات التعدد الإثني كبلادنا . لاشك أن الإجابة على هذه التساؤلات ليست بالشيء الهين ، لأنها تقتضي أولا أن نحدد معنى ومفهوم الهوية الوطنية وربط ذلك بوعينا كموريتانيين لهذا المفهوم، وثانيا البحث في انعكاسات ومخاطر التأخر في تكريس قيم دولة المواطنة في بلادنا باعتباره يمثل واحدا من أبرز التحديات التي ما زالت تعيق بناء اللحمة الوطنية وتهدد في الصميم استمرار واستقرار البلد لما ينطوي عليه من غياب الشعور بالانتماء إليه والتضحية في سبيله .

 

مفهوم الهوية الوطنية :

 

لعله من الصعب تحديد مفهوم الهوية، ففضلا عن صعوبة تحديد المفاهيم في العلوم الاجتماعية والانسانية ، فإن هذا المفهوم يقال عنه أنه بقدر ما هو ضروري فهو غامض ويصعب تحديده ، بل يستعصي على حد تعبير المفكر الأمريكي الشهير “هنتكتون” على طرق القياس العادية ، كما أنه عند أبرز باحثي الهوية في القرن العشرين “اريك أريكسون” مفهوم متعارف عليه تماما ولكنه غامض ولا يسبر له غور .

 

ومهما يكن فإن معظم التعريفات التي قدمها الباحثون للهوية ترتد إلى أصل مشترك يجعها تعني: شعور الفرد أو الجماعة بذاتها ، فهي نتاج وعينا بذواتنا أو بكوننا نشعر باختلافنا عن الآخر، وبأننا نمتلك من الخصائص ما يجعلنا نشعر حتى بتميز كل واحد منا واختلافه عن الغير ، ولعل هذا ما يجعل لكل منا هويته الخاصة التي قد لا يدركها بنفسه فورا بمجرد ولادته، ولكنها أي هذه الهوية الشخصية الإرادية أحيانا واللاإرادية أحيانا أخرى لكونه تتحدد لحظة مولد كل واحد منا ، وذلك من خلال : الاسم والجنس والأبوين والمواطنة . تبقى حقيقة واقعية ، بل ضرورة لا بد منها .

 

الهوية على هذا النحو تبدو إذن أمرا ضروريا ولا مناص سواء للفرد أو الجماعة من حسمها لأنها هي التي تجعلنا نحدد نقاط الشبه والاختلاف بيننا والآخرين، ويعتقد دارسوها والباحثون في موضوعاتها المختلفة أن لها خصائص ومصادر نوجزها فيما يلي:

 

أما الخصائص فمن أهمها :

 

– كونها ذات خاصية فردية وجماعية، وإذا كان الفرد يستطيع من حين لآخر إعادة تحديد هويته الإرادية أو الاختيارية، فإن قدرة الجماعة على ذلك تبدو أقل بكثير .

 

– كونها في الغالب مركبة، والأشخاص معنيون بصناعة هوياتهم التي هي: ما يعتقدون أنهم عليه أو ما يريدون أن يكونوا عليه .

 

– كونها متعددة سواء للفرد أو للجماعات، فقد تكون نسبية أو إقليمية أو اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو وطنية.

 

– كونها وإن كانت تتحدد بواسطة الذات، فإنها نتاج للتفاعل بين هذه الذات والآخر، فنحن لسنا دائما كما نعرف أنفسنا، وإنما كما يرانا الآخر أيضا. تركيا والغرب حاليا وموريتانيا والعالم العربي سابقا وليس الآن طبعا .

 

– كونها نسبية بمعنى أن هوية فرد ما أو جماعة قد ترتبط بحالة بعينها، وهنا يسوقون مثالا شهيرا بأن عالمة نفس بين عدد من علماء النفس ستميل إلى اعتبار نفسها امرأة، أما إذا كانت بين عدد من النساء غير العالمات فستميل إلى تعريف نفسها كعالمة نفس .

 

( أنظر في تفصيل هذه الخصائص صاموئيل هنتكتون، أمريكا الأنا والآخر تعريب د/ يوسف محمد الصواني ، منشورات المركز العالمي لدرسات وابحاث الكتاب الأخضر ، 2006 ، ص 43- 46 ) .

 

أما مصادر الهوية الوطنية فهي عديدة منها :

 

– مصادر نسبية: مثل السلالة والجنس والقرابة الاثنية وهي قرابة موسعة والعنصر

 

– مصادر ثقافية: مثل العشيرة، الاثنية بمعنى نمط الحياة، واللغة والدين والجنسية والحضارة .

 

– مصادر ترابية أو جغرافيا مثل : الجيرة والقرية والبلدة والمدينة والمحافظة والولاية والاقليم والبلد والمنطقة الجغرافية والقارة والجهة على كوكب الأرض .

 

– مصادر سياسية : مثل الفصيل، والجماعة، والزعيم، وجماعة المصلحة، والحركة ، والقضية، والحزب، والايديولوجية، والدولة

 

– مصادر اقتصادية مثل : الوظيفة والمهنة ، والحرف أو الصنعة ، وفريق العمل ، ورب العمل ، والصناعة ، والقطاع الاقتصادي ، والرابطة المهنية ، والطبقة .

 

– مصادر اجتماعية مثل : الأصدقاء ، والنادي ، والفريق ، والزملاء ، وشلة الترفيه والمركز الاجتماعي . ( أنظر في هذه المصادر : هنتكتون نفس المرجع السابق ص 50 )

 

 

 

الهوية الوطنية الموريتانية :

 

هل لنا كموريتانيين في ضوء ما تقدم عن الخصائص والمصادر العامة للهوية أن نتحدث اليوم عن هوية وطنية خاصة بنا، وما ملامح هذه الهوية ؟. لعل الإجابة على السؤال الأساس في تقديري، تبدأ أولا بتحديد ما هو متفق عليه بين جميع الموريتانيين كثوابت لهذه الهوية الوطنية المشتركة مثل: الكيان السياسي ( الدولة الوطنية ) والدين الإسلامي والموقع الجغرافي والتعدد الإثني. وثانيا بما هو خلافي بينهم ويحتاجون فيه إلى مزيد من الوقت والجهد والتفاهم والتسامح حتى يعذر بعضهم البعض فيه ويقبله شريكا في الوطن بصرف النظر عنه.

 

1 – ثوابت مشتركة للهوية الوطنية

 

هذه الثوابت والمحددات والمصادر الأساسية والمشتركة للهوية الوطنية بين جميع الموريتانيين ربما تحتاج منا عرضها على نحو موجز فيما يلي :

 

– الدولة الوطنية:

 

رغم واقعية هذا المصدر السياسي والقانوني للهوية الوطنية لجميع الموريتانيين الذي هو الدولة الوطنية الراهنة، فإن ظروف نشأة هذا الكيان ومدى الاتفاق حول رموزه المختلفة ( العلم ، النشيد، الشعارات ) ، ناهيك عن نظرة البعض إليه تارة باعتباره جزء لا يتجزأ من كل ، هو الكل العربي أو الإفريقي أو الإسلامي ما يعني قبول هويته في هذا الإطار أوذاك ، وتارة ككيان قائم بذاته لا عربي ولا افريقي بالمعنى الجيني، هي أمور تضيف مزيدا من الغموض على هذا المصدر من مصادر الهوية الوطنية. فالعلاقة بين القطري والقومي والأممي وبين الأصلي والوافد وبين الانتماء الجغرافي والانتماء الثقافي ما زالت تقسم الموريتانيين حول هويتهم الدوليتية تلك .

 

– الدين الإسلامي :

 

يحلو للكثير منا اعتبار الدين الإسلامي المقوم الأساسي الأول من مقومات الهوية الوطنية لنا كموريتانيين، على اعتبار أن جل إن لم نقل كل الموريتانيين يتقاسمون هذا المعتقد ، ولكن إذا كان لهذا المقوم أهميته الخاصة في بلد كباكستان المسلمة في مواجهة الهند الهندوسية وفي إيران للتأكيد على خصوصية الثورة الإيرانية ذات التوجه الإسلامي الشيعي تحديدا ، إلا أن هذا المقوم ربما يطرح علينا اليوم كموريتانيين الكثير من الأسئلة؟ ففضلا عن طبيعة النظام السياسي الوضعي أو إن شئتم اللائكي واختلافنا حول مضمون هذا المقوم الذي وصل أحيانا إلى حد رفض – ولفترة طويلة- قيام كيان سياسي ضيق (حزب سياسي) ينفرد بحمل لواء الإسلام رفضا لما يصفه البعض بخوصصة هذا المقوم، ناهيك عما يعنيه ذلك من إشكال في حالة ما إذا لم يعد هذا الدين جامعا أو مانعا لهذه الهوية ، بمعنى أن الانتماء إلى الهوية الموريتانية يفترض دوام اعتناق الدين الإسلامي ، كما قد يجيز ولمجرد الدخول في الإسلام إمكانية أن يصبح الشخص موريتانيا من حيث الهوية على الأقل .

 

– التسليم بواقع التنوع الإثني :

 

يسلم الموريتانيون اليوم بأنهم بلد متعدد الأعراق والإثنيات، تتعايش فيه أغلبية عربية واضحة على الأقل بالمعنى الثقافي( تتشارك هذه الأغلبية اللغة والقيم والزي والعادات والتاريخ ) وأقليات زنجية بولارية وتكرورية وولفية لها مميزاتها الخاصة وإن كانت تتقاسم مع مجموع الموريتانيين الدين والبلد والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك ،فضلا عن الكثير من القواسم الحضارية الأخرى ) .

 

وهذا يفترض في المضمون الثقافي له ضرورة التعايش والتفاعل والتثاقف بين اللغة الرسمية للأغلبية واللغات الوطنية للأقليات الأخرى ، كما يفترض دينيا ضرورة النصرة وتحقق الأخوة الدينية والوطنية ، أما قانونيا فلا بد من التأكيد على حق الجميع في مواطنة كاملة وصادقة تحفظ الحقوق وتؤدي الواجبات بصرف النظر عن أي اعتبارات لونية أو عرقية أو لغوية أو فئوية أو جهوية أو سياسية طبعا أو غيرها .

 

– الموقع الجغرافي :

 

بما أن الموقع الجغرافي هو أحد ثوابت الهوية الوطنية، فإن وجود الإقليم الموريتاني بين فضاءين عربي شمال إفريقي (المغرب العربي) وزنجي غرب افريقي يحتم بناء العلاقات الجيوستراتيجة في ضوء تلك الاعتبارات وعدم الاعتراض على تفعيل أي منها. بصرف النظر عن اعتبارات المفاضلة أحيانا بناء على معايير موضوعية اقتصادية أو سياسية أو واقعية مصلحيه .

 

ورغم ذلك كله، فقد تمكن الموريتانيون الأوائل من تأسيس كيانهم القطري تماما كما حصل مع نظرائهم في العديد من بلدان العالم الثالث الأخرى، والشعب الموريتاني اليوم يمتلك كيانا وطنيا يخصه له رموزه الخاصة التي تميزه غالبا عن جميع كيانات الأرض الأخرى ، غير أن ذلك لا يعني إطلاقا أن هذا البلد قد تمكن بالفعل من حسم جميع الإشكالات التي فرضها عليه قيام هذا الكيان الجديد، كما أن أوضاعه العامة كانت ولا تزال وسوف تبقى بحاجة إلى مزيد الاستجابة الذاتية ، فالشعوب إذا لم تنمو وتتقدم غالبا ما تندثر وتنعدم ؟ . ومسار بناء الدولة الوطنية لم يخلو في كثير من الأحيان من تعثرات وانحرافات قعدت به عن بلوغ بعض الأهداف الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها هدف حسم هوية وطنية جامعة بين كل الموريتانيين، ما جعلنا للأسف نواجه اليوم تحديات جسام تنذر بمخاطر جمة على وحدة بلدنا الوطنية ، وعلى أمنه وسلمه واستقراره .

فلم نتمكن حتى الآن من تجاوز إشكال الانتقال من وضع اللادولة السيبوي الضارب والمتجذر في العمق البنيوي للمجتمع إلى وضع دولة المواطنة بما يفرضه هذا الوضع من ضرورات الالتزام والانضباط والشعور بالانتماء والولاء لهذا الكيان، أي من ترسيخ لمفهوم الدولة الوطنية على حساب الولاءات والانتماءات الضيقة القبلية والفئوية والجهوية وغيرها. ناهيك عن إشكال حسم الهوية الوطنية الجامعة للدولة الجديدة . والساهرة على سبك ودمج كل مكونات النسيج الاجتماعي العنصرية والفئوية في الكيان الجديد .

كما أن أوضاع بلدنا العامة وعلى جميع الصعد ما زالت بعيدة عن تحقيق المطالب الملحة والتطلعات المشروعة لشعبنا، فعلى الصعيد الاقتصادي مازال وضع الاقتصاد الوطني يعكس الكثير من مكامن الضعف والقصور ومن التخلف عن ركب الأمم المتقدمة، بل والعجز غالبا عن الاستجابة الذاتية للاحتياجات الأساسية لمعظم المواطنين، فلا تزال أغلبية كبيرة من السكان تعيش تحت جميع الخطوط الحمراء للفقر وتعاني من الحرمان والعوز ومن فقدان القدرة على تدبير مأكلها ومشربها وصحتها، وقد ضاعف من هذا العجز الاعتماد المبكر للاقتصاد الوطني على الوصفات الجاهزة المقدمة تحت شروط المؤسسات المالية الدولية، وفي ظل غياب تقاليد نظام حكم ديمقراطي راسخ يفعل من دور الرقابة الشعبية ويجعل المجتمع قادرا على التحكم في مصيره وفي مقدراته العامة، كما أن تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي والتمكين لمافيات ومضاربي رأسمال المال الخاص بشقيه الأجنبي والوطني أدى بدوره إلى الإجهاز الكلي على مقدرات هذا الاقتصاد وإلى انتشار الفساد المالي والإداري وغياب الشفافية في تدبير بنياته وهيئاته ومؤسساته المختلفة .

وقد أنعكس هذا الوضع على الوضع الاجتماعي مظهرا بوضوح عجز الدولة الموريتانية إلى الآن عن صهر جميع مكونات شعبها في لحمة واحدة ونسيج وطني منسجم، وحول هوية وطنية جامعة، تحترم حقوق المواطنة الصادقة والصحيحة وتقدس واجبها، ما جعلنا نشاهد من حين لآخر وعبر حقب مختلفة مظاهر الانقسام والتفكك ونسمع دعاوى غير مسبوقة إلى المحاصصة الفئوية والعنصرية والانفصال والتمزيق والتشطير، لهذا الكيان غير الراسخ المتسم بالهشاشة وضعف الانتماء، بل وبغياب الولاء للدولة لدى الكثير من شرائحه وفيئاته وقبائله .وهذا يعني أن الدولة الوطنية الموريتانية- ورغم مضي هذه الفترة الطويلة نسبيا من عمرها- لم تستطع إلى الآن أن تكون بديلا حقيقيا لولاءات بعضنا الضيقة ولم تتمكن من ترسيخ مفهومها ومن جعلها أكثر إقناعا وإنصافا لكل مواطنيها .

كما أنها على الصعيد الثقافي ما زالت تعاني التذبذب والاضطراب في خياراتها التربوية ، وتنتقل من نظام تربوي إلى آخر سعيا للتكيف مع مشكلات الاختراق الفرانكفوني ، الذي تفاقم وتعاظم دوره خلال الخمسين سنة الماضية، بسبب التبعية الثقافية والاقتصادية التي رسخها المستخلفون عن الاستعمار في هذه الأرض بعد أن تمكنت أجيال المقاومة الثقافية الباسلة من تأجيل ذلك الاختراق طيلة حقبة الاستعمار المباشر، وهكذا بفعل هذه التبعية المقيتة يتم إلى الآن العمل على تعطيل ترسيم اللغة الرسمية والدستورية للبلاد أي العربية ، وعدم التمكن من تفعيل اللغات الوطنية الأخرى بما يجعلها أداة للتواصل والتثاقف بين مختلف مكونات الشعب الموريتاني.

إن الإبقاء على اللغة الفرنسية وجعلها لغة للتعلم والعمل والإدارة والاقتصاد يفقد شعبنا قدرته على التواصل مع جذوره الثقافية والحضارية، ويجعله عاجزا عن الابداع والنهوض الحضاري ومستلبا في هويته وفي ثوابته وقيمه الدينية والثقافية.

