7 يوليو، 2025، والساعة الآن 5:58 صباحًا بتوقيت نواكشوط
الرئيسية بلوق الصفحة 12

مبدأ و منتدى الشرق ينظمان ندوة حول الحركة التدوينية و دورها في صناعة الرأي الخميس المقبل

ينظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ) و بالتعاون مع منتدى الشرق (ديوان نواكشوط ) ندوة علمية تحت عنوان ” الحركة التدوينة و دورها في صناعة الرأي “.

و تنظم الندوة مساء الخميس 13-07-2017 بفندق موريسانتر على تام الساعة الخامسة عصرا “17:66” .

و الدعوة عامة إلى جميع المهتمين من مدونين و صناع رأي و مفكرين و نخبة سياسية و اجتماعية و ثقافية .

ندوة بالتعاون بين “مبدأ: و منتدى ” الأواصر”

نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية “مبدأ” بالتعاون مع منتدى الاواصر ندوة علمية تحت عنوان سيادة القانون ودورها في السلم الاهلي .

 

 

 

وقال رئيس مركز مبدأ د محمد سيد أحمد فال الوداني إن المشكلة التي تواجهها موريتانيا ذات ابعاد عدة  منها السياسي و التربوي و العمراني ،

 

حيث تعيش المدينة المركزية نواكشوط عدة قرون مختلفة بسبب الظروف الاقتصادية و التمدد الافقي للمدينة ، كما ان وضعية التعليم تحتاج الى  مراجعة حقيقية من اجل خلق السلم الاهلي حقيقي و ثابت .

 

فيما قال رئيس منتدى الاواصر عبيد ولد اميجن ان مهمة هذا المنتدى هو الحفاظ على الوحدة الموريتانية و وضع مختلف القضايا العالقة للنقاش و التي من بينها قضايا لحراطين او العبيد و العبيد السابقين ، وقال عبيد أن الشراكة مع مركز مبدأ تتيح لمنتدى الاواصر تقديم العديد من الانشطة خاصة بسبب الفرص التي يوفرها مركز مبدأ بسبب خبرته الكبيرة في هذه المجالات .

 

يذكر أن الندوة حضرها العشرات من السياسين و المثقفين و المهتمين بالمجال بشكل عام ، و من بين الحاضرين :

 

صالح حننة ، ولد بوحبين ،المعلومة بنت الميداح ، السنية سيدي هيبة ، و يرهم من الناشطين في مختلف المجالات .

جوانب من ندوة الحركة الحقوقية في موريتانيا (مبدأ)

رئيس المركز محمد سيد أحمد فال الوداني (بوياتي)
المحاضر د محمد بدي أبنو رئيس الجلسة بلال ورزك المحاضر ابراهيم بلال على اليسار
الاعلامي و الناشط أحمد ولد الوديعة
المحاضر الشيخ سعد بوه كامرا و المحاضرة سعداني خيطور
دكتور الحسن اعمر بلول و الوزير ابوبكر أحمد و الوزير ولد ارزيزيم و السفيفرة منينة

هل التكنولوجيا المالية عالم جديد للقطاع المالي؟

كريستين لاجارد “مديرة البنك الدولي ”

من الهواتف الذكية إلى الحوسبة السحابية، تواصل التكنولوجيا إحداث تغييرات سريعة في كل جوانب المجتمع تقريبا، بما فيها الاتصالات والأعمال والحكومة. ولا يُستثنى العالم المالي من هذا التغيير.

ومن ثم فالعالم المالي يقف في منعطف حرج. صحيح أن انتشار العمل بالتكنولوجيات الجديدة مثل النظم القائمة على “سلاسل مجموعات البيانات” blockchain ينطوي على كثير من المزايا المحتملة، ولكنه ينشئ مخاطر جديدة في نفس الوقت، ومنها ما يهدد الاستقرار المالي. ويفرض هذا بدوره تحديات أمام أجهزة التنظيم المالي، وهو الموضوع الذي تناولته في القمة العالمية للحكومات لعام 2017 في دبي.

فعلى سبيل المثال، نحتاج إلى تحديد الوضع القانوني للعملة الافتراضية، أو الرمز الرقمي. ونحتاج إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بتحديد أفضل السبل لاستيفاء مبدأ “اعرف عميلك” في تحويلات العملة الافتراضية. وللتكنولوجيا المالية انعكاسات أيضا على الاقتصاد الكلي وينبغي أن نحسن فهمنا لها ونحن بصدد وضع السياسات التي تساعد أعضاء الصندوق على خوض غمار هذه البيئة سريعة التغير.

 

تزايد الاستثمارات

التكنولوجيا المالية، أو fintech كما تختصَر بالإنجليزية – مصطلح يشمل منتجات النظم المالية البديلة ومطوريها ومشغليها – تفرض تحديات أمام نماذج العمل التقليدية وتواصل نموها السريع. فطبقا لأحد التقديرات الأخيرة، زادت استثمارات التكنولوجيا المالية بمقدار أربعة أضعاف من 2010 إلى 2015 حتى أصبحت 19 مليار دولار سنويا.

وقد جاء ابتكار التكنولوجيا المالية في صور وأشكال متعددة من إقراض النظراء إلى التداول عالي التواتر إلى البيانات الضخمة وعلم الإنسان الآلي -الروبوت-، وقصص النجاح عديدة في هذا السياق. فهناك الصيرفة باستخدام الهاتف النقال في كينيا والصين التي أدخلت الملايين ممن كانوا دون حسابات مصرفية تحت مظلة النظام المالي الرئيس. وهناك تحويل العملات الافتراضية الذي أتاح للناس في البلدان النامية تحويل الأموال عبر الحدود بسرعة كبيرة وتكلفة منخفضة.

كل ذلك يدعو إلى التفكير بصورة أكثر ابتكارا. فكيف بالضبط ستؤدي هذه التكنولوجيات إلى تغيير العالم المالي؟ وهل ستحدث تحولا كاملا فيه؟ وهل ستختفي المصارف لتحل محلها النظم القائمة على سلاسل مجموعات البيانات التي تسهل المعاملات بين النظراء؟ وهل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تقليل الحاجة إلى المهنيين المدربين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تستطيع الآلات الذكية تقديم مشورة مالية أفضل للمستثمرين؟

الحقيقة هي أننا لا نعلم الإجابة حتى الآن. فهناك استثمارات كبيرة توجه إلى التكنولوجيا المالية، ولكن معظم تطبيقاتها في العالم الواقعي لا تزال في طور الاختبار.

 

التحديات التنظيمية

قد بدأ بالفعل ظهور تحديات تنظيمية. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام العملات المشفرة مثل عملة “بيتكوين” bitcoin الرقمية في إجراء تحويلات مجهولة المصدر عبر الحدود ما يزيد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وهناك خطر آخر – على المدى المتوسط – وهو الأثر المحتمل على الاستقرار المالي من جراء دخول أنواع جديدة من مقدمي الخدمات المالية إلى السوق.

والأسئلة كثيرة. فهل ينبغي أن نطبق نوعا من التنظيم على اللوغاريتمات التي تقوم عليها التكنولوجيات الجديدة؟ أم ينبغي لنا – على الأقل في الوقت الراهن – أن نضغط على زر الوقف المؤقت للعمل التنظيمي لكي نعطي التكنولوجيات الجديدة بعض الوقت حتى تتطور ونسمح لقوى الابتكار أن تسهم في تخفيض المخاطر وتعظيم المنافع؟

إن بعض البلدان يعتمد منهجا ابتكاريا بعيد النظر في المجال التنظيمي – عن طريق إنشاء “مختبرات التكنولوجيا المالية” fintech sandboxes، على غرار “المختبر التنظيمي” Regulatory Laboratory في أبو ظبي و”مختبر رقابة التكنولوجيا المالية”Fintech Supervisory Sandbox في هونج كونج.

