تنظيم دورة حول أساسيات الإرشاد الاجتماعي
نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) دورة تكونية لصالح مجموعة من الشباب حول “أساسيات الارشاد الاجتماعي ” الدورة التي يحتضنها مقر المركز تستمر لمدة يومي (25 و 26 من الشهر الجاري .
وقد أطر الدورة الاستاذ محمد سالم أحمد (رئيس مصلحة حماية وحقوق الطفل بوزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة و مستشار في العمل الاجتماعي ) و قد استفاد المشاركون من الدورة في يومها الاول من العديد من الانشطة و المفاهيم المتعلقة بالارشاد الاجتماعي .
الدورة و التي اعتمدت لها اللغتين العربية و الفرنسية ، و استفاد منها قرابة العشرين شاب ، سيسلم في نهايتها افادات التكوين للمشاركين ، من طرف مبدأ .
يذكر ان هذه الدورة هي النشاط التدريبي الثاني على التوالي في الاسابيع الماضية الذي نظمه المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) في اطار النصف الثاني من موسمه الثقافي في حين يصنف النشاط الرابع للمركز في النصف الثاني للموسم في حين تتواصل انشطة النصف الثاني بدورات و ندوات كبرى في القريب العاجل .
صور الدورة
أدلجة الإسلام ليست هي الحل
د. السيد ولد اباه
في فترة المد الإخواني في مصر في الخمسينيات والستينيات، كان كبير علماء الأزهر أوانها «الشيخ محمد أبو زهرة» يحرص على أن يكرر أمام طلبته أن القول بأن الإسلام دين وسياسة أمر لا أصل له في الدين، كما أخبرنا تلميذه المفكر اللبناني «رضوان السيد»، بل إن الأزهريين القلائل الذين انضموا لجماعة «الإخوان» مثل محمد الغزالي وأحمد حسن الباقوري.. انتهوا إلى الانسحاب من التنظيم والنقمة عليه.
الغريب هنا أن الجماعة التي عادة ما تتوهم احتكار الشرعية الدينية ظلت منذ نشأتها معزولة في الساحة العلمية والفكرية الإسلامية، فلم تنتج منذ نشأتها قبل ما يقرب من تسعين سنة عالماً متميزاً في الشريعة ولا مفكراً بارزاً. في هذا السياق، لا يزال من المهم الكشف عن ملابسات تشكل الخطاب الإخواني الذي كان نكوصاً جلياً عن التوجهين الأساسيين اللذين عرفتهما الساحة الإسلامية في بدايات القرن العشرين: التوجه الإصلاحي الاجتهادي (الأفغاني وعبده..) والتوجه الفلسفي التنويري (محمد إقبال..)، بينما كان في قطيعة مع التقليد التراثي نتيجة لتلوينه الأيديولوجي الحركي الاحتجاجي.
لابد من الإشارة هنا إلى أن أهم مفكرين إسلاميين عاصرا الموجة الإخوانية، وهما عباس محمود العقاد ومالك بن نبي، رفضا بشدة المشروع الإخواني واعتبراه ضحلا فقيراً وخطراً على المجتمعات المسلمة.
فالعقاد صاحب العبقريات الرائعة والأعمال الرصينة في الدفاع عن العقيدة الإسلامية وإبراز جوانب الدين العقلانية، اشتهر بموقفه المناوئ لـ«الإخوان» واتهامه للجماعة بالنزوع الماسوني والميل للعنف والتطرف، بينما تحمّس «بن نبي» لـ«الإخوان» قبل أن يتعرّف على الجماعة وفكرها خلال إقامته في مصر، فانتهى إلى نفس الخط الرافض لفكرها ومشروعها السياسي.
وفي مقابل عقلانية العقاد ونزعته الإنسانية والنموذج النهضوي الحضاري الذي بلوره «بن نبي»، ذهب الخطاب الإخواني في اتجاهين أساسيين هما النظر إلى الحداثة بصفتها غزواً ثقافياً غربياً ومؤامرة يهودية ماسونية (محمد قطب..)، والنظر إلى الإسلام بصفته ديانة سياسية شاملة تشكل الدولة محورها (عبد القادر عودة..).
ومع أن مقولة ازدواجية الدين والسياسة في الإسلام تبدو بديهية للكثيرين، فإنها في الحقيقة بدعة غير مسبوقة في التراث الإسلامي، وهي نتاج مسار أدلجة الإسلام بالبناء على حقيقتين يتم توظيفهما خطأ في الخطاب الإخواني. أما الحقيقة الأولى فهي ما أجمع عليه تقريباً علماء الإسلام وفقهاؤه من وجوب نصب الإمامة لتدبير شؤون الجماعة واتقاء الفتنة، والحقيقة الثانية هي ما لأحكام الدين في الإسلام من طابع جماعي، بحيث لا يمكن حصر شرائع الإسلام في التدين الفردي.
إن هذين المبدأين لا يعنيان ما ذهب إليه بعض المستشرقين المناوئين للإسلام من الطابع القانوني السياسي للإسلام الذي يمنعه من التأقلم مع قيم الذاتية والديمقراطية والتعددية، وهي الفكرة ذاتها التي تتبناها المدرسة الإخوانية من منطلقاتها الخاصة.
ما لم يدركه دعاة الإسلام السياسي هو أن وجوب إقامة سلطة عامة تدير شأن المجتمع لا يعني الطابع الديني للدولة، بل إن فقهاء الإسلام ومتكلميه درجوا على القول بأن مسائل الإمامة تدبيرية سلطانية لا شأن لها بالدِّين، وإن من واجب الدولة رعاية الدين وحراسته لا تجسيده. كما أن الطابع الجماعي للدين لا يعني أن له طابعاً سياسياً، بل إن ما يحول دون علمانية الدولة في المجتمعات المسلمة بالمفهوم الغربي التقليدي هو هذه السمة الجماعية التي تحوّل الدين إلى عماد المجتمع الأهلي وتخرجه من تجاذبات السياسة وقبضتها، في حين أن مفهوم «الدولة الإسلامية» يؤول في نهاية المطاق إلى تحويل الدين إلى أيديولوجيا للدولة الشمولية، بما يعني أقصى درجات العلمنة وأخطرها.
قد يقول البعض إن تيار الإسلام السياسي طور خطابه واستراتيجياته السياسية وأصبح يتبنى المنظور الديمقراطي التعددي، ويفصل بين الدعوة والسياسة، بيد أن السؤال المطروح لا يتعلق بمجرد التكيف مع آليات التمثيل والتنظيم التي بلورتها الديمقراطية الحديثة في إدارة المجتمعات المنظمة، فهي في جانبها الميكانيكي مجرد أدوات إجرائية عملية، وإنما السؤال الحقيقي يتعلق بالقراءة الأيديولوجية السياسية للإسلام التي لا تخلو من خطر استخدام الورقة الدينية في الصراع السياسي للهيمنة على المجتمع (ليس من الصحيح أن الهيمنة ذات بعد واحد يتعلق بالسلطة السياسية أو العسكرية).
إن المأزق الذي يواجه ما يسمى حالياً بالإسلام «الديمقراطي» (العبارة ترجع للغنوشي) هو أن أحزاب الإسلام السياسي المنخرطة في الصراع السياسي التعددي تجد نفسها مرغمة على قبول كسر احتكار الشرعية الدينية في بلدان يشكل الإسلام فيها محور المرجعية الدستورية والمجتمعية وسقف الإجماع الوطني، بيد أنها حين تقبل هذا التنازل يصبح من العصي عليها تبرير خصوصيتها الفكرية والسياسية، فلا يبقى لها إلا نموذج الجمعية «الطائفية» المغلقة الذي لا يتناسب مع منطق الحزب السياسي بمفهومه الحديث ولا معنى له في السياق الديمقراطي، بل هو خطر على الاستقرار السياسي والسلم الأهلي.
أبعاد ظاهرة هجرة الكفاءات (موريتانيا نموذجا)
مقدمة
طبق فهم معين يحد العلم بأنه ذو ثلاثة أهداف هي الفهم والتحكم والتنبؤ، ويدخل وعي هذا التعريف في صفة علم الاجتماع كجهد علمي، وضمن هذا السياق تقسم الدراسات الاجتماعية إلى ثلاثة أنواع: هي الدراسات الاستطلاعية والدراسات الوصفية والدراسات الاستكشافية، وضمن الصنف الثاني تتنزل هذه الدارسة حول ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية من حيث العوامل والنتائج.
وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول، تضمن كل فصل منها عدة محاور.
ففي الفصل الأول تم تناول الإطار المنهجي لهذا البحث، وتم التعرض لتحديد المشكلة التي يعالجها وأهميتها ومبررات اختيارها، كما تم تناول الصعوبات التي واجهته، وتم عرض الإشكالية التي يدور حولها هذا البحث بما تتضمنه من تساؤلات فرعية وتم كذا عرض الفرضيات كذا التي ينطلق منها البحث بالإضافة إلى عرض المنهج وتحديد المفاهيم.
أما الفصل الثاني فقد تضمن ثلاثة محاور خصص الأول منهما لتناول هجرة الكفاءات كظاهرة اجتماعية بشكل عام في سياق التركيز عليها محليا، وخصص الثاني منهما لتناول أبعاد الظاهرة سكانيا واقتصاديا ومجتمعيا، في حين تم في المحور الأخير من هذا الفصل التعرض للعلاقة بين هجرة الكفاءات وعملية التنمية.
أما الفصل الثالث والأخير من هذه الدراسة فقد خصص للدراسة الميدانية في هذا البحث، وشمل ثلاثة محاور خصص الأول منها لعرض نتائج الدراسة الميدانية، وخصص الثاني والثالث منها لتناول نتائج الدراسة النهائية فيما يخص أسباب وتبعات هجرة الكفاءات الموريتانية.
- الإطار المنهجي للبحث:
أولا:مشكلة البحث
تَدخلُ في اهتمام علم الاجتماع كحقل معرفي ذي فروع تخصصية مختلفة،قضايا عديدةٌ،تغطي شتى النواحي المجتمعية،في سياق الدراسة العلمية للمجتمعات،حيث بقدر ما يجمع (الكلُّ المجتمعي)[1]،بوصفه الفكرة المركزية التي ينطلق منها التعامل السوسيولوجي مع الواقع المجتمعي،بقدر ما تجمع هذه الفكرة المركزية،مختلف التوجهات الفرعية،داخل علم الاجتماع،بقدر ما تؤدي دورَها التفصيلاتُ،و المجالات المتعددة،ذاتُ الحضور كموضوعات جزئية في علم الاجتماع،في توزّع هذا الحقل المعرفي،على فروع تخصصية متعددة.
ضمن هذا التوجه،فإن الظواهر السكانية،تمثل مجال فرع واسع و محوري،من فروع علم الاجتماع العام،هو علم اجتماع السكان،و محورية هذا الفرع التخصصي،تتضح بشكل خاص،عبر الرجوع إلى فكرة (الكل المجتمعي)،حيث أن البُعد السكاني يأخذ دورا هو أوّلٌ،في التحديد،بالنظر إلى بنية هذا الكل،بمعنى أن (حجم المجتمع) مثّل دائما نقطة انطلاق في تأطير التوجهات النظرية في دراسة المجتمعات،دراسة علمية،سيما بالعودة إلى مقولة (اجتماع البشر)،التي تعتبر من بين المقولات التي تأسس عليها علم الاجتماع،فحجم المجتمع يمثل شرطا من شروط تحققّ المجتمع،بالمعنى العلمي السوسيولوجي،و تاليًا “تختلف الأنساق الاجتماعية،و تتعدد باختلاف المجتمعات و تعدّدها في الزمان و المكان و الأهداف”.[2]
و في نفس السياق،تقع ظاهرة الهجرة كظاهرة سوسيوـ سكانية ضمن أهم الظواهر السكانية داخل المجتمعات،باعتبارها تؤدي دورا بارزا في تغيّر هذه المجتمعات،إنْ على مستوى الحجم،أو على مستوى الخصائص،حيث تمثل الهجرة عاملا من عوامل التغيّر المجتمعي،في ما يخص بُعدها الجماعي ـ وهو الذي يجعلها مجتمعية لا فردية ـ وتعني الهجرة في تعريفها السوسيولوجي البسيط:انتقال مجموعة أفراد من مكان إلى مكان آخر؛و الاختلافُ في محددات و خصائص و اتجاهات هذا الانتقال،هو العامل في تصنيف الهجرة إلى أنواع مختلفة:(هجرة نازحة،هجرة وافدة،هجرة داخلية،هجرة خارجية،هجرة كفاءات….)،هذا العمق و التعدد في المستويات،داخل ظاهرة الهجرة،أدّى إلى تبلور الاهتمام السوسيولوجي بها،في شكل فرع تخصصي مستقل،يُعرف ب:(سوسيولوجيا الهجرات)،أو (علم اجتماع الهجرات)،و هو من الفروع الحديثة في علم الاجتماع،إذ هو في طور التشكل و التراكم،كتراث سوسيولوجي مستقل في حيّز اهتماماته العلمية،و يسعى إلى تغطية كافة الجوانب المرتبطة،بظاهرة الهجرة،و الإحاطة بشتى أشكال الهجرة،و عواملها،و نتائجها،قصدَ التأسيس لأطر نظرية في تحليل و دراسة و تفسير الهجرة،سوسيولوجياً،و رغم حداثة هذا الفرع كإطار علمي مستقل،فقد عرف توجهين رئيسيين،و ذلك وفق نموذج ثنائي،لوصف اتجاهات الهجرة كظاهرة عالمية،حيث نجد أن علم اجتماع الهجرة يقارب الظاهرة في بعدين هما:الغياب و الحضور،و تبعا لذلك،يُصَنّف إلى توجهين رئيسيين،هما:
1 ـ سوسيولوجيا الهجرة الوافدة.
2 ـ سوسيولوجيا الهجرة النازحة.[3]
إذ يركز الأول على دراسة ظاهرة الهجرة في سياق ارتباطها بالمجتمع المهاجَر إليه،من حيث العلاقةُ بين المهاجرين الوافدين و المجتمع المضيف،بما تطرحه تلك العلاقة من إشكالات،تخص التأثر و التأثير ما بين الوافدين كطرف،و المجتمع الأصلي كطرف ثانٍ،و انعكاسات حضور المهاجرين عليهم هم أنفسهم،كما على المجتمع المضيف،بِذا فإن توجها خاصا داخل علم اجتماع الهجرات،يهتم بدراسة ظاهرة الهجرة،في سياق (بيئة) معيّنة،هي المجتمع المضيف للمهاجرين،ضمن التركيز على حيّز مكاني معيّن،و يُعرف هذا التوجه باسم (سوسيولوجيا الهجرة الوافدة).
أما التوجه الثاني في علم اجتماع الهجرات،فإنه يُعْنى بدراسة ظاهرة الهجرة،من زاوية ارتباطها بالمجتمع المهاجَر منه،في سياق التركيز على ما تُحدثه الهجرة من تغييرات و تأثيرات،على المجتمع الأصلي، قد تشمل مختلف المستويات،من اجتماعي،وثقافي،واقتصادي،وسكاني،و يسعى هذا التوجه داخل علم اجتماع الهجرات إلى تفسير ظاهرة الهجرة،في علاقتها بالمجتمع المهاجَر منه،كما يسعى إلى رصد أبعاد العلاقة بين المهاجرين،من جهة،و مجتمعاتهم الأصلية من جهة ثانية،و بذا فإن توجها خاصا،في علم اجتماع الهجرات،يركز على ظاهرة الهجرة،من حيث (الغياب)،و يحصر اهتمامه في مستوى دراسة تأثير الهجرة في المجتمعات المهاجَر منها،و يعرف هذا التوجه باسم (سوسيولوجيا الهجرة النازحة).
و ضمن هذا التوجه الأخير،يتنزل موضوع هجرة الكفاءات،من حيث هو موضوع سوسيولوجي،يُؤخذ في الاعتبارات العلمية،كظاهرة مجتمعية تؤدي دورها في التأثير بدرجات أكبر على المجتمعات المهاجَر منها،حيث يمتد هذا التأثير في اتساعه،ليشمل قطاعات عدة،و مستويات متباينة،داخل تلك المجتمعات،و بهذا المعنى فإن ظاهرة هجرة الكفاءات،تأخذ أهميتها الفائقة،لا من حيث كونُها موضوعا سوسيولوجيا في الصميم وحسب،بل كذلك تأخذ هذه الأهميةَ،من حيث كونُها ظاهرة (آنية)و على مستوى عالمي،و هذه (الراهنية) هي ما يتيح للظاهرة الأولويةَ كموضوع من مواضيع البحث العلمي الجاد،داخل الاهتمام السوسيولوجي تحديدا.
ذلك أن التأثير المتصاعد لظاهرة هجرة الكفاءات مجتمعيا، يأخذ صيغتَه الأكثر حضورا و إثارة للبحث العلمي في الظاهرة،ضمن حيّز معين،هو المجتمعات النامية،و في مستوى أكثر تحديدا يأخذ هذا التأثير هذه الصيغةَ في المجتمعات العربية،حيث تفيد التقارير و الأرقام،أن عدد الكفاءات العربية المهاجرة،قد تضاعف خلال العقد (1990 ـ 2000) بالمقارنة مع العقد السابق عليه (1980 ـ 1990) ،كما وصل عدد الكفاءات العربية المولدِ و المقيمة في دول منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية (OECD)[4]،أكثر من مليون كفاءة،أي ما يمثل حوالي 10% من مجموع الكفاءات المماثلة في الدول العربية،و ترتفع هذه النسبة،لتبلغ حوالي 20% في ما يخص دول المغرب العربي،كذلك فإن عدد الكفاءات المهاجرة،من البلدان العربية،وصل ما بين 3 إلى 9 أضعاف،خلال العقد (1990 ـ 2000)،بالنسبة إلى بلدان كاليمن و جيبوتي و السودان،و بشكل أخص بالنسبة إلى موريتانيا [5].
و يفيد هذا بأن هجرة الكفاءات تمثل ظاهرة (آنية)،و موضوعا بحثيا،يفرض نفسه،بالنسبة إلى المجتمع الموريتاني خاصةً،و بالنظر إلى عاملين رئيسيين،أولُهما اتساعُ هذه الظاهرة و تسارعُها في الفترة الأخيرة،وثانيُهما تأثيرُها على المجتمع الموريتاني في نواحٍ عدّة،و مستويات مختلفة،وباعتبار هذين العاملين،تتحددُ ظاهرةُ هجرة الكفاءات،كموضوع ذي أولوية أكيدة،في ما يتعلق بالمجتمع الموريتاني.
و ضمن هذا السياق بالتحديد، يتعيّنُ موضوعُ هذا البحث و هو:هجرة الكفاءات الموريتانية..العوامل و النتائج،مثلما يتعيّنُ مستوى التناول في هذا البحث لهذه الظاهرة،حيث يُعْنى التناول البحثي هنا بهجرة الكفاءات الموريتانية،في بعدين هما: الأسباب و النتائج،و ذلك ـ بداهةً ـ في سياق الحصر التعريفي لهذه الظاهرة في حضورها المجتمعي.
وتقع الإشكالية في صميم المنهج السوسيولوجي البحثي،من حيثُ أن تحديدها هو خطوة أساسية تأخذ صيغة الشرط المنهجي،عند الشروع في البحث و الدراسة،إذ عليها يقوم هيكل البحث كليةً،بمستوييه النظري و الإجرائي.
مثلما أنها تقوم مقام نقطة المركز،في أيّ بحث سوسيولوجي،حيث تحضر في جميع أجزاء البحث،و تحكُم مساره،من حيثُ التحليل،و النقاش،و الاستنتاج.
و إذْ ذاك تُمكن صياغة إشكالية هذا البحث على نحو ما يلي:
ـ ما هي العوامل خلف هجرة الكفاءات الموريتانية،و ما هي التبعات الناتجة عن هذه الظاهرة؟
و تتجزّأ عن هذه الإشكالية،تساؤلات فرعية أخرى:
ـ ما نوع العوامل الرئيسية المسؤولة عن ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية؟
ـ ما نوع النتائج الرئيسية التي تصدر عن هذه الظاهرة؟
و هذا ما يُوصلنا إلى الفرضيات التي تنتهجها هذه الدراسة،و هي كالذي يلي:
ـ تقف وراء هجرة الكفاءات الموريتانية عوامل مزدوجة،تشمل ما هو ذاتي يخص الفرد،و تتضمن ما هو موضوعي يشمل الجماعة.
ـ تتمثل الأسباب الرئيسية لهجرة الكفاءات الموريتانية،في العوامل الاقتصادية بالدرجة الأولى.
ـ تحفّزُ هجرةَ الكفاءات الموريتانية،عوامل مزدوجة،من ضمنها عوامل الجذب في البلدان المهاجَر إليها،و عوامل الطرد في البلد الأصل.
ـ تتنوع نتائج هجرة الكفاءات على المجتمع الموريتاني،فهي سلبية في بعضها،و إيجابية في بعضها الآخر.
ـ من أكثر المستويات في المجتمع الموريتاني تأثرا بظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،المجالات الإقتصادية.
و طبقَ هذه الفرضيات،تمّت صياغة استمارة الاستبيان التي تضمنتها الدراسة الميدانية في هذا البحث،و احتوت أسئلة لقياس مدى صحّة هذه الفرضيات.
ثانيا: المنهج:
ضرورةُ المنهج كخطوة إجرائية في البحث السوسيولوجي،تأخذ دعامتها الأساسية من كون البحث الاجتماعي،بحثا علميا،تحكمه ضوابط (العلمية) من حيث الوضوحُ،و(المعقولية)،و الدقّة في التناول،فتَمثُّلُ علم الاجتماع كجهد معرفي لهذه الضوابط،هو ما يؤسِّسُ تلك الضرورة في تحديد المنهج،و هو ما يُوصِل إلى استحضار هذه الخطوة الإجرائية في هذا البحث،إذْ يتضمن هذا البحث إطارين ضمن توجه تكاملي،هما الإطار النظري،و الإطار الميداني.
ففي الأول تُحضُرُ المفاهيم كأدوات تحليلية،قصدَ الإحاطة بكامل أبعاد الموضوع،كما و تَحضُرُ العلاقة بين هذه المفاهيم كاستنطاق تحليلي للظاهرة ضمن محدِّدَيْ التناول للظاهرة،و في ذات الإطار كذا يقصِدُ البحث إلى حصر هجرة الكفاءات،في الأول بما هي ظاهرة بالمعنى السوسيولوجي،و بما هي حاضرةٌ على عدّة مستويات،منها ما هو اقتصادي،و ما هو اجتماعي،و ما هو سكاني،ثم يقصِد إلى حصر العلاقة المباشرة بين هجرة الكفاءات و عملية التنمية داخل المجتمع.