تحديات بناء دولة المواطنة

لا شك أن من أهدافنا وتطلعاتنا المشروعة في الفترة القادمة أن نرى بلدنا وقد انتقل من وهدة التخلف إلى بحبوحة التنمية والاستقرار، وأصبحت وحدته الوطنية وثوابتها الحضارية أكثر رسوخا وتجذرا ، خصوصا أن ما يصدر اليوم من تصريحات وبيانات ومواقف عن بعض النخب السياسية في البلاد يعكس بجلاء حجم الاختلاف حول ما يجب أن يكون ثوابت وطنية، كما ينذر بمخاطر جمة على نسيج وحدتنا الوطنية ، ولعل هذا ما يدعو إلى أن نجعل من أولوياتنا ضرورة حسم هذه الثوابت والتصدي بحزم لكل من يسعى إلى المساس بها تشويها أو تشكيكا، فلا مساومة مثلا :

– حول الهوية العربية الثقافية لهذا البلد . هوية تنغمس بعمق في روح الحضارة الإسلامية العربية والإفريقية .

– لا قفز بالمطلق حول حقيقة التنوع الاثني لمكوناته، وحول حق كل هذه المكونات في احترام حقوقها الوطنية وخصوصياته الثقافية في إطار دولة الحق والقانون.

– لا تنازل عن النظام الجمهوري الديمقراطي القائم على استقلال القضاء واحترام الحقوق والحريات وعلى الاقرار بمبدأ التداول السلمي على السلطة وعلى حقوق المواطنة الكاملة والصادقة.

إن الاستمرار في الاختلاف حول هذه الثوابت لا ينذر فقط ببقاء تلك الاختلافات ولا بتعاظمها وإنما بالعجز عن بناء الذات الوطنية الموريتانية في ضوئها، وما ينجر عنه ذلك من مخاطر جسيمة على مستقبل البلد ، غير أن بناء هذه الذات الوطنية لا يتم يقينا في ظل غياب الشعور لدى البعض بالولاء والانتماء لوطن واحد لكل أبنائه ، فالدولة التي تكرس الغبن وتفاوتالفرص والحظوظ بين مواطنيها ، تخلق بالضرورة الإحساس بالحرمان وبعدم المساواة الوطنية لدى الكثيرين منهم . ولهذا فإن دولة المواطنة القائمة على المساواة بين الجميع والتي ترفض أي شكل من أشكال التمييز بين مواطنينها ، على أساس الجنس أو اللون أو العنصر أو اللغة أو المركز الاجتماعي أو أي أساس آخر ، هي الدولة القادرة أكثر على تحقيق الانسجام بين مكونات شعبها مهما تعددت وعلى تحقيق ما تصبو إليه من أهداف بما فيها أهداف المواطنة نفسها أي :

1 – تحقيق المساواة التامة بين جميع المواطنين فى الواجبات والحقوق

2- تعزيز قيم الولاء والإنتماء لدى الكافة .

3 – مشاركة الجميع فى القرار الوطني باعتبار أن المواطن يجب أن يكون شريكا أساسيا وفاعلا فى صنع القرارات العامة المتعلقة بحياته ومجتمعه .

إن هذه الأهداف هي ما يجعل للمواطنة بالضرورة أهمية خاصة تختلف بها عن الجنسية التي هي مجرد رابطة قانونية، ذلك أن المواطنة شعور وانتماء قبل كل شيء ورابطة معنوية يحسها حتى أولئك الذين يتمتعون بتعدد في جنسياتهم تجاه أوطانهم الأصلية، وهو ما يجعل من الخطأ الاعتقاد أن كل حاملي جنسية بلد ما يشعرون بالضرورة بصدق الانتماء إليه . وبالتالي الاستعداد عند الضرورة للدفاع عنه والموت في سبيله حرصا على بقائه واستمراره .

فالشعور بالمواطنة الصحيحة والصادقة، هو الذي يؤدي بالمجتمعات إلى خلق التجانس والانسجام الاجتماعي بين مختلف مكوناتها ويضعف الإحساس بأهمية التقوقع داخل أطر الانتماءات الضيقة، كما أن هذا الشعور هو الذي يخلق أيضا ويعزز من فكرة الأهداف المشتركة التي يسعى الجميع إلى تحقيقها، لما في ذلك من خير يعود إلى الجميع أيضا.

أما بأية وسائل نحقق هذه الأهداف وكيف؟ ، فذلك ما اعتقد أن تلاقي الإرادات الصادقة والواعية بكل المخاطر التي تتهدد بلادنا كفيل به ، غير أننا مع ذلك لا يجب أن نقلل من حجم العقبات التي تقف في وجه تحقيقه ، فالتوظيف السياسي للمشكلات العالقة وطغيان النزعات التفردية والاستئثارية بتدبير الِشأن العام بعيدا عن أي شكل من أشكال المشاركة السياسية في الحياة العامة ، ناهيك عن خطاب التقليل والتهوين من المخاطر التي تتهدد البلد والتي في مقدمتها يقينا مخاطر عدم الاندماج الاجتماعي والإرهاب والجريمة المنظمة والاختلالات الديمغرافية بفعل الهجرة والتجنيس غير القانوني . كلها أمور ما زالت تهدد مستقبل كيان الوطن الموريتاني الواحد وتجعله أكثر عرضة لمخاطر التمزق والاندثار لا قدر الله .

 

 

 

د/ محمدو ولد محمد المختار

باحث وأستاذ جامعي

 

الحرب المستحيلة: موريتانيا ضد القاعدة

محمد السالك ولد إبراهيم

 

 

تسعى القوى الإقليمية والدولية المختلفة لوضع يدها على منطقة الساحل الإفريقي بالغة الأهمية الإستراتيجية من أجل أن تكون لها

 

الكلمة الفصل في تحديد مستقبل استقرار المنطقة في السنوات العشر القادمة فضلا عن تأمين السيطرة على الطريق الغربي للنفط و على المواقع الجديدة لاحتياطيات الطاقة المكتشفة مؤخرا في المنطقة.

 

لكن، هل ستتحول المواجهة – التي اتسمت  حتى الآن بالكر و الفر – بين موريتانيا و تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى حرب شاملة مفتوحة، على ضوء التطورات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة بعد العمليات] [ التي قام بها الجيش الموريتاني ضد معسكرات للقاعدة داخل أراضي مالي المجاورة، تلك  الدولة التي استطاعت مؤخرا مجموعات مسلحة من الحركة الوطنية لتحرير آزاواد و حركة أنصار الدين أن تسيطر على شمالها و تعلن فيه عن قيام إمارة إسلامية؟ هل استندت الحكومة الموريتانية إلى إستراتيجية محكمة في تلك المواجهة؟ أم أن قرارها كان مجرد ردة فعل عفوية أو تكتيكا غير محسوب؟ ثم، هل تمتلك الدولة الموريتانية – و هي تحتفل بالذكرى الثانية و الخمسين للإستقلال- إمكانيات و وسائل حقيقية لضمان كسب رهان المواجهة المحتملة مع القاعدة؟  أم سيقتصر دور موريتانيا فقط على إشعال فتيل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل من أجل تدويل الملف و تبرير تدخل عسكري دولي كما حدث في أفغانستان قبل عشر سنوات؟

 

هل تنطلق المواجهة المحتملة مع القاعدة و أخواتها بعد ما يكفي من التخطيط و الاستعداد لتعكس طفرة في الطموح السياسي ذي طابع إمبراطوري، يحن لاستعادة السيطرة على براري الساحل الإفريقي على طريقة “نابليون”؟ و كيف أثرت و تؤثر تعقيدات الجغرافيا السياسية للمنطقة إقليميا ومحليا على تأويل و تسويق تلك المواجهة من الناحيتين السياسية و الإعلامية في الداخل و الخارج؟ هل يمثل تدخل الجيش الموريتاني – و لو بشكل استباقي محدود- ضد بؤر القاعدة في شمال مالي، حربا في المكان الخطأ؟ أم هي في الأساس حرب بالوكالة عن فرنسا التي ما زالت القاعدة تحتجز رهائنها حتى الآن؟ ما الذي ستكسبه موريتانيا من مواجهة محتملة؟ أم ستكون هي الخاسر الأكبر؟ و ما هي التداعيات و المخاطر و الانعكاسات المستقبلية لهذا الوضع على أمن واستقرار موريتانيا  و منطقة  الساحل عموما؟

 

 

موريتانيا: بوابة الساحل الخطرة

ظلت الدولة الموريتانية، منذ فجر الاستقلال، تبحث عن ذاتها متأرجحة بين عملية بناء وطني داخلي بالغة التعقيد، من جهة، و سعي دؤوب لإيجاد صيغ ملائمة لمقتضيات التعامل مع هاجس التحدي الدولي و الإقليمي الساعي  دائما للتدخل في شؤون البلد. و لعل موريتانيا باتت أكثر دول المنطقة تأثرا بتقلبات موازين العلاقات الدولية نظرا لطبيعة موقعها الجغرافي السياسي الإستراتيجي المتميز] [ تبعا لتحولاتها الجيوسياسية التاريخية منذ موريتانيا الرومانية القديمة، مرورا بمرحلة الأمبراطورية  الصنهاجية و دولة المرابطين مدة طويلة من الزمن، لتتحول في لحظة معينة إلى مجرد “فراغ” تسيره الإدارة الاستعمارية للتحكم في مستعمراتها في الشمال والغرب الإفريقي، ثم لتكون بعد الإستقلال “همزة وصل” بين غرب و شمال مستعمرات إفريقيا الفرنسية،  قبل أن  تصبح البوابة الخطرة لمنطقة الساحل الأفريقي التي تمور حاليا بالعنف و الاضطرابات المختلفة.

 

و رغم الماضي الدولي المشرق لبلاد شنقيط، التي كانت فاعلا دوليا هاما و قوة إقليمية يحسب لها حسابها من خلال الدور الجيوستراتيجي المحوري الذي لعبته إمبراطوريات صنهاجة و دولة المرابطين ونفوذهما الأطلسي و المتوسطي والإفريقي،  فقد تحولت موريتانيا فيما بعد إلى مجرد مفعول به في مضمار العلاقات الدولية. و قد بدأ ذلك التحول الإستراتيجي النازل بعد أن وقعت موريتانيا في نطاق النفوذ الفرنسي بموجب المعاهدة العامة لمؤتمر برلين سنة 1885، التي قررت تقاسم القارة الإفريقية بين القوى الدولية العظمى المهيمنة آنذاك على المشهد الدولي.

 

و على مدى أكثر من قرن من تاريخ موريتانيا الحديث، أي منذ بداية الحقبة الاستعمارية سنة 1899 إلى هذا اليوم، ظل المعطى الخارجي أو البعد الدولي لا يتوقف عن لعب دور حاسم في رسم و تحريك حيثيات الواقع الداخلي لهذه البلاد. حيث تكشف غالبا حفريات السياسة الداخلية الموريتانية عن وجود ترسبات هامة لآثار سياسة خارجية ما، سواء كانت اختيارية أم اضطرارية.

 

 

في البدء، قررت السلطات الاستعمارية الفرنسية سنة 1899 إنشاء ما يسمى بموريتانيا الغربية لدواعي جيوستراتيجية قصد اختبار قدراتها في فن إدارة و تسيير الفراغ] [ على حد تعبير الضابط العسكري و الكاتب الفرنسي المخضرم ” أرنست بيشاري” (1883- 1914). و قد كان الهدف الإستراتيجي لفرنسا حينئذ هو مراقبة المنطقة الوسطى السائبة الواقعة ما بين مستعمراتها في كل من إفريقيا الشمالية العربية وإفريقيا الغربية الفرنسية أو السودان الفرنسي. و فيما بعد، تحولت موريتانيا سنة 1904 إلى إقليم مدني، ليتم ربطها -لاحقا- بباقي مستعمرات إفريقيا الغربية الفرنسية سنة 1920.

 

أما مشروع موريتانيا المستقلة، و إن ساندته بعض النخب الوطنية، فإنه كان يستجيب لاعتبارات جيوستراتيجية تخدم المصالح الفرنسية قبل كل شيء. فقد وضع ذلك المشروع أساسا من أجل منافسة مشروع توسعي آخر، نادى به الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال المغربي المرحوم علال الفاسي، وكان يعبر بوضوح  آنذاك عن المطامع الترابية للدولة المغربية  في موريتانيا. كما كان يهدف إلى إقامة حيز مغربي كبير  يمتد من مدينة طنجة على البحر الأبيض المتوسط إلى مدينة “اندر” على الساحل الأطلسي في السنغال، التي أعاد الفرنسيون تسميتها بـ “سانت لويس” و من ثم إلى مدينة تومبوكتو في الشمال المالي. و ضمن ذلك السياق الدولي التنافسي الحاد، لم تكن فرنسا لتسمح حينئذ بإنشاء موريتانيا مستقلة خشية أن تشكل قاعدة خلفية و ملاذا آمنا للمقاومة الجزائرية النشطة ضد المستعمر الفرنسي و مصالحه في تلك الحقبة.

 

وعند الإعلان عن استقلالها سنة 1960، بدأت موريتانيا تواجه مبكرا مشاكل جمة على الصعيد الدولي. فكان أن رفض أول طلب لانضمامها إلى الأمم المتحدة  جراء استخدام حق “الفيتو” من طرف الإتحاد السوفياتي في ديسمبر 1960. و هكذا لم تقبل عضوية موريتانيا في المنتدى الأممي إلا بعد ذلك ، حيث جرت في إطار عملية “مساومة سياسية” قبل من خلالها الاتحاد السوفياتي الامتناع عن التصويت  بخصوص انضمام موريتانيا مقابل حصول جمهورية منغوليا على عضوية الأمم المتحدة.

 

لقد ولدت موريتانيا من رحم تلك الصدمة الأولى و قد ظل تطورها “الدولتي” على الدوام بالغ التأثر بتذبذب ميزان العلاقات الدولية و بالثقل الساحق للمعطيات “الجيوسياسية”  الخاصة بها و بالمنطقة عموما خلال الاثنتين و خمسين سنة الماضية من الاستقلال هي عمر الدولة الوطنية في موريتانيا.

 

من المهادنة إلى المواجهة

بعد  تنامي الخطر المحدق  لتنظيم القاعدة و أخواتها في الساحل الإفريقي، على مدى السنوات القليلة الماضية، حسمت الحكومة الموريتانية الحالية خياراتها] [ في المواجهة العسكرية المحدودة من خلال أسلوب الضربات الإستباقية. لكن، ما هو تقييم تلك الخيارات من الناحية الإستراتيجية؟ و ما مدى حظوظها في النجاح و الفشل؟

 

إذا لم تكن العمليات التي قام بها الجيش الموريتاني مؤخرا ضد القاعدة  داخل الأراضي المالية، تندرج في إطار سيناريو سياسي-عسكري دولي على طريقة عمليات الـ “كلاديو” أو ] Stay-Behind[ ، يتم تدبيره  بعناية و سرية لخلط الأوراق و لتغيير الأولويات تنفيذا لأجندات داخلية و/أو خارجية لجعل موريتانيا تُقحم في تصفية حسابات ذات طابع إقليمي صرف لا علاقة لها بالحرب على الإرهاب،  فإن مما لا شك فيه بأن الجماعة السلفية للدعوة و القتال (GSPC)- التي تحولت في سبتمبر/ أيلول 2006 إلى فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (BAQMI) بعد إعلان ولائها  لتنظيم القاعدة الأم – قد نجحت تماما في زرع خلايا نشطة من الجهاديين يتمتعون  بقدرات تسليحية و لوجستية نوعية تمكنهم من فتح جبهة جديدة في موريتانيا رغم وجود أعضاء بارزين من التنظيم المسمى بـ “أنصار الله المرابطون” في المعتقل منذ أكثر من 3 سنوات، و هو التنظيم الذي يعتقد على نطاق واسع بأنه بات يمثل الفرع الموريتاني للقاعدة. وقد تعززت تلك القدرات التسليحية و اللوجستية و تضاعفت بعد انفجار الأوضاع الأمنية في ليبيا و تسرب السلاح و المسلحين منها نحو الشمال المالي و تركزهما خاصة في إقليم آزاواد.

