19 أبريل، 2024، والساعة الآن 2:37 صباحًا بتوقيت نواكشوط
Google search engine
الرئيسية بلوق الصفحة 3

اختتام فعاليات مؤتمر لكصر بالتعاون بين مركز مبدأ وبلدية لكصر

0

اختتمت في ساحة بلدية لكصر بنواكشوط فعاليات مؤتمر الشباب وصناعة المستقبل، الذي نظم بالتعاون بين بلدية لكصر والمركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية(مبدأ).المؤتمر الذي نظم تحت شعار شباب السلم والتنمية، شهد يومه الختامي قراءة التوصيات ومخرجات ايام النقاش، التي تضمنت توصيات من المحاضرين وتوصيات من الشباب المشارك.إضافة إلى القاء عمدة بلدية لكصر لكلمة رسمية، وجه فيها الشكر للمشاركين والسلطات المحلية والإدارية التي شاركت في الحفل الختامي، وخلال الحفل تم توزيع افادات المشاركة على الشباب الذي شارك في المؤتمر على مدى يومين.وقد شهد المؤتمر الذي نظم في فندق ازلاي مشاركة العشرات من منظمات المجتمع المدني في نواكشوط وغيره، إضافة إلى بعض الشباب المستقل الذي ساهم في إثراء النقاش وتعزيز الشراكة بين مختلف الفاعلين.وقد ركزت توصيات المؤتمر على تعزيز مكانة الشباب في صناعة القرار والمشاركة الإدارية الفاعلة له وكذلك تفويضه بعض صلاحيات الإدارة المحلية وخاصة للجمعيات الشبابية.وقد شهد الحفل الختامي للمؤتمر مشاركة العديد من ممثلي السلطات المحلية والإدارية في مختلف ولايات نواكشوط، إضافة إلى حضور عدد من سكان المقاطعة.الحفل اقيم في الفضاء الجديد الذي جهز على نفقة البلدية ويعد متنفسا ثقافيا جديدا في البلدية وفضاء مميزا من حيث المكان القدرة على جذب الأسر والشباب في فضاء مفتوح وفي متناول الجميع.

دور النقابات في تعزيز ثقافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية/إبراهيم بلال

النقابة لغةً تعني الرئاسة وهي على وزنها (بكسر الأول لا بفتحه) ويقال لكبير القوم نقيباً أو رئيساً. ومن هنا جاءت تسمية نقيب الأطباء أو نقيب المعلمين وسواهما، وعلى ذلك تم تأسيس (رابطة) أو (جمعية) أو (اتحاد) لذوي المهن والحرف سميت (نقابات).
والنقيب في لغة القرءان تعني الكفيل والضامن للوفاء بالعهد وذلك لقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، أي
كفيلًا وضمينًا ضمنوا عن قومهم الوفاء بالعهد.

وإصطلاحا هيئة قانونية تتكون من مجموعة من المواطنين الذين يمارسون مهنة واحدة أو مهن متقاربة. النقابة هي جمعية تشكل لأغراض المفاوضة الجماعية أو المساومة الجماعية بشأن شروط الاستخدام ولراعية مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية عن طريق الضغط على الحكومات والهيئات التشريعية والشركات والالتجاء إلى العمل السياسي في بعض حالات معينة، ولقد كانت بريطانيا أسبق الدول إلى الاعتراف بالأهلية الكاملة للنقابات العمالية وكان ذلك في عام 1871.و هي تسمى بالانجليزية unions
من الوارد القول بان كارل ماركس هو اول من دعى الى ضرورة التنظيمات النقابية لحماية المصالحالاقتصادية الاجتماعية للعمال في وجه تحكم و جبروت الراسماليين .. فقد ختم كتابه راس المال بدعوته المشهورة : ” عمال العالم اتحدوا ” و من هنا جاءت تسميتها بالاتحادات العمالية unions و من هنا كانت الحركة النقابية أقوى عندما هبت رياح الاشتراكية و اصبحت الحركة العماليةمرتبطة بالاشتراكية بل هي سلاحها ..
و قد يظن البعض أن النقابات ظاهرة خاصة بالنظام الرأسمالي، وأنها بالتالي تصبح غير ضرورية أو غير ذات موضوع إذا ما أخذ المجتمع بالنظام الاشتراكي حيث يسيطر الشعب على وسائل الإنتاج. إلا أن ذلك ليس صحيح، فالنقابات كانت موجودة في الاتحاد السوفييتي سابقا، ولكنها هناك كسبت مفهوما مختلفا، إذ يقع عليها عبء هام هو المشاركة في تنفيذ خطط التنمية والعمل على رفع الكفاة الإنتاجية والمستوى الثقافي والاجتماعي لأعضائها، وتعميق الوعي بفلسفة النظام الجديد.
بالنسبة للنقطة الثانية والمتعلقة بعوامل ضعف النقابات فهو بحسب رأي يعود إلى عدة أسباب اهمها:
مشكلة التشرذم وضعف الأداء النقابي، هيمنة الأجندات الحزبية عليها، إلى جانب التدخل الحكومي

أدت مشكلة تشرذم النقابات العمالية إلى ضعف أدائها النقابي، وضعف سياساتها في الحفاظ على حقوق العمال. فوجود أكثر من نقابة واتحاد شتت الجهود النقابية، كما أن الانشقاقات وتأسيس نقابات عمالية تعمل بصورة منفردة عن اتحاد النقابات، وقيام كل نقابة أو اتحاد بالعمل بشكل مستقل عن الآخر؛ أدى إلى تراجع دور تلك النقابات الفعلي في حماية واقع العمال والحفاظ على حقوقهم.