وتهدف هذه المبادرات إلى تشجيع الابتكار عن طريق السماح بتطوير التكنولوجيات الجديدة واختبارها في بيئة خاضعة للرقابة الدقيقة. وهنا في الصندوق، نتابع من كثب تطورات التكنولوجيا المالية. وفي العام الماضي، نشرنا دراسة عن العملات الافتراضية، مع التركيز على انعكاساتها التنظيمية والمالية والنقدية. وقمنا منذ ذلك الحين بتوسيع نطاق تركيزنا ليشمل تطبيقات “سلاسل مجموعات البيانات” blockchain بشكل أعم. كذلك أنشأنا أخيرا المجموعة الاستشارية رفيعة المستوى لرواد التكنولوجيا المالية لمساعدتنا على فهم التطورات الجارية في هذا المجال.

كل هذا، في رأيي، ينشئ “عالما جديدا شجاعا” للقطاع المالي. ولعل هذا العالم يرسم في نظر البعض صورة مخيفة للمستقبل كما وصفه ألدوس هكسلي في روايته الشهيرة.

ولكن بوسعنا أن نتذكر أيضا كيف استحضر شكسبير صورة هذا العالم الجديد الشجاع في مسرحيته العاصفة، حين قال على لسان إحدى شخصياته: ” يا للروعة، كم من الصالحين في هذا العالم! ما أروع البشرية! ويا له من عالم جديد شجاع”.

د. علي الوردي .. طبيعة المدنية

 

كان المفكرون الطوبائيون، ولا يزالون، يمدحون التعاون والتآخي واتفاق الكلمة. وامتلأت مواعظهم بذلك امتلاءا عجيباً. وهم قد اجمعوا على هذا الرأي بحيث لم يشذ فيه منهم أحد إلا في النادر.

ونحن لا ننكر صحة هذا الرأي الذي يقولون به. فاتفاق الكلمة قوة للجماعة بلا ريب. ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر ما للاتفاق من اضرار بالمجتمع البشري في الوقت ذاته.

ان المجتمع البشري لا يستطيع ان يعيش بالاتفاق وحده. فلا بد ان يكون فيه شيء من التنازع أيضاً لكي يتحرك الى الامام.

والقدماء حين ركزوا انتباههم على الاتفاق وحده، انما نظروا الى الحقيقة من وجهة واحدة وأهملوا الوجه الآخر. فهم بعبارة أخرى: قد أدركوا نصف الحقيقة. اما النصف الاخر منها فبقى مكتوما لا يجرأ أحد على بحثه.

ان الاتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً. فاتحاد الافراد يخلق منهم قوة لا يستهان بها تجاه الجماعات الاخرى. وهو في عين الوقت يجعلهم عاجزين عن التطور أو التكيف للظروف المستجدة.

وقد أثبتت الابحاث الاجتماعية ان المجتمعات البدائية التي تؤمن بتقاليد الآباء والاجداد ايمانا قاطعا فلا تتحول عنها تبقى في ركود وهدوء ولا تستطيع ان تخطو الى الامام إلا قليلاً.

وقد نجد في هذه المجتمعات الراكدة تنازعا عنيفا، هذا ولكن تنازعها قائم على اساس شخصي لا يمس التقاليد بشيء. كلهم مجمعون على التمسك بها لا يخرجون عنها قيد أنملة. وكثرا ما يكون تنازعهم ناشئا عن تنافسهم في القيام بتلك التقاليد ومحاولة كل منهم ان يتفوق على أقرانه فيها.

ان التنازع الذي يؤدي الى الحركة والتطور يجب ان يقوم على أساس مبدأي لا شخصي. فالمجتمع المتحرك هو الذي يحتوي في داخله على جبهتين متضادتين على الاقل، حيث تدعو كل جبهة الى نوع من المبادىء مخالف لما تدعو اليه الجبهة الاخرى. وبهذا تنكسر”كعكة التقاليد” على حد تعبير بيجهوت. ويأخذ المجتمع اذ ذاك بالتحرك الى الامام.

اذا رأيت تنازعا بين جبهتين متضادتين في مجتمع، فاعلم ان هاتين الجبهتين له بمثابة القدمين اللتين يمشي بهما.

ومن الجدير بالذكر ان الحركة الاجتماعية لا تخلو من مساوىء رغم محاسنها الظاهرة. فليس هنالك في الكون شيء خير كله أو شر كله. فالحركة الاجتماعية تساعد الانسان على التكيف من غير شك. ولكنها في عين الوقت تكلف المجتمع ثمنا باهضا. اذ هي مجازفة وتقدم نحو المجهول. انها تؤدي الى القلق والتدافع والاسراف في أمور كثيرة. والانسان الذي يعيش في مجتمع متحرك لا يستطيع ان يحصل على الطمأنينة وراحة البال التي يحصل عليها الانسان في المجتمع الراكد. انه يجابه في كل يوم مشكلة. ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلة أخرى. وهو في دأب متواصل لا يستريح إلا عند الموت. ولا يدري ماذا يجابه بعد الموت من عذاب الجحيم!

إن النفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التطور الصاحب.

ابتلى الانسان بهذه المشكلة ذات الحدين. فامامه طريقان متعاكسان، وهو لابد أن يسير في أحدهما: طريق الطمأنينة والركود، أو طريق القلق والتطور.

ومن المستحيل عليه ان يسير في الطريقين في آن واحد.

يخيل الى بعض المغفلين من المفكرين ان المجتمع البشري قادر على ان يكون مطمئنا مؤمنا متمسكا بالتقاليد القديمة من جهة وان يكون متطورا يسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الاخرى. وهذا خيال غريب لا ينبعث إلا في أذهان اصحاب البرج العاجي الذين يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه.

يقول توينبي، المؤرخ المعروف، ان الصفة الرئيسة التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الابداع. فالحياة يسودها التقليد بينما الابداع يسود حياة المدنية.

من الممكن القول بأن المدنية والقلق صنوان لا يفترقان. فالبشر كانوا قبل ظهور المدنية في نعيم مقيم. لا يقلقون ولا يسألون: “لماذا؟”. كل شيء جاهز بين أيديهم قد أعده لهم الآباء والاجداد، فهم يسيرون عليه ولسان حالهم يقول: “انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون”.

ان الاساس الذي تقوم عليه المدنية _كما يقول توينبي _ هو الكدح والشقاء والمعاناة. فالمناطق التي يسهل فيها اكتساب القوت، أو يلتقط فيه التقاطا، لا تستطيع ان تنتج مدنية، اذ هي تعود الانسان على الكسل والتسليم بالقدرة والتلذذ بالاحلام.

ويأتينا توينبي بفلسفة ساخرة في هذا الصدد حيث يقول: ان الحكاية التي تذكرها التوراة حول اغراء الشيطان لآدم واخراجه من الجنة، هي في الواقع اقصوصة رمزية تشير الى ظهور المدنية وخروج الانسان من طور الحياة البدائية الى طور المدنية.

يعتقد الشهرستاني ان الانسان يجب عليه ان يخضع للاوامر الربانية التي يأتي بها الانبياء والاولياء خضوعا تاما، فلا يسأل عن العلة فيها ولا يشك في حكمتها، فالجنة التي سكنها آدم من قبل، ولا تزال تسكنها الملائكة اليوم، هي موئل الطمأنينة واليقين، حيث يعيش أهلوها فيها “طاهرين سامعين مطيعين”.