أما الإطارُ الثاني،فيشمل التتبّعَ الميداني للظاهرة، وذلك وِفقَ اعتماد تقنية في البحث الميداني السوسيولوجي،تُصنّفُ في المنهج البحثي الكمّي،هي تقنية الإستبيان المغلق،الموجه نحو عيّنة خاصة،قصد قياس مدى صحّة الفرضيات التي يتبنّاها هذا البحث.
و إذا كان الإطار الأول يظهر أساسا في الفصل الثاني من هذا البحث،فإن الإطار الثاني يظهر في الفصل الثالث، في حين أن التوجه التكاملي ما بينهما يتجلى من خلال الربط ما بين مستويات الوصف و التحليل و التفسير،و الربط بين البيانات الميدانية،و النماذج التفسيرية النظرية،بتوظيف العلاقة بين الإثنين في استخلاص النتائج النهائية لهذا البحث.
و بذا يتجلى أن هذا البحث يعتمد الصيغة المتبنّاة في البحث الاجتماعي،و التي تجمع بين الناحيتين،النظرية و الميدانية،حيث يعتمد هذا البحث كلا من الوصف و التحليل و التفسير،وفق الإستقصاء الميداني،و ذلك بوضع المعطيات ضمن سياقها داخل البحث،و تفسيرها بالنظر إلى الفرضيات التي يقوم عليها هذا البحث،و هو ما يضمن الإلتزام بالتوجه التكاملي الذي تقوم عليه البحوث الاجتماعية،ذات الضبطية العلمية المطلوبة.
و في نفس السياق،سياقِ القول في المنهج،تجدر الإشارة إلى الجزء الآخر من البحث،و الذي يتمثل في هذا الفصل منه،و هو الجزء المصُنّف طبقَ التوجه السائد،كمرحلة ضرورية في البحث السوسيولوجي،أيِّ بحث سوسيولوجي،و تنعكس هذه الرؤية متكاملةَ،في اعتبار “أن البحث العلمي يتألف من أربع وحدات أساسية تعطي مجتمعة حقلا من التفسير و الفهم لواقع الظاهرة تحت البحث،و الوحدات الأربع هي: المقدمة النظرية،المنهج،المعلومات،التحليل و النقاش”.[6]
وقد اعتمدنا في هذه الدراسة المنهج الوصفي في السوسيولوجيا، وهو منهج “من أكثر مناهج البحث الاجتماعي ملاءمة للواقع الاجتماعي وخصائصه، وهو الخطوة الأولى نحو الفهم الصحيح لهذا الواقع، إذ من خلاله نتمكن من الإحاطة بكل أبعاد هذا الواقع محددة على خريطة تصف وتصور بكل دقة ظواهره وسماته.
ولذلك فإن المنهج الوصفي يعتمد على خطوات هي:
1ـ اختيار الوحدة الاجتماعية الأولية والأساس في الموضوع المدروس
2ـ اكتشاف الطريقة الملائمة للقياس الكمي لمختلف عناصر مكونات وحدة الدراسة
3ـ فحص العوامل المختلفة المؤثرة في تنظيم الظاهرة المدروسة في وظائفها، وعلى هذا فإن البحوث الوصفية تتم على مرحلتين، مرحلة الاستكشاف والصياغة، ومرحلة التشخيص والوصف المتعمق، وهما مرحلتان مرتبطتان ببعضهما”.*
ثالثا: تحديد المفاهيم
1ـ الهجرة: يُحيل مفهوم الهجرة،بشكل عام،إلى حركة انتقال فرد أو مجموعة أفراد،من مكان إلى مكان آخر،بغرض الإقامة الدائمة،أو غير الدائمة،بيد أنه من ناحية الاستخدام السوسيولوجي للمصطلح،يمكن القول بأن مصطلح الهجرة،يشير إلى ظاهرة سوسيوـ سكّانية، بالتركيز على الانتقال الجماعي حصرًا،و تتضمّن هذه الظاهرة مستويات متعددّة،وفق المحدّدات الزمنية و المكانية،و وفق اتجاهات و خصائص هذا الإنتقال.
و يميّز بعض الباحثين الاجتماعيين،بين مفهومي: (الهجرة) و هي دخول الناس إلى بلد آخر للإستقرار فيه،و (المهاجرة) و هي عملية انتقال الناس و ارتحالهم من موطنهم للإستقرار في بلد آخر.[7]
2ـ هجرة الكفاءات: يُقصد بهجرة الكفاءات عملية انتقال أفراد ذوي خبرة في مجال تخصصهم،من بلدهم الأصلي إلى بلد آخر،كما يُحدد البعض مفهوم هجرة الكفاءات بأنه:انتقال الأفراد عاليّي التأهيل (عادة خريجى التعليم العالى وما فوقه) من بلد ما لبلد آخر بغرض العمل والإقامة الدائمة.[8]
و تُعرّف اليونسكو هجرة الكفاءات،بأنها نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين البلدان،يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (الدول المتقدمة)،أي أنه نقل عكسي للمعرفة.و تجدر الملاحظة هنا أن ثمة استخدامات كثيرة لوصف هذه الظاهرة،مثل:(نزيف العقول)،(جلب الأدمغة)،و غيرها،بيد أن المصطلح الأقرب إلى (العلمية)،هو مصطلح (هجرة الكفاءات)،لذلك التزمنا به في هذه الدراسة.
رابعا: أسباب اختيار الموضوع
يأتي اختيار موضوع هذا البحث كنتيجة لدوافع موضوعية بالكامل،تتصل بأهمية الظاهرة و راهنيتها اللتين تجعلان منها،موضوعا يفرض نفسه على البحث العلمي السوسيولوجي،ما يعني أن الحافز الموضوعي هو ما يقف وراء اختيار هذا الموضوع بالتحديد،في هذا البحث،فأهمية الموضوع تظهر من خلال ارتباطه الوثيق بالواقع من حيث التأثير عليه،و التأثر به،كما أن راهنية الموضوع تتضح من خلال حجم الظاهرة الذي يتأكد عن طريق المعطيات و المؤشرات الكمّية،في التقارير و الإحصاءات ذات الصلة بظاهرة هجرة الكفاءات إقليميا.
و من الممكن إيجاز التبرير الموضوعي لاختيار ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،موضوعًا لهذا البحث،في النقاط التالية:
1 ـ ضرورةُ التناول البحثي للظاهرة في الواقع المحلي،ضمن التتبّع السوسيولوجي لأسباب و نتائج هذه الظاهرة،سيما بالنظر إلى مساحة الأولوية التي تحظى بها الظاهرةُ نفسُها و على مستوى عالمي،في ما يخص التناول البحثي لها بمستوى علمي،يلتزم تقصّي الواقع و التفسير النظري،كمتلازمين لا بد منهما عند بحث الظاهرة،و بصيغة تناول جدّية،تبتعد عن التناول العام في الإعلام،الذي يقف عند مستوى الوصف للظاهرة،و تقترب من مقتضيات الميدان العلمي الأكاديمي،قصدًا إلى التحليل و التفسير العلمي للظاهرة،ببعديها (العوامل و النتائج)،و يؤكد هذا الاتصالَ الوثيق القائم ما بين موضوع هذه الدراسة و الواقع المجتمعي المحلي.
2 ـ رغم تسارع وتيرة هجرة الكفاءات محليا،و رغم الصفة التصاعدية التي تسم واقعها في موريتانيا،تًندُرُ جدًّا،المحاولات الحقّة تجاه البحث العلمي الأكاديمي في هذه الظاهرة،سيما في ما يخص دوافعها و نتائجها،على المجتمع الموريتاني،و يعني ذلك أن هذه الدراسة تقصدُ إلى اكتساب صفة الأسبقية،في اختيار الموضوع ،كما في تناوله سوسيولوجيا.
3 ـ يُسهم التتبّع البحثي لظاهرة هجرة الكفاءات،ضمن السياق السوسيولوجي في توصيف الواقع،و هو ما يحُثّ نحو نوع من (الفاعلية) تجاه هذا الواقع،إذْ ضمن فهم معيّن،يُعرّف العلم بأنه ذو ثلاثة أهداف (الفهم،التنبؤ،التحكم)،و إذ يدرس هذا البحث ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية في بُعدين (العوامل و النتائج)،فإنه في مدى معين،يقصِدُ إلى فهم هذه الظاهرة في شكل ثنائية (السبب و النتيجة)،وثُمّ يقصِدُ إلى فرز معطيات تفيد في التحكم بالظاهرة.
و بِذَا تتحدد في التبرير الموضوعي لهذا البحث،أهميةُ الظاهرة التي يَدرسُ،مثلما تتحدد فيه صيغة الأهداف التي يقصدُ إليها.
خامسا: الصعوبات
بالنظر إلى موضوع هذا البحث و طريقة تناوله، فقد وقفت صعوبات عدّة،في سبيله،و مرد هذه الصعوبات في الأساس،هو الأسبقية التي يحقّقها هذا البحث،في ما يخص الموضوع بالتحديد،كما في ما يخص صيغة تناوله،و تتمثل هذه الصعوبات أساسا،في ما يلي:
ـ ندرة البيانات محليا في ما يخص الهجرة،بشكل عام،و في ما يخص هجرة الكفاءات بشكل خاص،و تتمثل تلك الندرة أكثر ما تتمثل في انعدام أية تقارير صادرة محليا،من جهة رسمية أو غير رسمية،حول ظاهرة هجرة الكفاءات،سيما في الفترة الأخيرة،و ذلك رغم التسارع الذي تعرفه منذ سنوات حركة الهجرة من موريتانيا،بشكل عام،و حركة هجرة الكفاءات بشكل خاص،هذه الندرة مثلت صعوبة في الحصول على معلومات إحصائية،كما تتمثل هذه الندرة ثانيا في انعدام الأبحاث السوسيولوجية،حول هذه الظاهرة،محليا،و إذ مثلت هذه الندرة نقصا في الأرقام و البيانات الإحصائية،فقد حاولنا في هذا البحث تعويض ذلك النقص من خلال الدراسة الميدانية التي تضمنها البحث.
ـ يمثل الحدّ الزمني المخصص للدراسة،تحدّيا إضافيا في ما يخص إنجاز هذا البحث،خصوصا بالنظر إلى عدم توافر دراسات سابقة عن نفس الموضوع،و يتمثل التحدّي في الجمع بين الإنجاز في المدى الزمني المحدد للدراسة،و عدم الوقوع في الارتجالية،أو الخروج عن الضوابط العلمية و الأكاديمية المطلوبة،و هو ما حاولنا قدر الممكن تحقيقه في هذا البحث.
ـ على مستوى آخر يبرز تحدٍّ جديد،ذلك أن المرجعية النظرية في الدراسة السوسيولوجية للهجرة دراسةَ مستقلة،في حقل خاص هو علم اجتماع الهجرات،لم تتبلور حتى الآن بشكل متكامل و شامل،ما يعني محدودية حتى الآن في النماذج التفسيرية في السوسيولوجيا،لظاهرة الهجرة بشكل عام،و هجرة الكفاءات بشكل خاص.
إن الصعوبات السابقة،و إذ تأخذ صيغتها كصعوبات،فإنها تأخذ أيضا صيغة التحدّي،و هو ما يتجلى في قصد هذا البحث إلى تعويض بعض النقص في البيانات و الدراسات حول ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية من حيث العواملُ و النتائج،و قصده إلى أن يكون مرجعا في هذا الميدان البحثي.
و يتبيّن الوعيُ بهذا القصد، في ما يلي من فصول هذا البحث و أجزاءه،سواء ما ارتبط منها بالمستوى النظري،أو ما اتصل منها بالمستوى الإجرائي،أو ما ارتبط بمستوى التكامل بين الإثنين الذي تنحوه الدراسة في ما يخص الوصف و التحليل،و التمثيل الكمّي،و التفسير.
حيث يظهر المستوى الأول في الفصل الثاني الذي يلي من هذا البحث،و يظهر المستوى الثاني في الدراسة الميدانية داخل الفصل الثالث،كما يظهر المستوى الثالث،في نهاية هذه الدراسة،من حيث الجمع بين نتائج الدراسة الميدانية و ما تتضمنه من بيانات كمّية،و التفسير العلمي بالاستناد إلى نموذج نظري معيّن.
الفصل الثاني: ملامح هجرة الكفاءات
أولا: هجرة الكفاءات كظاهرة اجتماعية
إن المعنى الذي يحيل إليه مفهوم (ظاهرة) سوسيولوجيًا،و على الرغم من الاختلاف الظاهر في تناوله بين علماء الاجتماع،يتأكد أكثر ما يتأكد من خلال عنصرين ينبغي توافرهما في أية ظاهرة مجتمعية،هما عنصر الإنتشار و عنصر التكرار،و ينطبق المفهوم بهذا المعنى على هجرة الكفاءات،و على مستوى عالمي،إذ من الملاحظ منذ عقود أن هجرة كفاءات البلدان النامية،أي دول الجنوب،تتزايد بوتيرة سريعة،تجاه البلدان المتقدمة،أي دول الشمال،و أن حجم هذه الظاهرة يشهد تزايدا في الكمّ و النوع.، و تشير الأبحاث و التقارير،إلى أن هجرة الكفاءات كنوع من أنواع الهجرة بشكل عام هي ظاهرة عالمية،من بين أبرز محفزاتها،تأثير العولمة،سيما في جانبيه الإقتصادي،و الإجتماعي، كما يرى البعض أن حركة الكفاءات المهاجرة من بلدان الجنوب باتجاه بلدان الشمال،تتداخل في الدفع بها عوامل داخلية،و خارجية،فلا يقف التأثير عند الوضع الاقتصادي و التعليمي المتردي،في البلدان المهاجَر منها،بل يشمل عملية التحفيز التي تَنْشَطُ فيها المؤسسات الأكاديمية في دول الشمال،لدفع الكفاءات إلى الهجرة،و يردّ الباحثون عملية التحفيز هذه،إلى عاملين رئيسيين،و يتمثل الأول في انخفاض نسب الولادة و بالتالي انخفاض نسبة الشباب في دول الغرب التي تُعرف بأنها تعاني في مجتمعاتها من (شيخوخة سكّانية)،و حيث أن الشباب يمثلون النسبة الأكبر من أي قوة ناشطة،فقد عملت دول الغرب على استجلابهم إليها،لسد النقص في القوة الناشطة هناك،كما يتمثل العامل الثاني،في تقلص عدد المتخصصين في الفروع العلمية و التقنية،في البلدان المصَنِّعة،و هذا ما دفع ببلدان الشمال،إلى تعديل قوانين الهجرة،للسماح بدخول أكبر عدد من الكفاءات العلمية،القادمة من بلدان الجنوب،و من أمثلة ذلك ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008،من تطوير لقانون الهجرة،من أجل السماح لأعداد أكبر من غير الأمريكيين،و المتخصصين في العلوم و الهندسة،بالعيش و العمل هناك. [9]
إنّ الوعي بكون هجرة الكفاءات أصبحت ظاهرة مجتمعية بالمعنى السوسيولوجي،يُوجِب الوعي،كذا بأن حضورها و تأثيرها،يأخذان صيغتيهما الأبرز،في ما يخص دول الجنوب،أي الدول النامية،و ترتبط هذه الخصوصية أوثق ارتباط بكون مجتمعات هذه الدول،هي في الغالب المجتمعاتُ المُهَاجَر منها،بمعنى أنّها المجتمعات التي تتولّى تنشئة هذه الكفاءات في الغالب،لتخسرها عند مرحلة معيّنة،و بروزُ هجرة الكفاءات كظاهرة مجتمعية في ما يخص بلدان الجنوب،يحضُر على مستوى آخر،في ما يخص بدان العالم العربي،فقد “إرتفعت نسبة المهاجرين من أصحاب التعليم العالي من مجموع المهاجرين في العالم،بما يزيد عن 50% فقط خلال الخمس سنوات الفاصلة بين 1995 ـ 2000،و ارتفع عددهم بذلك من 9,4 مليون إلى 19,7 مليون خلال نفس الفترة،هذا في حين ارتفعت أعدادهم إلى الضعف بالنسبة للمقيمين بدول أوربا(التي تستقبل القسم الأوفر من الهجرة العربية).و انتقل عددهم من 2,5 مليون إلى 4,9 مليون،خلال عشرية التسعينات”.[10]،كما يلاحظ “أن أعداد الكفاءات العربية في المهجر تفوق مثيلتها من الكفاءات الصينية أو الهندية،رغم أن سكان هذين البلدين يمثلون أضعاف سكان المنطقة العربية،و هو ما يؤشر على أهمية جاليات الكفاءات العربية في المهجر،و تبرز بلدان المغرب العربي،باعتبارها البلدان الأكثر إرسالا لهذه النوعية من العمالة إلى الدول الغربية،حيث بلغت الكفاءات المهاجرة من هذه البلدان حوالي نصف الكفاءات المولودة في البلدان العربية و المقيمة بدول منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية.”[11]
و يعني هذا أن ظاهرة هجرة الكفاءات،هي ظاهرة تعني الدول العربية أكثر من غيرها،و ضمن هذه الدول تخص الظاهرة بشكل أعمق دولَ المغرب العربي،و داخل المحيط المغاربي و بالنظر إلى اعتبار الحجم الديمغرافي لموريتانيا،يصدق القول أن هجرة الكفاءات تأخذ بالفعل شكل الظاهرة في موريتانيا،سيما مع تزايدها في العقود الأخيرة،و تسارع وتيرتها،و تقع هذه الظاهرة ضمن ظاهرة الهجرة بشكل عام من موريتانيا،و على الرغم من نُدرة مصادر إحصائية دقيقة لتشخيص ظاهرة الهجرة من موريتانيا،إلا أننا نجد معلومات بحثية،تسعى إلى مقاربة الظاهرة،في حجمها السكّاني،و توزيعها،و تأثيرها،و تفيد بعض الأبحاث في هذا الصدد أن الهجرة الموريتانية،عرفت أنماطا متعددة،شملت:
1ـ الهجرة إلى دول غرب و وسط إفريقيا:
و يَحكُمُ هذا النمط من الهجرة،عاملُ التجارة،إذ أن أغلب المهاجرين من الموريتانيين إلى هذه الدول،هم تجّار و أصحاب مشاريع عمل اقتصادية،و يُعتبَرُ أن هذه الفئة من المهاجرين الموريتانيين،هي الأكبر من حيثُ الحجمُ الديمغرافي،حيث يُقدّر عددهم بمئات الآلاف.
ـ الهجرة إلى أوربا (فرنسا بشكل رئيسي):
عَرفت موريتانيا أكبر موجة هجرة إلى فرنسا،منذ بدايات الستينات إلى وسط الثمانينات،و قد كان من أبرز العوامل في موجة الهجرة هذه،كونُ الطلاب الموريتانيين الأُول أكملوا تعليمهم في فرنسا،و بعضهم بقي فيها،و كانت فرنسا في فترة الهجرة هذه تدعمُ هجرة العمال الأقل مهارة لأجل تعزيز نموّها الاقتصادي،و إعادة إعمارها،و أرسل هؤلاء المهاجرون من موريتانيا إلى فرنسا،و يُقَدّرُ عددهم بالآلاف ،تحويلات مالية،أسهمت في تمويل مدارس و برامج أهلية،و في مرحلة معينة شكلت هذه الفئة من المهاجرين المساهمَ الأول في التحويلات المالية،لكن مع تشديد إجراءات الهجرة إلى فرنسا في أواسط الثمانينات،تقلّص عدد هذه الفئة من المهاجرين الموريتانيين.
2ـ الهجرة نحو الشرق الأوسط:
نتيجة عوامل اقتصادية بالدرجة الأولى،فقد هاجر الكثير من الموريتانيين منذ أواخر الثمانينات،إلى منطقة الشرق الأوسط،و بشكل خاص إلى الخليج،و بشكل أخص إلى دولتي:السعودية،و الإمارات،و في ما يخص الإمارات فقد اعتمدت سياسة لسدّ النقص في اليد العاملة هناك،فتم اكتتاب العديد من الموريتانيين،لشغر وظائف في قطاعات مختلفة:كالبناء،والأمن،و النقل،و الزراعة،و الرعي،و غيرها،و يُلحظ أن نسبة كبيرة من المهاجرين الموريتانيين،إلى هناك لا زالوا يقيمون،و يسهمون عبر التحويلات المالية،في تدشين مشاريع اقتصادية صغيرة.
3ـ الهجرة القسرية (اللاجئون و المُرَحّلون):
حدثت موجة الهجرة هذه إبّان أحداث 1989 العرقية بين موريتانيا و السنغال،حيث تم ترحيل الآلاف في الاتجاهين:من موريتانيا إلى السنغال،و من السنغال إلى موريتانيا.
4ـ الهجرة السياسية و الاقتصادية إلى أوربا و أمريكا الشمالية:
بدأ ت موجة الهجرة هذه في أوائل و أواسط التسعينات،و كان الدافعَ الأول إليها تدهورُ الظروف السياسية و الاقتصادية في موريتانيا،و تُقدَّر هذه الشريحة من المهاجرين،بعشرات الآلاف على الأقل،حيث أنه في الولايا ت المتحدة وحدها،قام مكتب الإحصاء سنة 2000،بتحديد 2225 مولودًا موريتانيًا.
5ـ هجرة النخبة (هجرة الكفاءات):
و هي مجموعة من المهاجرين الموريتانيين،من المهندسين و العلميين و الأكاديميين و الدكاترة،و الماليين الاقتصاديين المهنيين،تتميز بصغر الحجم السكاني،بالمقارنة مع المجموعات الأخرى،لكنّها تُعتبر الأهم،بالنظر إلى تأثيرها على موريتانيا،و ذلك لاعتبارين،يتمثل الأول منهما في كون هؤلاء المهاجرين،يمثلون خبرات هائلة،و كفاءات عالية،وُظفت خارج بلدها الأصلي،و يتجسد الاعتبار الثاني في كون هذه المجموعة من المهاجرين تُمثل إمكانا تنمويا،أكثر من غيرها،و ذلك لقدرتها على الدفع بالتنمية في حالة عودتها إلى البلد الأصل (موريتانيا).[12]
و بِذا يتأكد أن هجرة الكفاءات الموريتانية باتت تمثل ظاهرة اجتماعية،و تأخذ مساحة كبيرة في ما يخص الهجرة من موريتانيا بشكل عام،لا من حيث كونُها الأوسع ديموغرافيًا،بل من حيثُ كونُها الأوسع في التأثير على التنمية في موريتانيا،و التأثير على المجتمع على مختلف المستويات،من اقتصادي،و اجتماعي،و أكاديمي،و غيرها.
ثانيا: أبعاد ظاهرة هجرة الكفاءات
يترتّب على القول أن هجرة الكفاءات، ظاهرة اجتماعية، القولُ أنّها ذاتُ تأثير على المجتمع،و يمتدّ هذا التأثير ليشمل مستويات متعددة،من أبرزها و أكثرها تأثرا بالظاهرة،الأبعاد الثلاثة:السكّاني،و الاقتصادي،و الاجتماعي.