 

فهل تشهد صحراء الساحل الإفريقي- تلك المنطقة المسحوقة إيكولوجيا] [ واقتصاديا و المهجورة سكانيا – طورا جديدا من تحولاتها اللامتناهية عبر الزمن؟ فبعد أن عاشت في الماضي فتوحات المرابطين الأوائل وإشعاعهم الثقافي و الروحي الأطلسي والمتوسطي، تحولت منذ سنوات إلى مسرح كبير للإرهاب و لأعمال العنف المختلفة وكذا لأنشطة الرصد والعمليات الخاصة  للاستخبارات الدولية  في منطقتي المغرب العربي ودول إفريقيا جنوب الصحراء. و ها هي هذه المنطقة تصبح من جديد ميدانا للكر و الفر يأوي مخيمات تجميع  و تدريب عناصر الجهاديين قبل إرسالهم إلى الجبهات في الشيشان و العراق و باكستان و الصومال و كذا لتنفيذ عمليات نوعية  مختارة  من قبل تنظيم القاعدة ضد أهداف تكتيكية أو استراتيجية في موريتانيا و دول المنطقة و ربما في بعض دول أوروبا كذلك، كما تشير توقعات التقارير الدولية. فلا غرو إذن أن تسعى القوى الإقليمية والدولية المختلفة لوضع يدها على منطقة الساحل الإفريقي الإستراتيجية، التي ستكون لها الكلمة الفصل في تحديد مستقبل استقرار المنطقة في السنوات العشر القادمة و تأمين ضمان السيطرة على الطريق الغربي للنفط و على المواقع الجديدة لاحتياطيات الطاقة المكتشفة مؤخرا في المنطقة.

 

لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ أن هاجم مهربون مغمورون مجموعة من المشاركين في سباق داكار للسيارات سنة 1999، أو عندما ورد اسم المجموعة السلفية للدعوة و القتال و زعيمها “مختار بلمختار”، المعروف سابقا بـ “خالد أبو العباس” و الملقب “بلعور” ضمن تقارير للإستخبارات الفرنسية و لوكالة المخابرات المركزية إثر إلغاء مراحل “الرالي” في النيجر سنة 2000، ليأتي بعد ذلك اختطاف 32 من السياح الألمان والنمساويين في الجزائر، على يد عمارة السيفي الملقب “عبد الرزاق المظلي” في شباط/فبراير2003، و كذلك عندما ألغيت  المرحلتان العاشرة و الحادية عشر من “رالي داكار” بين مدينة “النعمة” شرق موريتانيا و “بوبوـ ديولاسو” في بوركينا فاسو عبر مدينة “موبتي” بمالي في كانون الثاني/ يناير 2004 تحت تهديد تنظيمات إرهابية كانت نشطة في منطقة الحدود بين الجزائر وموريتانيا ومالي. ولكن، يبدو أن نشر بلاغ نسب آنذاك  للزرقاوي – الذي كان حينها زعيما للفرع العراقي من مجرة القاعدة –  في تموز/ يوليو 2004 يهدد فيه موريتانيا مباشرة بالانتقام، قد مثل بالفعل اللحظة التي أصبحت فيها موريتانيا في مرمى خط  النار  بالنسبة لذلك التنظيم الجهادي الدولي.

 

بعد ذلك بأقل من سنة، حصل الهجوم على حامية عسكرية في بلدة “لمغيطي” في 4 يونيو 2005، جلب إلى طاحونة الأوضاع الأمنية في موريتانيا نصيبا هاما من القلق و مثله معه من الريبة و الشك. فعندما تعرضت وحدة من الجيش الموريتاني في الشمال الشرقي حوالي 150 كلم من الحدود مع مالي، لهجوم كاسح أدى إلى مقتل 15 جنديا و جرح 17 و 2 في عداد المفقودين، اعتبرها الرأي العام حينذاك مجرد مناورة سياسية من طرف نظام ولد الطايع، للتلويح بتهديدات إرهابية قصد تبرير التضييق على الحريات العامة و الحصول على معونات سخية من صندوق الحرب على الإرهاب.

 

بل لقد طالت حملة التشكيك تلك نوايا و أفكار الزعيم السابق للجماعة السلفية للدعوة و القتال و أميرها في الجنوب الجزائري مختار بلمختار نفسه، مع أنها كانت واضحة بما فيه الكفاية للتنبؤ بتطورات دراماتيكية  قد تتجه نحوها الأوضاع المتسمة بتزايد انعدام الأمن في البلاد وفي شبه المنطقة عموما. ببساطة، لقد تبنت الجماعة السلفية للدعوة و القتال الهجوم على “لمغيطي” و دعت إلى طرد الأميركيين من منطقة الساحل وكبح وجودهم العسكري المتنامي في مناطق “كاؤو” في مالي و “اغاديس”  في النيجر و “النعمة”  في موريتانيا… و لكنها لم تجد من يصدقها آنذاك.

 

ثم توالت العمليات المحسوبة على القاعدة في موريتانيا. في 24 دجمبر 2007 اغتيل أربعة مواطنين فرنسيين من أسرة واحدة قرب مدينة “ألاك” في هجوم نفذه ثلاثة شبان موريتانيين ينتمون إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. و في 27 دجمبر 2007 وقعت سيارة استطلاع تابعة لثكنة “الغلاوية” في الشمال، قرب مدينة وادان في كمين للقاعدة أسفر عن مقتل 4 عسكريين. و في  مارس 2008 هوجم مقهى قرب السفارة الإسرائيلية في انواكشوط و جرح فيه شخصان، و في 6 و7 إبريل 2008 جرت اشتباكات دامية في شوارع نواكشوط بعد أن انتقلت المعاركة إلى العاصمة. و في 9 سبتمبر 2008 وقعت وحدة من الجيش الموريتاني في كمين قرب بلدة “تورين” بالشمال، أسفر عن مقتل 11 جنديا موريتانيا في شهر رمضان و مثل بجثامينهم. و في 23 يونيو 2009 قتل مواطن أمريكي في انواكشوط ضمن عملية تبنتها القاعدة بعد يومين. و في سبتمبر 2009 استهدفت السفارة الفرنسية في انواكشوط بتفجير انتحاري. و في  29 نوفمبر 2009 اختطف ثلاثة رعايا إسبان على الطريق السريع الرابط بين انواكشوط و انواذيبو و تم اقتيادهم إلى معسكرات تنظيم القاعدة في شمال مالي، قبل أن يفرج عنهم بعد ذلك في إطار صفقة دولية معقدة. و في 25 أغسطس 2010 هاجمت القاعدة بسيارة مفخخة مقر قيادة المنطقة العسكرية في مدينة النعمة شرقي موريتانيا على الحدود مع مالي، وقد أسفرت العملية عن مقتل جندي موريتاني و جرح آخرين.

 

و رغم أن مؤشرات تنامي أنشطة  “إرهابية” واضحة المعالم في موريتانيا، كان يفترض بأنها باتت مؤكدة منذ عدة سنوات بعد أول إعلان رسمي عن وجود تيار سلفي جهادي في موريتانيا سنة 1994، إلا أن الحكومات الموريتانية  المعاقبة كانت تختار دوما سياسة المهادنة في وجه تلك التهديدات.

 

و كان الاتجاه السائد في الخطاب السياسي و الإعلامي الرسمي منصبا على إبراز الأسباب التي ساهمت تاريخيا في الحد من تصاعد التطرف والغلو الديني في بلاد شنقيط أمس كما في موريتانيا اليوم و تعداد فضائلها كما لو كانت قيما مطلقة تقع خارج الزمان و المكان.. و ربما اعتمدت الحكومة آنذاك على تقديرات مبالغ فيها  حول أهمية بعض العوامل الاجتماعية والثقافية في لجم التطرف و الإرهاب، كطبيعة التنظيم القبلي  للمجتمع و دور الطرق الصوفية إضافة إلى النزعة العفوية لدى الموريتانيين لمقاومة الإسلام المستورد، إلخ.…. و هكذا، منذ البداية، لم تتجه الأمور نحو إجراء تشخيص موضوعي للمشكلة يفضي إلى اقتراح سيناريوهات ملائمة و خطة عمل جدية في الوقت المناسب و بالإمكانيات المتاحة، لنزع فتيل عوامل الاختلال التي ستساهم في ما بعد في انتشار الإسلام السياسي الراديكالي في موريتانيا و معالجتها بشكل جذري قبل وقوع الكارثة.

 

في موريتانيا، كما في أماكن أخرى في العالم الإسلامي، يشكل القهر السياسي والظلم الاجتماعي و التخلف الاقتصادي نتيجة لفشل السياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية، أهم الأسباب المغذية   للتطرف و الإرهاب كظاهرة مجتمعية منحرفة بغض النظر عن محتواها النظري أو الأيديولوجي إن وجد. كما أن تداعيات الأحداث الدولية المؤثرة مثل بشاعة الغزو الأمريكي لأفغانستان و العراق والصومال، والتحيز الظالم للغرب ضد العرب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تعتبر عوامل إضافية قوية ضاعفت من انتشار التطرف و الراديكالية في العالم الإسلامي. و تعمل تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، التي تبث على مدار الساعة، على نشر ثقافة العنف على شكل دراما سمعية و بصرية عبر الانترنت و التلفزيون و السينما، و وسائط أخرى كالأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية و أجهزة الـ MP3  و الأيبود و غيرها على تعبئة الجموع الفقيرة من الشباب المسلم  كمادة خام لتتحول إلى وقود للتطرف والإرهاب عبر العالم.

 

وهنا تكون القاعدة قد نجحت فعلا في تحقيق بعض أهدافها الإستراتيجية الهادفة إلى تعبئة المخزون الهائل من الإحباط السياسي والغضب الشعبي و الشعور بالحرمان و تنامي الكراهية على نطاق واسع ضد السياسات الغربية و خاصة الأميركية، المتسمة بالراديكالية و العجرفة على امتداد العالم الإسلامي، عبر تجنيد آلاف الشباب المسلم الذين يعيشون ظروفا اجتماعية و اقتصادية قاسية و لا يرون أمامهم ضوء في نهاية النفق غير التسلل عبر قوارب الموت للوصول إلى الشواطئ الأوروبية أو الجهاد في سبيل الله ضد المصالح الغربية.

 

 

سيناريو التدويل في الساحل

هل تمتلك موريتانيا – و هي الحلقة الأضعف في المنطقة- الإرادة السياسية الحازمة و الإمكانيات البشرية و المادية و اللوجستية و التكنولوجية اللازمة لتجسيد خياراتها الإستراتيجية و العسكرية و الأمنية على أرض الواقع؟ أم سيقتصر دورها فقط على إشعال فتيل الحرب على القاعدة في الساحل من أجل تدويل قضية الإرهاب في هذه المنطقة لتبرير تدخل عسكري دولي؟

 

إن استقراء موضوعيا للمعطيات المتاحة يؤكد حصول عدة تغيرات جيوسياسية هامة حدثت في المنطقة و لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند تقييم الموقف العام من الناحية الإستراتيجية. و تتعلق هذه المعطيات بتطور الفاعلين الإستراتيجيين المعنيين من جهة، و بتغير  طبيعة التهديدات الأمنية نفسها و كذا بتطور مفهوم الأمن و الدفاع من جهة أخرى.

 

–    أولا: عملت القاعدة منذ عدة سنوات و تحت تأثير الضغط عليها في المشرق  الإسلامي (أفغانستان، الجزيرة العربية، العراق، اليمن) على نقل ثقلها التعبوي و الميداني من منطقة الشرق[8]  نحو الغرب الإسلامي للبحث عن ملاذات آمنة في منطقة الساحل الإفريقي. و بالفعل،  كانت تلك المنطقة من العالم  المسحوقة و المنسية قد تحولت في العشرين سنة الماضية إلى مسرح كبير للإرهاب و لأعمال العنف المختلفة وكذا لأنشطة إستخباراتية دولية  للرصد والعمليات الخاصة في منطقتي المغرب العربي و دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. و يشكل الربع الخالي الذي هو بمثابة “وزيرستان” الساحل[9]  في أقصى الشمال والشمال الشرقي من موريتانيا وامتداداته وصولا إلى إقليم آزواد في شمال مالي- الذي يقع على حدود أربع دول هي موريتانيا والجزائر و مالي والنيجر – فضاء مثاليا لإخفاء الرهائن الغربيين الذين يتم اختطافهم لحين تحريرهم بعد الحصول على فديات مالية معتبرة،  و كذا منطقة تخزين وعبور لآلاف الأطنان من المخدرات القادمة من إفريقيا و أمريكا اللاتينية في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي عبر شواطئ موريتانيا والمغرب والجزائر و ليبيا. فهناك في “وزيراستان” الساحل، حيث تنمحي الحدود بين الدول عبر متاهات الرمال المتحركة، توجد جنة حقيقية لشبكات دولية متعددة]10 [ تنشط في مجال تهريب المهاجرين السريين و أنواع الممنوعات كالمخدرات و السجائر و المحروقات و الأسلحة النارية و الذخيرة ، فضلاً عن كونها تشكل ملجأ للهاربين من العدالة والمتابعة الأمنية في دول المنطقة. لذا فقد وضعت القوى الإقليمية والدولية المختلفة عينها على هذه المنطقة الإستراتيجية التي ستكون لها الكلمة الأخيرة من الناحية الجيوسياسية في تحديد مستقبل الإستقرار في منطقة الساحل خلال العشرية القادمة .

 

–    ثانيا: استطاعت شبكات التهريب الدولية المذكورة أن تتكيف مع الظروف القاسية للساحل الصحراوي و أصبحت تعتمد على بعضها البعض ضمن إستراتيجية شاملة و معقدة من أجل البقاء، تتجاوز الخصوصية التنظيمية لكل شبكة على حدة. وهكذا تتساند شبكات التهريب الدولية هذه فيما بينها و توظف قدرات و خبرات بعضها البعض من خلال تقديم وكلائها لخدمات مأجورة تحت الطلب ضمن ما يشبه دورة اقتصادية مغلقة خاصة بها، تتطور بسرعة نحو نوع من “رأسمالية الإرهاب” أو “اقتصاد الإرهاب الريعي”.  كما يجدر بالذكر أن جميع تلك الشبكات قد تم اختراقها من طرف أجهزة مخابرات دول المنطقة و من وكالات الاستخبارات الدولية.  و نظرا لهذا التداخل و التشابك الشديد، يتعذر حاليا التمييز]11 [ بين شبكة قد تتولى جمع المعلومات لصالح جهة ما و أخرى تضطلع بالجهاد أو تلك التي تختطف الرهائن أو تتاجر بالمخدرات أو بالأسلحة النارية، إلخ… و لعل صور  تلفزيون القناة الإسبانية التي  ظهر فيها المدعو عمر الصحراوي يقود سيارته بزهو مصطحبا رهينتين أسبانيتين بعد صفقة الإفراج عنهما، لتمثل خير دليل على قدرة تلك الشبكات على الانصهار في بوتقة واحدة تعتبر القاعدة المستفيد الأول منها ضمن صيغة “شركة القاعدة و أخواتها في الساحل”. كما يثبت ذلك الشريط أن ترحيل عمر الصحراوي من موريتانيا إلى مالي- التي أخلت سبيله على الفور- كان من بين الأسباب الرئيسية التي أدت بتنظيم القاعدة إلى إطلاق سراح الرهينتين الاسبانيين، إضافة إلى الفدية المالية، التي قدرتها بعض المصادر بمبلغ 10 مليون يورو، أكدت وسائل الإعلام الاسبانية أن مدريد دفعتها للتنظيم مقابل الإفراج عن الرهائن.

 

–    ثالثا: لقد تطور مفهوم الأمن نفسه بشكل جذري من المنظور الاستراتيجي. فمع ظهور مفهوم “الأمن البشري” الذي ابتكرته الدبلوماسية الكندية أواخر تسعينيات القرن الماضي و تبنته هيئة الأمم المتحدة من خلال تقرير التنمية البشرية لسنة 2004، تغيرت النظرة االكلاسيكية لمفهوم الأمن والدفاع. تلك النظرة التي كانت تحصر وظيفة الأمن فقط في تأمين السلطة الحاكمة و الدفاع عن الحوزة الترابية للدولة على حساب أمن البشر أو الأفراد، أي الناس العاديين الذين هم المواطنون في ظل دولة القانون. فقد أصبح تركيز السياسات الأمنية الجديدة  على أمن المواطن و تأمين احتياجاته أولا و قبل كل شيء، لتجعل من حفظ كرامته و احترام حقوقه و تحقيق طموحاته في التنمية المستدامة و رعاية مصالحه الحيوية المشروعة نقطة مرجعية لرسم السياسات العمومية في مجال الأمن. فهل تمتلك موريتانيا عقيدة  وطنية للأمن القومي، أحرى أن تتوفر على إستراتيجية متكاملة “للأمن البشري” مدعمة بخطط عمل جاهزة للتنفيذ  من أجل حماية الوطن بمفهومه المركب. لقد ظل مفهوم الأمن الوطني في موريتانيا غامضا، كما بقيت أغلب إيحاءاته سلبية بالنظر لطبيعة الممارسات الأمنية المتعسفة التي قادت البلاد إلى شتى صنوف التجاوزات و سوء استخدام النفوذ. و هكذا، ظلت وظيفة الأمن، التي يفترض أن تكون متكاملة أي القوة الناعمة و القوة الخشنة، مختزلة في نواتها العنفية كجهاز للقمع همه المطلق هو حماية الأحكام السياسية المتعاقبة و التنكيل بأفراد الشعب العاديين.