وابليس يسأل ربه قائلا: “أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟. والغريب ان الملائكة سألوا ربهم مثل هذا السؤال فأجابهم الله قائلا: (إني أعلم ما لا تعلمون) فسكتوا.

وجاء في الاحاديث القدسية ان الله قال: “انا الله لا آله إلا انا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقت له الشر وأجريت الشر على يديه”.

يبدو من هذا ان الله “جل شأنه” قد تعمد خلق الشر وأجراه على أيدي الناس لسبب يعلمه هو. ولعله لم يشأ ان يعلم الملائكة اياه لئلا يفسدهم به.

خلق الله آدم ثم سلط عليه ابليس قصدا وعمدا. فجعل الخير والشر متصارعين الى يوم يبعثون. فما هو السر في هذه المفارقة المقلقة؟.

حاول بعض متصوفة الاسلام ان يجيبوا على هذا السؤال فقالوا ما معناه: ان الشيء لا يمكن معرفته إلا بواسطة نقيضه، فالنور لا يدرك إلا بالظلام، والصحة لا تعرف إلا بالمرض، والوجود لا يعرف إلا بالعدم، وان امتزاج هذه النقائض هو الذي انتج في رأي المتصوفة هذا الكون… وعلى هذا فان الانسان لا يستطيع ان يدرك الله الذي هو الحق إلا اذا عورض بالباطل.

ومشكلة الشر تفسر عند المتصوفة على هذا الاساس. فالشر في نظرهم ضروري لوجود الخير. والانسان لا يدرك الخير إلا اذا كان الشر مقابلا له، كما انه لا يفهم النور إلا اذا كان وراءه ظلام.

وقد ذهب ابن خلدون الى ما يقارب هذا الرأي الصوفي في مسألة الشر. فهو يقول: “قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير من أجل المواد فلا يفوت الخير بذلك على ما ينطوي عليه من الشر اليسير وهذا معنى وقوع الظلم في الخليقة فتفهم… “.

والواقع ان هذا الرأي “الصوفي _ الخلدوني” يشبه الى حد بعيد نظرية هيگل المعروفة. ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان المتصوفة في الاسلام سبقوا هيگل في هذا بعدة قرون.

ومن المؤسف ان نرى المفكرين الطوبائيين لم يعنوا بهذا الرأي ولم يلتفتوا اليه. فهم قد حاروا في مشكلة الشر في العالم وتجادلوا حولها طويلا ولكنهم لم يصلوا فيها الى نتيجة مرضية. ومعظم حلولهم التي جاءوا بها لا تخلوا من تعسف أو رقاعة.

وعلة عجزهم في تفهم هذه المشكلة أو في حلها، هي انهم يجرون في تفكيرهم حسب منطق ارسطو طاليس القديم. وهذا المنطق يؤمن بقانون “عدم التناقض”. فالشيء عندهم هو هو. أي انه قائم بذاته ومنفصل عن غيره.

وبواسطة هذا التناقض والتفاعل بين الاشياء يتطور الكون وينمو، ويظهر منه كل يوم شيء جديد.

عيب الطوبائيين انهم لا يؤمنون بالحركة والتطور. فالحركة في نظرهم أمر طارىء، والسكون هو الاصل في الكون. ولهذا فهم لا يستطيعون أن يفهموا سر الكون أو سر الحياة أو سر المدنية. ويظلون يتجادلون بلا جدوى!

يعتقد السذج من المفكرين بان من الممكن تجزئة المدنية. أي انهم يظنون بانهم قادرون على تنقية المدنية من شقائها وقلقها مع الاحتفاظ بابداعها وتجديدها. وهذا رأي لا يستسيغه المنطق الحديث. فالمدنية كل لا يتجزأ. فان هي جاءت الى مجتمع جلبت معها محاسنها ومساوئها معا. ان من المستحيل الفصل بين حسنات المدنية وسيئاتها. والانسان مضطر حين يدخل باب المدنية ان يترك وراءه تلك الطمأنينة النفسية التي كانت تكتنفه في أيام مضت.

والفكر البشري حين يتحرر ويخرج على التقاليد لا يستطيع ان يحتفظ بطابع اليقين على أية صورة. انه حين يشك في أمر واحد من أمور حياته لا يستطيع ان يقف في شكه عند هذا الحد. فالشك كالمرض المعدي لا يكاد يبدأ في ناحية حتى يعم جميع النواحي. والانسان اذ يكسر تقليد واحدا لابد أن يأتيه يوم يكسر فيه جميع التقاليد. وهو بذلك قد استفاد من جهة وتضرر من جهات أخرى.

ومن هنا جاء قول القائل: “من تمنطق فقد تزندق”.

تتعرض التوراة الى شرح السبب الذي أدى الى طرد أبينا آدم من الجنة فتقول: ان آدم عاش في الجنة، هو وزوجته الحسناء، منعما سعيدا، لا يقلق باله غم ولا يعتوره شقاء، حتى جاء اللعين ابليس الى زوجته يغريها بأكل الشجرة المحرمة. وتصف التوراة هذه الشجرة بأنها “شجرة معرفة الخير والشر”.

حار رجال الدين في تعيين نوع هذه الشجرة المنحوسة التي طرح آدم بسببها من الجنة. فمنهم من قال: انها شجرة التفاح. ومنهم من قال: انها القمح. ومنهم من قال غير ذلك. والذي نلاحظه انها لم تكن تفاحا ولا قمحا، ولا بطيخا! انها بالاحرى شجرة رمزية تدعو آكلها الى الشك والتساؤل وتحرضه على البحث في مسالة الخير والشر والتمييز بينهما. وبعبارة أخرى: انها تشير الى مفهوم العصيان والتحلل والجرأة على الحرام. فلقد أمر الله آدم ان لا يقرب من الشجرة، كما يقول القرآن، ولكن آدم عصى أمر ربه فأكل منها. والمشكلة اذن تنحصر في عصيان الامر الرباني لا غير.

لقد جاءت المدنية للانسان بخير عظيم ولكنها جاءت له أيضا بشر أعظم منه، فهي قد أطلقت الفكر من حبسه فأخذ يجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء وهي مع ذلك قد سارت بالفكر في طريق القلق والالتياث والعصيان. انها قد أطعمت البشر من شجرة معرفة الخير والشر، على حد تعبير التوراة. وهي بذلك قد أذاقتهم من ويلات الخير والشر قسطا كبيرا.

لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا أيضا لا يقلقون، وقد يصح ان نقول: أن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان.

قال ابو الطيب المتنبي في احدى قصائده الخالدة:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة بالشقـاوة ينعم

ان “البلاهة” العامة تجلب للناس الطمأنينة والسعادة _كما قلنا. وقالوا قديما: “السعيد هو الذي لا يملك لنفسه قميصا” وهم يقصدون بذلك: ان السعيد هو الذي لا يملك قميصا ولا يريد ان يكون له قميصا.

اما ذلك الذي يريد القميص ولا يملكه فهو بؤرة الشقاء بلا شك، ومن هنا جاءت مشكلة المدنية الكبرى. فالمدنية معناها التكالب والتزاحم واستغلال الناس بعضهم لبعض. فظهر من بين الناس اذن طبقة مترفة تملك عدة قمصان: بينما يبقى كثير من الناس لا قمصان لهم. والناس قلقون عند ذاك اذا جاعوا واذا شبعوا. قيل: ان المتمدن اذا جاع سرق واذا شبع فسق. وهو في كلتا الحالتين شقي لا يقف شقاؤه عند حد. انه يركض وراء هدف، فاذا وصل اليه نسيه وابتكر له هدفا آخر يركض وراءه. فهو يركض ويركض الى غير نهاية _كمن يركض وراء سراب. انه يجدد ويبدع في كل يوم ولكن الجديد يصبح عنده قديما في اليوم التالي.