ويعود واقع النقابات العمالية والإشكالية التي يعاني منها إلى مجموعة أسباب، منها ذاتية وأخرى موضوعية، أثرت بشكل مباشر على عمل النقابات وأعضائها. وفي الواقع هناك دائمًا تشابك وتداخل بين تلك العوامل، حيث لا يمكن فصلها وتجريدها عن باقي العوامل.

أولًا: غياب الديمقراطية في الاتحادات والنقابات العمالية، حيث تكون النقابات تحت قيادة دائرة محدودة تأخذ قرارات دون الأخذ بعين الاعتبار آراء العمال ومصالحهم، ما ترتب عليه من ضعف ثقة العمال بالنقابات، وضعف أداء النقابات في تحقيق مصالح العمال. فغياب الانتخابات الدورية، وعدم الالتزام بالبرامج التي تطرح وقت الانتخابات، التي إن حصلت تتم بطريقة صورية، يتم فيها تجديد شرعية القيادات الموجودة اصلا.

ثانيًا: ضعف البرامج الخدمية المقدمة للعمال، وبالتالي عدم اهتمام العمال بالانتساب إلى النقابات، فلا الوعي العمالي أدرك أهمية العضوية، ولا النقابات استطاعت جذب اهتمام العمال بخدمات واضحة تقدمها لهم.

ثالثًا:  ضعف ثقافة العمل النقابي لدى العمال وقادة الحركة النقابية، فمفاهيم مثل قضايا العدالة الاجتماعية لا تعدّ من ضمن أولويات العمل النقابي. وتتركز معظم أعمال النقابات على الجوانب الإدارية والتواصل بين العمال ومشغليهم، في حين تغيب المشاريع والسياسات الفاعلة لدعم العمال وواقعهم الاقتصادي.

العوامل السياسية التي يُعزى لها ضعف العمل النقابي

أولًا: سيطرة الأحزاب وتدخلها في العمل النقابي

أغلب قيادات العمل النقابي لها انتماءاتها السياسية والحزبية، فقد ارتبط العمل النقابي تاريخيًا بالعمل السياسي، سواء تعلق الأمر بحزب الشعب أو الحركات الإيديولوجية، وقد استمر الوضع كما كان في السابق، الأمر الذي أضعف العمل النقابي، وابتعاده عن مصلحة العمال، والتوجه نحو مصلحة الحزب أو الفصيل.

ثانيًا: التدخل الحكومي في العمل النقابي وعدم قيام الحكومة بدورها الرقابي

تمارس الحكومة ضغوطات مختلفة على بعض قادة النقابات إلى حد التحكم في سير عملها، وطبيعته، وتصل أحيانا حد تبديل قيادات بعض النقابات العمالية.

مبدأ، نواة: اختتام ورشة حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية

0

اختتمت في نواكشوط اعمال ورشة فكرية حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، منظمة من طرف مركز مبدأ ومعهد نواة، وبمشاركة مهمة من الفاعلين والنشطاء والنقابات والحركات الحقوقية والسياسية إضافة الى المراكز البحثية والباحثين المستقلين.

الورشة التي دامت يومين قدمت فيها العديد من العروض الفكرية والمحاضرات، كما شهدت ورشة خاصة حول عرض المشاكل التي تواجه الفاعلين في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكذلك العمال انفسهم والمجتمع من خلالهم.

كما انه على هامش الورشة تم تشكيل شبكة خاصة بالفاعلين تعنى بمجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، سيشارك فيها كل الحاضرين إضافة الى بعض المؤسسات الأخرى التي أبدت اهتمامها بالانضمام للشبكة الوليدة.

في اليوم الثاني قدم الأستاذ معلوم أوبك وهو مسؤول التكوين في نقابة تجمع أستاذة موريتانيا ورقة حول حماية حقوق الانسان في السياق الموريتاني من خلال نموذج العمال وبالخصوص في قطاع التعليم.

كما قدم الدكتور احمد جدو اعلي مداخلة حول المواد القانونية الخاصة بالعمل في موريتانيا وكفية التحسين منها والاستفادة منها من طرف النقابيين والفاعلين.

الورشة اختتمت بتوزيع إفادات المشاركة على المشاركين في الورشة، والذين ابدوا ارتياحهم لأهيمه النقاشات وضرورية استمرارها في المستقبل، كما اعتبروها فرصة للتداخل بين النقابات والمؤسسات البحثية من اجل تكثيف الجهود في المستقبل لدعم حقوق العمال في موريتانيا..