 

–    رابعا:  تطورت طبيعة التهديدات التي تمثلها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من مرحلة المشكل الداخلي المقلق لكل دولة على حدة إلى قضية إقليمية جيوسياسية بالغة الحساسية. و هذا البعد الإقليمي للقضية تم  حتى الآن توظيفه في لعبة التجاذبات الإقليمية للعلاقات و المصالح الدولية السياسية و الاقتصادية و الأمنية مثل إشكالية العلاقات الثنائية الحذرة و المثقلة بتداعيات الماضي الإستعمارى بين الجزائر و فرنسا، و كذالك في ترجيح ميزان القوة في النزاعات الإقليمية و المحلية مثل إشكالية الصحراء الغربية بين المغرب و الجزائر و إشكالية حركات التمرد الطارقية في شمال مالي، خاصة بعد انفصال إقليم آزاواد و الإعلان عن استقلاله من طرف واحد. و تسعى قوى إقليمية و دولية عديدة منذ عدة سنوات لتدويل خطر القاعدة في منطقة الساحل ضمن إطار خطة عسكرية لعموم الساحل الإفريقي تسمى “مبادرة لمكافحة الإرهاب في الساحل”. و هي تشكل نواة للذراع المسلحة الأمريكية في دول جنوب الصحراء و الغرب الإفريقي. و تدخل في ذلك الإطار المناورات العسكرية المسماة بـ “فلينتوكس” أو “مدفع الحجر” التي شارك فيها سنة 2005 أكثر من 1000 عسكري من القوات الأمريكية الخاصة إلى جانب قوات افريقية متعددة الجنسيات. و بعد أن أصبحت القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة لإفريقيا  (AFRICOM) مستقلة، قامت بانجاز برنامج لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا و بوضع برنامج لأمن السواحل في خليج غينيا، كما رتبت أيضا لإقامة قواعد عسكرية في البلدان الإفريقية التي لديها إنتاج كبير من البترول أو تتوفر على احتياطات نفطية هامة.  و هي تتفاوض حاليا لإنشاء مواقع عمليات متقدمة في كل من السنغال ومالي وموريتانيا و غانا و الغابون و ناميبيا على الحدود مع آنغولا من أجل تحسين مهابط الطائرات و تخزين الوقود و إيجاد تفاهمات مع الحكومات المحلية تسمح بالانتشار السريع للقوات العسكرية إذا اقتضى الأمر ذلك. و تهدف كل هذه الجهود إلى ضمان السيطرة الأمريكية و الأوروبية على الطريق الغربي للنفط و كذا على المواقع الجديدة والحيوية لاحتياطيات النفط المكتشفة مؤخرا في تلك المنطقة.

 

 

من القاعدة إلى لعنة النفط

هل  نزلت لعنة الموارد الأحفورية كالنفط و الغاز على موريتانيا في اللحظة غير المناسبة؟ و كيف السبيل إلى طرد عفاريت النفط والغاز التي بدأت تخرج من قمقمها في الصحراء لتؤجج صراع المصالح و المنافع المتفقة حينا و المتضاربة أحيانا أخرى بين القوى الدولية و الإقليمية؟ و هل ستذهب موريتانيا ضحية للحرب على القاعدة  لتدفع ثمن متغيرات التنافس و التحالف بين الأميركيين والفرنسيين في سبيل السيطرة السياسية والعسكرية و الاقتصادية على شبه المنطقة و على مواردها الطبيعية لضمان تدفق إمدادات الطاقة  الضرورية نحو تلك الدول و المحافظة على مكانتها و نفوذها كقوى دولية اقتصادية و صناعية كبرى؟

 

هكذا ظل الأمر دائما في كل زمان و مكان: البنادق تسير على خطا التجارة. فبعد أن دخلت شركات النفط الغربية العملاقة مثل مجموعة توتال الفرنسية التي يبلغ رقم أعمالها السنوي أكثر من 12 مليار يورو  و  يتجاوز عدد عمالها 90.000، في سباق محموم من أجل الحصول على نفط منطقة الغرب الإفريقي، ها هي تطالب بتأمين الأمن والاستقرار كشرط ضروري للقيام بأنشطتها و تأمين استثماراتها. و وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تعمل القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا حاليا مع غرفة التجارة الأميركية على توسيع نفوذ الشركات الأمريكية في إفريقيا، كجزء من “إستراتيجية وطنية مندمجة للاستجابة”. و في هذا السباق الاقتصادي المحموم للسيطرة على موارد النفط في إفريقيا، تدخل الدول الاستعمارية السابقة و غيرها كبريطانيا و فرنسا، فضلا عن الصين، كل حسب مصالحها القومية، في تنافس شديد مع الولايات المتحدة.

 

و تبعا لتقرير]12 [ صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية سنة 2006 تحت عنوان بالغ الدلالة “أكثر من الإنسانية: مقاربة إستراتيجية أميركية تجاه إفريقيا”، فإن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من المرجح أن تصبح مصدرا لتزويد الولايات المتحدة بالطاقة  بمستوى أهمية الشرق الأوسط مع نهاية العقد الحالي.

 

و ترجح بعض مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية بأن غرب إفريقيا يحتوي على زهاء 60 مليار برميل من احتياطي النفط المؤكد، وهو خام خفيف منخفض الكبريت  يحظى بتقدير كبير لدى المصانع الأمريكية وكبريات شركات التزويد بالطاقة.

 

و يتوقع الخبراء ]13 [أن  برميلا واحدا من بين كل 5 براميل من النفط يدخل دائرة الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العقد الحالي سيأتي من خليج غينيا، و أن حصة  الواردات الأمريكية من النفط  القادمة من تلك المنطقة سترتفع من 20% سنة 2010  إلى 25 % سنة 2015. خاصة إذا علمنا بأن صادرات نيجيريا وحدها تمثل حاليا 10%  من إمدادات النفط التي تستوردها الولايات المتحدة، كما توفر آنغولا 4%، ومن المتوقع أن تتضاعف حصتها بحلول نهاية العقد الحالي. كما أن اكتشاف احتياطيات بترولية جديدة مهمة، خاصة في غانا و كذا التوسع في إنتاج النفط  الذي تقوم به بلدان أخرى في المنطقة يزيد من فرص تصدير النفط إلى الغرب، و تشمل هذه البلدان كلا من: غينيا الاستوائية و وساو تومي و برينسيبي والغابون والكاميرون و موريتانيا و تشاد و السودان.

 

إن تصعيد الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا كثيرا ما يبرر بضرورة مكافحة الإرهاب والتصدي لتنامي عدم الاستقرار في المنطقة النفطية من إفريقيا جنوب الصحراء.  و قد نصت وثيقة “إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة” الصادرة سنة 2002  على أن مكافحة الإرهاب الدولي و الحاجة إلى ضمان أمن مصادر الطاقة للولايات المتحدة  تملي عليها السعي لزيادة انخراطها في إفريقيا، كما دعت تلك الوثيقة إلى قيام تحالف طوعي من أجل إقامة ترتيبات أمنية خاصة في تلك القارة. كما أن فرنسا كانت قد أنشئت  سنة  2003  آلية تسمى “فريق مكافحة الإرهاب” التابع لمجموعة G8 “Groupe d’action anti-terroriste” أثناء الرئاسة الفرنسية لتلك المجموعة. و يجري هذه الآلية سلسلة اجتماعات تشاورية مكثفة تشارك فيها مجموعات من الخبراء التابعين لفريق مكافحة الإرهاب من أجل تقييم الأوضاع الأمنية في المنطقة خاصة بعد العمليات التي نفذها الجيش الموريتاني ضد القاعدة داخل الأراضي المالية في السنوات الأخيرة و كذا بعد الانفصال الحاصل في الشمال المالي و سيطرة القاعدة و متمردي الطوارق على إقليم آزاواد.  و تدرس دول الاتحاد الأوروبي حاليا للمرة الأولى على أعلي مستوى]14 [الوسائل الكفيلة بتقديم مساعدة لدول الساحل التي تواجه إرهاب القاعدة في الساحل من أجل تأهيل قوات الأمن المحلية في النيجر وموريتانيا ومالي خاصة. و قد تعقد هذا الملف أكثر و تضاعفت حساسيته و خطورة تداعياته داخليا و خارجيا خاصة بعد تبنى مجلس الامن الدولي بالإجماع قرارا يسمح فيه بنشر قوة دولية في مالي دون تحديد جدول زمني  لبدء عملية عسكرية في شمال مالي بهدف طرد المجموعات المتطرفة المسلحة التي تسيطر على هذه المنطقة منذ ستة أشهــر.

 

و كان  الكونغرس الأميركي قد وافق من قبل على تقديم دعم مالي لـ “مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء”]15 [ the Trans-Saharan Counterterrorism Initiative(TSCTI)  بمبلغ 500 مليون دولار  على مدى ست سنوات لدعم البلدان المعنية بمكافحة الإرهاب ضد التهديدات المزعومة لتنظيم القاعدة. و هذه البلدان هي الجزائر و تشاد و مالي و موريتانيا و النيجر و السنغال و نيجيريا والمغرب. و يهدف البرنامج المذكور إلى دعم قدرات هذه الدول في مجال مكافحة تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات، فضلا عن مكافحة الإرهاب.

 

موريتانيا و.. مأزق الحلقة الأضعف

هل يسمح الوضع الراهن لموريتانيا، و الذي يتسم عموما بالهشاشة البنيوية للوظائف الحيوية الأساسية للدولة و بضعف الأداء الاقتصادي و المالي لمؤسساتها بشكل عام، أن تضطلع بعبء مواجهة عسكرية مع القاعدة في المغرب الإسلامي؟ هل هي مناورة لترحيل الأزمات الداخلية نحو رصيد المشاكل الخارجية إلى حين، أم هو ببساطة نوع من الهروب إلى الأمام؟  ألا تخشى الحكومة الموريتانية أن تضعف المواجهة مع القاعدة البلاد أكثر، لتتحول مجددا إلى ساحة مضطربة للتجاذبات الإقليمية بدل التفكير في إيجاد حلول متوازنة، عقلانية و فعّالة للتعامل مع تعقيدات الموقف الحالي و تداعياته المستقبلية؟

 

في موريتانيا، و بعد 52 سنة من الاستقلال، ما يزال موقع الانترنت المخصص لوزارة الدفاع الوطني حتى الآن خلوا من أي معلومات مفيدة يمكن أن تؤمن حدا أدنى من التعريف بمهمة هذه الوزارة السيادية، أحرى أن توفر نوعا من التواصل الإيجابي مع العالم الخارجي كما هو الحال بالنسبة لمثيلاتها في دول المنطقة ( أنظر مواقع وزارات الدفاع في مالي، السينغال، الجزائر، المغرب) و في دول العالم الأخرى. و كذلك، ظلت محاولات المؤسسة العسكرية الموريتانية للتواصل مع الرأي العام الوطني و الدولي نادرة جدا و خجولة، و تقتصر على إصدار نشرة “أخبار الجيش” و تنظيم زيارات و عروض قليلة لبعض قادة الرأي العام الوطني على فترات متباعدة، و جولات ميدانية لبعض وكالات الأنباء و القنوات التلفزيونية في مناسبات معينة.

 

ولكن الحقيقة التي لا تخفى على أحد هي أن موريتانيا تعاني من مفارقات هائلة و تباينات حادة في طبيعة المعطيات الجغرافية و الديمغرافية مثل كبر حجم المساحة و ترامي المسافات في ما بينها، إذ تتجاوز مساحة البلاد أكثر من مليون كلم²، بينما  تتجاوز الحدود البرية 5000 كلم، و يبلغ طول الساحل البحري على المحيط الأطلسي وحده 754 كلم، و طول الحدود على شاطئ نهر السينغال850  كلم. هذا إلى جانب ضعف شديد في الكثافة السكانية بمعدل 2,5 نسمة/كم² ويصل إلى صفر نسمة/كم² في كثير من مناطق البلاد، بالإضافة إلى انعدام و/أو ضعف الوسائل التكنولوجية واللوجستية مثل الأقمار الصناعية و أنظمة الرصد و التجسس و شبكات قواعد البيانات و أجهزة المراقبة و التنصت الإلكتروني، و قواعد التحكم و السيطرة العملاتية، و منظومات تحليل المعلومات، إلخ.

 

و تشير المصادر الإحصائية المتخصصة ]16 [ إلى وجود نقص حاد في البنى التحتية و المعدات و التجهيزات العسكرية]17 [، الأمنية و الدفاعية]18 [ تعاني منه القوات المسلحة و قوى الأمن في موريتانيا. كما يضاف إلى ذلك محدودية الموارد المالية للدولة المخصصة للإنفاق العسكري من أجل رفع الجاهزية التعبوية و القتالية لوحدات الجيش و قوى الأمن، و التي بلغت سنة 2003 نسبة 4,9% من الناتج الداخلي الخام للدولة، لتنخفض سنة 2009 إلى نسبة 3,9% فقط.

 

و تقدر دورية “كلوبال سكيوريتي GlobalSecurity” المتخصصة في الشؤون الإستراتيجية الدولية مبلغ الإنفاق العسكري في موريتانيا بـ 19 مليون دولار سنة 2005، بينما بلغ حجم الإنفاق العسكري لنفس السنة في الجزائر 3 مليار دولار، و في المغرب 2,3   مليار دولار، و في السنغال 117  مليون دولار، و في مالي 50 مليون دولار، و في  النيجر 45 مليون دولار، و في إسرائيل 9,4  مليار دولار، و في تركيا 12,2  مليار دولار، و في ليبيا 590  مليون دولار، و في تونس 440  مليون دولار.  و يتوقع أن تصل مخصصات الدفاع المقترحة في الميزانية الموريتانية لسنة 2013 إلى مبلغ 150 مليون دولار أمريكي.

 

يظهر تشخيص الوضعية الإستراتيجية للبلاد أنها تعاني  من اختلال بنيوي حقيقي يتمثل في عدم وجود هيكلة تنظيمية ناضجة وجادة للأمن والدفاع القومي من شأنها أن تكون قادرة حقا على التعامل مع التحديات التي تواجهها موريتانيا اليوم، أحرى أن تكون قادرة على تحقيق نصر يذكر في مواجهة عسكرية محتملة مع تنظيم القاعدة الذي أعيى القوى  الدولية العظمى و كبدها خسائر بآلاف المليارات من الدولار في أفغانستان و العراق و الصومال وغيرها. و يكفي أن نشير مثلا إلى أن   التكاليف المالية لمشاركة فرنسا  وحدها  – و هي دولة غير رئيسة في ائتلاف الحرب على الإرهاب في أفغانستان – كانت تقدر بـ 1,3 مليون يورو يوميا! ثم أن القوى الغربية المتورطة في الحرب على أفغانستان منذ عشر سنوات، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، تبحث الآن لنفسها عن مخرج مشرف و هي تتفاوض حاليا بصفة سرية]19 [مع طالبان!

 

لا شك أن موريتانيا ليست كالبلدان المجاورة الأخرى، و تختلف وضعيتها عن شقيقتيها الجارتين المغرب و الجزائر، و هذا واضح جدا مما تقدم ذكره. فمثل تلك البلدان لها تقاليد دولتية إدارية، أمنية و عسكرية عريقة جدا، و لها خبرت في حقل العلاقات الدولية تتجاوز قرونا من الزمن، فضلا عن مواردها البشرية و العلمية و المالية المعتبرة. إنها فعلا دول تمتلك عدة خيارات متاحة في مجال التعاطي مع موضوع الإرهاب و الجريمة المنظمة من بينها الخيار الأمني لمواجهة القاعدة أو غيرها. أما بالنسبة لموريتانيا، فسواء مع أو بدون تهديدات القاعدة، لا يمتلك هذا البلد في الوقت الراهن خيارا أمنيا ناضجا ضد أي تهديد أمني واقع أو محتمل أيا كان مصدره. وعدا عن المعطيات الإستراتيجية المذكورة آنفا، تعطينا قصة احتجاز  شحنة الكوكايين التي تقدر قيمتها بـ 20 مليار أوقية، التي كانت تحملها طائرة صغيرة حطت فجأة في مطار العاصمة الاقتصادية انواذيبو سنة 2007 ثم اختفت، دليلا قاطعا على الضعف الشديد الذي تعاني منه أجهزة الأمن الموريتانية و على عدم فاعليتها. وقد بات معروفا  أن الشبكات الإقليمية والدولية لتهريب المخدرات ما فتئت تنقل الأطنان منها عبر طول البلاد وعرضها، بل و تقيم لها مطارات آمنة في الصحراء مستفيدة من الثغرات الأمنية الهائلة.