اما البدائيون الذين يعيشون على الفطرة فهم اذا شبعوا حمدوا ربهم واذا جاعوا حمدوا ربهم كذلك. ومزيتهم انهم يشبعون جميعا ويجوعون جميعا. فليس بينهم متخوم ومحروم فالتنافس ممنوع عندهم إلا فيما يجلب منفعة للجميع. اما التكالب الفردي فهم يعدونه عيبا لا يجوز لانسان ان يتصف به.

الهويات الصلبة والهويات المتنقلة

د. السييد اباه

في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان «الطريق إلى مكان محدد»، يُبين المفكر البريطاني «دفيد غودهارت» أن الموجة الشعبوية العارمة التي تعرفها حالياً المجتمعات الغربية (من أبرز مؤشراتها البريكسيت ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية) هي تعبير عن تحول سياسي نوعي تشهده الديمقراطيات الغربية التي انتقلت من قسمة اليمين واليسار إلى قسمة جديدة تتصل بالهوية.

 

القسمة الجديدة هي بين «من لا ينتمون إلى أي مكان» anywhere ومن «ينتمون إلى مكان ما» somewhere. الفئة الأولى تتشكل من الأفراد الذين استفادوا من حركيّة العولمة الاقتصادية ومن الثورة التقنية الجديدة، فلم يعودوا يتشبثون بانتماءات عضوية جذرية، هوياتهم متحركة وأوطانهم متنقلة يشعرون بأن العالم كله وطنهم، أما الفئة الثانية فتتكون من أفراد متجذرين في أرضيات ثابتة وانتماءات موروثة يَرَوْن في العولمة وما يرتبط بها من الهجرات الجديدة تهديداً لأصالتهم وهويتهم وليس ظواهر طبيعية تاريخية.

 

 

 

 

وبالنسبة لغودهارد، يتعلق الأمر باستقطاب ثقافي في جوهره في ما وراء تلوناته السياسية: أولئك الذين لا انتماء لهم يتبنون قيم التميز الفردي والتعبير عن الذات والتفوق والنجاح، في حين يتبنى المنتمون القيم الأمنية والعائلية واحترام المعايير الجماعية والمشتركة.

المجموعة الأولى لم تعد تؤمن بالدولة القومية بل ترى فيها عائقاً أمام التطور والنمو ولذا يتطلع أفرادها إلى شراكات متعددة الجنسيات وإلى بناءات إقليمية أوسع من هذه الدولة (مثل الاتحاد الأوروبي)، أما المجموعة الثانية فلا تزال ترى في الدولة القومية التعبير الضروري عن الهوية الوطنية والحاضن الأوحد لمعايير ووشائج التضامن الاجتماعي والديمقراطية التشاركية.

 

وإذا كان من الجلي أن أحزاب اليمين المتطرف قد استفادت من هذا الصراع في السنوات الأخيرة، إلا أن الظاهرة في حقيقتها تتجاوز هذا الاصطفاف الأيديولوجي، فثمة شعبوية يسارية لا تختلف من حيث القاعدة الانتخابية عن تنظيمات أقصى اليمين، كما هو واضح من ديناميكية «حركة بوديموس» في إسبانيا و«حركة فرنسا الأبية» في فرنسا و«سيرزيا» في اليونان.

 

وإذا كانت هذه التنظيمات والأحزاب لم تتحول بعد إلى قوى سياسية راسخة، فإنها أصبحت من محددات المشهد السياسي وقد قلبت جذرياً ثوابته التقليدية من خلال «الانتفاضات الانتخابية» (حسب عبارة وزير خارجية فرنسا السابق هوبرت فيدرين) التي عرفتها عدد من كبريات الديمقراطيات الغربية في الفترة الأخيرة.

 

وعلى الرغم من الاختلاف الواسع بين السياق الغربي وسياقنا العربي الإسلامي من حيث رصيد التجربة السياسية وطبيعتها، فإن ثنائية غودهارت قابلة لأن تفسر جانباً أساسياً من جوانب التحول السياسي التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة، مع إضافة تحويرات جزئية على هذه الأطروحة.

 

ما نلاحظه في السياق العربي هو الانفصام بين النخب المتعلمة المندمجة التي استفادت من مسار التنمية الانتقائي المحدود الذي عرفته البلدان ذات الثقل الديمغرافي عن طريق سياسات الانفتاح الاقتصادي والشراكة الدولية والخصخصة الواسعة، والقطاعات العريضة التي لم تتمكن من الاستفادة من هذه الحركية بل دفعت قاسياً ثمن عجز السلطات العمومية وإخفاقها في تحمل الوظائف الرعوية والإدماجية التي قامت عليها شرعية الدولة الحديثة التي سعت إلى قيادة عملية التنمية والتحديث وحاولت إعادة قولبة المجتمع والهيمنة عليه.

 

الفئة الأولى تنزع إلى استقرار الدولة وقوتها وتتبنى قيم الانفتاح والشراكة الخارجية، والفئة الثانية هي التي انساق جناح عريض منها للتنظيمات الراديكالية الدينية والقبلية والإثنية، بحثاً عن دوائر انتماء بديلة عن الدولة، وهنا الفرق الجوهري بين المجموعات المنتمية في الغرب المتشبثة بالدولة الوطنية والجماعات «المنتمية» في منطقتنا التي تعادي هذه الدولة وتحاربها.

 

الدولة في السياق العربي هي مقوم الاستقرار والتنمية وأداة الانفتاح على العالم، وإن كانت ضعيفة الهوية وهشة الانتماء نتيجة لاصطدامها الضروري بالهويات المجتمعية الصلبة، في حين أن الهويات العضوية التي تستقطبها التيارات الراديكالية، وإن كانت مثمرة انتخابياً إلا أنها عقيمة ومهددة للكيان السياسي الجماعي.

 

لقب قال لي مرة المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري: لقد أخطأ اليسار المغربي والعربي إجمالا في سنوات الاستقلال الأولى عندما توهم أن الصراع الاجتماعي المطروح هو مواجهة الدولة بصفتها الوعاء المؤسسي للهيمنة الطبقية، بينما تبين أن الدولة هي الحليف الموضوعي للقوى التقدمية، وليس المطلوب سوى إصلاحها وتحويلها إلى دولة وطنية حقيقية.

لا تحتاج الصحراء إلى عذابات إضافية

د. محمد بدي ابنو

“نجلس على كثيب رملي ما. لا نرى شيئا. ولا نسمع شيئا. ولكن رغم ذلك هنالك شيء ما يسطع في صمت.” أنتوان دسينتأكسبيري

ـ1ـ

يتندر الأجانب المتابعون للشأن الموريتاني عادة وهم يبالغون قليلا بأنه محكوم بأفقين: أفق الانقلاب الماضي وأفق الانقلاب القادم. وأكثر ما يهم الناس عادة في أي حاكم جديد هو أنه استطاع أن يزيح الانقلابي السابق قبل أن يزيحه الانقلابي اللاحق.