مركز مبدأ ينظم ندوة حول واقع المرأة الموريتانية

0

نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية- مبدأ، ندوة نقاشية حول واقع المرأة الموريتاني، وقد جاءت الندوة التي كانت تحت عنوان المرأة الموريتانية : الدور المسار التأثير، في سياق معقد للنساء بسبب تأثيرات جائحة كورنا التي اثرت على النساء عموما وكذلك سياق الحراك النسوي الى تعزيز مكانة المرأة.

المشاركات في الندوة قمن عدة محاضرات في مجالات مختلفة تخص المرأة الموريتانية وتدور حول الية اشراكها في السياق العام المحلي من خلال حلول فعالة وعملية.

رئيس الجلسة وعضو مركز مبدا خديجة وان اكدت في تقديمها على أهمية مثل هذه النقاشات في السياق المحلي الموريتاني، مؤكدة ان المرأة وقياسا على نسبتها من السكان لا تجد ما يكفي من الحقوق لتقوم بدورها بالشكل الامثل.

ميمونة محمد سالم، عضو المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسية مبدأ، قدمت السياق المحلي الذي تتنزل فيه هذه الندوة مرحبة في ذات الاطار بالحاضرات والمشاركات في هذا النقاش الذي يعول عليه في اثراء المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة.

المحاضرة عيشة احمدو قدمت في الجانب السياسي اهم المعوقات التي تقف امام المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة الموريتانية،

فيما عرضت امو كان اهم النماذج النسوية الفاعلة التي رفها تاريخ موريتانيا مؤكدة انه من المهم ان يكون هذا الدور محل تقدير وتثمين من المجتمع، وان هذا التثمين سيكون له اكبر فاعلية في تعزيز الدور الذي تعبه المرأة وتحسين مسارها الحياتي.

الدكتورة هالة ببانة قدمت في محور ريادة الاعمال اهم الابيات التي تساهم في تسليح المرأة بمختلف المهارات المهمة في مجالات ادارة المشاريع والرؤية المستقبلية وغيها في من المجالات الأساسية لتفعيل دور المرأة وخلق مسار اقتصادي لها على اعلى المستويات.

في محور المرأة والمجتمع قدمت الاستاذة سهام ببانة مختلف الفواعل الاجتماعية التي تعوق مسار المرأة وتأثر على أداء دورها بشكل فاعل في مجتمعها، مؤكدة ان المجتمع يعد من العوائق البارزة للمرأة في موريتانيا، وان المعرفة والعلم من المسائل الضرورية لتجاوز هذه الازمات التي تعيش المرأة في سياقها المجتمعي.

رئيسة الجلسة وعضو المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية -مبدا خديجة وان لخصت في ختام الندوة أهم الآراء الواردة في النقاش، شاكرة الحاضرات على حسن المشاركة، ومؤكدة ان المركز سيواصل العمل وايلاء اهتمام خاص بالنساء.

مركز مبدأ ينظم ندوة تناقش المشهد السياسي في موريتانيا

0

نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية_مبدأ، ندوة وطنية كبرى حول الشراكة السياسية في ظل مشهد سياسي يتسم بالانفتاح. وقد شارك في الندوة التي كانت تحت عنوان المشهد السياسي من القطيعة الى الشراكة التنافسية، عدد من السياسيين البارزين في البلد إضافة الى جمهور من النخبة السياسية في موريتانيا وفاعلين سياسيين مستقلين.

رئيس الجلسة النائب فاطمة من خطري، أكدت انه من المهم للمراكز البحثية نقاش هذا النمط من المواضيع ومتابعتها بشكل بارز وفعال ومستمر، وشكرت المركز على هذه السانحة المهمة مقدمة أهم الأسئلة البارزة في الموضوع.

.المحاضر محمد يحيى حرمة ركز في عرضه على واقع المشهد السياسي في البلاد والدور الذي تقوم به الأحزاب في مثل هذه الظروف، كما أكد أن هذه المرحلة من أهم المراحل السياسية التي مرت بها البلاد خلال الفترات الماضية.

من جانبه المحاضر لغورمو عبدول أكد على أن الشراكة السياسية مسألة مهمة في السياق الحالي وأنه من غير الوارد تشخيص موقف المعارضة في أنها تنازع الحكومة وتطالب بإسقاطها.

النائب العيد محمدن قال إن أي شراكة سياسية لابد من حمايتها وتأمينها ولن يتم ذلك إلا من خلال إتاحة فرصة لجميع المكونات الوطنية وتعزيز الثقة والتقارب المنتج بين الجميع على أرضية وطنية تضمن المساواة في الفرص والواجبات.

مستشار الرئيس الموريتاني المحاضر محمد محمود ولد أمات أشاد بالانفتاح الموجود حاليا واصفا إياه بالحراك السياسي الفعال إذا تم استغلاله بشكل جيد من جميع الأطراف السياسية وأكد ان مسألة الواقع الحالي لموريتانيا لابد لها من مشاركة الجميع من كل الفاعلين السياسيين والمكونات الوطنية.