ففي ما يخص البعد السكّاني،تمثل الهجرة بشكل عام،أحد المتغيرات الثلاث المسؤولة عن تركيب وحجم المجتمع (الولادات،الوفيات،الهجرة)،و هي أحيانا تأخذ شكل المتغيّر الأكثر تأثيرا على هذا التركيب و الحجم،سيما بالنظر إلى موجات الحركة السكّانية الكثيفة التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة،كمظهر من مظاهر العولمة،إذ يقف وراء تسارع هذه الموجات،و كثافتها،و تنوّعها،العاملان التكنولوجي و الاقتصادي،بالدرجة الأولى،من حيث توسّع الأسواق العالمية،كما من حيث انتشار وسائل المواصلات الحديثة التي تربط بين مختلف مناطق العالم.
و تعمل الهجرة كظاهرة اجتماعية،على إحداث أكبر الأثر في ما يخص البنية السكّانية للمجتمعات،من حيث تركيبة و توزيع و خصائص السكان،بيد أن هذا البعد يتصل اتصالا وثيقا بغيره من الأبعاد،إذ أن التغير في التركيبة السكانية،ينتج عنه تغير على مستوى التركيبة المجتمعية في المدى البعيد،و تغير كذلك في الناحيتين الاقتصادية و الثقافية.
و داخل ظاهرة الهجرة بشكل عام،تقع ظاهرة هجرة الكفاءات،و هي تأخذ جانبا كبيرا من التأثير في ما يخص البعد السكّاني،و ذلك على المستوى العالمي،من حيث الحركة الكثيفة لكفاءات دول الجنوب باتجاه دول الشمال،و يتعمّق هذا البعد بالنسبة إلى هذه الظاهرة ظاهرةِ هجرة الكفاءات،في ما يتعلق بدول العالم العربي،و دول المغرب العربي بشكل خاص،و لئن كان الأمر يختلف قليلا بالنسبة إلى موريتانيا،إذ أن الكفاءات المهاجرة تمثل على الأغلب النسبة الأقل بين مجموع المهاجرين،إلا أن تأثيرها كمكوّن داخل الظاهرة الكلية (الهجرة بشكل عام)،يتزايد و يتسع بفعل عوامل مرتبطة بعملية التنمية،التي تلعب فيها الكفاءات الدورّ الأبرز،كما من ناحية ثانية يؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى تأثير ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية في البعد السكاني،عاملُ صغر الحجم الديمغرافي الكلّي للمجتمع الموريتاني،الذي يقل عن الأربعة ملايين.
أما في ما يخص تأثير الهجرة في البعد الاقتصادي على المجتمعات المهاجَر منها،فلا شك أنه يبرز كأكثر أبعاد تأثير هذه الظاهرة حضورا،و تلعب التحويلات المالية التي يقوم بها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية،الدورَ الأكبر في ذلك،حيث تسهم هذه التحويلات في تمويل المشاريع الصغرى،و البرامج التنموية،داخل البلدان الأصلية للمهاجرين،و في هذا الصدد أشارت بعض الدراسات الاقتصادية الدولية إلى أن تحويلات المهاجرين باتت تشكّل ثالثَ أكبر دخل عالمي،و أن حجم هذه التحويلات بلغ عام 2006،قرابة 276 مليار دولار،حيث فاقت مساهمتها في اقتصادات بعض الدول النامية،كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى.
و إذا كان تأثير الهجرة اقتصاديا،يظهر في شكل تأثير إيجابي على بلدان الأصل،فإنه من جهة ثانية يرى البعض أن تأثير الهجرة اقتصاديا،و هجرة الكفاءات بشكل أخص،يؤدي أحيانا دورا سلبيا،من حيثُ أنها تؤدي إلى نقص في اليد العاملة في دول الأصل،و بالتالي تؤدي إلى تدهور اقتصادات دول المهاجرين الأصلية،و بالمقابل تعمل على تنمية اقتصادات الدول المضيفة. و يشمل التأثير الاقتصادي بجانبيه الايجابي و السلبي،قطاعات مختلفة،إذ أن الكفاءات المهاجرة،تتضمن متخصصين من مختلف الفروع العلمية،من أطباء و مهندسين،و فنّيين،و علماء اجتماع و نفس،و غيرهم.
و خلاصة القول أن التأثير الاقتصادي لظاهرة الهجرة بشكل عام،و ظاهرة هجرة الكفاءات بشكل خاص يشمل كلا من الدول الأصلية للمهاجرين،و الدول المضيفة،كما أن له جانبين جانب سلبي و آخر إيجابي،و إذا كان الجانب السلبي يتمثل في أن هؤلاء المهاجرين يعملون و ينتجون،و يوظفون كفاءاتهم في دول غيرِ دولهم الأصلية،فإن الجانب الإيجابي يتأكد من خلال التحويلات النقدية التي يرسلها هؤلاء المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية،لكن تجدر الإشارة إلى أن التأثير الاقتصادي لهجرة الكفاءات ذو صلة وثيقة بمجالات التأثير الأخرى،و بعملية التنمية بشكل عام.
و في ما يخص تأثير الهجرة،و هجرة الكفاءات بشكل خاص،في بعده الاجتماعي،فيجدر القول أن هذا البعد بالذات تتداخل فيه مختلف الأبعاد الأخرى،و يشملها بصيغة أو بأخرى،و قد أدت الهجرة منذ القديم و تؤدي في العصر الحالي،تأثيرا كبيرا على البنية المجتمعية و تركيبة المجتمعات،غير أن تأثير هجرة الكفاءات مجتمعيا،بوصفها ظاهرة مجتمعية،يأخذ منحى خاصا،إذ أن كفاءات أي بلد تمثل فيه النخبةَ التي تقع عليها مسؤولية مزدوجة،تجمع بين تأدية أدوارها المطلوبة داخل مجتمعاتها،و بين تنشئة الأجيال القادمة لأخذ زمام المسؤولية و المبادرة. و هجرة هذه النخبة تؤدي دورا عكسيا للدور المطلوب،مما يعني أن التأثير السلبي لهجرة الكفاءات مجتمعيا،يغلب على تأثيرها الإيجابي،و يعني هذا الأخير،أساسا،حالات مساهمة الكفاءات المهاجرة في خدمة مجتمعاتها الأصلية،سواء كان ذلك بالعودة إلى هذه البلدان و الاندماج من جديد في المجتمع للمساهمة في التنمية،أو عن طريق المساهمة عن بعد في التنمية داخل المجتمعات الأصلية،و يتجلى المظهر الأخير أساسا،في ما يعرف بشبكات المعرفة،و التي دعّمت حضورَها و نشاطَها،شبكة الاتصالات و الانترنت،حيث يسعى بعض المهاجرين إلى المساهمة من البلد المهاجَر إليه و المُقَامِ فيه في الربط مع المؤسسات داخل المجتمع الأصلي،بقصد التدريس أو تقديم الخبرة أو إنشاء المشاريع المختلفة التي تدخل في مجال التنمية.
و يعني هذا أن هجرة الكفاءات من حيث تأثيرها مجتمعيا،تعمل على هذا التأثير إيجابا أو سلبا،من خلال علاقة المهاجرين بمجتمعاتهم الأصلية،إذ أن نوع هذه العلاقة هو الذي يحدد مدى إسهامهم مجتمعيا في هذه المجتمعات،و الدفع بها نحو التنمية الشاملة.
إن البعد المجتمعي لتأثير ظاهرة هجرة الكفاءات،يتأكد من خلال النظر إلى الكفاءات المهاجرة،بوصفها من أبرز الفاعلين المجتمعيين،داخل أي مجتمع،إذ هي نخبته التي تقع عليها قبل أي شريحة أخرى مجتمعية،مسؤوليةُ النهوض بالمجتمع،كما يؤخذ في الاعتبار عند النظر نظرة علمية إلى هذا البعد في التأثير،كونُ الكفاءات تجسد (رأس المال البشري).
ثالثا: علاقة هجرة الكفاءات بالتنمية:
يُقصد بالتنمية تلك العملية الشاملة التي تدخل فيها الجوانب الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية،و تهدف إلى تلبية كافة حاجات جميع أفراد المجتمع،من خلال استغلال أمثل للموارد و الإمكانات التنموية داخل المجتمع،و في معناها الأكثر حداثة ترتبط التنمية ارتباطا ضروريا بالعنصر البشري كفاعل تنموي،حيث يُستبدل في التقارير الدولية مفهوم التنمية في عموميته،بمفهوم التنمية البشرية في تأكيده على أولوية العامل البشري في العملية،كاعتبار أول.
و ضمن هذا الفهم لعملية التنمية،فإن هجرة الكفاءات ذاتُ ارتباط أكيد بها،و في السابق كانت العلاقة بين هجرة الكفاءات و عملية التنمية،تُحصر في الجانب الاقتصادي أساسا،بيد أن الوعي تزايد في الفترة الأخيرة بضرورة الأخذ في الاعتبار لكافة أبعاد عملية التنمية في ما يخص علاقتها بظاهرة هجرة الكفاءات،و من ذلك أن منظمة الصحة العالمية،أثارت المخاطر المترتبة على هجرة الكفاءات الطبّية من الدول النامية إلى الدول الصناعية،حيث قدّرت النقص في عدد العاملين في المجال الطبي،على المستوى العالمي،عام 2006 ب 4,3 مليون شخص.[13]
و تشير التقارير و الإحصاءات،إلى أن الوطن العربي يُسهم بنسبة 7% من مجموع الكفاءات المهاجرة إلى الغرب،في حين أن العرب لا يشكلون إلا نسبة 4% من سكان العالم،و يشير الرقم الذي أوردته هيئات الرصد و الإحصاء في العالم العربي،إلى أن العرب خسروا ما يعادل 10,6 مليار دولار،نتيجة هجرة الكفاءات العربية إلى أوربا و أمريكا الشمالية،و التي تقدر بحوالي 24000 طبيب،17000 مهندس،7500 فيزيائي،18200 من الأيدي العاملة الخبيرة و الفنّيين.[14]
و هو ما يعني أن هجرة الكفاءات العربية،تؤثر أكبر التأثير في عملية التنمية،و يشمل هذا التأثير مختلف المجالات التي تعمل فيها الكفاءات المهاجرة، كالطبّ و الهندسة و التقنيات وغيرها.
الفصل الثالث: الدراسة الميدانية
أولا: الإجراءات المنهجية للدراسة الميدانية
اعتمد هذا البحث في جانبه الإجرائي الميداني،على تقنية من تقنيات البحث الكمّي،و المتمثلة في استخدام استمارة استبيان مغلق،و نظرا لأن هذه الدراسة تقع في تصنيف الدراسة الوصفية،وتتناول موضوعا نخبويا، فقد تم اختيار عيّنة قصدية،شملت مجموعة من ذوي التعليم العالي أغلبهم أساتذة جامعيون،و ذلك قصدَ تطبيق استمارة الاستبيان عليهم،لقياس مدى صحة الفرضيات التي يناقشها هذا البحث.
و ضمن هذا الفصل،سوف نقصد إلى عرض بيانات هذه الدراسة الميدانية،و التعليق عليها في ضوء فرضيات البحث،بهدف الوصول إلى النتائج النهائية لهذا البحث،و الجدير بالذكر أن نتائج البحث السوسيولوجي،لا تأخذ صفة (اليقينية) و(الحسم)،بقدر ما تحمل نوعا من (الإضافة المعرفية)،حول موضوع معيّن،و ينطبق ذلك بالخصوص على هذه الدراسة باعتبارها دراسة وصفية.
و قد تضمنت عيّنة هذه الدراسة الميدانية،عشرين شخصا،كان من بينهم 18 ذكور،و 2 إناث،و يُرجع الانخفاض الكبير لنسبة الإناث في العيّنة،إلى عامل صار يمثل ظاهرة،و هي ندرة العنصر النسائي،في المؤسسات التعليمية العالية،كأساتذة،و ذلك ما يمثل التبرير لانخفاض نسبة تمثيل هذا العنصر في هذه العيّنة.
و قد تضمنت استمارة الاستبيان المطبّقة في هذه الدراسة الميدانية،ثمانَ أسئلة،شملت بالترتيب ما يلي:
ـ النوع
ـ بلد الإقامة
ـ حالة العمل
ـ نوع العوامل المسؤولة عن هجرة الكفاءات الموريتانية.
ـ نوع الأسباب الرئيسية لهجرة الكفاءات الموريتانية.
ـ نوع العوامل المحفّزة لهذه الظاهرة.
ـ نوع النتائج المترتبة عليها.
ـ مجالات التأثّر داخل المجتمع الموريتاني بهذه الظاهرة.
و تجدر الإشارة إلى أن السؤال الخاص ببلد الإقامة،لم تُعط بياناته ما يمكن اعتبار متغيّرا حقيقيا،حيث كانت إجابة 19 فردا من العيّنة ب (موريتانيا)،بينما أجاب فرد واحد ب (دولة خارجية)،و مردّ ذلك هو ضيق الوقت المخصص للدراسة،عن تطبيق الاستبيان بشكل إلكتروني،بما يسمح بالحصول على بيانات مهاجرين موريتانيين.
ثانيا: معطيات الدراسة الميدانية
و سوف نعرض نتائجَ الدراسة الميدانية في الجداول التالية:
1ـ توزّع العيّنة حسب حالة العمل:
أعمل | لا أعمل |
11 شخص (9 ذكور و 2 إناث) | 9 أشخاص
( 10 ذكور) |
2 ـ توزّع العيّنة حسب إجابة العوامل الرئيسية المسؤولة عن هجرة الكفاءات:
إنــــــــــــاث | ذكـــــــــــــــــور | ||
لا تعمل | تعمل | لا يعمل | يعمل |
ذاتية 1 ـموضوعية ـ مزدوجة 1 | ذاتية ـ موضوعية ـ مزدوجة 9 | ـ ذاتية 2 ـ موضوعية 3 ـ مزدوجة 4 |
و يتضح من الجدول السابق،أن مجموع البيانات المتحصل عليها في ما يخص نوع الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،هي كالتالي:
ـ ذاتية :3
ـ موضوعية: 3
ـ مزدوجة: 14
و هو ما يعني صحّة الفرضية التي تبنّاها هذا البحث،من حيث أن العوامل المسؤولة عن ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،هي عوامل مزدوجة تشمل ما هو فردي،و ما هو موضوعي. حيث أن نسبة 70 % من أفراد العيّنة سجّلوا إجابة (العوامل المزدوجة)،و يمكن القول بأن المتغير الذي أثّر على هذه الإجابة،هو متغيّر حالة العمل،حيث أن نسبة 64 % من الذين سجّلوا إجابة (العوامل المزدوجة)،هم من العاطلين عن العمل.
3 ـ توزّع العينة حسب إجابة الأسباب الرئيسية وراء هجرة الكفاءات الموريتانية:
ذكــــــــــــــــــــور | إنـــــــــــــــــــــاث | |
يعمل | لا يعمل | لا تعمــــــــــــــــل |
ـ سياسية 1
ـ اقتصادية 6 اكاديمية 1ـ اجتماعية 1 |
ـ سياسية1 ـ اقتصادية 6 ـ أكاديمية 1 ـ اجتماعية 1 | اقتصادية 2 |
و يتضح من الجدول السابق، صحّة الفرضية التي تبنّاها البحث،و التي تقول بأن العوامل الرئيسية وراء ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،هي عوامل اقتصادية بالضرورة،حيث أن نسبة 70% من أفراد العيّنة،سجّلوا إجابة (العوامل الاقتصادية)،و يمكن القول أن متغيّر حالة العمل هنا لم يؤدّ دورا كبيرا في اختيار أفراد العيّنة،لإجابة (العوامل الاقتصادية)،حيث أن ثمة تماثلا في العدد بالنسبة إلى الذكور العاملين و العاطلين.
4 ـ توزّع العيّنة حسب إجابة العوامل المحفّزة لهجرة الكفاءات الموريتانية:
ذكــــــــــــــــــــور | إنـــــــــــــــــــــاث | |
يعمل | لا يعمل | لا تعمــــــــــــــــل |
ـ عوامل الجذب 1 ـ عوامل الطرد 3 ـ الإثنان معًا 5 | ـ عوامل الجذب ـ عوامل الطرد 6 ـ الاثنان معًا 3 | ـ عوامل الطرد 1
ـ الاثنان معًا 1 |
و يتأكد من الجدول السابق،عدمُ صحّة الفرضية التي تبنّاها هذا البحث،في ما يتعلّق،بدور كل من عوامل الجذب و عوامل الطرد،في ظاهرة هجرة الكفاءات،حيث كانت الفرضية كالتالي:
تحفّزُ هجرةَ الكفاءات الموريتانية،عوامل مزدوجة،من ضمنها عوامل الجذب في البلدان المهاجَر إليها،و عوامل الطرد في البلد الأصل.
لكنّ نتائج هذه الدراسة الميدانية،بيّنت أنّ عوامل الطرد في البلد الأصل (موريتانيا)،هي المحفّز الأول لهجرة الكفاءات الموريتانية،حيث سجّلت نسبة 50% من العيّنة إجابة عوامل الطرد،بينما سجلت نسبة 5% إجابة عوامل الجذب في البلدان المهاجّر إليها،في حين سجّلت نسبة 45% إجابة (الاثنين معًا)،و يمكن القول أن متغيّر حالة العمل أدّى دورا في الإجابات،إذ أن نسبة 60% من الذين سجلوا إجابة عوامل الطرد،هم من العاطلين عن العمل.
5 ـ توزّع العيّنة حسب إجابة النتائج المترتبة عن هجرة الكفاءات الموريتانية:
في ما يخص هذا السؤال فقد جاءت النتائج متطابقة تماما،فكان النتيجة أن النسبة كاملةّ في العيّنة 100% سجّلت إجابة أن نتائج هجرة الكفاءات الموريتانية على المجتمع الموريتاني،هي نتائج سلبية،و يفيد هذا بعدم صحة الفرضية التي تبنّاها هذا البحث في بدايته،و التي قالت بازدواجية تأثير هجرة الكفاءات،من حيث أنها تتضمن ما هو سلبي و ما هو إيجابي،حيث بيّنت الدراسة الميدانية تطابق النتيجة،من حيث تسجيل إجابة واحدة لدى كل أفراد العيّنة،هي أن النتائج سلبية.
6 ـ توزع العيّنة،حسب إجابة مجالات التأثر:
ذكــــــــــــــــــــور | إنـــــــــــــــــــــاث | |
يعمل | لا يعمل | لا تعمــــــــــــــــل |
ـ إقتصادية 7 ـ اجتماعية 2 | إقتصادية 7 ـ اجتماعية 2 | ـ إقتصادية 2 |
و يستخلص من الجدول السابق صحة الفرضية التي تبنّاها هذا البحث، و التي ترى بأن مجالات التأثر بنتائج ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية،هي اقتصادية بالدرجة الأولى،حيث سجلت نسبة 80 % من العيّنة إجابة (اقتصادية)،بينما سجلت نسبة 20 % إجابة (اجتماعية).
ثالثا:نتائج الدراسة الميدانية
من أبرز ما يُعنى به البحث الاجتماعي،الكشفُ عن العلاقة بين النظرية و الواقع،و ربط العلاقة كذا بين المعطيات و البيانات كمستوى،و التحليل و التفسير،كمستوى ثانٍ،و إذ ذاك،سنقصدُ في هذا المحور من البحث إلى تبيان العلاقة بين البيانات المتحصل عليها من الدراسة الميدانية،و بعض النماذج التفسيرية لهجرة الكفاءات في علم اجتماع الهجرات.
فطبقا لنظرية عوامل الطرد و الجذب،و التي تصنف أسباب الهجرة الدولية إلى مجموعتين اثنتين فقط هما ـ عوامل الطرد ـ وعوامل الجذب ـ حيث أن عوامل الطرد البسيطة ـ هي الفقر ، والاضطهاد ، والعزلة الاجتماعية ، كما أن عوامل الطرد الصعبة ـ هي المجاعات والحرب والكوارث البيئية ويمكن أن تكون عوامل الطرد عوامل بنائية مثل النمو السكاني السريع وأثره على عمليات التنافس في الغذاء والموارد الأخرى ، كما أن الحرب عادة تنشب بسبب مجموعة عوامل من التوترات العرقية ، ويحتمل أن يكون الفقر أكبر عامل وحيد يقف خلف تدفق تيارات الهجرة الحالية وفي المستقبل وغالباً ما كانت مناقشة الكوارث البيئية سببا يشيع في المستقبل ويقف خلف تيارات الهجرات الكبرى.
طبقا لهذه النظرية،يمكن تفسير البيانات المتحصل عليها من الدراسة الميدانية،حيث أن عوامل الطرد من البلد الأصلي،تقف كمحفّز رئيسي لظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية.
وحسب النتائج التي أظهرتها الدراسة الميدانية المتضمنة في هذا البحث،فإن نتائج هجرة الكفاءات الموريتانية،هي نتائج سلبية على المجتمع الموريتاني،و هو ما يعني أن هجرة الكفاءات الموريتانية،تمثل عائقا تنمويا،و إذ يتوصل هذا البحث في النتائج النهائية إلى هذا المعطى البحثي (سلبية نتائج هجرة الكفاءات الموريتانية على المجتمع الموريتاني)،يجدر بذوي القرار العمل على الحدّ من هذه الظاهرة مستقبلا،و العمل كذلك على جذب الكفاءات الموريتانية المهاجرة من أجل العودة إلى موريتانيا،و من ناحية ثانية تقع المسؤولية أيضا في جزء منها على الكفاءات المقيمة في البلد و التي تشكل نخبة المجتمع.
الخاتمة
تمثل ظاهرة الهجرة بشكل عام إحدى أهم الظواهر السكانية ذات التأثير المباشر على المجتمعات، وضمن نفس الظاهرة تمثل هجرة الكفاءات نمطا من أكثر أنماط الهجرة حضورا وتأثيرا على المجتمعات في الوقت الحاضر، وضمن هذا السياق تناول هذا البحث ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية من حيث العوامل والنتائج في إطار ثلاثة فصول.
وبعد التطرق للجانب النظري داخل هذا البحث من حيث المفاهيم والعلاقة فيما بينها تم الانتقال في الفصل الأخير إلى الدراسة الميدانية التي شملت استقصاء ميدانيا حول موضوع البحث (هجرة الكفاءات الموريتانية.. العوامل والنتائج)، وفي نهاية هذا الفصل الأخير من الدراسة تم الربط بين البيانات المتحصل عليها بواسطة استبيان الدراسة الميدانية والنماذج التفسيرية في علم اجتماع الهجرات.
ومن أهم ما يستنتج من هذه الدراسة أن ظاهرة هجرة الكفاءات باتت تأخذ مساحة تأثير واسعة، وعلى مستويات عدة وبمظهر عالمي، كما أنها تأخذ صيغة تأثير ضمن حيز أكثر خصوصية فيما يخص المجتمع الموريتاني، ويمتد تأثير هذه الظاهرة ليشمل عدة مستويات داخل المجتمع.