في إحدى النكت الافريقية التقليدية نصف المفبركة أنه أُعـلـِن عن نجاح انقلاب في بلد ما. فتجمهر مواطنوه بحماس انتظارا لظهور الانقلابي الجديد. الأخير كان يتدرّب على الخطاب الذي حُضّر له : برنامجه السياسي والاقتصادي إلخ. أراد أن يفاجئ مواطنيه ببرنامج من النوع الثقيل يسمح له بسجنهم ساعات أمام المنصة. عندما صعد على الأخيرة بدأ كلامه بالتعبير عن “شعوره” : أنا سعيد. فتركوه وهم يهتفون ويصفقون دون انتظار كلمة أخرى : يحيى سعيد، يحيى سعيد… وبقي السعيد يتهجى خطابه لوحده أو مع حراسه. المهم في سعيد الوقت هو اسمه لأنه يسمح بالتصفيق له كبطل أبدي ثمّ كمخلوع أزلي.

ـ2ـ

أما مواطنو موريتانيا (الاسم الروماني الذي نجح المغامرُ الكورسيكي ‘كزافيي كوبولاني’ أن يغطّـي به على أسماء كثيرة “متغيرة” عُرفتْ بها صحراء السيبة) فيضيفون إلى “أحاديث” الانقلابات تندّرهم على التعديلات الوزارية. يقال بسخرية إن الأوساط الإدارية و”السياسية” بشكل خاص لا تملّ من الحديث عن تعديل وزاري جديد. “مخيب” قد أُعلن عنه للتو أو “حاسم” سيعلن عنه بعد أيام. في السنوات الأخيرة انضافت الحوارات السياسية إلى التعديلات والانقلابات. أصبح في كل فترة هنالك حوار “كأسلوب حضاري” سينهي “الأزمة السياسية”. هكذا دفعة واحدة. وطبعا هنالك قبله وبعده حوارات أخرى – حضارية طبعا – لحل الأزمات التي تعترضه أو تلك التي تنشأ عنه. ثمّ حوارات حضارية إضافية حول هذه الأخيرة إلخ.

لاحظ مرة أحدُ الكتاب أن نواكشوط، فضلا عن اسمها ومشتقاته، تعاني من العواصف الرملية ومن عواصف أشدّ من الوزراء والوزيرات (ولعلّه يضيف لهم اليوم المحاورين والمحاورات)، من الجدد أو من “المجدّد لهم”. وإن هذه العواصف الوزارية لها تأثيرات هائلة ملموسة كالتفكّك العائلي والاختناق المروري والبطالة وتغول الجفاف وهجرة الشباب وتعبئة الانتماءات التقليدية. وتضمّ أشياء أخرى كالتطرف الديني والتطرف اللاديني وتقلّب أسعار العملات الأجنبية وزحف الرمال والاحتباس الحراري… والقائمة طويلة.

ـ3ـ

سواء وصلتْ صخرة سيزيف إلى أعلى الجبل أم لم تصل وأيا يكن “الحوار الحضاري” الجديد فليس من مصلحة أحد، أيا يكن تموقعه في السلطة أو في المعارضة أو خارجهما أن يتمّ المساس بالموادّ المحصنة في الدستور. حتى لو اتّفقت كل مكونات “الطبقة السياسية” على تعديل هذه الموادّ فإنّ ذلك لن يزيد المخاطر إلا حدّة. فخريطة ردود فعل الأغلبية الصامتة قد تغيرّتْ معالمها كثيرا. مبدئيا ومصلحيا يَلزم أن تبقى تلك الموادّ كلّيا خارج “البلابر”. ذلك ما تقتضيه المسؤولية حتى في حدّها الأدنى. ما حدث في عدد من الدول القريبة التي كانت تتمتع بسلم إجتماعي أقوى يكفي لإدراك مستوى الجنون الذي سيعنيه أي تعديل مباشر أو غير مباشر للمواد الدستورية المحصّنة.

ـ4ـ

في القافلة التي يرسم بجدارة أحمد ولدعبد القادر في بداية روايته الشهيرة “الأسماء المتغيرة” (دار الباحث، 1981) تتحدّد أشياء كثيرة لا أملّ من استحضارها. فيها يتوقف شريط أحلام “سلاك” الطفل الذي حمَلَ اسمه الثاني للتو كأول جرعة من عذابات تجارة الرقيق في أواخر القرن التاسع عشر. من اسم إلى آخر ومن عبودية إلى أخرى سيعرف بطل “الأسماء المتغيرة” كل أنواع مصاصي الدماء في الصحراء، من أبناء البلد ومن الأجانب. سيعرف قسوة الإنسان على الإنسان في محتواها المحض، قسوة ” الحجابين والجنود الفرنسيين”. تتابعَ التحول حتى أصبح اسمُه (في آخر الرواية) بابا الحكيم. وزفر وهو على فراش الموت بعد أن بلغ التسعين “يا إلهي لشدّ ما تعذّب أبناء الأرض. نعم تعذبتُ فوق طاقة تحملي”. في عقده الأخير، في أواخر الستينات وبداية السبعينات، حين انخرط بابا الحكيم في الحركة النضالية، ليمنح عطفه لقادة الحركات الشبابية، فضّل طبيعيا أن يناقش معهم الفرْق بين الحرية الفردية والحرية الاجتماعية.

اليوم تبدو الأسماء وكأنها ما تزال مولعة بالتغير. ويبدو بابا الحكيم وقد اضطر للخروج من قبره الثالث مرات، عكسا لما اعتقد، ليتساءل مرة أخرى “يا إلهي هل سينجح أبنائي في القضاء على العذاب؟”. تحتاج الصحراء إلى تغير يتجاوز الأسماء ولكنها لا تحتاج إلى عذابات إضافية.

بريطانيا وأوروبا: تاريخ الجغرافيا وجغرافيا التاريخ (1)

د. محمد بدي ابنو

 

ربّما يكون شكسبير قدْ اختصرَ تعقيدَ العلاقات الانجليزية الأوربية ـ أو بعبارة أدقّ الانجليزية الفرنسية ـ في مشهدٍ مقتضبٍ ساخرٍ من مسرحتيه “هانري الخامس″. يُقدّم المشهدُ الأميرةَ كاثرين فرنسا ابنةَ الملك الفرنسي شارل السادس ـ وزوجة هانري الخامس ملك أنجلترا ـ وهي تحاول بعد زواجها من الأخير أن تتعلّم من “وصيفة شرفها” عدّة كلمات من الانجليزية. ثم تشعرُ فجأة بالصدمة وهي تسمع بعضَها : “أصوات سيئة، فاسدة، فظّة ووقحة، ولا يليق أن تستخدمها وصيفات الشرف. لا يمكن أن أنطقَ هذه الكلمات أمام سادة فرنسا”.

ـ2ـ

 

لنتذكّر أن مسرحية شكسبير تتخذُ خلفيتَها التاريخية الحدَثِية من حياة الملك هانري الخامس، وبشكل خاصّ من معركة أزينكور التي انتصرتْ فيها بريطانيا على فرنسا. وأزينكور كما هو معروف هي إحدى مدن الشمال الفرنسي التي شهدتْ سنة 1415 واحدةً من تلك السلسلة الطويلة من المعارك التي يُطلِـقُ عليها المؤرخون اسمَ حرب المائة عام والتي يعتبرونها البؤرة المركزية التي انطلقتْ منها الأسطورتان المؤستتان لفرنسا وانجلترا في الفترة الحديثة. لنتذكّر ثانيا أن الأميرة كاثرين تُجسّد على أكثر من صَعيد الارتباطَ والصراعَ الشديدين الذين ميزا تزامنيا العلاقات المُركبة التي ربطتْ العائلتين المالكتين. فزواجها مثلا من ملك انجلترا هانري الخامس تمَّ بعد هزيمة الفرنسيين في هذه المعركة ووفْق معاهدة “تروا” الاستسلامية”. وستنجب منْه ابناً يصبح بدوره هانري السادس ملك  انجلترا وفرنسا. ورغم اضطرارِ انجلترا للانسحاب من فرنسا في نهاية حرب المائة عام فإنَّ ملوكَها سيحتفظون بتسمية ملك فرنسا خلال أربعة قرون، ولم تختف التسمية  إلا سنة 1802 مع معاهدة “آميان” في أوج المدّ النابليوني.