الرئيس السابق لحزب تواصل السيد محمد جميل منصور أكد أن الواقع السياسي بين الأمس واليوم انتقل من الانغلاق على المعارضة إلى الانفتاح عليها في ظل الرئيس الحالي وهو ما يعني أنه من المهم للمعارضة أن تكون شريكة وتستغل الفرصة لتبادل الأفكار مع الرئيس والبحث عن المساحات المشتركة.

المداخلات التي شهدتها الندوة تركزت أساسا حول أهمية التغيير والدفع بعجلة البلد من خلال تغيير النخب السياسية وإتاحة الفرص أمام الشباب من أجل المساهمة في التغيير والتأثير في المشهد. #مبدأ

مبدأ ينظم ندوة حول اتفاق موريتانيا وكينروس تازيازت

0

نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية -مبدأ، ندوة – عن بعد- تحت عنوان “اتفاق موريتانيا وكينروس “الرهانات والمكاسب”

وقد شارك في الندوة كل من الاستاذ الجامعي د. مصطفى افاتي


و ذ. أحمد الطالب محمد مستشار وزير الطاقة والمعادن
ود. محمد مولود، رئيس حزب اتحاد قوى التقدم
والسفير والخبير المالي ذ. المختار داهي
وذ. كيسيما جاكانا، الصحفي المتخصص في شؤون المعادن الاستخراجية .
وتأتي هذه الندوة التي أقيمت يوم 25-06-2020 في سياق عصيب للعالم أجمع بسبب وضع جائحة كورونا التي تؤثر على حياة الجميع، كما أنها الندوة الثانية في إطار متابعة مركز مبدأ للمجال الاقتصادي في البلاد وذلك بعد ندوة الاكتشافات الغازية بين موريتانيا والسنغال والتي حضرها الدكتور بدي ابنو والرئيس السابق للجمعية الوطنية السنغالية التي نظمها المركز في الفترة الماضية.
من خلال الندوة تم التطرق للمحاور التالية تباعا :
المحاور الأول :
الاطار القانوني للاتفاقيات المعدنية والذهبية: المسار والمقارنة
المحور الثاني :
اتفاقية التسوية بين موريتانيا وتازيازت : المزايا المقارنة
المحور الثالث :
انعكاس اتفاقية موريتانيا وتازياوت على واقع البطالة والعمال في البلاد
المحور الرابع
دور الاعلام في تعزيز الشفافية في الصناعات الاستخراجية
وتبعا للمحاور المخصصة للندوة قدم المحاضرون مساهماتهم التي ستنشر بشكل كامل لاحقا، على صفحات المركز على الميديا الاجتماعية كما انها ستكون متوفرة للقنوات الاخبارية الراغبة في بثها.
يذكر أن هذه الندوة هي الندوة المسجلة الثانية التي نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الانسانية- مبدأ، حيث سبق وأن سجل ندوة حول تكاتف الجهود بين الدولة والمجتمع المدني في مواجهة الأزمات وقد وصلت للمرحلة الاخيرة من المونتاج لتبث في بحر الاسبوع المقبل إن شاء الله.
#مبدأ

الكونية/ عبد الكريم الحر

كثيرا ما ألهمتنا فلسفة أفردريك نيتشه حول مفهوم المطرقة، خاصة في المجال الأتيقي ومعارضته الشرسة للأمر القطعي الكانطي، حيث لم يدخر جهدا في هدم الفكرة الكونية الأخلاقية التي دعا كانط إليها<<ماذا علي أن أفعل؟ إفعل حسب القاعدة التي تريدها أن تكون قانونا كونيا>>[1]، متوخيا من وراء ذلك سيادة أخلاق كونية شمولية.

الصيغة الفردية التي صاغ بها كانط مقولته، هي النافذة التي أطل منها نتشه حاملا مطرقته، متحيرا كيف لأمر قطعي فردي أن يكون كونيا؟ وأنى لنا التوصل إلى أخلاق كونية في عالم يسوده الاختلاف والتنازع؟[2] وكأنه يتعجب من غباء كانط، وغير بعيد من ذلك انتهج اغلب الفلاسفة ومن درسوا الفلسفة إلى يومنا نهج النتشوية حول رأيها في الكانطية القطعية. وبالنظر لجائحة الكورونا وما تلاها من نصائح حول أن علي أن أفعل ما على أي فرد من الركن القصي فعله، كوسيلة للحد من هذه الجائحة، ألا يذكرنا هذا بأهمية التدبر في قول كانط أن علي فعل ما أريده أن يكون قانونا كونيا، وأنه ليس بالمستحيل التوصل لأخلاق كونية؟” ألم يحن زمن رفع فكرة السوبرمان[3] النتشوية؟