ومن أبرز ما يستخلص من النتائج النهائية لهذه الدراسة أن العوامل التي تقف وراء هجرة الكفاءات الموريتانية تتمثل بشكل رئيسي في عوامل الطرد داخل البلد الأصلي (موريتانيا)، ومن ناحية ثانية تظهر في العوامل المسؤولة عن هذه الظاهرة ازدواجية تشمل كلا من الدوافع الذاتية والموضوعية.
وعلى مستوى آخر يستنتج أن تبعات ظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية على المجتمع الموريتاني تنحو منحى سلبيا وتمثل بذلك عائقا تنمويا أكثر مما تمثل إمكانا تنمويا،كما أن هذه التبعات تتركز بشكل رئيسي في المستوى الاقتصادي.
وخلاصة ما يظهر من النتائج النهائية لهذا البحث هو ضرورة الوعي بالتسارع والانتشار الذين تشهدهما هذه الظاهرة سيما في العقود الأخيرة، وضرورة العمل على التقليص من التبعات السلبية لها على المجتمع الموريتاني في الأمدين القريب والبعيد.
قائمة المراجع
1ـ هجرة العقول و آثارها على التنمية ـ منشور بموقع ملتقى المهندسين العرب :www. arab-eng.org،2011.
2ـ المجلة العربية لعلم الاجتماع (إضافات)، 2010، 2011.
3ـ بحث بعنوان:سوسيولوجيا الهجرة،منشور في موقع مجلة العلوم الاجتماعية: www. swmsa.net ، 2009.
4ـ دراسة بعنوان:نظرة عامة على الموريتانيين في الخارج : إبراهيم با ـ ترجمة:عبد القادر ولد الصيام.و هي منشورة في موقع المشهد الموريتاني 2008.
5ـ التقرير الإقليمي لهجرة العمل العربية ـ هجرة الكفاءات العربية،نزيف أم فرص؟ ـ 2008.
6ـ علي الطالقاني:ملف تخصصي:هجرة الكفاءات ظاهرة عالمية ـ المركز الوثائقي و المعلوماتي ـ مؤسسة النبأ للثقافة و الإعلام: www.annabaa.org 2008.
7ـ نبيل مرزوق:هجرة الكفاءات و أثرها على التنمية الاقتصادية ـ جمعية العلوم الاقتصادية السورية، 2008.
8ـ عبد الله إبراهيم : علم الاجتماع (السوسيولوجيا) ـ المركز الثقافي العربي ـ الطبعة الثانية 2006.
9ـ أنتوني غِدِنْز : علم الاجتماع ـ ترجمة: فايز الصُيّاغ ـ المنظمة العربية للترجمة ـ الطبعة الأولى :بيروت 2005.
10ـ معن خليل عمر،و آخرون:المدخل إلى علم الاجتماع ـ الطبعة العربية الثانية:الإصدار الثاني، دار الشروق،2004.
الفهرس
العنوان | الصفحة |
إهداء | |
حق الشكر | |
مقدمة | 01 |
الإطار المنهجي للبحث | 02 |
مشكلة البحث | 02 |
المنهج | 06 |
تحديد المفاهيم | 08 |
أسباب اختيار الموضوع | 09 |
الصعوبات | 10 |
الفصل الثاني: ملامح هجرة الكفاءات | 12 |
هجرة الكفاءات كظاهرة اجتماعية | 12 |
أبعاد ظاهرة هجرة الكفاءات | 16 |
علاقة هجرة الكفاءات بالتنمية | 18 |
الفصل الثالث: الدراسة الميدانية | 20 |
الإجراءات المنهجية للدراسة الميدانية | 20 |
معطيات الدراسة الميدانية | 21 |
نتائج الدراسة الميدانية | 24 |
الخاتمة | 26 |
قائمة المراجع | 28 |
الفهرس | 29 |
ملحق استمارة استبيان الدراسة الميدانية | 30 |
ملحق استمارة استبيان الدراسة الميدانية
الموضوع: هجرة الكفاءات الموريتانية…العوامل و النتائج.
1 ـ النوع: ذكر أنثى
2 ـ بلد الإقامة: موريتانيا دولة خارجية
3 ـ حالة العمل: أعمل لا أعمل
4 ـ هل ترون أن عوامل هجرة الكفاءات الموريتانية، هي:
ـ ذاتية (تخص الفرد) موضوعية (تشمل الجماعة) مزدوجة
5ـ هل ترون أن الأسباب الرئيسية لهجرة الكفاءات الموريتانية، هي:
ـ إقتصادية أكاديمية اجتماعية سياسية
6ـ في رأيكم، أيهما يحفز هجرة الكفاءات الموريتانية:
ـ عوامل الجذب في البلدان المهاجَر إليها عوامل الطرد في البلد الأصل الاثنان معًا
7 ـ هل ترون أن نتائج هجرة الكفاءات الموريتانية، على المجتمع الموريتاني:
ـ إيجابية سلبية
8 ـ يُرجى ترتيب المستويات التالية، تَبَعَ أولويتها، في التأثر بظاهرة هجرة الكفاءات الموريتانية، من وجهة نظركم، و ذلك بتدوين الأرقام في الخانات:
ـ إقتصادية ـ ـ سكانية ـ اجتماعية
ـ عبد الله إبراهيم : علم الاجتماع (السوسيولوجيا) ـ المركز الثقافي العربي ـ الطبعة الثانية ـ 2006 ـ ص:(59)[1]
ـ معن خليل عمر،و آخرون:المدخل إلى علم الاجتماع ـ الطبعة العربية الثانية:الإصدار الثاني،2004 ـ دار الشروق.[2]
3 ـ بحث بعنوان:سوسيولوجيا الهجرة،منشور في موقع مجلة العلوم الاجتماعية: www. swmsa.net بتاريخ:27 ـ مارس ـ 2009
4ـ هي منظمة دولية مكوّنة من مجموعة من الدول التي توصف بالمتقدمة،و بأنها تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية،و اقتصاد السوق الحرّ،و تشمل بلدانا أوروبية و غير أوروبية.المصدر (ويكيبيديا العربية).
ـ المجلة العربية لعلم الاجتماع (إضافات) ـ العدد الحادي عش ـ صيف 2010 ـ ص (7) ، ص (211) .[5]
ـ المجلة العربية لعلم الاجتماع (إضافات) ـ العدد العاشر ـ ربيع 2010 ـ ص (118). [6]
ـ أنتوني غِدِنْز : علم الاجتماع ـ ترجمة: فايز الصُيّاغ ـ المنظمة العربية للترجمة ـ الطبعة الأولى :بيروت ـ أكتوبر 2005 ـ ص:(332)[7]
8 ـ علي الطالقاني :ملف تخصصي:هجرة الكفاءات ظاهرة عالمية ـ المركز الوثائقي و المعلوماتي ـ مؤسسة النبأ للثقافة و الإعلام : منشور بتاريخ:27 فبراير 2008.www.annabaa.org
ـ علي الطالقاني :هجرة الكفاءات (مرجع مذكور)[9]
ـ التقرير الإقليمي لهجرة العمل العربية ـ هجرة الكفاءات العربية،نزيف أم فرص؟ ـ 2008.[10]
ـ المجلة العربية لعلم الاجتماع (إضافات) ـ العدد الحادي عشر ـ صيف 2011 ـ ص (210).[11]
ـ دراسة بعنوان:نظرة عامة على الموريتانيين في الخارج : إبراهيم با ـ ترجمة:عبد القادر ولد الصيام.و هي منشورة في موقع المشهد الموريتاني.[12]
ـ نبيل مرزوق:هجرة الكفاءات و أثرها على التنمية الاقتصادية ـ جمعية العلوم الاقتصادية السورية.[13]
[14] ـ هجرة العقول و آثارها على التنمية ـ منشور بموقع ملتقى المهندسين العرب :www. arab-eng.org
“أقليات” وسكان أصليون
د. عزمي بشارة
في حمّى النزاعات التي عمّت العراق بعد الاحتلال الأميركي وانهيار الدولة، إيذاناً بتفريغ التناقضات شحناتها عبر الصراع الطائفي، وتداخلِ هذا الصراع مع مقاومة الاحتلال، جرت عملية تصفيةٍ للوجود المسيحي التاريخي في العراق. وبدت هذه في استفحالها وكأنها ممنهجة. فلم يسلم المسيحيون العراقيون من طائفيي أي طرفٍ، عربياً كان أم كردياً. وفي ظلمة أزقة الصراعات الأهلية، وعتمة شعابها، يسهل التعرّض للفئات المستضعفة: المدنيون الذين لا يحملون السلاح من الأطراف كافة، والأقليات التي لم تنتظم في مليشيات.
فقد كثير من المسيحيين العرب (وغير العرب) من السكان الأصليين للمشرق العربي الشعور بالأمن والأمان، فثمّة من يدفعهم إلى الشعور بالغربة في مدن وقرى وجبال ووديان سوريا الطبيعية والهلال الخصيب التي عاش أسلافهم فيها منذ ما قبل الإسلام، هذا عدا مصر واليمن والجزيرة العربية عموماً. وقد عدّدت كتب السيرة النبوية وكتب التاريخ وأخبار الرجال أسماء قبائلهم وعشائرهم، من نجران إلى غسّان وديار بكر؛ وفي وادي النيل من الحبشة حتى الإسكندرية، منذ ما قبل الإسلام مروراً بأيام الفتح الإسلامي.
وكون هؤلاء عموماً من السكان الأصليين لا يعني أن المسلمين وافدون طارئون، إذ أسلم قسم كبير من السكان الأصليين أنفسهم، كما أن من وفد فاتحاً ما لبث أن اختلط بسكان البلاد، وأصبح أصيلاً بمرور السنين. كما دخل الحواضر الشامية والمصرية من بعده مماليك ترك وكرد وألبان، وقفقازيون من إثنياتٍ مختلفة. امتزجوا وأسهموا جميعا في تشكّل حضارةٍ جديدةٍ، هي الحضارة العربية الإسلامية. وبقيت بعض الأطراف معزولةً لم تنصهر في مزيج المدينة العربية، وحافظت على هوياتٍ ولغاتٍ أخرى. ولكن الجسم الحضاري الرئيسي في بلادنا هو نتاج هذا المزيج، إنه عرب هذه الأيام.
ومن وسائل إشعار المسيحيين بالغربة في بلادهم التأكيد المستمر على أنهم أقلية، مع أن الكثرة الكاثرة منهم جزءٌ من الأغلبية العربية. إنهم أقليةٌ لأنهم ولدوا لأُسَرٍ تعتنق ديانة مختلفة، مثلما ولد المسلمون في عائلات كهذه، من دون أن يختاروا دينهم أو مذهبهم، ومن دون أن يتنكّروا له. ولو كان المسيحيون أقلية، فبوصفهم سكاناً أصليين من المفترض أن يُمنحوا امتيازاتٍ ثقافيةً جماعيةً تعوّضهم عن التحول إلى أقلية. وما دام الحال مختلفاً في بلادنا، فلنتحدث إذاً عن الحقوق على الأقل. لا علاقة للعدد، قلةً أو كثرةً، بمسألة الحقوق. ولا يفترض أن تتدرّج المواطنة الحديثة رتباً ومراتب، بموجب حجم الجماعات التي ينتمي إليها المواطن على مستويات أخرى غير المواطنة، من العائلة والحارة والمهنة وحتى الطائفة والقومية. فالمواطنة لا تعيّر الناس بقليل العدد، ولا تفضلهم بكثيره. (الاستعارة من قصيدة السموأل بن عادياء ومطلعها “إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه/ فكل رداءٍ يرتديه جميل”).
والسكان الأصليون الذين فقدوا الهيمنة الثقافية الحضارية، يحافَظ عليهم مواطنينَ أفراداً لناحية الحقوق، وجماعةً بوصفهم جزءاً من تاريخ البلاد نشداناً للحفاظ على تنوع المجتمع وغناه. فهذا التنوع أصيل. والدخيل ليس التنوع، بل التجانس المجرد المفروض بالقسر والإملاء من جهة، والإقصاء والدفع إلى الهجرة من جهة أخرى. إنه الدخيل حقاً. مع أن التنوع المعطى هذا، لم يكن بالضرورة دليل تسامحٍ سائد، أو تعدّدية مقوننة بمعناها الذي نفهمه في عصرنا. فقد ساد الاضطهاد الديني في مراحل كثيرة، كما ساد التساهل والتعايش في فترات أخرى. المساواة في الحقوق للأفراد والضامنة لتنوع الجماعات مسألةٌ حديثة، تماماً مثل الديكتاتورية والديمقراطية، والحرية السياسية والأنظمة الشمولية وغيرها.
وللتمسّك بما تسمى “الأقليات” أسباب أخرى أقلّ مبدئية، مثل الاستفادة من نزعتها الغالبة للاستثمار في التعليم والمهن الحرة، والمبادرة في الاقتصاد، وذلك لأسبابٍ تاريخيةٍ متعدّدة، لا يتسع المجال هنا للخوض فيها. وهذا الدأب يعود بالخير على المجتمعات غالباً، مع أنه عاد وبالاً على الأقليات نفسها في مراحل مختلفة، لا مجال للتوقف عندها، والتأمل فيها في عجالة. ولا ينطبق ذلك على الأقليات كلها (بل على تلك التي حرمت فتراتٍ طويلةً من العمل في الدولة والجيش، كما حرِمت من ملكية الأرض)؛ ولكن يمكننا القول إن البلدان العربية خسرت تنوعاً مثرياً، وقدرات كفاءاتٍ بشريةٍ لا تعوض بفقدان بعض الحواضر أقلياتٍ دينيةً ومللاً فاعلة ونشطة، والأهم أنها بفقدانها التنوع راحت تفقد ذاتها.
وأخيراً، وفي سياق الحديث عن الأقليات المسلمة وغير المسلمة في أوروبا، وحالة عدم الاستقرار، دارت مناقشة لوضع المسيحيين العرب من باب المقارنة. ولا شك أن أمام أوروبا الديمقراطية الليبرالية طريقاً طويلاً للتوصل إلى صيغةٍ لاستيعاب هذه الهجرات، وتجاوز التمييز والإسلاموفوبيا. وقد قطعت طريقاً طويلاً حتى الآن، قياساً بما كان عليه الوضع قبل عقود، سيما وأن عدد اللاجئين والمهاجرين ازداد بشكل ملموس. والمهاجرون اللاجئون، هذه المرة، من أبناء الأكثرية غالباً، فأكثرية الشعب السوري تعاني من حرب الإبادة والتهجير التي يشنها النظام على هذا الشعب.
لكن مناقشة وضع المسيحيين العرب من هذه الزاوية تجنّ على الحاضر، وافتراءٌ على التاريخ. ليس المسيحيون العرب مهاجرين في أوطانهم، إنهم سكان أصليون. وإذا كانت أوروبا تطلب من المهاجر أو اللاجئ أن يحترم مسالك العيش في مجتمعه الجديد وثقافته، وأن يحاول الاندماج فيه، من دون أن يتخلى عن ديانته وعباداته، فذلك لأنه وافد إلى هذا البلد، “اختار” القدوم إليه، من زاوية نظرهم. وعليه، بالتالي، أن يقبل بأسس العيش المشترك ومنها تعلم اللغة. ولا يسلم ذلك من النقاش والطعون، فثمّة تيار واسع يؤكد على التعدّدية الثقافية في المجتمع الديمقراطي، ويحث على احتفاظ المهاجرين بثقافاتهم، وتيار آخر يؤكد على الاندماج. ولكن، لن تجد قوى أوروبية جدية وازنة تعترض على حرية المعتقد والعبادة للمسلمين. وعلى كل حال، فإن حقوق المسلمين في أوروبا أفضل بدرجاتٍ من حقوق المسلمين والمسيحيين في بلدانهم الأصلية.
المسيحيون العرب أكثر اندماجاً في المجتمع العربي من المسلمين في أوروبا، مع أنهم ليسوا مهاجرين، وهذا غير مطلوب منهم، بوصفهم سكاناً أصليين. لقد نمت في هذه الأصقاع، وتطورت عبر القرون ثقافةٌ عربيةٌ مشتركةٌ تجمع الناس. وأصبحت بعض عناصر هذه الثقافة معطياتٍ لا قسر فيها. ولكن، ثمّة قوى سياسية واجتماعية لا تألو جهداً لتقويضها، ليس فقط بالتأكيد على الفرق الذي لا تحتمله نفوسهم، فينغّص عليهم عيشهم، كما يبدو، وإنما أيضاً بالتحريض على الآخرين من هذا المنطلق، عبر خلط الفوارق الدينية والمذهبية بالمواقف السياسية، وجعل الفرق تنابذاً وتخاصماً يحيل العيش المشترك جحيماً. إنهم المتعصبون من الطوائف كلها.
بعض الدول العربية والإسلامية لا يكفل حرية العبادات حتى اليوم، على الرغم من الصراخ بشأن حرية العبادة في مناطق أخرى من العالم، ولا يُمنح المواطن مساواة في الحقوق. ولكن هذه الدول لا تطلب من الأجانب المقيمين بيننا تعلم لغتنا العربية، وتمحض الأجنبي، ولا سيما الغربي، على ديانته المختلفة، احتراماً وتقديراً لا يحلم بهما ابن الوطن، بغض النظر عن ديانته. ثمّة مركبات نقص مخيفة فاعلة هنا.
وما زالت الهوية الطائفية والعشائرية وأصول والدِ المواطن ووالدته ونسَبِهما تلعب دوراً في تحديد مكانته في المجتمع، بغض النظر عن كفاءاته وقدراته الذاتية وتحصيله وإسهامه في بناء بلده.
ولا بد أن تكون هذه القضايا على جدول أعمال القوى الديمقراطية العربية، ومن أهم مطالبها، وفي مقدمتها المساواة في الحقوق واحترام الفوارق في ظل المشتركات. وتنتظرهم مهمات شاقة على مستوى تثقيف النخب والناس عموماً. وتكفي نظرة خاطفة إلى الأفكار المسبقة السائدة على مستوى بسطاء الناس، واستغلال النخب السياسية لها لندرك حجم التحدي.
ولا يفترض أن يكون الرد على التحريض العنصري والإقصاء الطائفي بالتأكيد على إنجازات المسيحيين، أو غيرهم، في الحضارة الإسلامية أو في بناء الأوطان، فهذا موقفٌ تبريريٌّ دفاعيٌّ يتوسّل حسن المعاملة، ويتعامل مع الحقوق كأنها مكرمة أو مكافأة على الإنجازات وحسن السيرة والسلوك. حسناً إذاً، ماذا يكون، في هذه الحالة، مصير حقوق مواطنة من ليس قائداً وطنياً، ولا صاحب إنجاز علمي أو أدبي؟ ليست حقوق المواطنة مشروطةً بالنجاحات، ولا يفترض أن تقوم على سجل إنجازات. الحقوق مشروطة بالمواطنة وحدها. وليس على المواطن أن يثبت لأحد شيئاً، بل أن يحترم مواطنته وسيادة القانون. يصح هذا لأي دولةٍ حديثةٍ، يكون فيها الناس مواطنين وليس رعايا.
وإن من يدّعي أنه يناضل ضد الديكتاتورية، ويحرّض على المواطنين المختلفين عنه في المعتقد بتعميماتٍ فظة، يفقد أي شرعيةٍ مشتقة من كونه ضحية الاستبداد، فهو بذاته مستبد، ولا يرغب الديمقراطيون بالتأكيد أن يجازفوا باستبدال استبدادٍ بآخر.
ليس في حقوق المواطنة أكثرية وأقلية، فالحقوق لا تخضع لمثل هذا التقسيم. أما من يحسب حقوق المواطنة بناءً على الانتماء الديني أو العشائري أو الجهوي، ويصنّف المواقف السياسية بموجبه أيضاً، لا علاقة له بالديمقراطية، سواء أكان حاكماً أم معارضاً، سجيناً أم سجّاناً.
من ناحية أخرى، القيادات التي تنصّب نفسَها على الهويات والطوائف والأقليات، وتراهن على الاستبداد أو الاستعمار، وتثقف جمهورها أن يراهن عليهما حمايةً له من بطش أغلبية تشك بمدى إخلاصها للتعايش وولائها لفكرة المساواة بين البشر، إنما تخلق حلقةً مفرغةً، إذ تثير الشكوك وتذكي نار الأحقاد، وتسهّل التحريض الطائفي المقيت ضدها، فثمة علاقة وثيقة لا يجوز تجاهلها بين مظلومية الأقلية ومظلومية الأكثرية.
العلمانية والدولة المدنية العربية
أ.د . السيد ولد أباه
الآراء الوردة في المقلات تعبر عن آراء و توجهات كتابها و لا تعس ضرورة رأي المركز
مركز (مبدأ ) ينظم دورة تكوينة حول إدارة الحملات
نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الانسانية (مبدأ) دورة تكوينة استفادت منها مجموعة من المتطوعين في جمعية الحطاء الثقافي و الاجتماعي اضافة الى مجموعة من الشباب الجامعيين .
الدورة التكوينية التي أنعشها المدرب لمرابط احمد رمظان كانت حول ادارة الحملات ، و قد استفادة المشاركون في الدورة من الادوات و الاليات الرئيسة التي يجها النشطاء في مجال اعداد حملات ناجحة ، خاصة في المجالات الاجتماعية و التطوعية و المناصرة ، التي تعد ابرز فعل يلجأ اليه المناصلون و الفاعلون الاجتماعيون .
وقد تم تقسيم افادات المشاركة على المشاركين في هذه الدورة التكوينة و التي تمثل استمرارا لنشاطات المرتكزة على دعم قدرات الشباب و تقديم الخبرة في عديد المجالات التي تهم الحياة النشكة للمجتمع .
يذكر ان المركز سينظم في الايام القادمة دورة حول الاشاد الاجتماعي اضافة الى انشطة اخرى يعتزم المركز تنظيمها في الفترة القادمة .
التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي
أمحمد الداسر
أستاذ جامعي قيدوم آلية الحقوق بالمحمدية
المقالات و البحوث الواردة تعبر عن رأي اصحابها و لا تعكس آراء و توجهات المركز
يعتبر مفهوم التحول الديموقراطي من المفاهيم التي شغلت طموح المجتمع السياسي بدول المغرب العربي، فكل الفاعلين السياسيين يعلقون آمالا واعدة على المرحلة الراهنة، ويستبشرون خيرا بما قد يحصل سيما وأن فكرة الانتقال نحو أنظمة تعترف بحقوق الفرد وحرياته وبفائدة التعددية السياسية، قد فرضت نفسها على أولئك الذين يعارضونها. يعتبر مفهوم التحول الديموقراطي من المفاهيم التي شغلت طموح المجتمع السياسي بدول المغرب العربي، فكل الفاعلين السياسيين يعلقون آمالا واعدة على المرحلة الراهنة، ويستبشرون خيرا بما قد يحصل سيما وأن فكرة الانتقال نحو أنظمة تعترف بحقوق الفرد وحرياته وبفائدة التعددية السياسية، قد فرضت نفسها على أولئك الذين يعارضونها. فالديموقراطية أصبحت تحتل القيمة الأولى في سلم المعايير السياسية، آما أضحت مطلبا من بين المطالب الاجتماعية الأولى، بل من الضرورات والاحتياجات الأولى التي أصبح المواطن المغاربي أو العربي في حاجة ماسة إليها. في البداية لابد من تمييز التحول الديمقراطي عن الانتقال الديمقراطي : فالأول هو مرحلة متقدمة على الانتقال الديموقراطي وتتميز بالصعوبة والتعقيد، ويتمثل التحول الديموقراطي في التغيير البطيء والتدريجي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بلد ما، دون التنكر لما سبق تحقيقه بالاعتماد على التجارب السابقة قصد الاستفادة منها، آما يقع في المغرب مثلا ودول أخرى. فالتجارب السياسية التي عرفها المغرب قد تؤخذ بعين الاعتبار عند آل عملية إصلاح جديدة. أما الانتقال الديمقراطي فيعني المرور من مرحلة إلى أخرى عبر اعتماد أسلوب جديد في إدارة الشأن العام آما وقع بالجزائر مثلا، حيث تم تحت ضغط الشارع عن الحزب الواحد والمرآزية الديموقراطية لاعتماد التعددية الحزبية والديمقراطية الليبرالية، أو دولة موريتانيا التي انتقلت من نظام عسكري إلى نظام سياسي برلماني يحتكم إلى أسس وقواعد النظام الليبرالي. وبالرجوع إلى بداية الانتقال الديموقراطي بدول المغرب العربي يتبين أن هناك اختلافا في الرؤى والاستراتيجيات، آما أن هناك تفاوتا في هذا المجال بين مكونات المغرب العربي، ونجاح التحول الديموقراطي في تلك الأقطار يبقى رهينا بشرطين : 1. سن سياسة دستورية تهدف إلى مواآبة تفاعلات النسق السياسي والاجتماعي عند تبني أي إصلاح مرتقب، وذلك بالاستناد على الخلفيات التاريخية والشروط الاجتماعية. 2. الحصول على الحد الأدنى من التراضي بين الفاعلين على نوعية الإصلاح ومراميه، وهذا يفترض أن تكون هناك مفاوضات قبلية تروم توحيد الخطط والأهداف، تبعا لموقع آل طرف في ميزان القوى، شريطة أن تبقى روح المنافسة والمعارضة قائمة لتحقيق تلك الأهداف والإستراتيجيات. ولا يخفى علينا أنه ابتداء من أواسط الثمانينيات، بدأت الدولة العربية والمغاربية على الخصوص تتأقلم تدريجيا مع ما آان يعرفه العالم من تطورات متلاحقة للأحداث، مما حدا بها إلى الإقبال على التحولات الديموقراطية حتى لا تبقى بعيدةعما يجري حولها. فالتحولات الديمقراطية بالمغرب العربي ساهمت فيها عدة عوامل داخليةوخارجية، فتظافرت الجهود منذ أواخر الثمانينيات إلى يومنا هذا من أجل النهوض بالأنظمة السياسية المغاربية. فما هي أهم العوامل الداخلية والخارجية التي مهدت لإنطلاق مسار التحول الديمقراطي بدول المغرب العربي؟ وما هي المنجزات التي ثم تحقيقها في هذا المسار؟ وهل يمكن القول بأن الدول المغاربية استطاعت بالفعل إحداث قفزة ديموقراطية حقيقية؟ أم أن هناك عراقيل تجعل المشوار الديموقراطي المطلوب مازال طويلا؟ 1 – العوامل الداخلية : – فمن بين العوامل الداخلية التي ساهمت في بناء الصرح الديمقراطي المغاربي الانكباب على بناء دولة وطنية قوية وفاعلة يمكن أن تؤثر على الترآيبة الاجتماعية والإثنية للدول المغاربية، قصد تفكيك البنى التحتية والهياآل القبيلة التي تتنافى وبناء الدولة الديموقراطية.بحيث يتعين أن يكون الولاء للدولة بدل القبيلة من جهة، ومن جهة ثانية سوف تتطلع هذه الدول بدور فعال ومهم من أجل تكريس مفهوم الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات العرقية والقضاء على التراعات الدينية والتعصب المذهبي إلى غير ذلك من أسباب الشتات والتفرقة. وهذا من شأنه أن يساهم في احداث مؤسسات منتخبة، تمثل المواطنين وتنبثق عنها الأجهزة الحاآمة. وقد ظهرت الدولة آمسجد للكفاح الوطني وآقوة وحيدة مما مكن من إحداث ثورة داخلية، قصد تحديث وعصرنة المجتمع السياسي، وتأسيس الاندماج بين الرمزية والواقع. ونتساءل هنا عن نوعية الإيدلولوجيا السياسية التي سوف تتبناها آل دولة على حدة بعد الاستقلال وآذا الطريقة التي ستعتمدها لبناء آيانها؟ فإذا ما رجعنا إلى الخلفية الدينية والاجتماعية والسلالية وآذا إلى نمط الاستعمار الذي خضعت له آل دولة من دول المغرب العربي، سوف نلمس بجلاء الاختلافات الموجودة بينها. فبالنسبة لتونس مثلا، وآما يرى الأستاذ عبد اﷲ العروي، فقد آانت دائما أقرب إلى دولة عصرية على الشاآلة الأوربية وقادرة على تحقيق الانصهار الذي طالما تأخر إنجازه، حتى يحصل توافق وتلاءم بين المجتمع والدولة. وقد ساعد في تحقيق هذا التقدم المجتمع التونسي نفسه المتميز بالعقلنة والعلمنة، اللتان ساهمتا في تجنيبه آثيرا من الحزازات، وآذا إلى ترآيز السلطة بيد حكومة مرآزية وإحداث دولة قوية. آما نهجت تونس وحدة التعليم بهدف الوصول إلى إرساء منظومة تربوية عصرية غير نخبوية، وتجنب إقامة نوع من الإزدواجية في التعليم آما حصل في المغرب. وفيما يتعلق بالجزائر فالقطيعة تكاد تكون مطلقة بين المخزن التقليدي والدولةالجديدة ما دام الاستعمار قد حطم النخبة القائمة وأزاح الزعامات التقليدية الوسطىوقضى على جميع الرموز، فكان لابد أن تأتي المبادرة من القواعد الشعبية لا منالمرآز. وبالرجوع إلى دور الدولة القومية في تكريس مفهوم الوحدة الوطنية من خلال نبذ النزاعات القبلية والتعصب الديني أو اللغوي، يمكن أن نقول أنها قد أفلحت إلى حد ما في تحقيق هذه الغاية وذلك من خلال إحداث مؤسسات تمثيلية. لقد سعت الدولة المغربية بعد حصولها على الاستقلال إلى بناء دولة الحق والمؤسسات منذ أواسط الخمسينات، فالمغرب منذ انتقاله إلى عهد الحرية والسيادة لم يدخر جهدا في إيجاد الإطار المؤسساتي الأمثل لممارسة الديمقراطية، فسار على النهج الفرنسي باختياره لنمطين من الديمقراطية، أي الديمقراطية النيابية والديمقراطية شبه المباشرة عبر الاستفتاءات .فمنذ سنة 1956 وهو يبني اللبنات الأولى لدولة عصرية وقوية وذلك على مستويين : – المستوى القانوني حيث عرف المغرب منذ 1956 إلى 1962 ميلاد مجموعة من النصوص القانونية والظواهر المنظمة لعمليات الانتخاب، حيث بادر إلى إجراء انتخابات جماعية، ثم إلى وضع الدستور الأول الذي مهد الطريق إلى تنصيب المؤسسات السياسية المنصوص عليها في الدستور، آما بدأ بإصدار نصوص تكرس ممارسة الحريات آظهير الحريات العامة والظهير المنظم لقانون الوظيفة العمومية… – على المستوى التطبيقي انطلق المسلسل ابتداء من تنصيب المجالس الجماعية سنة 1961 إلى الانتخابات التشريعية لسنة 1963، التي أفرزت أول مؤسسة برلمانية بالمغرب مكونة من غرفتين. وهكذا فقد اآتمل البناء الدستوري والقضائي والإداري ابتداء من ذلك التاريخ مما اعتبر تدعيما للدولة القومية. ومن شأن هذه المؤسسات التمثيلية أن تشد البنيان الاجتماعي والسياسي المغربي، وتحول دون أي تفرقة وانفصال، باعتبار أنها مؤسسات آل المغاربة. وقد عرف المغرب إلى يومنا سبعة تجارب برلمانية، أسفرت التجربة الأخيرة عن تشكيل حكومة التناوب التوافقي. أما فيما يخص الجزائر ذلك القطر المغاربي الأآبر من حيث المساحة، الذي لم يعرف حكما مرآزيا حقيقيا إلا بعد أن استقل عن فرنسا سنة 1962 فقد تبنى النهج الاشتراآي على الطريقة السوفياتية شكلا. ونظرا لتبنيه نظام الحزب الواحد، فقد آان البرلمان المنتخب آنذاك أو مجلس الشعب ذا لون واحد وأعضاؤه آلهم ينتمون إلى جبهة التحرير الوطني، ولم تكن هناك معارضة بطبيعة الحال. لكن بعد وفاة هواري بومدين بدأت الجزائر تتبع أسلوبا مغايرا على عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، حيث انتقلت الجزائر خلال أواخر حكمه من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية سنة 1989 بناء على الدستور الجديد، آنتيجة للاضطرابات والاحتجاجات المسلحة لسنة 1988 في نطاق ما اصطلح عليه بخريف الغضب. وهكذا ظهرت على الساحة السياسية الجزائرية ما يربو على خمسين تنظيما سياسيا من أبرزها جبهة الإنقاذ الاسلامية، آما أجريت في الجزائر انتخابات تشريعية سنة 1991، آان فيها النصر المطلق لجبهة الإنقاذ الإسلامية الشيء الذي أثار دهشة العسكريين والأوساط السياسية، فاضطر القادة العسكريون إلى إقالةالرئيس الشادلي بنجديد، باعتباره المسؤول عن هذه التطورات التي ليست في صالحالبلاد حسب تقديرهم. هذه المحاولات الانتخابية أفرزت اختلالات خطيرة فيالمجتمع الجزائري، وفتحت الباب على مصراعيه للتشرذم والتشتت والعنف الذي لا زال يحصد المآت من الأرواح البريئة. وفيما يتعلق بتونس، فإنها آذلك أقدمت على عدة انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية، من أجل إفراز مؤسسات تمثيلية حقيقية تذوب فيها آل الحزازات والخلافات الداخلية بين مختلف الفرقاء السياسيين،وتتميز تونس بخاصيتين هامتين : – وجود حزب مهيمن على الحياة السياسية والدستورية بالبلاد – التوجه الليبرالي الذي نهجته البلاد منذ الاستقلال. ونشير إلى أن النظام التونسي تميز بنوع من الإستقرار السياسي على عهد الجمهورية الأولى آما يصطلح على تسميتها من قبل بعض المهتمين والباحثين في الشأن المغاربي، ويربطها هؤلاء بالعهد البورقيبي إلى سنة 1957. وتتميز المرحلة الممتدة من العهود الأولى للإستقلال حتى تغيير السابع من نوفمبر بنوع من الجمود، فعلى الرغم من أن الإنتخابات آانت تجري بكيفية دورية ومنظمة، فإن المؤسسات التمثيلية التي أفرزتها آانت تعكس الوضع السياسي المتفشي آنذاك : أي تكريس هيمنة الحزب الواحد – الحزب الإشتراآي الدستور – على الرغم من آون الدستور لا يتعارض وقيام أحزاب سياسية أخرى. وبعد التغيير السياسي الذي عرفته تونس في يوم السابع من نوفمبر، استحوذ الرئيس زين العابدين بن علي على السلطة، مؤآدا أحقيته في تنحيه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بناء على تقرير طبي مفصل يثبت عجز الرئيس بورقيبة عن أداء مهامه الدستورية، استنادا إلأى الدستور التونسي الذي يعطي الحق للوزير الأول أن يحل محل رئيس الجمهورية في حالة وفاة أو العجز أو أي عائق آخر. أما بالنسبة لموريطانيا التي تعرف مجتمعا قبائليا وعشائريا يتشكل من فصائل وعرقيات متشتتة، فإن العملية السياسية تبقى معقدة ويصعب بالتالي توزيع الأدوار وتقاسم السلطة بها.لقد شهدت موريتانيا تطورات سياسية متلاحقة من المرحلة الإنتقالية نحو الإستقلال سنة 1959، ثم مرحلة المختار ولد دادة الذي جمع بين يديه آل السلطات بناء على دستور 1961 إلى مرحلة الانقلابات العسكرية التي أطاحت به سنة 1978، حيث استأثر الضباط العسكريون بالسلطة، إلا أن فترتهم لم تعرف استقرارا آبيرا حتى مجيء معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع إلى السلطة الذي استطاع تثبيت نظامه، فعمل على إصدار دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية في ظل التعددية الحزبية. فيما يخص ليبيا فإنها لم تنهج نفس التحول آما في مثيلاتها الدول المغاربية، حيث أنها ترفض التعددية ولا تجري فيها انتخابات في إطار التنافس من أجل إنشاء مؤسسات تمثيلية تعكس مختلف التوجهات والآراء، آما رفض النظام الليبي العمل بالمؤسسات الوسيطة والنخب وطبقة البيروقراطيين والأحزاب، وذلك للحد من النفوذ القبلي الذي قد يهدد آيان الدولة، وتم الإعتماد فقط على اللجان الشعبية والمؤتمر الشعبي العام لتقوية الوحدة والتضامن والانصهار للحفاظ على الدولة. – لم يقتصر جهد دول المغرب العربي على بناء الدولة الوطنية وتدعيم الاستقلالالسياسي، بل حاولت آل دولة من بينها عصرنة الأجهزة الإدارية والقضائية، فكلالدول ما عدا ليبيا أخذت بنفس النظام المطبق في فرنسا فيما يخص طريقة التنظيمالإداري، ولا سيما فيما يتعلق بالإدارة الترابية. وقد عمل المغرب في البداية على ترسيخ مفاهيم وأسس الإدارة الحديثة باعتماد أساليب المرآزية الإدارية واللاترآيز الإداري ثم اللامرآزية الإدارية، وذلك لبناء ديموقراطية محلية تدريجيا، رغم الصعوبات المتمثلة في ضعف المستوى الفكري والمادي للساآنة المغربية. لكن تطوير الإدارة وتطوير عملها حتى تقوم بالدور المنوط بها أحسن قيام، لن يتأتى إلا مع بداية الثمانينات موازاة مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي آان يهدف إلى تحقيق نوع من الاستقرار على المستوى الفكري والمادي للساآنة المغربية. لكن تطوير الإدارة وتطوير عملها حتى تقوم بالدور المنوط بها أحسن قيام، لن يتأتى إلا مع بداية الثمانينات موازاة مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي يهدف إلى تحقيق نوع من الاستقرار على المستوى الماآرو اقتصادي، آبداية لمسلسل الإصلاحات الإدارية الذي شمل بعض دول المغرب العربي التي عرفت اقتصادياتها طابعا ليبراليا وانفتاحا آبيرا على الخارج، موازاة مع تخلي الدولة عن دورها لفائدة القطاع الخاص. وهكذا فتحت أوراش آبيرة منها عقلنة تسيير الشأن العام وخوصصة القطاعات ذات الطابع التجاري، وتحديث التسيير بالنسبة للموارد البشرية. هذه الأوراش وغيرها تمليها عدة أسباب منها : عياء الهياآل والأجهزة الإدارية وآذا سوء التسيير والتدبير. هذه الإصلاحات الإدارية لم تعرف بالطبع نفس التطور لدى آل الأقطار المغاربية لاسيما الجزائر وليبيا. فالجزائر خضعت لنظام الحزب الواحد والاقتصاد الموجه منذ الاستقلال، ولم يبدأ فيها مسلسل الإصلاحات إلا مع سنة 1988 التي يعتبرها الخبراء سنة التحولات الكبرى في مجال الإصلاحات السياسية والدستورية والإدارية والاقتصادية، وذلك بعد التخلي عن الإيديولوجيا الاشتراآية. وهكذا بدأنا نلاحظ تلاشي التيار المرآزي المتشدد على مستوى القرارات الإدارية، وتم الحد من هيمنة الدولة باشراك فعاليات جديدة من المجتمع المدني فيما يخص التسيير وإدارة الشؤون الجهوية والإقليمية والمحلية. أما بالنسبة لليبيا التي مازالت تعتمد الإيديولوجيا الاشتراآية بقيت بعيدة شيئا ما عن الإصلاحات خصوصا مع الحصار الاقتصادي الذي طبق عليها زهاء عقدا من الزمن. أما فيما يخص موريتانيا فلا ننفي عنها إرادتها الطموحة لعصرنة أجهزتها الإدارية، حيث أقدمت منذ سنة 1988 بتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تطبيق برنامج واسع للتقويم الاقتصادي يهدف إلى إيجاد التوازن الداخلي بالنسبة للتفاوت الملاحظ وإلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتأهيله للدخول في اقتصاد السوق. إضافة إلى هذه الإصلاحات الإدارية عملت أيضا الدول المغاربية على إصلاح أجهزتها القضائية، واعطائها نوعا من الاستقلالية آما تنص على ذلك دساتيرها، باستثناء ليبيا التي ترفض الديموقراطية الغربية . إلا أن المفهوم الديموقراطي الحقيقي الذي يضمن هذه الاستقلالية، يبقى إلى حد ماغير متوفر وبالتالي لا وجود لاستقلالية القضاء إلا على المستوى النظري. وعلىالعم وم تبق ى التجرب ة المغربي ة رائ دة ف ي ه ذا المج ال ويمك ن أن نعتم دها آنم وذجللمقارنة بالنسبة لمثيلاتها في المغرب العربي نظرا للمجهودات التي أبذلت لإصلاحالقطاع القضائي منذ دستور 1992، رغم الحاجة إلى المزيد من الإصلاحات في هذاالقط اع لاتم ام بن اء دول ة الح ق والق انون. وتبق ى ليبي ا الغائ ب الأآب ر ع ن ه ذهالإصلاحات وبالتالي بعيدة عن تكريس دولة الحق والقانون. ان آل هذه الإصلاحات السياسية والإدارية والقضائية، الهادفة إلى تحقيق تحول ديموقراطي في دول المغرب العربي، لا يمكن تحقيقها وإنجازها دون وجود أطراف فاعلة تشارك بشكل جدي وتنخرط في العملية الديموقراطية. * دور الأطراف الفاعلة في التحول الديموقراطي بالدول المغاربية : – أول الفاعلين في عملية التحول الديموقراطي في الدول المغاربية نجد المجتمع المدني، الذي يعتبر السند الرئيسي الذي تقوم عليه مقومات النهضة الديموقراطية. فالدولة التي لا تتوفر على مجتمع مدني قوي وفاعل، غالبا ما لا تكون مؤهلة للتقيدبالحلول الديموقراطية. ورغم حداثة هذا المجتمع المدني، فان له تجربة وتراآما لا بأس بهما على مستوىالممارسة في دول المغرب العربي. فمن بين مكونات المجتمع المدني، نجد الأحزاب السياسية و النقابات العمالية التيتساهم بدور طلائعي في مسلسل التحولات الديموقراطية. ويبقى المغرب البلد الوحيدالذي تبنى التعددية الحزبية منذ الاستقلال، في حين أن أغلب دول المغرب العربيتبنت نظام الحزب الوحيد. م ن ض من الأح زاب المغربي ة الت ي س اهمت ف ي المسل سل ال ديموقراطي، نج دالأح زاب الت ي أطلق ت عل ى نف سها اس م أح زاب الكتل ة أثن اء الن داء لخل ق ج و ملائ م لتحقيق التناوب السياسي قبيل دستور 1992. وفي المقابل شكلت أحزاب من اليمينتجمعا آخر أطلق عليه اسم الوفاق. لقد عملت آل هذه الأحزاب لاسيما أحزاب الكتلة على تأطير وتنظيم المجتمعالمغربي، آما آان لها دور آبير في الإصلاحات السياسية والدستورية لسنة 1992 وس نة 1996، وه ي إص لاحات تن صب بالأس اس عل ى تقوي ة وتعزي ز البن اءالديموقراطي، وآذا تدعيم حقوق الإنسان بالمغرب وتصفية ملف المعتقلين. القطر المغاربي المجاور للمغرب أي الجزائر، فان أحزابها السياسية لم يكن لهانفس الدور الذي لعبته الأحزاب بالمغرب، وذلك راجع لنظام الحزب الوحيد الذياستأثر فيه حزب جبهة التحرير الوطني بالعمل الحزبي وبالتالي لم يبذل أي مجهودللدفع بالمسلسل الديموقراطي على اعتباره لم يسمح بوجود نخب منافسة متعطشةللوصول إلى السلطة. غير أن تحريك المسلسل الديموقراطي آان يأتي من الخارج عبر حزب جبهةالقوى الإ شتراآية بزعامة الزعيم التاريخي الحسين أيت أحمد، الذي آافح من أجلجزائر ديموقراطية حتى سنة 1989 حيث أصبحت جبهة القوى الإشتراآية تعمل فينطاق الشرعية، بناء على قانون الأحزاب الذي رخص بذلك، إلى جانب جبهة الإنقادالإسلامية التي تأسست سنة 1989، وتعتبر جبهة القوى الإشتراآية من أقدم الأحزابالجزائرية إذ يعود تأسيسها إلى سنة 1963، وقد ساهم هذا الحزب إلى حد ما فيتحول ديموقراطي وسياسي في الجزائر. إلا أن المسلسل الديموقراطي الذي بدأ في الجزائر مع التعددية الحزبية وتنظيمانتخابات سنة 1991، اعتبرت الأولى من نوعها من حيت الشفافية والمصداقية ولميشبها التزوير قد أجهض، حيث تم إلغاء هذه الإنتخابات وإعلان حالة الطوارئ بعدما فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزا ساحقا في الإنتخابات التشريعية، مما أفضىإل ى ان دلاع فوض ى عارم ة ف ي ال بلاد وح رب أهلي ة ح صدت الآلاف م ن الأرواح،وبالتالي تم طي صفحة المسلسل الديموقراطي الذي آان مرجوا، رغم أن الجزائرنظمت انتخابات أخرى غير أنها لم تكن في المستوى