 

ببساطة، لم يسبق أن وضعت موريتانيا لنفسها إستراتيجية أمنية شاملة من هذا القبيل. و قد مضى نصف قرن من الزمان على استقلال البلاد و لما توجد بعد أي إرادة سياسية حقيقية لتتحمل بجدية هذه المسؤولية باعتبارها حاجة ملحة لوجود الدولة الموريتانية واستقرارها و استمرارها في المستقبل ضمن محيط إقليمي و دولي بالغ الاضطراب و التعقيد.

 

و هكذا، ضاعت على موريتانيا فرصة انتهاج سياسات عمومية جدية تخطط لتعبئة وتنظيم ونشر الوسائل العسكرية، البشرية منها و المادية كالتجهيزات و الآليات والمعدات التسليحية والتقنية و اللوجستية اللازمة لقطاع الأمن و الدفاع بشكل يتناسب مع الاحتياجات الإستراتيجية الحقيقة للدولة الموريتانية ضمن إكراهات موقعها و حدودها المعروفة.

 

كما أن مسؤولية تقييم و أخذ الحقائق الاجتماعية والاقتصادية و الإكراهات البشرية والطبيعية والجغرافية والجيوسياسية بعين الاعتبار في عملية بناء منطقي لمنظومة أمنية و دفاعية قادرة على الاضطلاع بمهام “الأمن البشري” للجمهورية والدفاع عنها، قد ظلت حتى الآن انشغالا غائبا في مشروع الدولة الموريتانية المعاصرة. و يرجع ذلك  لأسباب كثيرة تتعلق بضعف الموارد المالية للدولة و تعدد أولوياتها في مجال التنمية و كذا نقص الوعي لدى أغلبية النخب المسؤولة عن صناعة القرار بقيمة و أهمية التراكم المعرفي الإستراتيجي، و عدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي وانعدام مراكز البحوث المتخصصة و نقص التدريب المهني و ضعف مستوى القدرات و غياب التأهيل المهني المستمر للكادر البشري. هذا طبعا، بالإضافة إلى عامل الخوف المزمن لدى أنظمة الحكم المتعاقبة من القوة المحتملة للجيش و قوى الأمن في بلد له تقاليده المعروفة في الانقلابات العسكرية.

 

باختصار، إن القدرات العسكرية على الاستجابة الفورية لتهديدات أمنية جدية و خطيرة ـ مهما كان مصدرهاـ تستهدف وجود الدولة الوطنية الموريتانية في الصميم كالجريمة المنظمة و الإرهاب و تهريب المخدرات و الاتجار غير المشروع بالممنوعات والهجرة السرية، الخ.…، لم تحظ حتى بالاهتمام السياسي النوعي المطلوب. و لم يسبق أن سجل هذا الشكل من المشاريع ضمن أولويات السياسات العمومية بالنسبة للأحكام المتعاقبة على هذه البلاد  طيلة الخمسين سنة الماضية.

 

أما في ظل التطورات الجيوستراتيجية الجارية، فيتحتم على النخب السياسية و على صناع القرار في موريتانيا أن يواجهوا هذا الواقع  الإستراتيجي بشجاعة أدبية و صدق مع النفس و مع الرأي العام الوطني الذي ينتظر منهم ذلك. فالبلاد لا تمتلك حتى الآن عقيدة  وطنية راسخة للأمن القومي، أحرى أن تتوفر على إستراتيجية متكاملة “للأمن البشري” مدعمة بخطط عمل للتنفيذ و بجاهزية عالية على مستوى الأفراد و الوسائل و اللوجستيك و المعدات و اللوازم المطلوبة. بل، لقد ظل مفهوم “الأمن الوطني” في موريتانيا جامدا وغامضا و سلبيا في كثير من الأحيان. كما أن التوظيفات السياسوية “politiciennes” للممارسات الأمنية على أرض الواقع قد قادت البلاد فيما مضى إلى شتى صنوف التجاوزات و التعسف، و خلفت سمعة سيئة في المخيال الجماعي لدى الأهالي. و هو ما أدى إلى أن تظل هياكل و وظائف الدولة المتصلة بالقطاع الأمني مختزلة في نواتها القمعية بعيدا عن هدف تنمية قدرات و خبرات أمنية حقيقة يستفيد منها الوطن و يضمن بها استقراره و يصون بها كرامة مواطنيه بين الشعوب و الأمم.

 

هذه الحقائق المرة لواقع السياسات الأمنية و الدفاعية في موريتانيا لا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن تشكل مبررا أو غطاء لأي قرار قد تتخذه على عجل و تحت تأثير الصدمة أو الضغوط الخارجية، الحكومة الحالية أو أية حكومة أخرى قد تأتي بعدها. فلا مصلحة لموريتانيا في التورط مع أي ائتلاف أمني ـ عسكري تحت ذريعة الحرب على الإرهاب] 20[ في منطقة الساحل. و لا يمكن لمثل تلك القرارات المغامرة أن تكون من الحكمة و لا من الرشاد في شيء. بل، لقد ثبت فشلها في أنحاء عديدة من العالم و جلبت الخراب و الدمار للبلاد و العباد في الصومال، و أفغانستان، و العراق، إلخ. و هي فضلا عن كونها ستبقى مرفوضة من طرف الرأي العام الوطني والطبقة السياسية الشريفة، فهي لا يمكن أن تمثل الجبهة الحقيقة التي يتوجب على موريتانيا أن تحشد لها العدة و تعلن لها النفير. و سيظل من الأولى أن تكون حرب موريتانيا  الحقيقية و جهادها و تحالفها هو أساسا ضد التخلف و الفقر و الجهل و المرض و البطالة و التهميش و الظلم والغش و التلاعب بالمصالح العليا للشعب و الأمة.

 

إن موريتانيا بحاجة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى تغيير نظرتها إلى الأمور كدولة، ليس بطريقة تلمس الخطأ و الصواب، بل بشكل منهجي مدروس يهدف إلى إعادة صياغة و ترميم عميق لسياساتها الأمنية والدفاعية فضلا عن تدبير دبلوماسيتها على الصعيد الدولي بطريقة علمية، مهنية و فعالة كما يفعل الآخرون. إن قضايا الأمن و الدفاع و السياسة الخارجية و الدبلوماسية في الحقيقة هي مجالات بالغة الحساسية و لا يمكن أن تنسجم مع غلبة الارتجال و اللامبالاة و غياب المهنية، و انتشار التعامل الزبوني.

 

لم يعد في الإمكان تأخير إصلاح حقيقي يطال جوهر و شكل السياسات العمومية المذكورة، فقد حان الوقت لأن تتغير النظرة الضيقة للأمن وللدفاع في موريتانيا، المحصورة تقليديا في أمن السلطة الحاكمة و أمن الإقليم الترابي على حساب الاهتمام بأمن البشر أو المواطنين العادين في ظل دولة القانون.  إن مثل هذا التغيير في الأفق، يقتضى من الآن فصاعدا أن تركز السياسات العمومية أولوياتها  على الأمن البشري أي أمن المواطن أولا و قبل كل شيء.

 

إن مستقبل البلاد مرهون اليوم بإدخال إصلاحات عميقة على كيان الدولة الموريتانية من أجل إعادة هندسة وظائفها الرئيسية من النواحي الإيديولوجية و الإستراتيجية و التشريعية، و المؤسسية. و هذه المقاربة تمر حتما ـ من بين أمور أخرى ـ بإنشاء مجلس للأمن القومي و “منظومة عملاتية” (opérationnel système) لتنسيق السياسات العمومية المدنية و العسكرية و لإنضاج الأفكار والقرارات واقتراح و ترشيد التوجهات والخيارات السياسية الداخلية والخارجية و الأمنية و الدفاعية. كما يتعين على الدولة إقامة و دعم معاهد الدراسات و البحوث الإستراتيجية و شبكات البحث المتخصص لتكون قادرة على إنتاج و إنضاج الأفكار و الخطط و المقاربات و المفاضلة بين الخيارات و السيناريوهات المتاحة و تقديم الاستشارة الإستراتيجية النوعية و التكوين و التدريب المهني في هذا المجال.

 

و كما هو معروف في عالمنا اليوم، فإن قوة المنافسة الدولية و الإقليمية لا ترحم، و هي تسحق الدول القوية أحرى تلك الضعيفة. أما تداعيات العولمة، فلا شك أنها تزيد من تعقيد التحديات التي تواجهها الدول في الوقت الراهن مثل ظواهر الجريمة المنظمة  العابرة للحدود كالإرهاب، و تهريب المخدرات، و الهجرة السرية، إلخ…

 

و في مثل هذا السياق الحذر، يحتم الموقف الجيوستراتيجي]21 [الحساس على الحكومات الموريتانية أن تجتهد بصدق في حسن قراءة خارطة المعطيات و المؤشرات المتعلقة بقضايا الأمن الإستراتيجي و التهديدات الإرهابية للقاعدة و غيرها، قصد بناء السيناريوهات الممكنة لتسيير المواجهة على أسس علمية، و من ثم يتوجب عليها أن تعيد تقييم خياراتها على أساس المفاضلة الموضوعية في ما بين تلك السناريوهات، بما يخدم المصلحة الوطنية بكل مسؤولية و تجرد. فمصير الدولة التي قد لا تحسن المناورة هو أن يحكم عليها بالخضوع لمناورات دول أخرى عرفت كيف تجيد اتخاذ قراراتها [22].

 

و على كل حال، إذا لم تكن لدى الحكومة الموريتانية الإمكانيات اللازمة لتحقيق سياساتها في المجال الأمني و العسكري في الوقت الراهن، فلن يعيبها أن تتبنى سياسات تتناسب مع إمكانياتها.

 

أما الشعب الموريتاني الطيب، الذي احتفل بالذكرى الثانية و الخمسين لنيل الاستقلال الوطني من نير المستعمر الغاشم، فله أن لا ينسى أبدا الفارق الجوهري بين رجل السياسة و رجل الدولة، فبينما يفكر الأول  فقط في مصيره في الانتخابات القادمة، يفكر الأخير دائما في مصير الأجيال القادمة!

 

 

 

 

محمد السالك ولد إبراهيم

استشاري في مجال العلاقات الدولية،

كبير باحثين/ المركز الموريتاني لأبحاث التنمية و المستقبل

 

[email protected]

 

 

 

——————————————

 

المراجع و الهوامش:

 

[1]    بدعم من قوات الكوماندوس الفرنسية، قام الجيش الموريتاني في 22/7/ 2010 بهجوم على معسكر تابع للقاعدة داخل الأراضي المالية أسفر عن مقتل 7 من عناصر التنظيم .و قد بررت الرواية الرسمية الموريتانية العملية بأنها إستباق لإحباط هجوم وشيك للقاعدة على حامية عسكرية موريتانية. أما الرواية الفرنسية، فتشير إلى إنها كانت محاولة لتحرير الرهينة الفرنسي “ميشيل جيرمانو” الذي أعدمته القاعدة رداً على العملية. و قد أيدت الولايات المتحدة العملية العسكرية الموريتانية – الفرنسية وأعلنت أنها تقاسمت معلومات استخباراتية مع البلدين بشأنها .أما الجزائر فقد أعربت عن استيائها البالع من العملية و خاصة مشاركة قوات أجنبية فيها. أما معركة “رأس الماء” فقد جرت في 17 و 18/9/ 2010  على الحدود بين موريتانيا ومالي ثم انتقلت إلى بلدة أحسي سيدي المالية على بعد مائة كلم شمال تومبوكتو في إقليم آزاواد. واستؤنفت في اليوم التالي في منطقة رأس الماء على بعد 235 كلم إلى الغرب منها. و يبدو أنها كانت المعركة الأعنف حتى الآن في المواجهة بين الطرفين. و قد جرى استخدام طائرات حربية موريتانية و تضاربت الروايات عن حصيلة القتلى و الجرحى التي يعتقد بأنها كانت مرتفعة في صفوفهما.

[2]   Jean-François Bayart , L’État en Afrique : la politique du ventre, édition Fayard – 2006, p 439.

[3]   مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا: د. محمد الأمين ولد سيدي باب، الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- ايلول/ سبتمبر 2005

[4]   Ernest Psichari, Terres de soleil et de sommeil, Paris, Ed. Calmann Lévy, 1908.

[5]    القاعدة في موريتانيا..من التأسيس إلى محاولات الوصول إلى السلطة، خليل ولد جدود – اسلام أون لاين – نقلا عن جريدة الحياة اللندنية

[6]  Rapport Andreotti sur l’Opération Gladio in “Les Armées Secrètes de l’OTAN”, Daniele Ganser, éditions Demi-lune, 2007.

[7]  “الجدار الأخضر العظيم” لصدّ التصحر عن أفريقيا، محمد السالك ولد ابراهيم – مجلة البيئة والتنمية، عدد شباط / فبراير 2009 – بيروت – صحيفة الحياة، لندن.

[8]    مستقبل عمليات تنظيم القاعدة في آسيا وأفريقيا – دراسة – أغسطس 2010

[9]    إقليم “أزواد” المالي . . وزيرستان الساحل: المختار السالم – صحيفة الخليج  –  أغسطس 2010

[10]   عبد المالك سايح: “الساحل أصبح منطقة عبور للكوكايين و الهيروين”

[11] في 25 فبراير 2010 اعترضت قوات موريتانية قافلة من السيارات تهرب المخدرات تحت حماية عناصر من القاعدة في أقصى الحدود الشمالية الشرقية مع الجزائر و مالي،  و قتل في العملية المعروفة بـ”لمزيرب”  4 أشخاص واعتقل 18 آخرين كما تمت مصادرة 9 أطنان من المخدرات وكميات من الأسلحة و التجهيزات المختلفة و عرضت صور العملية في التلفزيون الموريتاني.

[12]   Task Force Report: More Than Humanitarianism A Strategic U.S. Approach Toward Africa, (Princeton N. Lyman J. Stephen Morrison),

Publisher: Council on Foreign Relations – 2006.

[13]   African Oil: A Priority for U.S. National Security and African Development, Institute for Advanced Strategic &

Political Studies symposium, 2002.

[14]   أدرجت قضية تهديد القاعدة لدول الساحل الإفريقي على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذي انعقد في شهر أكتوبر  2011 بلوكسمبورغ. وقال مصدر دبلوماسي إن الوزراء  “سيدرسون خيارات عدة ممكنة حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي من اجل المساعدة على إحلال الاستقرار في المنطقة”

[15]   Global Security : Trans-Sahara Counterterrorism Initiative [TSCTI]

[16]   Mauritanie: Forces armées Profil 2008

[17]   NationMaster.com: Statistics on the basis of data on armed forces from IISS (International Institute for Strategic Studies), 2001.

[18]   Mauritanie : forces terrestres équipements et véhicules armée mauritanienne

[19]   الحوار مع طالبان.. تفاوض أو استمالة؟ – مركز الجزيرة للدراسات – 2010

[20]   La Mauritanie, Al-Qaïda et les autres, Mohamed Saleck OULD BRAHIM – MULTIPOL, Genève 2008.

[21]   Stratégie et enjeux d’Al-Qaïda en Mauritanie : Benoit Lucquiaud, Institut supérieur de relations internationales et stratégiques (ISRIS) – Août 2010.

 

[22]سقط إقليم آزاواد بمدنه الرئيسية ( تمبكتو، كاوو، ) منذ 6 اشهر بأيدي المتمردين الطوارق ومجموعات إسلامية مقاتلة، إلا أنه بات تحت سيطرة كاملة لعناصر مجموعة أنصار الدين المدعومين من عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وتمكنت مجموعة أنصار الدين والقاعدة من طرد مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد من تمبكتو. وفي حين أن هذه الحركة تعتبر نفسها علمانية وتطالب بدولة للطوارق، فإن الإسلاميين في أنصار الدين والقاعدة يطالبون بتطبيق الشريعة على كافة أراضي مالي.