كورونا أرغمنا قصرا إلى الانتباه لأهمية الإنسانية، والمساندة باسمها حصرا، كما رد علينا كل قول كنا قد اعتمدناه حول ضرورة تشيء الإنسان، والتخلي عن محوريته. فالكوناتيس[4] الذي نادى به باروخ اسبينوزا هو أصدق مفهوم يمكننا إطلاقه على الصرخات التي تسود العالم الآن، فحب البقاء وما يقتضيه هو شغل العالم اليوم، وهذا ما يقتضي ضرورة وجود قيمة المسؤولية الفردية في إطار المسؤولية الجماعية، التي جسدتها مقولة جون استيوارت مل التي تفصل متى على المجتمع معاقبة أحد أفراده، مجيبا “أن لا حق لأي مجتمع في معاقبة أي قرد من أفراده إلا في حالة أتى الفرد فعلا من شأنه أن يضر الآخرين” واليوم يتركز الإجراء الوقائي في المقام الأول على حظر التجول ومنع التجمعات قدر الإمكان، ومن خالف ذلك دون إذن أو ضرورة يعرض نفسه للزجر اجتماعيا والعقوبة قانونيا، بتهمة الإخلال بالمصلحة العامة، وهو الشيء الذي أصبح جوهر التعاطي مع جائحة الكورونا، حيث على كل فرد أن يفعل لنفسه والعالم في الآن نفسه، كوسيلة لحصر الجائحة، والمحبة الكونية التي دعا إليها محمد عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف “…أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وهو المبدأ الذي جسده الدستور المدني المحمدي.

وهكذا إذا رأينا أن الكونية الكانطية التي بدت لنا مستحيلة في زمن ما، قد لاح في الأفق تجسدها، عمليا قبل الوعي بها نظريا، محكومة بحب البقاء، فهل يعني هذا أننا قد نشهد مدينة فاضلة أفلاطونية وإن على الطريقة الفارابية مستقبلا؟ فالمنطق قد ينكر ذلك، لكن المستحيل يضمحل ويتقهقر الإيمان به غالبا أمام الإرادة البشرية، حيث يقال إن “الإرادة البشرية قادرة على كل شيء، فنحن فقط من لا نريد”.


[1]  الأمر القطعي الكانظي، هو المبدأ الذي حاول كانط من خلاله تجسيد نظريته حول ضرورة وجود أخلاق كونية، لأنه يجعل من التحلي بالمسؤولية فرض عين كما يجب، وهذه الضرورة هي ما أكدتها جائحة الكورونا آنيا، حيث اختفت الإنية تاركة كل الحواجر للغيرية.

[2]  الفردية لا تبني الجماعية، بل كل إنسان لتفسه طبقا لنظرية السيد والعبد.

[3]  السوبرمان هي فكرة عند نتشه في فلسفته الأخلاقية كوسيلة  للتخلص من الأخلاق لأنه وصفها بمجال الضعفاء، ونادى بضرورة ابدالها بالرجل القوي حيث قسم الناس إلى قسمين، أسياد وعبيد وهو تقسيم ليس بالاقتصادي بل هو نفسي، فمن كان قوي نفسيا فهو سيد، ومن كان ضعيف نفسيا فهو عبد.

[4]  مفهوم لباروخ اسبينوزا “حب الحياة”، ويعني به أن كل شيء يصارع من أجل حياته، أي حب الحياة فحتى الشجرة حينما نقتلعها وننسى عن أحد عروقها فهو يقاوم للخروج لينبت كشجرة مرة أخرى، فكيف بالإنسان؟

وظيفة المثقف.. بين الماضي والحاضر

تـمر كافة المجتمعات الإنسانية في مراحل دورتها الحياتية بإرهاصات و تحولات تقود في مجملها إما إلى الاستقرار أو الفوضى، وإزاء حركية المجتمع، التي تفرضها طبيعة “العمران” وفق التعبير الخلدوني، يبرز بين كل فاصلة زمنية وأخرى أفراد، تجمعهم بعض الخصائص المشتركة، ويمتلكون من الأدوات العقلية ومن المهارات ما يمكنهم من التأثير على مجتمعاتهم بدرجات متفاوتة، وهؤلاء تم التواطؤ على تسميتهم بال”المثـقفين”.
فما هي خصائص المثقفين ؟ وأي دور لهم في حركية المجتمعات الإنسانية ؟ وما علاقتهم بعامة الناس ؟ وأخيرا هل يمكن القول بموت المثقف؟
كثيرا ما تتعد التعريفات في مثل هذا النوع من المسائل، ولعله من خصائص العلوم الاجتماعية اتساع المجال الممكن لتعريفات متعددة في مسألة الواحدة، وحتى لا نقع في فخ التعريفات هذا أستميح القارئ الكريم عذرا وأكتفي عوضا عن التعريف بالتمهيد أعلاه، لـنقفز مباشرة إلى الخصائص، التي يكاد يجمع أغلب الدارسين لهذا الموضوع أنها تتلخص في ما يلي:

  • مستوى مقبول إلى عالي من التعليم، وامتلاك ملكة النقد، والقدرة على التحليل الموضوعي، مع الإطلاع بما فيه الكفاية على الواقع السياسي والثقافي والاقتصادي في المجتمع الضيـق (الدولة) والمجتمع الواسع (الثقافة)، والمجتمع الأوسع (المجتمع الإنساني). هذا إضافة إلى امتلاك ثقافة تاريخية متماسكة يمكن توظيفها بسلاسة لفهم حركية المجتمع.
    ولكن هذه الخصائص ليست ثابتة إطلاقا، إنما تتغير مع تغير المجتمعات والأزمنة، بل إن بعضها قد يتلاشى تماما ليفقد معه المثقف إحدى محدداته “العتيقة” مثلما سنتناول في فقرة لاحقة من هذه الإضاءة.
    ويجدر التنبيه أيضا إلى أن خصائص المثقف غير محصورة بالضرورة في ما ذكرناه، فربما زاد بعض الدارسين خصائص أخرى انطلاقا من زاوية رؤيتهم لوظيفة المثقف.
    أما من حيث الوظيفة، فيمكن إجمال أهم الأدوار المتوقعة من المثقف في ثلاث:
    1- المساهمة في صناعة الوعي الاجتماعي، عن طريق وسائل التأثير المختلفة: إعلام، تعليم، سلطة سياسية، سلطة روحية، .. وغيرها.
    2- الانخراط والتأثير في الأنشطة الاجتماعية المتنوعة (وهذا الدور مناقض لفكرة “الإعتزال” التي مارسها وسوق لها ضمنيا كثير من المثقفين والفلاسفة القدماء، وتأثر بتلك الدعوات عدد من المثقفين المعاصرين، إلا أنها فكرة أثبتت عدم جدوائيتها في تصوري، فأي قيمة لامتلاك الثقافة والمعرفة إن لم تكونا دافعا إلى تنوير المجتمع والسعي إلى إصلاحه؟).
    3- ابتكار الحلـول في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قد تمر بها المجتمعات، حسب الاختصاص، ولعل البحث العلمي في هذا الإطار هو الوسيلة الناجعة لتحقيق هذا الدور، الأمر الذي يعني ضرورة انخراط المثقف في المراكز البحثية الجادة، وهي كثيرة في سياقنا العربي والإسلامي.

المثقـفون و”الـشعـبوية” ..
يكابد المثقف صراعات مختلفة على جبهات عدة، لعل أكثرها صعوبة هي عقدة “الشعبوية” التي يجد كل مثقف ذاته إزائها أمام نمطين بارزين من الشعبوية:

  • شعبوية غير واعية: حيث إنها نمط غير صحي، وبسبب صعوبة التعامل مع هذا النمط يجازف الكثير من الضالعين في ميدان علم النفس الاجتماعي بالقول إن “الجماهير غوغائية بطبعها ولا يجب الرضوخ لها، ولا حق لها في اختيار مستقبلها” ومن هذا الإفتراض ولدت جل الفلسفات الشمولية التي نتجت عنها أنظمة الاستبداد السياسي الفظيع في العالم، إلا أن التعميم في هذا الإطار مجانب للموضوعية، ففي ذات السياق يتجه العديد من المثقفين حول العالم للقول بأن بعض الأنظمة الشمولية -وإن كان استبدادها واضحا للعيان- فإنها في بعض بلدان العالم ساعدت على حفظ الموروثات الثقافية لشعوبها، وعلى بناء كيانات تلك البلدان بناء صلبا،
  • شعبوية واعية: وهي النمط الذي تصاحبه غالبا بيئة ملائمة للإصلاح، حيث إن المثقف يستطيع أداء دوره في ظلها بأمان، لأنها تساعده وتحتضنه، ويمكن التعويل على هذا النمط من الشعبوية في امتصاص الأزمات الاجتماعية التي تعصف من حين لآخر بالمجتمعات الإنسانية، ويظل النموذج التونسي إبان موجات الربيع العربي طاغيا في هذا الإطار، وبالتالي تكون المسؤولية الإصلاحية مضاعفة على المثقفين للانتقال بهذا النمط من المجتمعات انتقالا سلسا نحو الإصلاح.
    “فوظيفة المثقف أن يكون هو الراصد للإشكاليات الاجتماعية وهموم المجتمع، وأن يلعب دورا فاعلا وإيجابيا في وعي الجماهير وتوجيه هذا الوعي في تحقيق واقع الاصلاح والتغيير، وليس تحقيق مصالحه الخاصة. فالشعبوية ليست شر مطلق ولا خير مطلق، بل هي تعتمد كأداة فاعلة في التغيير، على الوعي وعلى معايير الخير والحق، وهي معايير على المثقف أولا استيعابها بشكل فاعل”(1)
    ويذهب المفكر محمد حامد الأحمري في حديثه عن “عامة الناس” مذهبا بعيدا في اتجاه الدفاع عن مكانة الجماهير في العملية الإصلاحية، حيث يذكر بأن عامة الناس هم “زهرة الدنيا وفكاهتمها”، لولاهم لما كان هنالك خاصة، قائلا بأن بعض المثقفين المتعالين ربما عاشوا تحت ظل أب عامي، وأم عامية، وقد ساق في نقاشه لهذه المسألة مقولات عديدة تؤكد خطورة النخبوية الجامدة على دور المثقف.(2)