 

 

 

ـ3ـ

 

ما الذي حصلَ خِلال هذه القرون الأربعة التي ظلَّ خلالها حاملُ التاج البريطاني يَحملُ أيضاً لقبَ ملك فرنسا؟ تُذكِّرُ دراسةٌ نشرها سنةَ 2010 معهدُ الدبلوماسية الثقافية في برلين، عن العلاقات الصعبة بين أوربا وبريطانيا، بأنَّ الأخيرة كونتْ نظرتها الذاتية باعتبارها حصلتْ، بالمقارنة مع الإمبراطوريات الأوربية المنافسة، على أكبر “مساحة” من العالم. وبأنها أصبحتْ تَنظرُ إلى نفسِها باعتبارها أكبرَ إمبراطوريةٍ في التاريخ. لنتسْتحضر هنا أنَّ تلك القرون الأربعة عرفتْ إنشاء بريطانيا لمستعمراتٍ شاسعة في أجزاء واسعة من قارات العالم القديم ومحيطاته كما عرفتْ هيمنة التاج البريطاني على أغلب بقاع العالم الجديد. فطردَتْ بريطانيا على سبيل المثال فرنسا من معظم ما سمي بفرنسا الجديدة (معاهدة باريس  لسنة 1763التي أنهت حرب السنوات السبع لصالح بريطانيا وإسبانيا)، أي أغلب ما سيعرف بكندا والولايات المتحدة الخ.

ـ4ـ

 

ككلّ الامبراطوريات الأوربية الأخرى، فقد مثّلتْ خسارةُ بريطانيا في القرن العشرين لأغلب مستعمراتها في العالم جرحَها النرجسي النازف بعنف. وككلّ الإمبراطوريات الأوربية الأخرى فقد حاولتْ بريطانيا بعْدَ مآسيها في الحربين العالميتين أنْ ترى مؤقتاً في الفضاء الأوربي ما قدْ يسمح لها بالحدّ من خسائرها. وهو ما عبّرَ عنْه مثلا ونستون تشرتشل في خطابٍ ألقاه سنة 1946 في جامعة زوريق. تحدّثَ حرْفياً عن ضرورة تأسيس “نوعٍ من الولايات المتحدة الأوروبية”. واستخدمَ عباراتٍ شبيهة بتلك التي استخدمها الكاتبُ الفرنسي فيكتور هغو قَـرْناً قبلَ ذلك في خطابٍ غنائي مشهورٍ. بالنسبىة لمؤلف “البؤساء” فكما تجاوزتْ الدولُ القومية الصراعاتِ الجهوية داخلَها فستسمحُ الولايات المتحدة الأوربية ـ إنْ شُيدتْ ـ بتجاوز الحروب الوطنية القومية. بنبرةٍ حماسيةٍ مماثلة تحدَّثَ خطابُ جامعة زوريق أيضاً عن أوربا من منظور سياسي. ولكنَّ تشرتشل الذي سيصبحُ أوّلَ مواطنٍ شرفي للولايات المتحدة الأمريكية (سنة 1963) عارض ـ باسم المحافظين، ولحزب العمال حينها أيضا نفس الموقف ـ انضمامَ بريطانيا إلى منظمة الحديد والصلب (1951) التي ستشكلُ نواة المجموعة الاقتصادية الأوربية (معاهدة روما لسنة 1957)، أي نواة ما سيعرفُ عقوداً بعد ذلك بالاتحاد الأوربي. من الناحية السياسية ظلّتْ بريطانيا بعد الحرب الثانية تنظرُ بحذر إلى أوربا القارية. فهي تَعتبِرُ نفسَها الدولة الوحيدة في أوربا الغربية التي استطاعتْ مقاومة هتلير. وتبيِّنُ دراساتٌ عديدة أن تحالف الدول المؤسِّسة لما سيصبحُ الاتحادَ الأوربي لم يكنْ يعْني في نظر جزءٍ من النخب البريطانية النافذة إلا تحالفاً للمهزومين.

 

ـ5ـ

 

كيف تحمستْ إذاً بريطانيا في أو اخر الستينات للدخول في المجموعة الاقتصادية الأوربية؟ وكيف أصبحتْ عضواً  فيها سنة 1973؟ أي كيف قبلتْ ، وفقَ تفسيرات معينة، بدخول الرأسمالية الجزيرية في صدامٍ  مع الرأسمالية القارية (مثلا دراسة رشارد هيمان، بريطانيا والنموذج الاجتماعي الأوربي: الرأسمالية في مواجهة الرأسمالية، معهد دراسات الشغل، بريتن، 2008)؟ لنعد إلى ذلك في حديث قادم.

 

لنلاحظ قبلُ وبشكل أعمّ أنه على الصعيد التاريخي تمثلُ ظاهرة هيمنة أوربا الغربية على العالم بعد اكتشاف الأمريكيتيْن ظاهرة لا فتة وربما غير مسبوقة في التاريخ، على الأقلّ في مستوياتٍ معينة. ولكن تمدّدها غيرَ موحدةٍ وإنّما مفكّكةً في شكلِ إمبراطوريات متنافسة ومتصارعة مثَّلَ ربّما عنصرَ “قوتها” الأكثر حساسية. فقدْ تكونُ المنافسات البينية قدْ جسّدتْ جزْئياً البابَ الذي دخلتْ منه أوربا الغربية مَا يُمكنُ أن نسميه بتاريخ الجغرافيا خلال توسّع امبراطورياتها خارج أوربا. ولكنَّ تلكَ الصراعات البينية، مثلاً مع الحرْبين الكونيتين وما بعدها، قدْ جسّدتْ، ولعلّها ما تزال تجـسّدُ، النافذةَ التي يمكن أن تخرجَ  عبرَها أوربا ممّا يجوز أن نُطلقَ عليه جغرافيا التاريخ.

 

*  مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل

أبعاد خطاب اترامب أمام القمة الإسلامية الأمريكية/ الحاج ولد أحمدو

ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا في القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها الرياض في   21 مايو الماضي بحضور العاهل السعودي ، الملك سلمان بن عبد العزيز وأكثر من 50 من قادة الدول الإسلامية ، شدد فيه على أهمية الاتحاد في وجه التصدي للإرهاب والتطرف.

ولقد دأبت السياسة الخارجية  للولايات المتحدة الأمريكية وخاصة إبان حكم الجمهوريين على التركيز على البعد الديني للتعاطي مع مجمل القضايا في العالمين العربي والإسلامي.

وكانت المواقف الأمريكية في الغالب الأعم من الدول العربية والإسلامية تدور بين احتمالين إما أن تكون مواقف عدائية  خاصة إذا تعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي أو الحرب على الإرهاب أو تكتسي طابعا تحالفيا كما هو الشأن مع الدول الدائرة في فلك السياسة الأمريكية.

ولقد ظل البعد الاقتصادي عاملا مهما وحاضرا ومؤثرا في الاحتمالين سالفي الذكر سواء من خلال المقاطعة والحصار أو توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وتقديم المساعدات لهذه الدولة أو لتلك تبعا لطبيعة العلاقة.