المطلوب. إلى جانب الجزائر التي آانت تعتمد نظام الحزب الواحد نجد تونس التي يستحوذفيه ا ح زب التجم ع الدس توري ال ديموقراطي عل ى الحك م ال ذي يع د امت دادا للح زب الدستوري الديموقراطي على الحكم الذي يعد امتدادا للحزب الدستوري البورقيبي،الأمر الذي لم يفسح المجال للمعارضة والتعددية حزبية تشارك الحزب الحاآم فيبناء الديموقراطية، رغم ذلك فقد عمل الرئيس التونسي على بناء صرح ديموقراطيلكن على طريقة تحافظ على هيمنة الحزب الحاآم. أما بالنسبة لموريتانيا التي انخرطت في المسلسل الديموقراطي ابتداء من أواخرالثمانينات بعد وصول معاوية ولد احمد الطايع إلى السلطة سنة 1984 الذي أسسالح زب الجمه وي ورخ ص بإقام ة تعددي ة حزبي ة تم شيا م ع التح ولات الت ي يعرفه االعالم. وقد نظمت بهذا البلد انتخابات تشريعية وبلدية وإقليمية انفتح فيها النظام علىالمعارضة التي حازت على بعض المقاعد في البرلمان، غبر أن الحزب الحاآم حافظعلى تواجده على مستوى الساحة السياسية بحيازته للأغلبية. إلى جانب الأحزاب نجد النقابات العمالية التي لا يمكن إنكار الدور الذي تقوم بهفي مجال البناء الديموقراطي والنضال من أجل التغيير نحو الأفضل. فج ل دس اتير المغ رب العرب ي ت نص عل ى الح ق النق ابي للم واطنين، ولك ن تبق ىالمقتضيات الدستورية عامة وفضفاضة وغير مضبوطة، ولا تحدد دور النقابات آمافعل المشرع الدستوري المغربي الذي أناط بالنقابات مهمة تنظيم المواطنين وتمثيلهم. ولا ينبغي إغفال الدور المهم الذي قامت به النقابات خلال الإستعمار وبعده بالمطالبةبالمزيد من الحقوق للمواطنين والطبقة العاملة، فساهمت في خلق فضاء ديموقراطينسبيا، غير أن أآبر عيب يؤخذ عليها هو تبعيتها لبعض الهيئات السياسية الأخرىباعتمادها مرجعياتها في اطار العمل النقابي الذي يجب أن يبقى مستقلا بعيدا عن آلالمزايدات الإنتخابية و السياسية. ويبقى المغرب البلد الوحيد من بين دول المغرب العربي الذي فتح المجال لتعدديةنقابية، آما أعطاها فرصة لمساهمتها في التحول الديموقراطي المرجو. أما تونسف رغم الانف راج ال ذي ح صل من ذ 1987 فان ه ل م يعط ي الق در الك افي م ن الحري اتالنقابية والسياسية من أجل تفعيل دور المنظمات النقابية في تونس لتؤدي دورها علىالوج ه الأآم ل، أي ال دفاع ع ن حق وق العم ال الم شروعة و الم شارآة ف ي التح ولالديموقراطي المنشود. وفيم ا يتعل ق ب التجرب تين الموريتاني ة والجزائري ة ف ي مج ال الح ق النق ابي، فإنن انلاح ظ بع ض الت شابه م ن حي ث طبيع ة م ساهمة النقاب ات ف ي عملي ة التح ولالديموقراطي. وتبقى فترة التسعينات فترة الانفتاح على العمل النقابي بعد الإعترافبالتعددية الحزبية والسماح للنقابات بأن تمارس نشاطها آما ينص عليه الدستور. إلى جانب الأحزاب والنقابات تظهر المنظمات غير الرسمية المتمثلة في دور الجمعيات والتعاونيات والجماعات الضاغطة والرأي العام، وآلها تلعب دورا حيويافي التحول الديموقراطي بالمغرب العربي من خلال التأطير والتنشئة السياسية. ونجد بجل الدساتير المغاربية التنصيص على إنشاء الجمعيات غير أن جل هذه الجمعياتورغم ما تحاول أن تعمله من أجل توعية المواطنين وترسيخ مبادئ الديموقراطية،فإنه ا مازال ت تع اني ن م غي اب التنظ يم ب داخلها ول م ت تمكن م ن إثب ات ذاته ا باس تثناءجماعة العدل والإحسان في المغرب، وجماعة النهضة الإسلامية بتونس. – على غرار المجتمع المدني، تقوم المؤسسات السياسية بدور مهم في عملية التح ول ال ديمزقراطي ب المغرب العرب ي، وعن دما نتح دث ع ن المؤس سات ال سياسيةينصرف ذهننا إلى الأجهزة الرسمية آالبرلمان والحكومة والقضاء، هذا إضافة الىمؤس سات أخ رى آ المجلس والمح اآم الدس ت ورية وآ ذا دي وان المظ الم والمجل سالإستشاري لحقوق الإنسان المتواجدان بالمغرب. أول هذه المؤسسات نجد البرلمان الذي يناضل من الداخل أو من الخارج قصدشفافية الإنتخابات ونزاهتها نظرا لما يشوبها من تزوير. هذا النضال تميز به المغربمند بداية الإستقلال مقارنة بدول المغرب العربي الأخرى، نظرا لإيمانه بالتعدديةالحزبية. ويبقى موعد اجراء الإنتخابات الموعد المنتظر الذي تتحرك فيه الأحزابس واء منه ا الممثل ة داخ ل البرلم ان المغاربي ة أو س واء تل ك الت ي تناض ل خارجه ا،للمطالبة بالمزيد من الدعم الديموقراطي والضمانات التي تعطي الأمان لهذه الأحزاب م ن أج ل الم شارآة ف ي الإس تحقاقات الإنتخابي ة ق صد تحقي ق بع ض المكاس بالديموقراطية. وف ي غي اب ال دور ال ذي م ن المنتظ ر أن تلعب ه البرلمان ات المغاربي ة ف ي تحقي قتحول ديموقراطي نظرا لوجود نظام الحزب الواحد أو الحزب المهيمن في أغلبالدول المغاربية، تبقى مؤسسة رئيس الدولة المؤسسة المعول عليها آثيرا لإنجاز تحول ديموقراطي منشود. وعل ى ه ذا الأس اس تعتب ر المؤس سة الملكي ة ب المغرب – وه ي الملكي ة الوحي دةالمتواجدة بالمغرب العربي – المحور الرئيسي في النظام السياسي المغربي وحولهاتجتم ع الأم ة المغربي ة , وأول خط وة ب دأت به ا المؤس سة الملكي ة ف ي م سار التح ولالديموقراطي هي دسترة الحياة السياسية المغربية حيث عرف المغرب منذ 1962 خم س دس اتير آ ان آخره ا س نة 1996، وعم ل المل ك الراح ل الح سن الث اني عل ىتنصيب المؤسسات الدستورية رغم أن البداية آانت متعثرة، مما أفضى إلى إعلانحالة الاستثناء . لكن الأمور ستعود إلى مجراها العادي سنة 1977 بعد ما هيئت لهاالظروف. لقد آان الملك الراحل يؤمن بأن البناء الديموقراطي يجب أن يشيد تدريجيا يومابعد يوم وأنه الخيار الأمثل للخروج من الأزمات التي تتخبط فيها البلاد، رغم أنالنظ ام آ ان ي نهج أس لوبا قمعي ا لاق تلاع ج دور التي ارين الي ساري والأص ولي عب رالإعتقال والتعذيب. ومع انهيار النظام الشيوعي والاشتراآي وتطور الأحداث الدولية، إضافة إلىتطور وعي المجتمع المغربي، دفع بالملك الراحل إلى تدشين مرحلة جديدة بالإنفتاحأآثر على المعارضة لإعادة ترتيب الأوراق والتكيف مع المستجدات، فاقترح علىالمعارضة المشارآة في الحكومة، غير أن الشروط لم تكن مواتية آنداك وثم انتظارأربع سنوات أخرى ليتحقق هذا الحلم الذي آان يراود الملك الراحل. نفس النهج سار عليه الملك الجديد محمد السادس الذي عمل بدوره على تعزيزالديموقراطي ة وترس يخها عب ر الن داء بمف ه وم جدي د لل سلطة وإن شاء مجموع ة م ن المؤسسات التي تهدف ضمان حقوق الإنسان، آما يسعى إلى الإنفتاح على مجموعةمن الفعاليات من المجتمع المدني لإشراآها في التحول الديموقراطي بالمغرب، الذييعتبره الدعامة الأساسية لإقلاع اقتصادي حقيقي. هذا الدور الذي يلعبه رئيس الدولةفي المغرب قد لا نجد له مثيلا في باقي دول المغرب العربي. ففي الجزائر مثلا ومن خلال استقراء بسيط للتطور السياسي والدستوري في هذاالبلد، يتبين أن الحقبة الممتدة من 1962 إلى 1988، لم تعرف تجديدا يذآر على عهدالرؤساء الثلاث الذين تعاقبوا على الحكم (احمد بن بلا، الهواري بومدين، الشادلي بنجديد) وذلك راجع إلى النظام العسكري الذي يتحكم في الحكم. وتبقى الفترة الأخيرةمن حكم الشادلي بن جديد هي أحسن فترة عرفت تحولا ديموقراطيا طفيفا عندما تمإقرار دستور 1989، الذي أباح التعددية الحزبية نالت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية الشرعية، وبالتالي التقدم للإنتخابات التي فازت فيها بأآثر من ثلثي المقاعد النيابية،الشيء الذي أدى إلى إلغاء هذه الإنتخابات بإيعاز من الجيش الجزائري وإقبار أولفرصة أتيحت للجزائريين للإنخراط في مسلسل التحول الديموقراطي. غي ر ه ذه الفرص ة ل م ت شهد الجزائ ر أي ة محاول ة أخ رى لتأآي د انخراطه ا ف يالمسلسل الديموقراطي، بل تم التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها، وأبلغ دليل عنذل ك الإن سحابات المتوالي ة للمترش حين للإنتخاب ات الرئاس ية ال ذين لا زال وا يؤآ دوناليوم عدم مشارآتهم في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، في حالة عدم إعطاء ضماناتعدم تدخل الجهاز العسكري لدعم الرئيس الحالي. بالنسبة لتونس فان المؤسسة الرئاسية لا تقل أهمية عن باقي المؤسسات السياسيةوالدس تورية الأخ رى، ب ل تت صدر الأولوي ة بالن سبة للنظ ام ال سياسي التون سي. وق د تعاق ب عل ى الحك م ف ي ت ونس من ذ عه د الإس تقلال رئي سان وهم ا: الحبي ب بورقيب ة والجنيرال زين العابدين بن علي الوزير الأول السابق. ف ي عه د ال رئيس بورقيب ة ل م تك ن هن اك مح اولات للإنخ راط ف ي المسل سلالديموقراطي مما أضفى على النظام السياسي التونسي الملل والروتين. وبعد سنة1987 ح ين ت ولى زي ن العاب دين ب ن عل ي الرئاس ة، أعط ى ه ذا الأخي ر وع ودا بإصلاحات طموحة وبعث روح جديدة في النظام السياسي، فعمل في البداية على تعديل الدستور، وإصدار قانون الأحزاب الذي نص على التعددية الحزبية، آما قامبمراجعة مدونة الصحافة وإجراءات تتعلق بحقوق الإنسان، وتم إلغاء محكمة أمنالدولة… ومع توالي الوقت وبعد تثبيت حكمه وتحقيق استقرار سياسي بتونس، بدأ الرئيسبن علي في التراجع عن الوعود التي وعد بها المجتمع التونسي لتحقيق المزيد منالديموقراطي ة رغ م أن ه اس تطاع تحقي ق مكت سبات اقت صادية وتنمي ة س ياحية ش املةوملموسة والإنفتاح على الخارج. ولا يمكن أن نقول أن الإنتخابات الرئاسية ساهمت في التحول والوعي السياسيبتونس، لأنه ليس هناك برامج انتخابية منافسة آما أن التعددية الحزبية غير فاعلة. ما يقال على تونس ينطبق إلى حد ما على موريتانيا، فلقد تعاقب على رئاسة دولةموريتانيا خمسة أشخاص آخرهم هو الرئيس الحالي معاوية ولد سيدي أحمد الطايعالذي وصل إلى السلطة عن طريق أول انتخابات رئاسية أجريت سنة 1992 في ظلتعددية حزبية. آما أجريت انتخابات رئاسية ثانية سنة 1997، وثالثة سنة 2003 آلها عرفتص راع النظ ام الح اآم م ع المعارض ة الت ي تن دد بال دعم الع سكري لحك م معاوي ة ول دالطايع. ورغ م م ا يق ال ع ن ع دم انخ راط النظ ام الموريت اني ب شكل ج دي ف ي المسل سلال ديموقراطي، ف إن ال رئيس معاوي ة ول د الط ايع ح اول م ن جهت ه تح ديث وع صرنةالمؤسسات السياسية الموريتانية. * دور القضاء في التحول الديموقراطي بالمغرب العربي : من بين المؤسسات الرسمية التي تساهم في التحول الديموقراطي في المغرب العرب ي هن اك الق ضاء، ال ذي يعتب ر م ن الناحي ة الدس تورية م ستقلا ع ن ال سلطاتالأخ رى ف ي الأنظم ة ال سياسية له ذه البل دان ولا أح د ينك ر دور الق ضاء وهيبت ه ف يال دول الديموقراطي ة، وأهميت ه ف ي الحف اظ عل ى الديموقرطي ة وتح صينها م ن أيانحراف أو المساس بها، وهو يساهم بشكل آبير في تطوير ممارستها عن طريقالحفاظ على الحريات الفردية والجماعية. إلا أن القضاء في المغرب العربي يبقى عملية ذات وجهين: مرة يستعمل لتحقيقالحق بين الخصوم، ومرة يستعمل في قمع الحريات والتطاول على حقوق الآخرينآما هو الأمر حينما تتم محاآمة معارضين سياسيين مغاربيين، ويرجع ذلك إلى أنالقضاء لم يرقى بعد إلى مؤسسة مستقلة تماما للإطلاع بالدور الذي ينبغي أن تقومبه. ورغم ذلك، فقد تم إحداث مؤسسات أخرى ذات طابع قضائي وسياسي في بعضال دول المغاربي ة، آ المغرب ال ذي أح دث م ع دس تور 1992 المجل س الدس توري، والمجل س الإست شاري لحق وق الإن سان ف ي س ياق ت صالح الدول ة م ع المجتم ع، وردالاعتبار لمن أهدرت حقوقهم خلال سنوات القمع، آما تم إحداث ديوان المظالم وهيئةالحقيقة والإنصاف، وهي آلها أجهزة تساهم في نشر ثقافة حقوقية قوامها احترام الحريات الفردية والجماعية وترسيخ حقوق الإنسان. آل ه ذه العوامل الداخلية ساهمت بقدر ما في التأثير على التحولات الديموقراطيةفي الدول المغاربية، غير أنه ليست وحدها المستأثرة بالإقلاع الديموقراطي بل هناكعوامل خارجية تتمثل ف ي الظروف العالمية والمناخ ال دولي، وبروز ملامح نظ امع المي جدي د وانهي ار الأنظم ة الديكتاتوري ة ب سرعة، خ صوصا ف ي أوروب ا ال شرقيةوأمريكا اللاتينية. 2 – العوامل الخارجية : ل يس هن اك مج ال لل شك، ب أن الأفك ار الليبيرالي ة الغربي ة والنم ودج ال ديموقراطيالتعددي قد أفلحا في نهاية المطاف في الصمود في وجه النهج الاشتراآي السوفياتي. وهكذا فان الأنظمة المغابية قد تأثرت فعلا بالأيديولوجيا الغربية والدساتير الأوروبية لاسيما الفرنسية منها. ومن أهم العوامل الخارجية التي أثرت في التحولات الديموقراطية التي طالتالأنظمة السياسية المغربية، نجد إعلانات الحقوق والدساتير الغربية، ويعتبر دستور1958 النموذج الذي احتدت به التجربة المغربية ثم التجربة التونسية نسبيا، وفيمابعد موريتانيا والجزائر بعد المصادقة على دستور 1989. أيضا لعبت المؤسسات الدولية آصندوق النقد الدولي الذي ساهم بدور فاعل فيتوجيه الدول المغاربية اقتصاديا وسياسيا عبر تطبيق سياسية التقويم الهيكلي، بسببالوضعية الاقتصادية والمالية المتأزمة بهذه البلدان. وقد تجلت هذه السياسة في فرضإجراءات ذات طابع تقشفي في الميادين المالية والاقتصادية والاجتماعية. إض افة إل ى ص ندوق النق د ال دولي توج د المنظم ات الدولي ة الحكومي ة وغي رالحكومية، مثل منظمة الأمم المتحدة التي تتدخل في دول عديدة قصد حماية حقوقالإنسان، وإرساء الأمن وحماية المدنيين والأقليات، وآل هذا لا يتحقق إلا عن طريقالديموقراطية التي يفترض أن تتحقق بواسطة إجراء انتخابات نزيهة بإرسال بعثاتمن المراقبين للوقوف على العمليات الانتخابية. أيضا نجد منظمات أخرى آالمنظمةالعالمي ة للتج ارة الت ي تف رض عل ى أي ع ضو ي ود الانخ راط فيه ا أن يتقي د بال سلوكالديموقراطي، وآذا منظمة العفو الدولية واللجنة الدولية لحقوق الإنسان… من العوامل الخارجية الأخرى التي تبقى إلى حد ما قوية، هناك الهيمنة الأمريكيةالتي تتجلى في وصايتها على المنظمات و الهيئات الحقوقية و المالية و الاقتصادية, زي ادة عل ى تع اظم ق وة الاتح اد الأوروب ي ال ذي يمل ي التعام ل مع ه بحك م الق ربالجغرافي لدول المغرب العربي, الانخراط الجبري الذي لا رجعة فيه في التحولالديمقراطي. 3- المنجزات الديمقراطية بالمنطقة المغاربية : لقد ساهمت بالفعل العوامل الداخلية و الخارجية في تحريك رياح التغيير و النقلةالسياسية في المغرب العربي ابتداء من نهاية الثمانينات و بداية التسعينات, حيث تمتسجيل خطوات مهمة على درب الإصلاح السياسي و الديمقراطي بهذه الدول, عنطريق تحقيق بعض المنجزات الديمقراطية الهامة الممثلة بالأساس في المراجعاتالدس تورية الت ي طال ت ج ل دول المغ رب العرب ي, و ت سجيل خط وات اقت صادية واجتماعي ة هام ة , وآ ذا تنمي ة حق وق الإن سان م ع توظي ف الخ صوصيات المحلي ةومزجها مع المبادئ الغربية, و قد ساعد في تحقيق آل هذه المنجزات انخراط النخبالمغربية في عملية التحول الديمقراطي. وهكذا عرف المغرب مراجعتين دستوريتين خلال عقد التسعينات الأولى سنة1992 والثاني ة س نة 1996، طبعهم ا انفت اح المؤس سة الملكي ة عل ى المعارض ةوإعطائها إمكانية المشارآة في الحكومة وتحمل المسؤولية، لكن هذه المشارآة لنتتأتى إلا مع دستور 1996 بتشكيل حكومة التناوب. .إض افة إل ى إعط اء الفرص ة للمعارض ة للم شارآة ف ي الحكوم ة، ف ان ه اتينالمراجعتين الدستوريتين جاءتا ببعض الايجابيات الأخرى، منها تقييد سلطة الملكنسبيا في مجال إصدار الأمر بتنفيذ القانون، و تقوية دور البرلمان بتعزيز وظيفتهالتشريعية، وآذا منح الوزير الأول الحق في اختيار أعضاء الحكومة واقتراحهم علىالملك. آما طبع هذه المرحلة إحداث المحاآم الإدارية وإنشاء وزارة مستقلة تتكلف بحقوقالإنسان، إضافة إلى إحداث ديوان المظالم، والمعهد الملكي للدراسات الأمازيغية،والمجلس الأعلى السمعي البصري، وهي مؤسسات أحدثت مع بداية العقد الأول منالألفية الثالث ة لتلعب دورا مهم ا وب ارزا ف ي تعزي ز المكاس ب الديموقراطي ة وتوس يعمجال الحقوق والحريات. لم تشهد باقي دول المغرب العربي نفس المنجزات التي تم تحقيقها بالمغرب،فالجزائر عرفت انتقالا ديموقراطيا نسبيا خلال أواخر الثمانينات بعد تبنى التعدديةالحزبية وإصدار خلال عقد التسعينات مراجعتين دستوريتين لسنتي 1989 و 1996. لكن رغم هذه المراجعات الدستورية فان النظام الجزائري يبقى ذو طابع عسكري،آما أنه من المستحيل حسب بعض السياسيين إعادة الشرعية للنظام الجزائري. بخصوص تونس فقد شهدت بعد تولي زين العابدين بن علي بعض الإنجازاتالديموقراطية، منها بالخصوص تعديل الدستور الذي بموجبه ألغيت الرئاسة لمدىالحياة آما آان مقررا في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وآذا اصدار القانونالدس توري س نة 1998 ال ذي أص بحت بموجب ه ق رارات المجل س الدس توري ملزم ةبالنسبة لكافة السلطات في الدولة. وآخر مراجعة دستورية بتونس هي تلك التي أجريت سنة 2002 بواسطة استفتاءدستوري، وقد مس هذا التعديل معظم أبواب الدستور، وتم إقرار الإنتخابات الرئاسيةعلى دورتين، آما أحدثت غرفة ثانية بالبرلمان لتعميق المشارآة السياسية وعقلنهالعمل التشريعي… أم ا بالن سبة لموريتاني ا وبع د التح ول م ن النظ ام الع سكري ال ى نظ ام الحك مال ديموقراطي ال ذي ج رت ف ي بدايت ه أول انتخاب ات رئاس ية تعددي ة، فق د ت م إص داردستور 1991 بعد عرضه على الإستفتاء الشعبي. وموازاة لذلك فقد صدرت عدةأوام ر قانوني ة منه ا م ا يتعل ق ب الأحزاب ال سياسية وبحري ة ال صحافة وبت شكيلواختصاصات المجلس الدستوري. إن المنجزات الديموقراطية بدول المغرب العربي لم تقف عند هذه المراجعاتالدستورية التي تعتبر إلى حد ما محفزة للتحول الديموقراطي, تعدى ذلك بتسجيلخطوات اقتصادية واجتماعية في سبيل تحقيق اقلاع اقتصادي مهم. لقد وعت الدول المغاربية بضرورة الاهتمام بالجانب الاقتصادي للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تؤرق الأنظمة وتسبب لها متاعب . فت ونس ومن ذ 1987 طبق ت س بع مخطط ات اقت صادية, رآ زت اهتماماته ا آله ا على القضايا المصيرية سواء على المدى المتوسط أو البعيد مثل التربية والصحةوالتشغيل, أقامت بنفس المناسبة مخططات جهوية منسجمة مع المخطط الوطني. وقد حققت تونس تنمية شاملة بأبعادها الاقتصادية و الاجتماعية بخلق نسيج صناعيآثيف و متكامل , آما تحسن مردود القطاع الفلاحي و السياحي والنفطي . أي ضا اتب ع المغ رب نف س ال سياسة , حي ث رس م بالن سبة لك ل مخط ط التوجه اتالاقتصادية و الاجتماعية الهامة التي يريد تحقيقها خلال مدة معينة, وآخر مخططللتنمي ة ه و ذل ك ال ذي وض عته حكوم ة التن اوب س نة 1999 , ال ذي س وف ينته ي ب ه العم ل س نة 2004 , وق د رآ زت في ه عل ى ت دعيم الاس تثمار ال داخلي والخ ار جي والاس تغلال العقلان ي للث روات ال سمكية وع دم تجدي د اتفاقي ات ال صيد البح ري م عالاتح اد لأوروب ي ,وآ ذا الإص لاح الجب ائي م ن م سايرة الم ستجدات والتط وراتالاقتصادية. وعلى الجانب الاجتماعي فقد فتحت عدة أوراش بالمغرب تتوخى الاهتمام بالمرأةوإدماجها في التنمية، وقد تحقق هذا الأمر فعلا بصدور مدونة الأسرة التي أعادتللمرأة مكانتها الإيجابية داخل المجتمع المغربي، آما تم وضع نظام للتغطية الصحية،ورصد اعتمادات مالية مهمة لتسوية أوضاع المطرودين والموقوفين لأسباب سياسيةأو نقابي ة، وآ ذا إح داث وآ التين للتنمي ة الاقت صادية والاجتماعي ة الأول ى بال شمال والثاني ة ب الجنوب، إض افة إل ى تح سين المعاش ات والتعوي ضات العائلي ة والنه وضبالعالم