اختتام الدورة التدريبية الثانية المنظمة من طرف مركز مبدأعلى برنامج ” sphinx “

اختتم اليوم الاحد 16 -04 -20017 المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية الدورة التدريبية التي نظمها المركز حول الاحصاء التطبيقي على برنامج sphinx  الدورة و التي انطلق يوم أمس 15 من الشهر الجاري شهدت تقديم محاضرات و تطبيقات على برنامج  sphinx

يذكر ان العدد المستفيد من النسخة الثانية من الدورة قد وصل الى حوالي عشرين طالب من تخصصات علم الاجتماع و الجغرافيا و تخصصات أخرى اضافة الى بعض الباحثين .

 

و تعد هذه الدورة التي انعشها عضو خلية البحث و الاستطلاعات بالمركز  الشيخ محمد الهيبة امربيه في  اطار سلسلة من الدورات التدريبية التي تهدف الى الرفع من مستوى البحث العلمي و المساعدة في تقوية المخرجات الجامعية و تنشيط عملية البحث في موريتانيا بشكل عام .

كلمة رئيس المركز محمد سيد أحمد فال الوداني في ندوة الحركة الحقوقية في موريتانيا

نظمت الندوة في الاول من مارس 2017 وقد تحدث الرئيس عن أهم النقاط و المؤشرات التي تمر بها الوضعية الحقوقية مبرزا دور المركز في الجمع بين مختلف عناصر القضية التي تعد الان أحد العقبات أمام التنمية في موريتانيا

فقد  شهدت الندوة حضور العديد من الناشطين الميدانيين في مجال الحقوق اضافة الى عدة مختصيم في الشأن القضائي اضافة الى مسؤولين و باحثين و فاعلين موريتانيا

الكلمة الكاملة للرئيس محمد سيدأحمد فال الوداني

https://www.facebook.com/mebdae/videos/966462910150959/

مجموعة طلابية جديدة تستفيد من المرحلة الثانية من الدورة التي ينظمها المركز حول برنامج (sphinx)

بدأت مساء السبت 15 من الشهر الجاري في مقر المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ) المرحلة الثانية من الدورة التي ينظمها حول الإحصاء المطبق على برنامج التحليل الإحصائي (sphinx)

المرحلة الثانية استفاد منها حوالي عشرون طالب من جامعي و شملت تخصصات علم الاجتماع و الجغرافيا و ستستمر ليومين ، هذه المرحلة و التي جاءت استكمالا لسابقتها و التي شارك فيها ثلاثون طالب مختلف التخصصات التي يمثل الإحصاء عائقا أمام طلابها خاصة في مرحلة البحوث و الدراسات ، تعد استجابة من مركز مبدأ للحاجة التي يعاني منها الطلاب الموريتاني بسبب النقص في البرامج الفنية و العلمية الناتج عن التدريس النظري بشكل كبير .

يذكر أن المركز في إطار سيعيه للتحسين من واقع الباحثين يسعى الى اطلاق سلسلة من الدورات التكوينية في مجالات عدة منها الإرشاد الاجتماعي و التنمية البشرية و إدارة الأزمات هذا إضافة إلى استمرار مراحل أخرى في دورة الإحصاء المطبق سواء على البرنامج الحالي او برامج إحصائية أخرى .

دين التقليد أو دين الذات

د. السيد ولد أباه

«محمد الطالبي» مؤرخ ومفكر تونسي معروف أسس في السنوات الأخيرة جمعية باسم «المسلمين القرآنيين» خصصها لمناقشة ونشر أطروحاته المثيرة التي أثارت جدلاً واسعاً، رغم أن الرجل الذي وصل في عمره إلى قرابة مائة سنة عرف من قبل بهدوئه وعزوفه عن الحياة العامة.

 

ما يعنيه الطالبي بالمسلم القرآني هو حصر المرجعية الدينية في القرآن الكريم دون السنة التي لا يعتبرها من مصادر الدين بل هي في الصحيح منها (وهو القليل النادر حسب رأيه) شارحة للقرآن ومفصلة له، كما يرفض اعتبار العقوبات البدنية المنصوصة في القرآن من ثوابت الدين بل هي وفق فهمه متصلة بسياق تاريخي ومجتمعي خاص وليست ملزمة للمسلمين اليوم.

 

 

 

 

ليس من همنا استعراض آراء الطالبي المثيرة للجدل، وإنما حسبنا الإشارة إلى جانب واحد منها يتعلق بالموقف التأويلي، أي بالعلاقة التي أقامها التراث الإسلامي مع النص المقدس فهماً وتفسيراً وتنزيلاً، معتبرين أن ما يدعو إليه الطالبي من ضرورة اعتماد الاجتهاد الفردي الحر في قراءة النص ليس بالضرورة وسيلة إلى الإبداع والتجديد في التجربة الدينية المعيشة والمعرفية، بل قد يكون طريقاً لأخطر نزعات الانغلاق والتشدد.

المفارقة الغريبة أن الطالبي نفسه هاجم الحداثيين العرب (محمد أركون وَعَبَد المجيد الشرفي..)؛ في نظرتهم للدين ووصفهم بالانسلاخ من الإسلام، من موقع دفاعي عن التقليد الذي يدعو راهناً إلى القطيعة معه، وإن من مرجعية غيورة على الإسلام ومدافعة عنه (مقابل الأطروحات الاستشراقية التي يتميز الطالبي بالاطلاع الواسع عليها).

 

ما نريد تبيينه هو أن التقليد وإن كان في جانب منه سلطة تأويلية ومعرفية مقيدة وضاغطة، فإنه من وجه آخر يعتبر رصيداً تأويلياً شديد التنوع والاختلاف يعبر عن تجربة ثرية واسعة ويقدم الدليل العملي على قابلية النصوص المرجعية للفهم المتنوع رغم الاتفاق في المصادرات التأويلية الكبرى.

 

التقليد هو في حقيقته حصيلة استيعاب معتقدات الدين وقيمه في السياقات الثقافية للمجتمعات المسلمة، ولم يكن كما يرى البعض مجرد تطبيق إجرائي حرفي لأحكام معيارية مطلقة تتعالى على التاريخ، بل هو نتاج جدلية التفاعل الحي بين النص والواقع التي تصل إلى حد تصور المعتقدات الجوهرية (ومن هنا ما أشار إليه الفقيه والمفكر الفرنسي طارق أوبرو بعبارة لاهوت المثاقفة).

 

إن خطر إلغاء التقليد هو تكريس انفصام النص مع حوامله الثقافية، بما يعني البحث الراديكالي الانتحاري عن علاقة مباشرة مع النص والتماهي معه بإلغاء الوسائط التاريخية والمجتمعية في العلاقة بالنص، وهو الاتجاه الذي نلمسه حالياً لدى النزعات الراديكالية التكفيرية والجماعات المتطرفة العنيفة التي تتسمى بالسلفية.

 

الفرق الكبير بين «السلفيات الجديدة» والمفهوم التراثي للسلفية هو أن هذا المفهوم التراثي تمحور حول مطلب الإصلاح والتجديد من داخل المنظومة التأويلية، بالاستناد إلى أحد أوجه التجربة التاريخية للمسلمين، في حين أن النزعات الراديكالية الجديدة فهمت الخيار السلفي بمعنى محاربة التقليد ذاته من منظور الرجوع إلى «الأصول الأولى» قبل «التحريف»، ومن هنا العلاقة العدائية بالمجتمع وتمثلاته الدينية العامة.

 

إن هذا التصور القطائعي هو في حقيقته مظهر لعلاقة متوترة بالنسق الديني القائم في المجتمعات المسلمة وبالمؤسسة الدينية، ولذا فإنه لا يدخل في ديناميكية الإصلاح الداخلي التي هي من محددات التقليد الإسلامي وتجاربه العادية مهما كانت طبيعتها ووجه الشذوذ أحياناً فيها، وإنما هو مظهر لتصور حداثي ملتبس ومنحرف يخرج الدين من قوالبه المؤسسية الناظمة ليحوله إلى ظاهرة وعي فردي ذاتي خارج أي أطر للتحكم.

 

لقب أثبت الفيلسوف الألماني «غدامير» أن الممارسة التأويلية تحتاج إلى تقليد تستمد منه فرضياتها الموجهة وتنطلق من رصيده المعرفي الذي يتضمن إمكانات ضمنية لا محدودة، معتبراً أن سلطة النص لا تعني بالضرورة القهر والإكراه. ذلك ما أدركه علماء الإسلام في العصور الوسيطة، على عكس دعاة التطرف المعاصرين، وعبّر عنه أبو حامد الغزالي بقوله: «ولعلك إن أنصفت علمت أن من جعل الحق وفقاً على أحد من النظار بعينه فهو إلى الكفر والتناقض أقرب».

آفاق الوضع الأمني والسياسي في شمال مالي/ عبد الله ممادو باه

 

منذ اندلاع الحرب الداخلية ذات الأطراف المتداخلة والأهداف المتشابكة في شمال مالي، ظل العالم يتساءل عن المآلات المحتملة لتلك الحرب “الخلفية” الدائرة في إحدى أكثر بؤر العالم فقرًا وبؤسًا وفي ركن قصي من القارة الإفريقية حيث يتعايش الإرهاب مع الفقر والظلم مع الاضطهاد والمعاناة. ذلك أن كلاًّ من الأطراف الثلاثة الرئيسية المباشرة فيها يسعى إلى تحقيق أقصى ما يمكن الوصول إليه إستراتيجيًّا لفرض أمر واقع يدفع ببقية الأطراف إلى الركون إلى حلقة مفاوضات قد تكون طويلة ومضنية يكسب من خلالها الطرف المهيمن (وهو بلا شك الحركات الجهادية السلفية المتحالفة مع أباطرة التهريب وتجار الأسلحة) مزيدًا من الوقت لترسيخ الأمر الواقع بتعزيز مركزه و فرض أجندته.

الحرب المباغتة

بدأت الحرب الدائرة حاليًا في شمال مالي أو في ما يُعرف منذ عقود بإقليم أزواد في أواسط شهر يناير/كانون الثاني 2012. ويُجمع المراقبون على أنها انعكاس مباشر لانهيار النظام الليبي الذي كان يعتبر الحاضنة الأساسية لمختلف الحركات الانفصالية في المنطقة، خاصة الطارقية منها، والتي كانت تنشط في مالي أساسًا وفي النيجر أحيانًا ولو بشكل أقل انتظامًا. كما أنها جاءت لتشكِّل حلقة متقدمة في مسلسل انهيار الدولة في مالي والذي بدأ تدريجيًّا منذ بداية العشرية الحالية بعد عودة الجنرال المتقاعد من الجيش، آمادو توماني توري، إلى الحكم إثر انتخابات الثاني عشر من مايو /أيار سنة 2002، حيث تميز حكمه بالمرونة إلى حد الهوان.

رغم الاحتقان الشديد الذي يخيم منذ أكثر من عقد على التخوم الصحراوية لمالي على طول الخطوط الحدودية التي تربط البلد بكلٍّ من موريتانيا والنيجر والجزائر بفعل سيطرة مجموعات منظمة ولكنها غير مصنفة كشبكات تهريب المخدرات والاتجار بالمحظورات، والناشطة تحت وصاية فصائل المجموعات المحسوبة على الحركات الجهادية المعادية للأنظمة القائمة، لم يكن أكثر المراقبين فطنة يتوقع حربًا من قبيل ما يحدث منذ منتصف يناير/كانون الثاني 2012 في الشمال المالي، خاصة أن موازين القوى كانت مختلة وغاية في الضبابية. ومع ذلك، ظل احتمال نشوب حرب واسعة بمبادرة من تلك الجماعات مستبعدًا، خاصة أن الدولة المالية ظلت تتجاهل الخطر الجاثم على تخومها، معتبرة أنه غير ذي بال ما دام بعيدًا عن المركز في باماكو وعن كبريات المدن؛ مما جعلها تنأى بنفسها عن أية مواجهة مفتوحة مع تلك القوى، تاركة لها حرية التنقل والتصرف في مجالها الواسع والمفتوح على أكثر من منفذ.

ومع أنه بات من شبه المسلَّم به إقليميًّا ودوليًّا أن تحالف الجماعات المسلحة والموسومة بكونها إرهابية ومن ممتهني التهريب تمكّن من بسط سيطرته على مساحة تتجاوز 60% من إجمالي الرقعة الترابية لمالي (أي ثلثا أراضي البلد)، وأنه من  المستحيل القضاء على هذا التحالف وتفكيكه بمجهود دولة واحدة على انفراد؛ لذلك ظلت القوى الإقليمية ودول الجوار تنظر (دون حراك ومع غياب أية إرادة مشتركة لتنسيق جاد يمكِّن من القيام بمبادرة عسكرية تحسم الموقف) بكثير من القلق إلى تحول الصحراء إلى قاعدة خلفية للجماعات المسلحة المتشددة وملاذ آمن لشبكات التهريب العابرة للقارات. هذا ما جعل حكومة آمادو توماني توري تتهرب من مسؤولياتها وتستخدم ورقة انفلات السلطة في شمال بلادها، بما يشكِّله من تهديد للجوار، ورقة ضغط لحمل الجميع على التعاون العسكري العاجل من أجل تحرير “الربع السائب” من مالي. لكن الدول المعنية ظلت تماطل وتختلق الذرائع من أجل التنصل من “الواجب” متجاهلة بذلك الخطر الجاثم. إلا أن تطورات الوضع في ليبيا قلبت، وبوتيرة متسارعة، كل الموازين، وجعلت ما لم يكن في الحسبان على المدى المنظور واقعًا يهدد كافة المنطقة المغاربية-الساحلية، ويطرح إشكالية عصية على المجتمع الدولي برمته؛ فالجماعات الجهادية التي كانت تتخفى في الفيافي والصحاري، طريدة الدول والحكومات وأجهزة المخابرات، تعيش من الفدى المحصلة من ريع اختطاف الرهائن ومن “إتاوات” حماية مسالك التهريب، أصبحت تتحكم في فضاء جغرافي واسع يعادل مساحة دولة كفرنسا.

“الهدية” الليبية والتأطير البربري

ظل نظام معمر القذافي، ولسنوات طويلة، الموجِّه الأساسي لمجريات الأمور في العديد من بلدان الصحراء والساحل، خاصة في النيجر ومالي؛ حيث كان يمسك بملف حركات الانفصال الطارقية المعقد، ويوجهه حسب هواه ومزاجه تبعًا لما يرى أنه صمام أمان يضمن الحفاظ على محورية النفوذ الليبي في المنطقة. ويكمن السر في التأثيرات الليبية على هذا الملف في كون الجماهيرية هي البلد الذي استوعب آلاف الشباب من “الملثمين” بعد موجات الجفاف الماحقة التي ضربت المنطقة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ومكّن ذلك التواجد المكثف لشبان بلا مؤهلات ولا تكوين تربوي يُذكَر الحكومة الليبية من الحصول على مجندين يمكن استخدامهم كمرتزقة في حروبها التوسعية، كما حدث في تشاد ضد نظام حسين حبري في بداية ثمانينيات القرون الماضي، أو لإيفادهم كألوية “مجاهدة” لتحرير فلسطين ولبنان من الغزو الإسرائيلي في نفس الحقبة. كما استُخدموا في حروب استنزاف ضد بعض الأنظمة التي لا تروق توجهاتها لحكام طرابلس المزاجيين حينها. وكثيرًا ما استُخدمت هذه الورقة، خاصة في إفريقيا.

وعندما انحسر الدور الليبي في تلك الصراعات، بدأت المجموعات الطارقية تفكر جديًّا في بعث “روح الثورة” في مطالبها المحلية في دول الأصل؛ مما ولد نزعة متجددة في التوجهات الانفصالية التي أُجهضت مرارًا؛ فكانت حركة التمرد الأولى، بعد تلك المجهَضة في المهد سنة 1960، تلك التي اندلعت في العام 1990 تحت إمرة إياد آغ غالي مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير أزواد والذي تحول بعد ذلك من ثوري يساري إلي شيخ سلفي يقود حركة أنصار الدين، أحد أذرع القاعدة في المغرب الإسلامي الأكثر تطرفًا والأوسع انتشارًا في الأوساط الشعبية الطارقية حاليًا.