وانطلاقا مما سبق يمكن أن نفهم دون كبير عناء دواعي الزيارة الأولى خارجيا للرئيس الأمريكي ” دونالد اترامب ” إلى المملكة العربية السعودية لعقد قمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل عن الحاضر الغائب في خطاب الرئيس الأمريكي في القمة الأمريكية الإسلامية وسنركز على خمسة محاور نرى أنها استأثرت بالخطاب دون غيرها أو غابت عنه وهي:

أولا: البعد الديني:

فقد كان الخطاب ألذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد اترامب خطابا دينيا بامتياز من وجهة نظرنا  فقد استهله بدواعي اختيار المكان وأنه اختار قلب العالم الإسلامي الأمة التي تخدم أقدس موقعين في دين الإسلام ،ليوجه منها خطابه وانتهى بتحية الحضور بحماكم الله وبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية وفي ثنايا الخطاب رأى أن مشروعه الذي سيشارك فيه العالم الإسلامي سيحقق لأطفال مستقبلا متفائلا يحترم الله وإن القضاء على الإرهاب ليس خوفا من محاسبة الشعوب أو التاريخ بل خوفا من محاسبة الله ، وأن الازدهار سيجعل كل مؤمن يمارس عبادته دون خوف مستنكرا إقدام الإرهابيين على قتل الأبرياء باستخدام اسم الله على نحو كاذب، معتبرا أن ذلك يمثل إهانة لكل شخص مؤمن فالإرهابيون لا يعبدون الله، إنهم يعبدون الموت حسب تعبيره.

ثانيا:البعد الجغرافي:

فقد حدد الرئيس الأمريكي من خلال الخطاب بشكل متعمد ربما الجغرافيا السياسية المستهدفة بمشروعه السياسي سواء بقناة السويس والبحر الأحمر ومضيق هرمز أو بذكر الخليج والمشرق العربيين  وتركيا وإيران والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل تحت مسمى “الشرق الأوسط”.

وتجلى ذلك أكثر وفي سياقات متفرقة من الخطاب سواء بذكر دول المنطقة كالسعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين واليمن والعراق وسوريا والأردن ولبنان وتركيا وإيران وإسرائيل أو طوائفها وتنظيماتها وأسماء بعض قادتها كالسنة والشيعة والأكراد و الحوثيين واليهود وحماس وحزب الله والقاعدة و  محمود عباس والأسد ونيتنياهو .

ثالثا:الإرهاب:

كانت عبارات الإرهاب ومعاني التطرف حاضرة بقوة في خطاب “اترامب” لكن الجديد ربما يكون عدم ربط الإرهاب بالدين الإسلامي في خطاب “اترامب ” بل كان المستهدف الإرهاب السياسي إذ تنصل الرئيس الأمريكي ـ وهذا أمر جيد ـ من خطابه المتطرف اتجاه الإسلام والمسلمين أثناء حملته الانتخابية ليقسم العالم إلى قوى خير وقوى شر،  فلم يأتي مصطلح الإرهاب في الخطاب مقرونا بالإسلام إلا مرة واحدة فقط بعبارة  “أزمة التطرف الإسلامي والجماعات الإسلامية الإرهابية “.

وقد أكد الرئيس الأمريكي بكل  وضوح أن إيـران هي مصدر الإرهاب و وضع “حماس” في سلة الإرهاب جنبا إلى جنب مع حزب الله والقاعدة وداعش  .

وفي نفس السياق قال اترامب سنصنع التاريخ مرة أخرى بافتتاح مركز عالمي جديد بمسمى “مركز استهداف تمويل الإرهاب” الذي تشترك في رئاسته الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لمكافحة الأيديولوجية المتطرفة وسيكون المركز موجودا هنا، في هذا الجزء المحوري من العالم الإسلامي.

وهذا يعني مواجهة أزمة التطرف الإسلامي والجماعات الإسلامية الإرهابية وهذا يعني الوقوف معا ضد قتل الأبرياء المسلمين، وقمع النساء، واضطهاد اليهود، وذبح المسيحيين.

وأضاف ” لقرون عديدة كان الشرق الأوسط موطناً للمسيحيين والمسلمين واليهود الذين يعيشون معا ويجب أن نمارس التسامح والاحترام المتبادل مرة أخرى، وأن نجعل هذه المنطقة مكانا يمكن فيه لكل رجل وامرأة، بصرف النظر عن إيمانهم أو عرقهم، أن يتمتعوا بحياة كريمة يملأها الأمل”.

” وبهذه الروح سأسافر إلى القدس وبيت لحم، ثم إلى الفاتيكان، حيث سأزور العديد من أقدس الأماكن في الأديان الإبراهيمية الثلاثة. وإذا أمكن لهذه الديانات الثلاث أن تتعاون معا، فإن السلام في هذا العالم سيكون ممكنا بما في ذلك السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

“وإذا لم نتصرف ضد هذا الإرهاب المنظم، فإننا نعرف ما سيحدث. وسيستمر انتشار تدمير الإرهاب للحياة. إذا لم نقف في إدانة موّحدة لهذا القتل، فلن تحاسبنا شعوبنا فحسب، ولن يحاسبنا التاريخ فحسب، وإنما سيحاسبنا الله.

هذه ليست معركة بين مختلف الديانات أو الطوائف المختلفة أو الحضارات المختلفة. هذه معركة بين المجرمين الهمجيين الذين يسعون إلى طمس حياة الإنسان، والناس الكرماء من جميع الأديان الذين يسعون إلى حمايته.هذه معركة بين الخير والشر على أمم الشرق الأوسط أن تقرر نوع المستقبل الذي تريده لنفسها، وبصراحة، لعائلاتها وأطفالها إنه خيار بين مستقبلين”.

رابعا:المغرب العربي:

فرغم أن المغرب العربي اتحاد يضم خمس دول تمثل في مجملها الجزء الغربي من العالم العربي وهي موريتانيا الجزائر المغرب تونس ليبيا ورغم أنها منطقة تفوق مساحتها مساحة الاتحاد الأوربي ويزيد عدد سكانها عن مائة ألف نسمة ، رغم كل ذلك لم يرد أي ذكر أو إشارة لدولة من دول هذا الاتحاد لا من حيث المتغيرات السياسية الجارية في المنطقة ولا لما تحتويه من أهمية جغرافية أو موارد وثروات طبيعية،ولعل التفسير الأبرز لهذا الغياب هو تقديم الأولويات في السياسة الأمريكية وقد يكون الأمر بداية لسياسة جديدة تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية تحترم مناطق النفوذ التقليدية وخاصة للحلفاء الأوربيين.

خامسا:القضية الفلسطينية:

لم يسجل حضور فلسطين كدولة حتى بحدود 67 في الخطاب ولم يحضر إلا اسم محمود عباس وإشارة إلى الفلسطينيين في سياق التعايش السلمي للديانات وتأكيده على شراكة الديانات الإبراهيمية في القضاء على الإرهاب وإحلال السلام.

سادسا:الديمقراطية:

ولعلها من أبرز القضايا الغائبة في خطاب “اترامب” فلم تذكر هذه الكلمة لا باللفظ ولا بالمعنى  بل ولا حتى إحدى قيمها كالحرية  أو حرية التعبير عن الرأي أو المشاركة السياسية أو التداول السلمي على السلطة وهو تجاوز قد يكون مقصودا وخاصة أن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تكافح وتناضل من أجل التحول الديمقراطي .

وختاما يمكن القول أن هذا الخطاب رغم طابعه الديني وتركيزه عل قضية الإرهاب وعدم تقديمه لأي تصور ملموس لمواجهة الإرهاب ولمعالجة أزمات المنطقة فإنه قد يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من التأزم والاصطفاف بين الأطراف داخل المنطقة المتأزمة أصلا.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

حماس بين الوثيقة والميثاق .. قراءة في المضمون/ الحاج ولد أحمدو

أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وثيقتها الجديدة في أيار مايو الماضي التي جاءت كبديل أو تحديث لميثاقها الصادر سنة 1988من القرن الماضي.