القروي الذي يعتبر أهم الأولويات. ل م تخ رج ت ونس آ ذلك ع ن القاع دة، بحي ث ت م النه وض بالجان ب الاجتم اعيللمواطن وتحسين مستواه المعيشي، وتم الحد من التهميش والفقر والإقصاء ومحاربةالأمية. وفيم ا يتعل ق ب الجزائر فق د نهج ت أس لوبا خاص ا للح د م ن الأزم ات الاجتماعي ةآاتب اع سياس ة تكويني ة وتعليمي ة، غي ر أن ال سياسة الأمني ة والق ضاء عل ى الإره ابي شكلان أول ى ان شغالات الحكوم ة، ال شيء ال ذي أث ر س لبا عل ى الاهتم ام بالتنمي ةالاجتماعية والاقتصادية. بع د م ا تطرقت ا إل ى العوام ل الت ي س اهمت ف ي التح ول ال ديموقراطي بمنطق ةالمغ رب العرب ي، س واء بكيفي ة مباش رة، وآ ذا إل ى أه م المنج زات الت ي ت م ت سجيلهاآمكاسب لا يستهان بها خلال عقد التسعينات، سنعمد الآن إلى تقييم تلك التجارب لابرار السلبيات والإيجابيات بالنسبة لكل قطر على حدة. 4 – تقييم التجارب الديموقراطية المغاربية : رغم الجه ود الت ي أبذلت عل ى الم ستوى السياسي والاقت صادي وانخ راط ال دولالمغاربية في هذا المجال ضعيفة ومحدودة إلى حد ما، بسبب الشروط الموضوع ية والجوهري ة غي ر المت وفرة، آم ا أن البيئ ة المغاربي ة غي ر ناض جة لتقب ل الأس اليبالديموقراطية. وتبق ى أه م العراقي ل الت ي تواج ه آاف ة دول المغ رب العرب ي دون اس تثناء، رغ موج ود بع ض الخ صوصيات، متمثل ة ف ي تف شي البطال ة والفق ر والأمي ة والحرم ان،الأمر الذي قد تتولد عنه ظاهرة التطرف، وآذا ظاهرة الارتشاء التي تقف أمام آلتقدم اقتصادي وسياسي يخدم المصلحة العليا للبلدان المغاربية. وإذا آ ان المغ رب يبق ى الأرق ى م ن حي ث تجربت ه ذات الخ صوصيات المتمي زةحيث عمل على الرقى بمؤسساته إلى مصاف المؤسسات السياسية العريقة، وأنه قطعأش واطا آبي رة عل ى درب البن اء ال ديموقراطي، فان ه لازال ت تعترض ه ع دة مع وق ات تحول دون إنجاح المسلسل الديموقراطي آما يراه البعض، فالمتتبع للتطور السياسيوالدستوري المغربي يلمس ذلك بجلاء من خلال التجارب التي مر بها، بحيث يرىجل المحللون السياسيون أن الديموقراطية لا يمكن اختزالها في انتخابات محلية أوت شريعية ول و افترض نا أنه ا نزيه ة، ب ل يتع ين ت وفير ال شروط الجوهري ة والبنيوي ةلممارستها وإيجاد التربة الخصبة لزرعها. آم ا أن الأح زاب المغربي ة تق ف ب دورها حج رة عث رة أم ام تح ول ديم وقراطيمعقل ن ي ستجيب للمرحل ة والظرفي ة الراهن ة ب المغرب. فه ذه الأح زاب المنتمي ة إل ىالحرآ ة الوطني ة الت ي ناض لت لح صول الم غ رب عل ى الإس تقلال . ت شترط أن تك ون طرفا في أي انتقال سياسي آيفما آان، بنفس هياآلها و مؤسساتها التقليدية التي لاتلائم المستجدات و المرحلة الجديدة ,ويدل على ذلك موجة الانشقاقات الحزبية التييرجع زعمائها أسبابها إلى عدم قدرتهم تغيير الأحزاب الأم من الداخل . أيضا شكلت الولادة الكثيفة للأحزاب عرقلة أمام استمرارية اختيار الوزير الأول من الحزب الحائز على الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة . بخصوص الجزائر فان اآبر عائق يحول دون تحقيق تحول ديموقراطي حقيقي هي المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها وصية على هذا التحول خدمة لمصالحها و حفاظا على امتيازاتها، و هذا هو ما أفضى بالجزائر إلى الدخول في فوضى و حرب أهلية حصدت عشرات الالاف من الأبرياء, بسبب عدم احترام الإرادة الشعبية الحقيقية . هذه الوصاية العسكرية على التحول الديموقراطي أدى أيضا إلى تهميش الأطراف الأخرى المعنية بالإصلاحات السياسية , آما أن الجهاز القضائي يشكل عرقلة قوية باعتباره جهازا مشلولا و غير قادر على اصدار الأحكام و العقوبات في حق المخالفين و المعتدين من رجال الأمن و الدرك و العسكريين و غيرهم من المسؤولين عن التصرفات الجسدية و القتل الجماعي و التعذيب . هناك عائق آخر وهو ناتج عن التهميش و يكمن في سكان منطقة القبايل التعامل مع السلطات المرآزية و مطالبتهم بمنحهم وضعا خاصا . أما تونس فرغم ما يميزها عن باقي دول المغرب العربي من أنها لا تعاني من المشكل الاثني، إلا أنها تشكو من عدة عقبات تتجلى في ضعف المجتمع المدني , و هيمنة الحزب الحاآم و ادماج هياآله و تنظيماته في الهياآل العامة للدولة , إضافة إلى اقصاء المنظمات الحزبية الاخرى من الحياة السياسية وعدم اشراك المعارضة في اتخاذ القرار و تهميش الحرآات الاسلامية , و يتم التظاهر بتطبيق ديموقراطية اقتصادية و اجتماعية و اخفاء معالم دآتاتورية سياسية . آما يطبع النظام التونسي عدم احترامه لحقوق الانسان , بسبب الاعتقالات التحكمية و التعذيب في السجون الذي يطال الناشطين في الحقل السياسي , و عدم وجود صحافة مستقلة و معارضة , بل يتم الاعتماد على صحافة الدولة لوحدها والإعلام الرسمي اللذان يكرسان الوضعية و يزيد الوضع استفحالا و تازما . و بخصوص موريتانيا , فان هناك عدة عراقيل تواجهها تتمثل في الطابع القبائلي و العشائري للدولة , مما يجعل الولاء يكون للقبائل و ليس للدولة , آما أن النخب السياسية الموريتانية و الاحزاب و مؤسسات المجتمع المدني تبقى هشة إلى حد آبير , الشىء الذي جعل حجم ووزن التغيرات لا يستجيبان لطموحات المرحلة , فالترميمات بقيت شكلية و بدون مضمون بسبب وجود نخبة تقليدية آلاسيكية توجه مسار التحول على الرغم من نقص درايتها في هذا السباق , زيادة على استئثار الحزب الواحد بالعمل السياسي و اقصاء النخب المنافسة . و ينضاف إلى آل هذا ان الظروف الاقتصادية و الاجتماعية المحلية الموريتانية غير آفيلة باستيعاب المفاهيم الديموقراطية الغربية التي تعتمد على الرأسمالية آغذاء روحي لها , و ان الفرد و المبادرة الفردية هما عماد الرأسمالية . الحالة الأخيرة ضمن دول المغرب العربي هي ليبيا التي يشكل نظامها السياسي نموذجا فريدا في المنطقة بخصوصياته المؤسساتية و نهجه الايديولوجي . فالنظام الليبي رغم إقدامه على بعض الإصلاحات الاقتصادية فانه يعاني من فقر الديموقراطية, فاحتكار القرار السياسي من قبل نخبة عسكرية حاآمة بقيادة معمر القذافي يجعل اقامة نظام ديموقراطي بليبيا شبه مستحيلة في ظل الواقع الحالي , حيث لا وجود لمجتمع مدني و لأحزاب سياسية و لانتخابات و لو صورية و لا لحقوق الانسان و لا وجود لدستورينظم الاختصاصات و يوزع السلطات ,إضافة إلى غياب إرادة حقيقية لدى الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية الليبية من اجل تحقيق التغيير و التحول الديموقراطي المطلوب . و سننتظر ما قد تسفر عنه الأشهر المقبلة من تحولات سياسية بعدما تم الكشف عن المفاوضات الأمريكية – الليبية السرية بخصوص البحث عن أسلحة الدمار الشامل , آمرحلة أولية لتجاوز الأزمة الأمريكية – الليبية و رفع الحصار الاقتصادي المفروض على ليبيا . و في الأخير لا يمكن أن ننكر أنه قد بذلت مجهودات جبارة خلال عقد التسعينات في بعض دول المغرب العربي قصد تحقيق قفزة ديموقراطية , سواء بفعل تأثيرات داخلية أو خارجية , علاوة على انه بدأت تنظر جليا بعض بوادر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الأنظمة الحاآمة لا في المغرب حيث يبدو هناك اجتماع بين النظام و جميع الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين قصد تطوير الحياة الديموقراطية بالمغرب باعتباره الحافز الحقيقي لكل اقلاع اقتصادي و اجتماعي . غير أن هذه الجهود المبذولة بالمغرب أو بغيره من دول المغرب العربي , و ان آانت تتوخى الخروج بمجتمعاتها من بؤر الأزمات المختلفة المحيطة بها , الا أن الضعف الذي تعاني منه يعود الى عدة عوامل نوجزها في ستة أساسية , و نعول في المستقبل على تحديها لتحقيق تحول ديموقراطي حقيقي و منشود و هي: – عدم فرض ديموقراطية من الأعلى و احتكار السلطة مما يؤدي إلى إقصاء بعض الأطراف و الحرآات التي أصبحت طرفا حقيقيا و فاعلا في الحوار الديموقراطي . – اذعان الأنظمة للإرادة الحقيقية للشعوب . – اصلاح الإدارة آأداة لتنفيذ السياسة العامة للدولة . – تقوية سلطة و استقلالية القضاء العادل . – ربط التحولات الديموقراطية بالتنمية الشاملة اقتصاديا و اجتماعيا , وهو ضروري أصبح أآثر الحاحا وذلك بالتوزيع العادل للثروات والحد من التهميش و الفقر و البطالة و الأمية . – التكتل الاقليمي بين آل دول المغرب العربي , فمكونات الاتحاد المغاربي الخمسة محكوم عليها بان تتلاءم وتتوحد بحكم الجوار والمصالح المشترآة, حيث أنه لم يعد الهم والهاجس الديموقراطي في ظل التحولات الدولية الراهنة المتميزة بالتكتلات الاقتصادية الاقليمية مقتصرة على قطر بحد ذاته , إذ لا نجاح لهذه الديموقراطية إلا في ظل منظور اقليمي شمولي يؤسس لعهد جديدي تسود فيه الديموقراطية والحوار والتصالح نظرا لظهور بعض العوامل الجديدة آتدفق الأزمات إلى قطر . لائحة المراجع – أولا : باللغة العربية 1 – المراجع العامة : – 1. النظم العربية و الديموقراطية : – سلسلة الندوات و المؤتمراتمنشورات المجلس القومي للثقافة – مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 1986 . 2. بسيوني عبد الغني عبد اﷲ : >>النظم السياسية : اسس التنظيم السياسي ( الدولة الحكومة الحقوق و الحريات العامة ) << الدار الجامعية بيروت 1985 . 3. بوجي سهيل : >> المجال العربي في الكيانات الدستورية القطرية : تسوية جزئية <<سلسلة دراسة المجال العربي , الهيئة القومية للبحث , ظرابلس ( ليبيا ) و معهد الانماء العربي الطبعة الولى بيروت 1992 . 4. بو طالب عبد الهادي : >> النظم السياسية العالمية المعاصرة << الطبعة الأولى 1981 – دار الكتاب – الدار البيضاء. 5. البياتي منير حميد : >> النظام السياسي الاسلامي مقارنا بالدولة القانونية << دار النشر عمان 1994 . 6. التازي عبد الهادي : >> فكرة المغرب العربي من خلال الوثائق الديبلوماسية<< منشورات وزارة الشبيبة الرياضية 1978 مطبعة الرسالة -11 شارع علال بن عبد اﷲ الرباط . 7. جودت سعيد – علواني عبد الواحد >> الاسلام و الغرب و الديموقراطية << قراءات و تعليقات على مثالية صدام الحضارات لصامويل هنتنغتون , و الاسلام و الغرب لبريان بيدهام . دار الفكر المعاصر بيروت و دار الفكر دمشق سوريا 1996. 8. الحجوي حسن أحمد : >> الفكر الديموقراطي و اشكالية الديموقراطية في المجتمعات المعاصرة<< مطبعة المعارف الجديدة – الرباط طبعة غشت 1995 . 9. الحسين خالد : >>اشكالية الديموقراطية و البديل الاسلامي في الوطن العربي<< الطبعة الثانية – تونس 1990 . الناشر دار البراق . – 10. خليل عماد الدين : >> لعبة اليمين و اليسار << مؤسسة الرسالةبيروت – شارع سوريا – بناية صمدي و صالحة , الطبعة الخامسة 1986. 11. الخوري فؤاد اسحاق اسحاق : >> العسكر و الحكم في البلدان العربية <<الطبعة الولى عام 1990 – دار الساقي . 12. ديوب مومار – ديوف ممادو : >> تداول السلطة السياسية و آلياتها في افريقيا <<مرآز البحوث العربية للدراسات و التوثيق و النشر . 14 القاهرة 1992 . 13. سبيلا محمد : >> حقوق الانسان و الديموقراطية << (آتاب الشهر رقم 19 ) سلسلة شراع . 14. سعد الدين ابراهيم و آخرون : >> المجتمع و الدولة في الوطن العربي << مرآز دراسات الوحدة العربية . الطبعة الثانية بيروت أآتوبر 1998. 15. سلامة غسان : >> نحو عقد اجتماعي عربي << مرآز دراسات الوحدة العربية الطبعة الأولى بيروت 1987. 16.سيد أحمد محمد و محسن عصام محمد : >> تجديد الفكر السياسي في اطار الديموقراطية و حقوق الانسان :التيار الاسلامي و المارآسي و القومي << مرآز دراسات حقوق الانسان – القاهرة 1995. 17. شابير و يلونارد :>>المعارضة السياسية في الدول ذات الحزب الواحد << دار النهار دون تاريخ للطبعة . 19. شرابي هشام : >>النظام الأبوي و اشكالات تخلف المجتمع العربي<< مرآز دراسات الوحدة العربية . الطبعة الأولى بيروت 1992. 20.عبد المولى محمد :>>أنظمة المجتمع و الدولة في الاسلام <<.الدار العربية للكتاب طرابلس 1988. 21. العلمي عبد القادر :>>هاجس التغيير الديموقراطي << سلسلة شراع ( آتاب الشهر 15 ) وآالة شراع – خدمات الأعمال و الاتصال. 23. علي حمدي عبد الرحمان حسن :>> الفساد السياسي في افريقيا << الطبعة الأولى – دار القارئ العربي القاهرة – مصر الجديدة 1993. 24. قرنفل حسن :>>المجتمع المدني و النخبة السياسية اقصاء أم تكامل ؟<< طبعة 1997 – افريقيا ا لمشرق – مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. 25. هويدي فهمي : >>الاسلام السياسي و الديموقراطية << الطبعة الأولى 1993’ موافق 1413 -القاهرة – مؤسسة الأهرام – شارع الجلاء, 26- ياسين صباح : “ضرورة الديمقراطية و سياق المبادئ” المكتبة الوطنية ببغداد 1980. المراجع المتخصصة 1- أبراش ابراهيم : “الدمقراطية بين عالمية الفكرة و خصوصية التطبيق” مقاربة للتجربة الديمقراطية في المغرب – منشورات الزمن – مطبعة النجاح الجديدة – الدارالبيضاء 2001. 2- أآنوش عبد اللطيف : ” واقع المؤسسة و الشرعية في النظام المغربي على مشارف القرن الواحد و العشرين” الطبعة الأولى – مكتبة بزوفانس – الدارالبيضاء 1999. 3- برهان غليون وآخرون : ” حول الخيار الديمقراطي” دراسات نقدية، بيروت – يونيو – الطبعة الأولى مرآز دراسات الوحدة العربية 1994. 4- برهان غليون : ” الديمقراطية العربية : جذور الأزمة و آفاق النمو” آتاب حول الخيار الديمقراطي ، دراسة نقدية (جماعي) مرآز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى – بيروت 1994. 5- بو الشعير سعيد : “النظام السياسي الجزائري” دار الهدى طبعة الجزائر .19896- بوجداد أحمد : “الملكية و التناوب” مقاربة استراتيجية تحديث الدولة و إعداد إنتاج النظام السياسي بالمغرب” الطبعة الأولى –مطبعة النجاح الجديد الدار البيضاء 2000. 7- ساعف عبد اﷲ : “أحاديث في السياسة المغربية” آتاب الشهر عدد 33 مطبعة النجاح الجديدة – الدارالبيضاء 2002. 8- شقير محمد : “تطور الدولة في المغرب إشكالية التكوين و التمرآز و الهيمنة من القرن الثامن إلى العشرين” إفريقيا الشرق طبعة 2002. 9- شوقي بنيوب أحمد و آخرون :” قضايا التحول الديمقراطي في المغرب مع مقارنة بمصر و الأردن” مرآز القاهرة دراسات حقوق الإنسان. 10- طرابيشي محمد : “ضمن الديمقراطية و الأحزاب في البلدان العربية” مرآز دراسات الوحدة العربية الطبعة الأولى 1999. 11- فؤاد عبد اﷲ ثناء : “آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي” مرآز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى بيروت – يناير 1997. 12- فيرو مورين بيير : “مغرب المرحلة الإنتقالية” ترجمة علي آيت احماد- الطبعة الأولى لسنة 2002 – مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. 13- مرآز دراسات الوحدة العربية : ” المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية” بحوث و مناقشات الندوة الفكرية التي نظمها المرآز ، الطبعة الأولى 1992 (سبتمبر). 14- مرآز دراسات الوحدة العربية : “المجتمع و الدولة في المغرب العربي” الطبعة الأولى بيروت (أيلول) 1987 الطبعة الثانية 1992. المقالات 1- البجوقي عبد الحميد : “المشهد الحزبي و الملكية بالمغرب” دفاتر وجهة نظر العدد 1. 2- الرمضاني رضوان و آخرون : ” المغرب يحاج حكومة قوية و منسجمة تجنبه الضيق الإقتصادي” جريدة الصباح العدد 782 ص 1. 3- العوفي نور الدين : ” المغرب عرف توجهات اقتصادية خاطئة متعددة بغياب الديمقراطية” جريدة العلم العدد 19074 ص 5-6 يوم 06/08/2002. الأطروحات و الرسائل الجامعية باللغة العربية 1- بكور عبد اللطيف :”دور المؤسسة الملكية في إحلال التوازن السياسي في المغرب” أطروحة لنيل الدآتوراة في القانون العام آلية الحقوق أآدال .2002/20012- بلا العربي : “السلطة و المعارضة و دولة القانون في دول المغرب العربي” مراآش. 3- حرفان عبد السلام : “التحولات السياسية و إشكالية الديمقراطية بإفريقيا” رسالة لنيل الدراسات العليا في القانون العام، آلية الحقوق أآدال 1999/2000. 4- حمزي سعيد : “روح الإصلاحات الدستورية في المغرب” أطروحة لنيل الدآتوراة في القانون العام آلية الحقوق الدارالبيضاء. 5- زيدة عبد القادر : “الإستقرار السياسي بالمغرب” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. المراجع بالفرنسية 1/ Colas Dominique : « l’ état de Droit » : PUF, 1ère édition, 1987 2/ FARES ZAHIR : « Afrique et démocratie, espoirs et illusions « L’HARMATTAN 1992. 3/ Galvez Jean Yves. M.B « Aspects politiques et sociaux des pays en voie de développement ». 4/ Gudou Thomas : « L’Etat, la politique et le droit parlementaire en Afrique ». Collection Monde en Devenir- Berger-Lerault- Décembre 1987. 5/ Luchaire François : « La protection Constitutionnelle des droits et des libertés ». Edition Economica 2ème édition 1987, sous la direction de Gérard CONAC. 6/ Michalon THIERRY : « Quel Etat pour l’Afrique » L’Harmattan 1994. 7/ Quantin Patrick et Daloz Jean Pascal : « Transition démocratique africaine « Edition Karthala 1997. 8/ Rezette Robert : « Les partis politiques marocains » Librairie Armand Colin Nov. 1955. 9/ Benaddi Hassan : « Réflexions sur la transition démocratique au Maroc » 1ère édition, centre Tarik Ibn Zyad pour les études et la recherche 2000. 10/ BOUDAHRAN Abdellah : « Le nouveau Maroc politique. Quel avenir ? « société d’édition et de diffusion Al Madariss, 12 Avenue Hassan II Casablanca 1ère édition 1999.11/ Cubertafon Bernard : « L’Algérie contemporaine » PUF que sais-je ? 3ème édition 1995. 12/ Leveau Remy : « Le fellah marocain défenseur du trône » cahier de fondation nationale des systèmes politiques 1958. 13/ Tozy Mohamed : « Monarchie et Islam politique au Maroc » Paris, PSP, 1991. 14/ Chargnollaud Jean Paul : « Maghreb : la démocratie entre parenthèse ? le militaire, la démocratie et l’islamisme » n° 3 printemps 1992. 15/ Chikhaoui « a propos des élections législatives en Algérie » 16/ Maila (Joseph) : « les droits de l’homme sont –ils indispensables dans le monde Arabe ? » cahiers de l’orient 1991. 17/ Martinez Luis, « La guerre civile en Algérie », Paris 1998. 18/ DASSER M’hamed, : « l’expérience du partie unique en Tunisie-le parti socialiste Destourien » thèse de doctorat d’état en sciences politique : Université de Poitiers 1986. 19/ El Achouri Mohamed Fouad , « La notion de démocratie au Maroc » essai d’analyse des discours de trône (1962-1995) thèse de doctorat d’état en sciences politiques : soutenue en 1998 à l’université des sciences sociales à toulous I . France. 20/ EL Benna Abdelkader , : « Naissance et développement de la gauche issue du mouvement nationale » : le cas de l’USFP. Thèse d’Etat soutenue le 4/02/1989. FAC Droit Agdal-Rabat. 21/ EL FASSY Fihri Ghyslane, : « Analyse comparative des régimes politiques marocain et Tunisien ».