لكن الحركة الانفصالية في التسعينيات سرعان ما انقسمت على نفسها لأسباب عقدية أو قبلية محضة، وإن نجحت في فرض نفسها كشريك سياسي فاعل في اتفاق تمنراست لسنة 1991 مع الحكومة المالية تحت رعاية جزائرية. وأفضى نفس الاتفاق إلى توقيع الميثاق الوطني لسنة 1992 مع الحكومة المالية والذي تقبل بموجبه منح صلاحيات محلية موسعة لأقاليم الشمال ووضع خطة تنموية خاصة بها، تشمل زيادة وتوسيع الاستثمار الحكومي في التنمية المحلية بخلق البني التحتية وتأمين مواطن الشغل للمقاتلين الطوارق ودمجهم في المنظومة الإدارية والعسكرية والأمنية للدولة المالية. إلا أن ذلك لم يضع حدًّا للحركات المسلحة المطالبة بالانفصال، حيث عاد التمرد للواجهة سنة 94-95 ثم في مايو/أيار 2006 قبل أن تتدخل الجزائر مجددًا لاحتضان صلح سُمِّي باتفاق الجزائر وُقِّع في 4 يوليو/تموز 2006.

تعهدت ليبيا بإيواء الرافضين للاتفاق الأخير (2006)، وقامت بدمجهم في نسيجها العسكري من خلال إغراق بعض الوحدات الأمنية الليبية بعناصر طارقية. ومن بين هؤلاء، العقيد محمد آغ ناجم الذي أصبح، فيما بعد، أحد قيادات كتائب القذافي الشهيرة. وقد لعب آغ ناجم لاحقًا -إبان الثورة على نظام القذافي- دورًا مهمًّا في تهريب السلاح الليبي نحو الجبهات الخلفية التي كان يتواجد فيها عناصر حليفه إبراهيم آغ باهنغا الذي كان يحضِّر لتوسيع نطاق تمرده المسلح الجديد الذي أطلقه سنة 2006 قبل أن يستأنفه سنة 2009 بالتواطئ مع قوى إقليمية تنظر بعين الريبة والحنق إلى استكانة باماكو في مواجهة القاعدة في المغرب الإسلامي. إلا أن آغ باهنغا لقي مصرعه إثر حادث سير في شهر أغسطس/آب سنة 2011 قبل أن تكتمل رحلة نقل السلاح الليبي إلى معاقل المتمردين في الشمال المالي، وبات لزامًا على أنصاره التأقلم السريع مع معطى غياب “المنظِّر”.

بعد شهرين من وفاة آغ باهنغا، قررت حركتان من الطوارق، هما الحركة الوطنية لأزواد وهي مشكَّلة أساسًا من مثقفين يقيمون في أوروبا وموريتانيا وبوركينا فاسو والفصيل العسكري لحركة آغ باهنغا، المعروف  بـ “تحالف الـ23 مايو لطوارق مالي والنيجر”، الاندماج في الحركة الوطنية لتحرير أزواد. ووُقِّع محضر الاندماج في 16 أكتوبر /تشرين الأول 2011 دون أن يسترعي ذلك انتباه أحد. ولعب المؤتمر الأمازيغي العالمي (الذي يتخذ من باريس مركزًا له) دورًا مهمًّا في الاتفاق، بل وساهم، بشكل فعّال، من خلال آلة إعلامية ضخمة، في فرض وجود الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وتقديمها للعالم كمنظمة تحرير ليبرالية تتبني الفكر الديمقراطي ذا المرجعية العلمانية.

ويتواتر على نطاق واسع أن عناصر الحركة الذين استفادوا من التحاق وحدات كاملة من الجيش النظامي الليبي المدحور، مدججة بالعتاد والسلاح، هي من أطلق شرارة الحرب في 17 يناير/كانون الثاني 2012 من مدينة مناكا حتى ضواحي آغلهوك، وإن كانت قد حصلت، في عملياتها الخاطفة، على سند معتبر من القاعدة وحلفائها في الميدان. و توالت “فتوحات” الحركة حتى سيطرت على كبريات مدن الشمال بمباركة ومساندة حذرة من الحركات الجهادية، وأصبحت بذلك تحكم قبضتها على شريط ممتد على آلاف الكيلومترات من مناكا على حدود النيجر حتى ليرى على مرمي حجر من الحدود الموريتانية.

في نشوة انتصاراتها الخاطفة أمام الجيش المالي المنهار، سارعت الحركة إلى إعلان استقلال إقليم أزواد من جانب واحد في السادس من  إبريل/نيسان 2012، متخذة من غاو عاصمة للدولة الوليدة. كما قامت بتسمية  مجلس انتقالي يضم 28 عضوًا عُهد إليه بالتسيير المؤقت للأمور تحت رئاسة بلال آغ الشريف المنتسب لعائلة أرستقراطية من قبيلة الإيفوقاس والمقرَّب من بوركينا فاسو وبعضوية العقيد آغ ناجم، الضابط السابق في كتائب القذافي، كوزير للدفاع، من بين رموز عدة. لكن الحركة وجدت نفسها في عزلة دولية كبيرة حيث لم تعترف بها أية دولة في العالم، نظرًا للعديد من الاعتبارات والتي من بينها أن الطوارق، رأس حربة الحركة الانفصالية، لا يشكِّلون أكثر من 10% من سكان الإقليم الذي يتقاسمونه مع مجموعات سكانية أخرى كالسونغاي والفلان والعرب؛ إضافة إلى أن الطرح القومي المتزمت الذي يدافع به بعض قادة المنظمة عن مشروع دولتهم أثار الكثير من المخاوف والتحفظات لدى المجموعات الأخرى، بما فيها العرب، التي ترى في جمهورية أزواد مشروع دولة طارقية الثقافة والتوجه وبربرية “الهوية”. كما أن الاتهامات المتواترة من قبل منظمات إنسانية محايدة ضد مقاتلي الحركة بارتكاب فظاعات وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في الشمال المالي (بما فيها مذبحة آغلهوك ضد أكثر من مائة جندي مالي، وغيرها من جرائم القتل والتصفية الجسدية البشعة والاغتصاب) ضد المنحدرين من القوميات الأخرى لم تكن لتخدم صورة المشروع السياسي الأزوادي.

وبعد أقل من ثلاثة أشهر على إعلان الاستقلال، اندحرت القوة “الكاسحة” للحركة الوطنية لتحرير أزواد أمام فلول الجهاديين من أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد، حلفاء القاعدة في المغرب الإسلامي التي أظهرت الأحداث لاحقًا أنها السيد الفعلي في المنطقة. ولم يشفع للحركة الاستقلالية محاولاتها المتكررة للتقارب مع الكتيبة الطارقية للقاعدة، أنصار الدين، لحيازة الشرعية السياسية ميدانيًّا ولا كسب ما يمكن اعتباره مهادنة ضمنية مع الأصوليين الرافضين لفكرة الانفصال من حيث المبدأ والساعين لتحقيق هدفهم المعلن وهو إنشاء دولة الخلافة الإسلامية في كافة ربوع غرب إفريقيا و”تطبيق شرع الله فيها”، ولسان حالهم يردد من أعلى المنابر الإعلامية: “دولة الشريعة لا دويلة الانفصال”!!

“الجهاديون” يكسبون الرهان مؤقتًا

غطت الضجة الإعلامية الكثيفة لحلفاء الحركة الوطنية لتحرير أزواد على كثير من تفاصيل المشهد ميدانيًّا؛ حيث كانت الخلية الناشطة في باريس والمؤازَرة من قِبل الحركة الأمازيغية العالمية و”ملحقات” من الإدارة الفرنسية وناشطين في بعض دول المنطقة كموريتانيا وبوركينا فاسو، تسوق كل الانتصارات المحقَّقة ميدانيًّا كحصيلة للحركة، غاضة الطرف عن الحقيقة الجوهرية المرّة وهي أن مقاتلي القاعدة ومشتقاتها هم الذين يقومون بالعمل الأهم في ساحات المعارك. وقد سلكت القاعدة إستراتيجية ذكية في ذلك، وهي: “دع الخصم الصغير يتلذذ بأوهام انتصاراته المزعومة للوقيعة بمن هو أكبر منه”. وفعلاً كان لمخططيها ما أرادوا في الجولة المستمرة حتى الآن من السجال، فأخلت غاو وكافة الشمال من أتباع الحركة الانفصالية التي لجأت إلى مرتفعات زكاكة شمالي كيدال حيث يعسكر مقاتلوها انتظارًا لإعادة تجميع الصفوف. وتقدِّر بعض التقارير الصحفية عدد المقاتلين المنضوين تحت لواء الحركة بقرابة 600 متطوع.

ولما أنقشع غبار المعركة للسيطرة على الشمال وظهرت الموازين على حقيقتها، بدت منطقة أزواد كإقليم مستباح يدرك المرء، للوهلة الأولي على الأقل، أن الغلبة فيه للجماعات الجهادية المؤطَّرة تحت إمرة مختار بلمختار أحد زعماء القاعدة في المنطقة وهو المنسق الرئيس لأنشطة التنظيم ومسيِّره الميداني. وتعتمد هذه الحركات على قرابة ألفي مقاتل يتوزعون كالنحو التالي: القاعدة: 600 مقاتل، أنصار الدين: 700 مقاتل، حركة التوحيد والجهاد ومتطوعو بوكو حرام: 300 مقاتل. إضافة إلى متطوعين توافدوا مؤخرًا على الإقليم من آسيا، خاصة من الباكستان والهند وأفغانستان ومن بعض الدول العربية. ويُقدَّر عدد هؤلاء بقرابة 300 متطوع. وقد شرعت فصائل من هذه الحركات في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بإقامة الحدود في حالات زنا وسُكْر وسرقة، رغم إخفاقها الجلي في توفير الخدمات اليومية الأساسية وتأمين الناس وتسهيل أساليب الحياة لهم؛ مما جعل أعداد النازحين من الماليين نحو دول الجوار تزداد يوميًّا لتتجاوز أكثر من نصف مليون شخص موزعين أساسًا بين الجزائر والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو.

ويبدو من خلال تطورات الوضع وتقلباته أن وراء الحرب الخاطفة التي دارت في الشمال المالي تفاهمات مبدئية مسبقة بين السلفيين الجهاديين بتفريعاتهم الثلاثة (أنصار الدين، التوحيد والجهاد، القاعدة) وتنظيم الحركة الوطنية لتحرير أزواد على أن تضع الأطراف خلافاتها جانبًا حتى يتم التخلص من القبضة العسكرية المالية ثم التفرغ بعد ذلك لإيجاد أرضية للتفاهم والعمل المشترك. لكن تلك التفاهمات انهارت فجأة عندما أرادت الحركة العلمانية، بإيعاز من سندها القوي في باريس وبعض دول المنطقة، احتواء القاعدة ومحاولة حصر دورها في الميدان تمهيدًا لطردها من الإقليم، طبقًا للإستراتيجية التي تم اعتمادها في باريس ونواكشوط، على الأقل، كشرط لدعم الحركة الأزوادية منذ انطلاقتها. ولكن ما حصل هو أن القاعدة وأخواتها عززت من مركزها وضاعفت من خطورة التهديد الذي ظلت تمثله على المنطقة والعالم بعد أن خلت لها الساحة وبدأت العمل كدولة تسيطر على ربوع تمتد على أكثر من 830 ألف كيلو متر مربع.

“المركز” في كف عفريت

أدى تهاوي “الدفاعات الأمامية” للجيش المالي والانهيار الكامل لوحداته أمام تحالف الانفصاليين الطوارق والحركات الجهادية إلى سقوط كبريات مدن ومن ثَمَّ قرى الشمال المالي تباعًا؛ مما ولَّد موجة استياء واسعة في كافة الأوساط السياسية والشعبية والأمنية في البلد. وبدأت أصابع الاتهام توجَّه للرئيس آمادو توماني توري “بالتولي يوم الزحف” وبإضعاف الجيش وغض الطرف عن المتمردين الطوارق وحتى بالتواطؤ مع القاعدة والتستر على رشى كان يقدمها التنظيم الموسوم بالإرهابي لكبار الضباط والموظفين لبسط نفوذه وإحكام سيطرته على النسيج الاقتصادي للمنطقة.

في 21 مارس/آذار 2012 قامت وحدة عسكرية من القبعات الخضر المتمركزة في ثكنة كاتي بضواحي باماكو بمهاجمة القصر الرئاسي الواقع على مرتفعات كولوبا في قلب العاصمة المالية. ولم ينج الرئيس تورى بجلده إلا بدعم من السفارة الأميركية التي أرسلت له سيارة مدرعة وآوته بعدما نجح شبان من حرسه الخاص في إخراجه خلسة من القصر. وتبني المنقلبون على الرئيس (الذي كان يستعد لتنظيم انتخابات رئاسية في إبريل/نيسان 2012 ثم ينقل بعدها السلطة لرئيس جديد منتخب) خطابًا شعبويًّا يرتكز على الشروع الفوري في إعادة تنظيم الجيش المنهار وتسليحه، ووضع كافة الإمكانيات تحت تصرفه من أجل استعادة الشمال وطرد الجماعات المسلحة منه.

أمام ارتباك القادة الجدد في تحديد معالم وآليات تطبيق برنامجهم، بدا بديهيًّا، منذ الأيام الأولى بعد الإطاحة بالرئيس توماني تورى، أن ما حدث في باماكو لم يكن، في حقيقته، سوى استغلال لتعطش بعض صغار الضباط للسلطة من قبل بعض القوي السياسية لقلب الموازين الانتخابية التي كانت تميل لصالح أنصار الرئيس المنتهية ولايته والحيلولة بذلك دون تنظيم الاستحقاق المنتظر. عمّق الانقلاب هوة الخلافات الداخلية وصرف الأنظار عن تقدم المتمردين والجهاديين على كافة جبهات القتال في الشمال بعد إرباك ما تبقى من الوحدات العسكرية التي ظلت تحاول الدفاع عمّا يمكن حمايته وتقاتل من دون قيادة مركزية. كما ترك الانقلاب المدنيين الذين يعيشون في ولايات الشمال الثلاث (كيدال، غاو، تمبكتو) وحدهم في مواجهة سطوة ما يسمى الإرهاب ونقمة الانفصاليين في ظل أزمات متلاحقة جرّاء تناقص للمواد الضرورية للحياة كالماء والدواء والكهرباء وغيرها. ولم يزد الفرض القسري لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على السكان الأمر إلا سوءًا وتعقدًا.

وحيال هذا التطور المعقد، أجمعت كافة الأطراف الدولية المؤثرة والوازنة كالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الأوروبي وكافة دول الجوار على إدانة الانقلاب. وشكَّلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا -التي جمدت عضوية مالي- لجنة للاتصال برئاسة الرئيس البوركيني، بليز كومباوري، عُهِد إليها القيام بمجهود الوساطة للتوصل إلى حل توافقي ينهي الأزمة الدستورية والسياسية في الجنوب ويفضي إلى استرجاع الوحدة الترابية للبلد. ونددت المنظمة الإقليمية بمساعي الانفصال وهددت باللجوء للقوة بغية فرض عودة الأجزاء المحتلة لسيطرة السلطة المركزية في باماكو. إلا أن الاستقطاب الحاد في الجنوب، بين المؤيدين للانقلاب ومناوئيه، أربك الحسابات الدبلوماسية للوسيط البوركيني الذي نجح، بعد جولات مضنية من المباحثات، في التوصل إلى صيغة دستورية لحل الأزمة بتطبيق حيثيات الدستور، وتحجيم دور الانقلابيين، وتشكيل حكومة انتقالية تتولى تسيير الأمور تمهيدًا لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية والعمل على خلق الظروف المناسبة لاستعادة الشمال.

وبمقتضى الخطة، عُيِّن السيد جاكوندا تراوري، رئيس الجمعية الوطنية والمقرب من الرئيس المخلوع، رئيسًا انتقاليا للدولة؛ في حين سمى الفيزيائي-الفلكي موديبو جارا، صهر الرئيس السابق، الجنرال موسي تراوري (الذي أطاح به آمادو توماني توري في انقلاب عسكري سنة 1991 بعد 23 سنة من الحكم) والمقرَّب من الانقلابيين، رئيسًا للوزراء لفترة انتقالية. وأدى تلكؤ معسكر العسكر إلى تعثر المساعي وشل العمل الحكومي؛ بل إن الرئيس الانتقالي تعرض لاعتداء جسدي بشع في مقر عمله برئاسة الجمهورية، في 21 مايو /أيار 2012، على أيدي متظاهرين محسوبين على العسكر وعلى القوى السياسية الرافضة لخطة قيادة تراوري للمرحلة الانتقالية، مما استدعي نقله إلى باريس لتلقي العلاج. وبعد ما يربو على شهرين من “المنفى الاستشفائي”، عاد الرئيس تراوري في 27 يوليو /تموز 2012 إلى باماكو حاملاً معه خطة سياسية جديدة للتعجيل بمسلسل الخروج من الأزمة ومن دوامة التجاذب الذي منح لمحتلي الشمال الوقت الكافي لترتيب أوراقهم تحسبًا لأي عمل عسكري قد يوجه ضدهم.