 

وقد نصت الوثيقة الجديدة على أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” حركة فلسطينية وطنية مقاومة ذات مرجعية إسلامية تهدف إلى مواجهة المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين أرض الشعب الفلسطيني الأرض العربية الإسلامية التي حددت الحركة حدودها الشرقية بنهر الأردن والغربية بالبحر المتوسط  ومن رأس الناقورة شمالا إلى أم الرشراش جنوبا وهي وحدة إقليمية لا تتجزّأ كما في الوثيقة.

 

وقد ركزت الحركة على العديد من النقاط الجوهرية التي تبرهن على فهم عميق لمجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية والظروف المحيطة بها إقليميا ودوليا والتطورات المتلاحقة التي يمر بها العالم العربي بعد ما عرف بأحداث الربيع العربي .

 

و سنقف بشيء من التجاوز ودون ترتيب مع بعض النقاط التي وردت في الوثيقة:

 

ـ التمسك بالقدس عاصمة لدولة الفلسطينية.

 

ـ التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ورفض كل محاولات الرامية إلى تصفية قضيتهم.

 

ـ التأكيد على عدوانية المشروع الصهيوني وأداته المتمثلة في الكيان الاسرائلي وخطره عل الأمة العربية والإسلامية وعلى السلم والأمن الدوليين.

 

ـ التأكيد على جوهرية الصراع مع المشروع الصهيوني المحتل وليس مع اليهود بسبب ديانتهم.

 

ـ التأكيد على حق تقرير المصير .

 

ـ عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وعدم التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين.

 

ـ القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع حزيران يونيو1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم.

 

ـ رفض جميع الاتفاقات والمبادرات ومشروعات التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.

 

ـ التمسك بخيار المقاومة كحق مشروع تكفله جميع الأعراف والشرائع السماوية والقوانين الدولية.

 

ـ التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني جامع للشعب الفلسطيني.

 

ـ التأكيد على استقلالية القرار الفلسطيني وعدم ارتهانه لأي جهة خارجية .

 

ـ التأكيد على دور المرأة الفلسطينية.

 

ـ تبني سياسة الانفتاح على مختلف دول العالم.

 

ـ الاستعداد للتعاون مع جميع الدول الداعمة للشعب الفلسطيني.

 

ـ رفض محاولات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية وعلى سائر الأمم والشعوب.

 

ـ إدانة جميع أشكال الاستعمار والاحتلال والتمييز والظلم والعدوان في العالم.

 

لكن ما لجديد في الوثيقة؟

 

سنحاول تتبع بعض المسائل الشكلية والجوهرية التي أعطت للوثيقة بعض التميز عن الميثاق ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

 

1ـ خلو الوثيقة من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية

 

ومن الاستشهاد بآراء حسن البنا.

 

2ـ فك الارتباط بالإخوان المسلمين:

 

وقد نصت المادة 2 من الميثاق على أن حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث…

 

وهي “حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية ـ كما في المادة7 من الميثاق ـ تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936وتمضي لتتصل وترتبط بجهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب1948 ومابعده”.

 

3ـ حذف الشعار:

 

“الله غايتها الرسول قدوتها القرآن دستورها الجهاد في سبيل الله طريقها والموت في سبيل الله أسمى أمانيها” الذي نصت عليه المادة8 من الميثاق.

 

4ـ القبول بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4حزيران:

 

وذلك كصيغة توافقية وطنية تقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع حزيران يونيو 1967 مع عودة اللاجئين.

 

وقد نصت المادة 13 من الميثاق على تعارض المبادرات وما يسمى الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين فوطنية حركة المقاومة الإسلامية جزء من دينها على ذلك تربي أفرادها ولرفع راية الله فوق وطنهم يجاهدون.

 

5ـ مسألة الجهاد:

 

فقد ورد ذكر الجهاد في الوثيقة مرة واحدة مقارنة بسبع مرات في الميثاق وجاء في المادة 15 من الميثاق “يوم يَغتصب الأعداء بعض أرض المسلمين، فالجهاد فرض عين على كل مسلم. وفي مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين لا بد من رفع راية الجهاد، وذلك يتطلب نشر الوعي الإسلامي في أوساط الجماهير محليًا وعربيًا وإسلاميًا، ولا بد من بث روح الجهاد في الأمة ومنازلة الأعداء والالتحاق بصفوف المجاهدين“.

 

وفي المادة 28 من الميثاق “والدول العربية والمحيطة بإسرائيل مطالبة بفتح حدودها أمام المجاهدين من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، ليأخذوا دورهم ويضموا جهودهم إلى جهود إخوانهم من الإخوان المسلمين بفلسطين.

 

أمَّا الدول العربية والإسلامية الأخرى، فمطالبة بتسهيل تحركات المجاهدين منها وإليها، وهذا أقل القليل”.

 

وكبديل فيما يبدو عن لفظ الجهاد حفلت الوثيقة بذكر كلمتي المقاومة والتحرير.

 

6ـ العلاقة بمنظمة التحرير الفلسطينية:

 

فقد نصت المادة 27 من ميثاق الحركة على أن “منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهكذا نحسبها. والفكرة العلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تُبنى المواقف والتصرفات، وتتخذ القرارات.

 

ومن هنا مع تقديرنا لمنظمة التحرير الفلسطينية – وما يمكن أن تتطور إليه- وعدم التقليل من دورها في الصراع العربي الإسرائيلي، لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية، فإسلامية فلسطين جزء من ديننا، ومن فرّط في دينه فقد خسر”.

 

أما الوثيقة فقد اعتبرت “منظمة التحرير الفلسطينية إطارا وطنيا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه مع ضرورة العمل على تطويره وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني”.

 

وإذا كانت حماس قد قالت عن الوثيقة “بهذه الوثيقة تتعمق تجربتُنا، وتشترك أفهامُنا، وتتأسّس نظرتُنا، وتتحرك مسيرتنا على أرضيات ومنطلقات وأعمدة متينة وثوابت راسخة، تحفظ الصورة العامة، وتُبرز معالمَ الطريق، وتعزِّز أصولَ الوحدة الوطنية، والفهمَ المشترك للقضية، وترسم مبادئ العمل وحدود المرونة” فإننا ودون التجني على حماس نرى أنها حملت رسالتين أساسيتين:

 

إذ كانت الرسالة الأولى موجهة إلى الداخل الفلسطيني ومفادها التلاقي إلى كلمة سواء يتفق حولها أغلب الفلسطينيين كالتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني جامع للشعب الفلسطيني والتأكيد على استقلالية القرار الفلسطيني وعدم ارتهانه لأي جهة خارجية والتمسك بخيار المقاومة كحق مشروع تكفله جميع الأعراف والشرائع السماوية والقوانين الدولية.

 

والقبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع حزيران يونيو1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم.

 

وجاءت الرسالة الثانية إلى الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي متضمنة فك الارتباط بحركة الإخوان المسلمين والتأكيد على عدوانية المشروع الصهيوني وعدم الاعتراف بشرعيته ورفض محاولات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية وعلى سائر الأمم والشعوب وإدانة جميع أشكال الاستعمار والاحتلال والتمييز والظلم والعدوان في العالم و تبني سياسة الانفتاح على مختلف دول العالم والاستعداد للتعاون مع جميع الدول الداعمة للشعب الفلسطيني.

 

ولله الأمر من قبل ومن بعد