انعكاسات التّحول الدّيمقراطي في الجزائر
وليد دوزي
المقالات و البحوث الواردة تعبر عن رأي اصحابها و لا تعكس آراء و توجهات المركز
مقدمة:شكلت أحداث أكتوبر 1988 ، بالإضافة إلى وقف المسار الانتخابي في ينايــر 1992 على إثـر النجاح المذهل الذي حققته “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” في الانتخابــات المحلية في جوان 1990 والتشريعية 1991، شكلتا بداية اللاّ إستقرار السياسي الذي عاشته الجزائر طيلة فترة التسعينات على المستويين الداخلي و الخارجي. وهـذا ما نسعى إيـضاحه من خلال طرح الإشكالية التالية: ما هي انعكاسات التحول الديمقراطي في الجزائر؟وكإجابة أولية على هذه الاشكالية، صيغت الفرضية على النحو الآتي:- خلف التحول الديمقراطي في الجزائر انعكاسات محلية سياسية واقتصادية، وأخرى دولية. I. الانعكاسات المحلية:عقب أحداث أكتوبر 1988، اعتمدت السلطة الحاكمة في الجزائر وبمشاركة المعارضة السياسية خطوات نحو التحول الديمقراطي، وهو ما يعرف بالتحول عن طريق الإصلاح، وقد أفرز هذا التحول عن دستور جديدا للبلاد هـو الثالث للجزائـــر منذ الاستقلال، عـرف بدستور 23 فبراير 1989. وقد أقر هذا الدستور جملة من الإصلاحات السياسية الاقتصادية والثقافيـــة.1- الانعكاسات السياسية: أنشأت الأحزاب السياسية في الجزائر بموجب دستور 1989، وبالتالي طوقت سلطــة جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم منذ الاستقلال ، ودخلت الجــزائر عهد التعدديــــة الحزبية فـــي غياب تقاليدها وعدم التشبع بقيمها و مبادئها المتمثلة في قبول الآخر والاعتراف به وهي مسألة لا غنـى عنها لتجسيد الديمقراطية . وبالتالي فغالبية الأحزاب السياسية وعلى رأسها قادتها، كانوا يعبرون عـن رفضهم ، للتعايش فيما بينهم، بحيث انتقد رئيس حزب التجديد الجزائري “نور الدين بو كروح “النظـام، واستعمل كلمة “مكافحة” لتعبيره عن النظام السياسي حيث قال:> .كما صرح الرجل الثانـي في ” الجبهة الإسلامية للإنقاذ” “علي بن حاج “:>. وفي السياق ذاته، ذهـب “سعيـد سعـدي” الأمين العام لحـزب “التجمـع مـن أجـل الثقافــة والديمقراطية” أنه سيمنع ” عباسي مدني” زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى السلطــة حتى وإن صـــوّت الشعب لصالحه . و بالتالي هذا العنــف اللفظي بين رؤساء الأحزاب كان من الأسبـاب التي أدت إلــى انفجار الأوضاع في الجزائر بعد إلغاء المسار الانتخابــــي عندما لجأت إليه السلطات، فتمّ حــل البرلمان وقدم الرئيس “الشاذلي بن جديد” استقالته الأمر الذي أدى إلى تعيين مجلس أعلى للدولة بقيادة ” محمد بوضياف” ، هذا المجلس أوكلت له مهمة توحيد الصف الوطني و الحيلولة دون استلام “جبهــة الإنقـــاذ” للسلطة، لكن قيامه لم يغير من الأمر شيئا، فالبلاد دخلت مرحلة الفوضى، والتجربة الديمقراطية وصلت إلى طريق مسدود .قام رئيس الدولة “محمد بوضياف” بحل حزب جبهة الإنقاذ معتبرا أن الإسلام دين الجميع ولا يحـــق لأي جهة أو جماعة احتكاره لنفسها. فتصاعدت حالة العنف بشكل كبير حتـــــى نالت من “بوضيـــاف” نفسه. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، لجأت “جبهة الإنقاذ” المنحلة إلى بلورة أساليب جديدة ذات طابع ثأري في التعامل مع السلطة السياسية من خلال اعتمادها على العمل السري وانتهاجها لمعارضة غيــر مباحة قانونا طغى عليها طابع العنف، في ظل تمسك النخبة الحاكمة بالسلطة ورفضها تقديم أي تنـازلات أو دمـج للإسلامييـن في المعادلـة السياسيـة، مـما فتـح البـاب أمـام استشــراء العنف، بلغ درجــة التصفيات الجسدية الفردية والجماعية من أبناء الوطن الواحد مما سمـــح بتدخـل المـؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بقوة وجلاء. وقد سعى الإسلاميون إلى برهنة ثبات قوتهـــم من خلال دخولهم في مواجهات عفيفة مع قوى الأمن، وقد آلــت دوامة الإرهاب والقمـــع التي تلت هــــذه الأحداث إلى أزمة داخلية، فكان كل من” الحركة الإسلامية المسلحة”، و ” الجيش الإسلامي للإنقــــاذ”، و”الجماعة الإسلامية و المسلحة”، و” الجماعة السلفية للدعوة والقتال” في صلب الحركة التمرديــــة التي أطلقت حملة ضد الحكومة و الجيش و المدنيين والمفكريـن و الصحافييـن. وسط أجواء العنف تابعت المؤسسة العسكرية مفاوضاتـها مع الجماعــــات المسلحة، حتى في الفتـرة التي كانت تسعى فيها إلى إلغائها. وبعد تولي الرئيس ” اليمين زروال” الرئاسة فــي يناير 1994 توصـــل إلــى توقيع هدنة في 21 سبتمبر 1997 بيـــن السلطة والجيش الإسلامي للإنقاذ بقيادة “مدني مزراق” الذي أمر في بيان أتباعه بوقف الهجمات ابتـداء من أكتوبر1997 و حض فيه الجماعات الأخرى بالقيام بالمثـــــل ، غيــر أن عــددا كبيرا من المسلحين بمن فيهم المنشقين عن “مدني مزراق” رفضوا الإنصياع، فتوالت المذابح الجماعية بحق المدنيين مابيـــن ديسمبر 1997 و يناير 1998 (مجــــزرة بن طلحة…)، وكانت الخسائر هائلة حيث بلغ عدد القتلى نحو 150 ألف قتيـــل و بين 7 آلاف و10 ألاف مفقود ومليون متشرد، وإضرار طالت البنية التحتية والاقتصاد الوطني المنهـك طيلة فترة التسعينات. 2- الانعكاسات الاقتصادية: على الرغــم من أن أحــداث أكتوبر 1988م أفـضت إلى تغييــرات سياسية مهمة وفي مقدمتها حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي ومنـح البرلمان صلاحيـــــات واسعة تجعل منه أكثر فاعلية، إلا أنها في الأصل كانت احتجاجا على الوضع الاقتصادي، بسبب تفاقم الفشل الاقتصادي منذ سنة 1986م عندما انهارت أسعار النفط دوليا، وأدى ذلك إلى تقلص محسوس في الموارد المالية، وارتفاع المديونية وتزايد نسبة البطالة في صفـــــوف المواطنين بالإضافة إلى تخفيض قيمة عملة الدينار الجزائري بــــــــ 50 بالمائة وتحرير الأسعار وتجمـيـد الرواتب …كل هذا أدى إلى انتفاض الشارع الجزائري. لكن بعد عملية التحول التي عرفتها الجزائر، وما رافقها من عدم استقرار سياسي لم يطل هذا الاستقرار المجال السياسي فحسب، بل تعداه إلى المجال الاقتصادي حيث تدهور النسيــج الاقتصــادي بسبب غياب الاستثمارات الضرورية لصيانة وتجديـــد المعدات والتجهيزات إضافة إلى تفاقم الديون الخارجية و بالخصوص الديون القصيرة الأجل والتـــي شكلت النسبة الأكبر منها، حيث بلغت ديون الجزائر الخارجية سنة 1995م 32 مليار دولار بعدمــــا سجلت في نهاية الثمانينات 24 مليار دولار أمريكي. وقد زاد العنـف المسلح من تعميق أزمات هذا القطاع من خلال تعـرض المنشات و المرافق العمومية التي كلفت الدولة الكثير II. الانعكاسات الدولية:توالت ردود الأفعال الإقليمية والدولية على ما يجري في الجزائر بعد تصاعد وتيرة العنــف. ففي تونس و المغرب، سارعــت السلطـات فـي هذين البلدين إلى اتخاذ إجراءات وتدابـيـــر لتجريد الحركـات الدينيــة من النفــوذ السياســي وتحجيــم أدوارها. أما النظــام السيــاسي الجزائري فقد تعرض لضغوط كبــيرة من الدول الغــربية خـــصوصا من فرنســا والولايات المتحدة الأمريكيــة بالرغم من تباين في موقف الدولتين حيال كيفية إنهاء الأزمة، فالولايات المتحدة أدانت تعليق العملية الانتخابيـة في ينايـر 1992، وبالرغـم مـن دعـمهـا لمؤسسـة الرئاسـة، إلا أنهـا ضغطت عليها لاتخاذ إجراءات لتوسيع قاعدتها السياسية من خلال الدخول في حوار مع عناصر تمتلــك صفــة تمثيليــة فـي المجتمع الجزائري ويقصد بذلك “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”. كما حملت الولايـات المتحــــدة المؤسسة العسكرية الجزائـرية مسؤولية ما يجري في البلاد و اعـتبرت أن العمل العسكــري غير مجدي لحل الأزمة الجزائـرية، واكتفت بإدانة ما يحدث في الجزائر من جرائم، وقد سمحت واشنطن لبعض زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ على غرار “أنور هدام” بالإقامة في الولايات المتحدة و بتنظيم لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وغضت الطرف على تبني “الجماعة الإسلامية المسلحة” عـلنا لأعمال العنف في الجزائر .ورغم أن الموقف الأمريكي حكمته أيضا مصالح الولايات المتحـدة الحيــوية، الأمر الذي اصطدم بالتوجهات السياسية الفرنسية، فعلى خلاف الولايات المتحدة دعــمت فرنسا المؤسسة العسكرية الجزائرية إدراكا منها بأن الأخيرة هي القوة الشرعية التي تستطيع كبح جماح التيار الإسلامي و تعزيز النظام العلماني في الجزائــر. وقد أكد وزيـر الخارجية الفرنسي الأسبق “رولان دوما” في عام 1992 عندما اعتبر أن انتصار الإسلام في الجزائـر “فرضية خطيرة ليس على الجزائر فحسب، بل على فرنسا أيضا”. كما اعتبر أيضا وزير خارجية فرنسا الأسبق “ألان جوبيه” أن الوضع في الجزائر بالغ الخطورة مشيرا إلى ضرورة التدخل الفرنسي لدعـــم السلطـــة فــي الجزائر لبدء الحوار مع القوى المعتدلة، و عدم انتظار النتائج المترتبة على مواصلة العنف بين السلطـة والمعارضة. أما على صعيد المنظمات الدولية، فقد توجهت بعض الحقوقيـة منها بالإدانة إلى قوى الأمن الجزائرية وحمّـلـتها مسؤوليــة المجـــازر والمذابــح الجماعية بحق المدنيين. وهددت”منظمة العفو الدولية” المعنية بحقوق الإنسان مسؤولين عسكريين جزائريين بإحالتهم على محكمة جزاء دولية بتهمة ” خرق قوانين البلاد والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان”. كما تـزايد الـــدور المؤثر الذي تقوم به المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صنــدوق النقد الدولي والنوادي المالية الدولية كنادي باريس والتي فرضت على الجزائر شروطا مجحفة مقابل تلقي مساعدات مالية. وعن التحسن الواضح فــي علاقات الجــزائـــــر الخارجية مع القـوى الغربية الكبرى مع مطلع الألفية الجديدة، فيعزيه البعض إلى التقاء مصالح النخبة السياسية الحاكمة مع هذه القوى (مكافحة الإرهاب الدولي)، وتراجع أعمال العنف بشكل كبير، إضافة إلى بعض التنازلات التي قدمتها الجزائر للغرب، فهذه العوامل دفعت الدول الغربية إلى التعامل إيجابيا مع الجزائر. فعلى سبيل المثال أشاد الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” بالدور الذي لعبته الجزائر في إقناع ليبيا بضرورة التعامل مع قرارات هيئة الأمم المتحدة فيما يخص “قضية لوكربي”، وقدمت واشنطن دعم مالي قيمته 2,4 مليون دولار للجزائــــر لمساعدتها في تجاوز أثار زلزال 21 مايو 2003، كما قررت كل من فرنسا و بريطانيا رفع حظر بيع السلاح للجـزائر عــام 2003، و قد صــرح سفيــر بريطانيا بالجزائر: “أن بلاده غيرت نظرتها اتجاه الجـــزائــر”. الخاتمة:لقد تبنت الجزائر النهج الاشتراكي لما يقارب الثلاثين سنة. وبسبب اعتمادها نظام الحزب الواحد، فقد كان البرلمان المنتخب آنذاك ذا لون واحد وأعضاؤه كلهم ينتمون إلى جبهة التحرير الوطني، ولم تكن هناك معارضة بطبيعة الحال. لكن بعد وفاة هواري بومدين بدأت الجزائر تتبع أسلوبا مغايرا على عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، حيث انتقلت الجزائر خلال أواخر حكمه من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية سنة 1989 بناء على الدستور الجديد، كنتيجة لاضطرابات واحتجاجات أكتوبر1988 في نطاق ما اصطلح عليه بخريف الغضب. وهكذا ظهرت على الساحة السياسية الجزائرية ما يربو على خمسين تنظيما سياسيا من أبرزها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كما أجريت في الجزائر انتخابات تشريعية سنة1991 ، كان فيها النصر المطلق لحزب الفيس . نتائج الانتخابات هذه وما رافقها من سلوكيات أفرزت اختلالات خطيرة في المجتمع الجزائري، وفتحت الباب على مصراعيه للعنف الذي حصد الآلاف من الأرواح البريئة. وأدخل الجزائر في عزلة دولية لم تتعافى منها إلا مع بحر العقد الماضي (2000م- 2010).
قائمة المراجع:* أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة بشار (الجزائر)، متحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية (تخصص دراسات أورومتوسطية)، من جامعة تلمسان (الجزائر)، الهاتف: 08 43 25 71 7 213 00، البريد الالكتروني: [email protected]صامويل هنتنغتون، الموجة الثالثة، التحول الديمقراطي في أواخـر القـرن العشريـن، ترجمـة: عبـد الوهاب علوب، الكويت: دار الصباح، 1993، ص:261.2 سليمان الرياشي و آخرون، الأزمة الجزائرية: الخلفيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ط2، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999، ص:79.3 نفس المرجع، ص:141.4 عبد العالي رزاقي، الأحزاب السياسية في الجزائر خلفيات و حقائق، ج1، الجزائر: المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، 1990، ص : 61.5 غاني بودبوز، إشكالية الديمقراطية في الجزائر ، (رسالة ماجستير)، جامعة الجزائر (يوسف بن خدة): كلية علم الاجتماع، 2005.ص: 183.6 عـلـي زغـدود، الأحــزاب السياسيـة فـي الــدول العـربيــة، الجـزائـر: متيجـة للمطبـوعــات،2007، ص: 29. 7سليمان الرياشي و آخرون، نفس المرجع سابق الذكر، ص:81.8 محمد بلخيرة ، التحولات السياسية في الإتحاد السوفيتي وأثرها على الدول العربية الوطنية ، (رسالة ماجستير)، جامعة الجزائر3: كلية العلوم السياسية والإعلام، 2003-2004، ص:265.9 رشيد تلمساني، “الجزائر في عهد بوتفليقة: الفتنة الأهلية و المصالحة الوطنية “، أوراق كارينغي، بيروت: مركز كارينغي للشرق الأوسط، العدد07، الصادرة بتاريخ يناير2008، ص:8-10.10 محمد العربي ولد خليفة، الجزائر و العالم، الجزائر: المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية،2001، ص:228.11خميس حزام والي، إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية، مع الإشارة إلى تجربة الجزائر، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003، ص:183.12 رشيد تلمساني، نفس المرجع سابق الذكر، ص:8.13بوكراع لياس، الجزائر الرعب المقدس، ط1، ترجمة: خليل أحمد خليل، بيروت: دار الفارابي، 2002، ص:110.14 حيدر إبراهيم علي، التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، ط2، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص:79.15 عنصر العياشي، سوسيولوجيا الديمقراطية والتمرد بالجزائر، ط1، القاهرة: دار الأمين للطباعة والنشر والتوزيع، 1999، ص:42-43.16نفس المرجع، ص:43. 17 أحمد مهابة، “الجزائر تحت المجهر الأمريكي – الفرنسي”، مجلة السياسة الدولية، القاهرة: مركز الدراسات الإستراتيجية، العدد 118، الصادرة بتاريخ نوفمبر 1994، ص: 112.18بوكراع لياس، نفس المرجع سابق الذكر، ص:110.19 نفس المرجع، ص:110.20 أحمد مهابة، نفس المرجع سابق الذكر، ص:177.21 محمد قواص، غزوة الإنقاذ: معركة الإسلام السياسي في الجزائر: بيروت: دار الجديد للدراسات والأبحاث، 1998، ص: 207.22 عمرو عبد الكريم سعداوي، “تقاطع الاستراتيجيات الأمريكية و الفرنسية حول الجزائر” ، مقال منشور على الموقع الالكتروني: http://www.almoslim.com/node/85717، تاريخ دخول الموقع: الأربعاء 25/12/2013.23 رشيد تلمساني، نفس المرجع سابق الذكر، ص:11.24 الهواري عدي، “الجزائر: الحرب المستمرة”، مقال منشور على الموقع الالكتروني : http://www.mondiploor.com/rubrique.282.html ، تاريخ تصفح الموقع: 19/12/2011.25 سليمان الرياشي و آخرون، نفس المرجع سابق الذكر، ص:86.26 رشيد تلمساني، نفس المرجع سابق الذكر، ص:10-11.27 بلخيرة محمد، نفس المرجع سابق الذكر، ص:277.أمحمد الداسر، التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي ، مقال منشور على الموقع الالكتروني: http://www.shebacss.com/docs/poadt009-09.pdf تاريخ تصفح الموقع 26.12.2013، ص:3-4.
ندوة الحركة التدوينة و دورها في صناعة الرأي
نظم المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية مبدأ ندوة علمية بالتعاون مع منتدى الشرق (ديوان نواكشوط ) ، الندوة المنظمة مساء الخميس 13 -07-2017 بفندق موريسانتر تخللتها العديد من المحاضرات و المداخلات التي تمحورت حول موضوع الندوة الموسومة ب ” الحركة التدوينية و دورها في صناعة الرأي “.
الندوة افتتحا الأستاذ يحيى أبوبكر منسق ديوان نواكشوط في منتدى الشرق و قد قدم ولد يحيى حول الأدوار التي يسعى منتدى الشرق القيام بها من خلال التواصل مع الشباب و فتح حوارات بناءة و نقاشات تسهم في الرفع من واقع البلاد ، فيما قال ان اختيار الحركة التدوينية لم يات من فراغ و نما هو نابع من الواقع الحالي و ما تشهده الساحة من تطور و قوة لفعل التدوين الذي بات اكبر صانع للرأي خاصة في ما بعد الربيع العربي ,
رئيس المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية مبدأ ، اكد ان المركز يعد حاضنة لمختلف المبادرات الشبابية الساعية الى اثراء الساحة و تطوير المنتج الثقافي الموريتاني ، فيما قال ان التدوين كوسيلة بات البوابة الحقيقية التي تدخل من خلالها الدول الى القرية الكونية خاصة باعتبارها خطابا مغايرا للخطاب الرسمي و حتى الخطاب السياسي ، مدللا على ذلك بالبروز الكبير لدور صحافة المواطن و الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي .
الأستاذة نبيلة الشيخ قدمت ورقة تاطيرية للندوة ومن خلال الأرضية التي قدمتها طرحت بنت الشيخ العديد من الاسئلة المحورية في النقاش الدائر حول التدوين و خاصة في جوانب الفعل وردة الفعل و مدى قدرة التدوين على خلق ردة الفعل المتوخاة ، و متسائلة عن مدى تأثير السياق الاجتماعي بشكل عام في ايصال الرسالة المتوخاة من العملية التدوينة .
وقد قدم كل من د. الحسين مدو و د. الشيخ سيدي سيدي عبد الله و د. محمد محفوظ اضافة الى الاستاذ عبيد ولد اميجن ، محضاضرات اثرائية للموضوع و تطرق المحاضرون للعديد من المجالات و النقاشات الجديدة و القديمة في مجال الحركة التدوينية في الفضاء الموريتاني بشكل خاص و العربي و العالمي بشكل عام .
الندوة شهدت مشاركة ابرز المدونين الموريتانيين ، تقدمهم الدكتور عباس ابراهام و الاستاذ حبيب الله احمد ، و المدونة فاطمة عيلال اضافة الى مجموعة كبيرة من المدونين الشباب و ذوي الخبرة في مجالات التواصل و المهتمين .
فيما تدخل العديد من الحضور مأكدين على ضرورة عقلنة الفضاء التدويني في موريتانيا و السعي الى الاستفادة من التجارب المجاورة خاصة في الخليج العربي ، فما تزايدت دعوات ان يواكب المدونون الموريتانيون الحركة الجديدة المتمثلة في ظهور مصنات تعتمد تقنية الفيديو في التدوين باعتبارها اكثر تاثيرا و تطورا