وتقوم الخطة التي عرضها الرئيس الانتقالي على الشعب عبر خطاب علني يوم 29 يوليو /تموز 2012 على تشكيل مجلس أعلى للدولة يضم الرئيس ونائبين يتولى أحدهما الشؤون السياسية، خاصة منها الترتيب لتنظيم انتخابات عامة في أسرع ما يمكن؛ في حين يعهد للثاني بتنسيق العمل الأمني وإصلاح المؤسسة العسكرية مع صلاحيات خاصة لوضع خطة لاسترجاع الشمال. ويتم كذلك تعيين حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية لضمان حسن سير العمل الحكومي في هذه المرحلة ومنح المجتمع الدولي شريكًا مقبولاً يمكن الاعتماد عليه بجدارة. كما عرض الرئيس تشكيل مجلس وطني انتقالي تتم استشارته في القضايا الملحة، يضم ممثلي كافة الأطياف والتوجهات السياسية والفكرية والاجتماعية في البلد.

وفي مسعى لمنح فرصة للحلول التفاوضية لتجاوز معضل الانفصال في الشمال، اقترحت خطة الرئيس إنشاء لجنة وطنية للمفاوضات تكلف بالتنسيق مع الوساطة الإقليمية بمفاوضة الجماعات المسلحة بغية إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية للأزمة قد تكفي كافة الفرقاء شر اللجوء للقوة لحسم الموقف في أي اتجاه.

وأخيرًا جدد الرئيس ثقته في قوى الأمن المالية التي فرطت في سلامته سابقًا بإعلانه تأكيد توليها تأمين سلامة المؤسسات والشخصيات السياسية في باماكو؛ مما يُستَشف منه رفضه الضمني لمقترح المنظمة الإقليمية بنشر قوات خاصة لتأمين المؤسسات الانتقالية وضمان سلامة القيمين عليها من الرسميين.

وحتى كتابة هذا المقال، لا تزال المساعي والمفاوضات جارية لتطبيق الخطوات الأولى للخطة، وهي إنشاء وتشكيل الهيئات المقترحة والتي ستتمتع بالشرعية المطلوبة لتحريك الملف بصورة جدية على كافة الصعد، خاصة منها العسكرية.

الجوار وتناقض المصالح

وقفت دول الجوار المالي مواقف تتأرجح بين القلق والحذر حيال الحرب الدائرة شمالاً والأزمة السياسية  المستفحلة جنوبًا، وظلت كل دولة تتمسك بأجندة مصالحها الخاصة معمقة بذلك الخلافات الدفينة التي حالت دائمًا دون إمكانية الانخراط في تنسيق جدي لمواجهة مخاطر ما بات يعرف بالإرهاب في المنطقة. فرغم آلية “دول الميدان” التي تجمع مالي نفسها بكل من موريتانيا والجزائر والنيجر وما تقوم عليه من إرادة معلنة لمواجهة التحدي الأمني، لا تزال مستويات التفاعل مع تطورات الوضع الميداني محدودة. ذلك أن الجزائر التي تعتبر القوة العسكرية الإقليمية الأهم ترفض، وبشكل شبه مقدس، أي عمل عسكري خارج حدودها. كما تعترض على كل صيغة للتعاون مع أطراف أخرى من خارج دول الميدان قد يكون من انعكاساتها المباشرة نشر قوات أجنبية على حدودها. ويعتقد بعض المراقبين أن الجزائر التي صدَّرت الظاهرة إلي الجوار من أرحام حركتها الإسلامية الراديكالية في التسعينيات لا تريد أية محاصرة عسكرية للمقاتلين الجهاديين الذين سيُرغمون، تحت الضغط العسكري، على هجر مواقعهم في الصحاري والأحراش المالية النائية والعودة إلى الداخل في العمق الجزائري والتصعيد من وتيرة ضغطهم المتواصل على الأمن الجزائري.

وقد حاولت الجزائر، مبكرًا، ربط اتصالات مباشرة ومتكررة مع جماعتي أنصار الدين والتوحيد والجهاد في مسعى إلى مهادنتها من أجل الحصول على تحرير دبلوماسييها الثلاثة المختطفين من قنصليتها في غاو يوم 5 إبريل /نيسان 2012. ولم تفلح الضغوط الفرنسية المتواصلة والتي كان آخرها في 5 يوليو/تموز 2012 بمناسبة زيارة وزير الخارجية الفرنسي الجديد، لوران فابيس، في حمل الجزائر على مراجعة موقفها من العمل العسكري المحتمل لتحرير الشمال المالي و”تطهيره” من العناصر الجهادية. ولا تزال الجزائر تصر على تغليب الحلول السياسية والدبلوماسية لتجاوز الأزمة السياسية في باماكو ومشكلة الشمال المالي مع إمكانية النظر في السبل الأخرى الكفيلة بتحجيم القاعدة في المنطقة عندما تكون الظروف مواتية. وتحسبًا لأي طارئ، عمدت الجزائر إلي إرسال ما يزيد على عشرة آلاف جندي لإغلاق المنافذ الحدودية الفاصلة بينها وبين كل من النيجر ومالي وموريتانيا مع مهمة خاصة بتطويق المسالك الصحراوية المهجورة.

من جهتها، ظلت موريتانيا، إلى وقت قريب، الدولة الوحيدة في المنطقة التي دفعت بقواتها المسلحة لمقارعة القاعدة في أعماق الأراضي المالية ردًّا على هجمات سابقة ضدها في لمغيطي (2005) والغلاوية (2007) وتورين (2008)، وغيرها من العمليات النوعية كاغتيال السياح الفرنسيين في ألاك (2007)، واغتيال مواطن أميركي في نواكشوط (2009)، ومحاولات تفجير فاشلة في نواكشوط والنعمة، إضافة إلي عمليات اختطاف لرهائن غربيين من التراب الموريتاني. وكان الهدف المباشر المعلن للعمليات العسكرية الموريتانية هو إبعاد نقاط تجمع عناصر القاعدة من الخطوط الحدودية مع موريتانيا.

كما ظلت الحكومة الحالية تأخذ على النظام المخلوع في باماكو عدم جديته في محاربة الإرهاب وتركه الشمال المالي تحت سيطرة “الجماعات المارقة”. وأدى هذا الموقف إلى تبني الحكومة الموريتانية إستراتيجية مساندة الحركات الانفصالية في الشمال تأطيرًا وتمويلاً، في محاولة لخلق بديل عن الحكومة المركزية في باماكو يمكن الاعتماد عليه لاحقًا لاحتواء القاعدة وطردها من الإقليم. وليس إذًا من الصدفة أن تكون نواكشوط هي المركز الأول لتواجد قادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد والعاصمة السياسية المؤقتة لدولة أزواد، حيث يستفيد قادة الانفصال فيها من عامل القرب من الميدان. كما يحظون بمساندة معتبرة وعلنية من العديد من الحركات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المحلي وبعض الشخصيات الوازنة في توجهات النظام الحاكم.

وقد قلب الانهيار المذل لمقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد أمام عناصر القاعدة كل الحسابات الموريتانية حتى إن قادة البلد الذين كانوا يُعتبرون، حتى وقت قريب، من أشد المتحمسين لعمل عسكري كاسح ضد القاعدة وحلفائها، أصبحوا يناشدون الأطراف تغليب الحلول السياسية والدبلوماسية للخروج من المأزق وينأون بأنفسهم عن احتمال المشاركة في أي عمل عسكري في الشمال المالي ما بقي “الجهاديون” بعيدًا عن الحدود مع موريتانيا!!

الواقع أن القلق الموريتاني نابع أساسًا من عدة عوامل، من أهمها الحضور النسبي الكبير لعدد الموريتانيين المنخرطين في صفوف المنظمات الجهادية، وعلى الأخص في كتيبة الملثمين بقيادة بلعور أو في كتيبة عبد الحميد أبو زيد. كما بدؤوا في تولي مهام ومسؤوليات قيادية مؤثرة في تنظيم التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا على غرار مفتيه، حمادة ولد محمد خيرو. وما تخشاه موريتانيا كذلك هو أن يتحول التأثير المتنامي لرعاياها في التنظيمات الجهادية الناشطة في مالي إلى نقطة استقطاب للشباب في العمق الداخلي للنسيج العقدي والسياسي في البلد لما قد يكون له من انعكاس على العديد من الأمور وليس أقلها شأنًا القفز على الدور التاريخي للإسلام الصوفي المنتشر وتجاوزه إلى قراءات “دخيلة” تغذي بؤر التوتر والتجاذب داخل المؤسسة الدينية المحلية.

ومع احتمال تحول البلد إلى ملاذ للجماعات الجهادية في حال مهاجمتها من قبل بعض القوى الإقليمية، بادرت الحكومة إلى إغلاق الحدود مع مالي منذ اندلاع المعارك فيها، مكتفية بفتح نقاط محدودة لاستقبال اللاجئين النازحين من الشمال المالي الذين بلغ عددهم قرابة المليون لاجئ. كل ذلك في ظل تواتر الأنباء حول وضع القوى العسكرية في حالة تأهب قصوى مع وجود عناصر من الجيشين الفرنسي والأميركي للدعم الفني والتأطير.

أما النيجر فحساباتها أكثر دقة وتأثيرًا على المشهد؛ حيث تعتبر منطقة آزواغ الآهلة ببعض السكان من الأصول الطارقية عرضة لعدوى الانفصال، تمامًا كما حدث في التسعينيات عندما أطلق حركيون من الطوارق، أسوة بأشقائهم في مالي، حركات تمرد ضد الحكومة المركزية في نيامي. ورغم الاختلافات الطفيفة التي لا تكاد تكون ملموسة في الواقع بين حال الطوارق في مالي والنيجر، فإن الحكومة في نيامي تبدو أكثر استعدادًا وتنظيمًا من نظيرتها في باماكو لاحتواء أي حراك داخلي مرتقب. ولذلك لم تتردد  نيامي لحظة في الانخراط في صف الدول المنادية بالتعجيل بإجراءات اللجوء للقوة العسكرية لدحر الانفصاليين الطوارق والقضاء على القاعدة وفروعها. ولتمرير ذلك التوجه، ما فتئ النيجر يعبئ على كافة الجبهات، سواء في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو في إطار تنسيق دول الميدان، إضافة إلى المساعي المنفردة في الإطار الثنائي سواء مع فرنسا أو مع الولايات المتحدة أو مع الاتحاد الأوروبي.

وفي كل الأحوال، لم تخف الحكومة النيجرية استعدادها للمشاركة بوحدات من قواتها المسلحة في أي مجهود عسكري، دولي أو إقليمي، لطرد القاعدة من الشمال المالي وإجهاض مشروع الانفصال الذي يُعتبر انتهاكًا لمبدأ الإبقاء واحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار كما أقرته منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963.

المجهود الدولي وشبح الحرب

يبدو المجتمع الدولي في حيرة من أمره حيال ما يجري في مالي نظرًا لتداخل بعدي الأزمة السياسية في باماكو ومشكل الانفصال شمالاً مع معطى سيطرة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الإقليم الشمالي بالكامل. فبينما تسعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية جنوبًا لتجاوز الأزمة السياسية وخلق أكبر إجماع ممكن يمكن التأسيس عليه للمطالبة بتدخل عسكري في الشمال، تبدو بقية الأطراف الدولية، بما فيها بعض دول الجوار، متشائمة إلى حدٍّ بعيد من نتائج أي تدخل عسكري محتمل. فوحدها فرنسا تضع كل ثقلها في الميزان من أجل الدفع نحو الحل العسكري السريع من خلال التعهد بتقديم كل الوسائل العسكرية والمالية المطلوبة لجيوش المنطقة التي تخطط من جانبها لإرسال حوالي 3300 جندي للقيام بالمهمة، شرط أن تكون مالي قد استرجعت فعلاً شيئًا من عافيتها السياسية واستقرار مؤسساتها، وشرعت جديًّا في إعادة ترتيب وضع مؤسستها العسكرية المتداعية.

كما أن ذلك التدخل يبقي مرهونًا بمظلة دولية عبر قرار من مجلس الأمن، سعت المنظومة الإقليمية المعنية إلى استصداره على مرتين دون جدوى، ذلك أن الخطة العسكرية المقدمة وآجال التدخل ومصادر التمويل والأهداف المنشودة ما زالت غامضة في أذهان العديد من الفاعلين الدوليين المؤثرين، كالولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة ذاتها.

ويلاحظ المراقبون عدم تحمس الولايات المتحدة، هذه المرة، للاندفاع في العمل العسكري المباشر في مسألة قد يُصنَّف أحد شقيها بأنه من باب مكافحة ما بات يعرف بالإرهاب، مفضلة التريث وانتظار ما ستؤول إليه المساعي الإقليمية بشأن التحضير للتدخل العسكري. وربما يكون لموقف دولة كالجزائر وزنه في التقديرات الأميركية للوضع. وفي كل الأحوال، تستطيع الولايات المتحدة، إن أرادت ذلك، أن تشارك بفعالية في المجهود الحربي ضد القاعدة في المغرب العربي من خلال ترسانتها الضخمة وتواجدها الخفي ولكنه مكثف في  العديد من دول المنطقة عبر نشر الجنود وعمل الطائرات الشبح من دون طيار، إضافة إلي مهام الإسناد والتأطير لصالح الجيوش المشاركة في العمليات. غير أنه وحتى تحرير هذا المقال، تبقى الولايات المتحدة على موقف الساعي إلى تجنب الحل العسكري وتشجع على العمل في المجال السياسي والإنساني لاحتواء الأزمة.

أما دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، فيبدو أن جناح الدول المنادية بالحرب والتي يتقاطع موقفها مع التوجهات الفرنسية، يكثف المشاورات والتنسيق من أجل إقناع المنظومة الدولية بضرورة القيام بعمل عسكري واسع لاستئصال الإرهاب من الساحل ووأد النزعات الانفصالية فيه؛ ففي اجتماع لهم في باماكو يومي 12 و13 أغسطس/آب 2012، تبنى قادة الجيوش لدول المجموعة خطة عسكرية تنفذ على ثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: نشر قوات برية في باماكو وفي المناطق المحاذية للشمال لتأمين المؤسسات والقيام بمهام الاستطلاع والتحضير.
  • المرحلة الثانية: تشكيل القيادة الموحدة التي سيعهد إليها بالتنسيق الميداني للعمل العسكري. ومن المرتقب أن تكون نيجيريا هي التي تقود ذلك الأمر نظرًا لكونها الدولة  الوحيدة القادرة على تأمين الغطاء الجوي لأي عمليات ميدانية في المنطقة.
  • المرحلة الثالثة: الشروع الفعلي في العمليات العسكرية باستهداف معاقل الحركات المسيطرة على الأرض لتأمين تحرير الشمال المالي من قبضتها.

ولا تستبعد بعض الأوساط أن تطلب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مساعدة في مجال الإسناد الجوي واللوجستي من الناتو. ولا يُتوقع أن يقبل الناتو المشاركة، ولو رمزيًّا، في أي نشاط عسكري في المنطقة بغياب قرار من مجلس الأمن يتبنى العمل العسكري ويجيزه. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول: هل ستكون الحكومة في باماكو جاهزة في الآجال المطلوبة من قبل المجموعة الدولية للقيام بالمبادرات السياسية والدبلوماسية اللازمة لتحريك مساطر مجلس الأمن الطويلة والمعقدة في مثل هذه الأوضاع؟

مهما يكن، فإن منطقة الساحل مقبلة على تطورات خطيرة ستكون لها انعكاسات كبيرة وتأثيرات مخيفة على كافة دوله، ذلك أن المد السلفي الجهادي المتنامي في إفريقيا السمراء وانتعاش نزعات التجزئة والانفصال الفئوي لا يعرف الحدود ولن يقتصر حتمًا على مالي وحدها.

عبد الله ممادو باه – كاتب صحفي وباحث في حقوق الإنسان- مهتم بالشؤون الإفريقية