النخبوية الجامدة:
لقد بات هنالك نمط سائد من “النخبوية الجامدة” في مجتماعتنا المعاصرة، وهذا النمط لا يخدم الوظيفة السامية للمثقف في اعتقادي، ويمكن إجمال مظاهرها -أي النخبوية الجامدة- في نقطتين:
1- استخدام اللغة الخشبية والمعقدة في الخطاب الموجه للجماهير، دون اعتبار الاختلاف العميق في مستويات التلقي و الأفهام لدى عامة الناس، مـما يساهم حتما في تعميق الفجوة بين هذا النمط من المثقفين وبين عامة الناس.
2- تنميط صورة المثقف (شكلا وممارسة): إن التنميط عموما مضر بالخطاب وبالأفكار، ويكون ضرره أكبر حين تكون تلك الأفكار وذلك الخطاب موجه للتأثير في مجتمعات “شعبوية” مثل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تؤثر فيها إرادة “الجماهير” بقوة -على لغة غوستاف لوبون-، ففي عصر الديمقراطيات الشعبية ومشاركة الناس في صناعة التحولات الكبرى أدركت الأنظمة -ومعها النخب المثقفة- أن تجاهل عامة الناس في صناعة الخطاب وفي رسم السياسات الإستراتيجية بات ضربا من الانتحار. إن اختزال دور وشكل المثقف في قوالب محددة وممارسات بعينها لم يعد ذا قيمة في التأثير على المجتمعات، إننا لا ندعوا بالتأكيد إلى تمييع صورة المثقف، إلا أن الواقع يفرض على المثقفين إجراء عملية تحديث لصورتهم ودورهم بما يبقيهم على سكة الإصلاح الاجتماعي.

“موت” المثقـف:
يرى الكاتب عبد الإله بلقزيز أن “المثقفين ملزمون بإعادة قراءة وظيفتهم والتساؤل حول دورهم الاجتماعي، والبحث عن دور جديد لهم يواكب المتغيرات والتحولات”، ويشير الدكتور سعيد عبيدي في قراءته لنظرية “بلقزيز” حول مصير المثقف إلى أن “المجتمع قد استغنى عن خدمات المثقف المعرفية التي قدمها فيما مضى، وهي الخدمات التي تبدو اليوم غير ذات جدوى في سوق القيم الرمزية، ولا يعني ذلك بالضرورة الاستغناء عن المعرفة، بل إن الحاجة للمعرفة تزداد بوتيرة أسرع، بل هو استغناء عن نمط من أنماط إنتاج القيم الثقافية والرمزية، والذي يبدو اليوم تقليديا، مثلما هو استغناء عن حرفة الكتابة التي امتهنها المثقفون وصنعت لهم تلك الهالة التي أضيفت إليهم”(2)
وهذا المصير الذي بشر به “بلقزيز” وأشار إليه “عبيدي” قد يكون مصيرا محتوما إذا ما استمر المثقفون في التمسك بمظاهرهم النمطية ووظائفهم التقليدية، إنهم اليوم في ظل وفرة المعلومات يفقدون إحدى محدداتهم الرئيسية التي ذكرناها في فقرة سابقة، لأن المعلومة باتت متاحة للجميع بفضل الانترنت، ولعل هنالك تهديدا آخر لوظيفة المثقفين ولمصداقيتهم لدى الشعوب، وهو انحياز بعضهم للأنظمة القمعية وتبريرهم للإستبداد، وهنا، تجدرالإشارة إلى أن ثلة قليلة من الذين جرفتهم أمواج السياسة للوقوف بجانب الأنظمة الإستبدادية سابقا يمكن تفهم مواقفهم بسبب خوفهم من الفوضى، لأنهم من حيث الأساس يفترضون أن الشعوب بين خيارين لا ثالث لهما، إما الإستبداد وإما الفوضى، فأين يضع هؤلا قيمة الحرية بين هذا الخيارين يا ترى ؟
التوصيات:
وإذا كان الإصلاح الاجتماعي هو الغاية العليا لوجود نخبة مثقفة في أي مجتمع إنساني، وإذا كانت المجتمعات الإنسانية تتسم بالحركية والتغيير، فربما نكون ملزمين بإعادة تعريف المثقف من خلال إعادة فهم دوره داخل المجتمع. إن أي عملية تحديث في دور المثقف المعاصر لابد أن تضمن الشروط التالية:

  • إحترام التخصص: فلقد انتهى زمن المثقف الأخطبوط، الموسوعي، الذي يعرف كل شيء ويكتب وينظر في كل مجال من مجالات المعرفة التي تزداد تشعبا يوما بعد يوم.
  • تقبل الإختلاف: لقد كانت فسلسفة “الرأي الواحد” قابلة للصمود في زمن “ما قبل العولمة”، وأثناء انغلاق المجتمعات الإنسانية على ذاتـها، وأما في زمن العولمة والقرية الواحدة، فلابد من التصالح مع حتمية تدافع الأفـكار المتعددة، ويظل البقاء للأنفع والأصلح.
  • احترام العقائد والأديان المخالفة: إن المثقف الذي لا يحترم حرية الإعتقاد والتفكير يحتاج إلى مسائلة ذاته ومراجعة ثقافته قبل أن يواجه المجتمع، ذلك أن بعض المجتمعات المعاصرة تتعدد فيها الأديان والمذاهب والإنتماءات بينما يجمعها وطن واحد، وقد ينطبق ذلك على بعض المجتمعات العربية، ليست من ضمنها موريتانيا التي لا يمكن الجزم بأن تعدد الديانات داخلها ممكن بسبب جملة من العوامل التاريخية والثقافية.
  • الاستغلال الإيجابي والفعال لمختلف وسائل التأثير المتاحة مع مراعاة اختلاف مستويات التلقي لدى الجماهير، وبالتالي بات المثقف المعاصر مرغما على تصميم وإنتاج خطاب مناسب لكل فئة من فئات المجتمع الواحد الذي يوجه له خطابه.
  • تظل الأدلجة حقا لكل إنسان، ولكنها تكون مكبلة وربما قاتلة لبعض المثقفين، لأنه يفترض في المثقف التحرر من كل القيود باستثناء الأخلاقية والقانونية.. وتلك لا تسمى قيودا وإنما ضوابط، بينما تشكل الآيديولوجيات السياسية والفكرية المختلفة قيودا تحد من إنتاجية وعطاء أي مثقف يبالغ في تقمصها، ولكم حرمنا من عطاء مثقفين وطنيين تكبلهم قيود الآيديولوجيا !
  • القراءة.. ثم المزيد من القراءة : إن كان من طوق نجاة للمثقفين في ظل تراجع مستوى تأثيرهم في المجتمعات، فهي أن لا يكفوا عن القراءة، في مختلف الميادين ذات الصلة بمجالات اهتمامهم الفكرية، بانتظام، وانتقائية مدروسة، مع الحذر ابتلاع كل ما تُـسَـوِقه دور النشر من ركيك الكتب، فالقراءة في كل شيء هدر للوقت وتشتيت للجهد، والكتب الركيكة تصنع مثقفا ركيكا، ولـكل قارئ جاد معاييره الخاصة في انتقاء الكتب، وهنالك بالتأكيد معيايير مشتركة مثل جودة المضمون، وسمعة دار النشر وبـراعة الكاتب.

الإحالات:
1- الباحثة إيمان شمس الدين، مقال حول “المثقف والشعبوية” منشور علة موقع المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية (مبدأ)
2- محمد حامد الأحمري، مذكرات قارئ، ص: 358
3- د. سعيد عبيدي، مجلة الشارقة الثقافية ع:39، ص: 52 و53

سـعـد الـديـن ابُـوه

واقع البحث العلمي في السياق العربي “حالة كورونا أنموذجا”

ورقة تقدير موقف : الشيخ الحسن البمباري، المركز الوريتاني للبحوث والدراسات الانسانية- مبدأ

مقدمة

تمثل حالة جائحة كورونا إنذارا عالميا ووقتا عصيبا تمر به البشرية جمعاء، وهو ما دعى للتعبئة العامة على مختلف المستويات وكل المجالات الحيوية في العالم، وقد وجهت انظار العالم منذ ظهور الفيروس في الصين 2019 الى المراكز البحثية العلمية سواء المستقلة منها او تلك المترتبطة بجامعات ومؤسسات بحثية عمومية، ولم تكن الانتظارات معلقة فقط على مخابر العلوم الطبية البحتة بل كل مراكز البحوث كجزء من حالة الترقب لانتاج خطاب موازي للبحث عن لقاح للفيروس الذي هدد الآلاف في أول أيام انتشاره، خطاب يقدم للساسة وقادة الرأي العالميين الخبرة اللازمة في توجيه الشعوب نحو التعامل مع هذه الجائحة والمساهمة في الحد من انتشارها.

ومع أن مراكز البحث والدراسات في الغرب واكبت بشكل شبه لحظي الحالة وسعت إلى ممارسة دورها الطبيعي في الجوانب المختلفة، فإن نظيرتها في السياق العربي ظلت دائما على وضع الصامت، وانضمت لصفوف الملايين من المواطنين في الدول العربية، الذين تنتظرون فقط ما ستخرج به المؤسسات البحثية الغربية، في حالة تعكس خطورة تغييب الدور الاستراتيجي للبحث العلمي كقوة لازمة لجتمعاتنا اليوم، وتظهر هشاشة واقع الدولة العربية في آكد أساسياتها، فعدى عن بعض الإعلانات الهزلية لأطباء الأعشاب والرقية الشرعية، لم يسمع أي صوت من الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية العربية سواء في المستوى الطبي البحت، أو على المستوى الدراسي الذي يقتصر دوره على الاستشراف والتوجيه والمشاركة في التوعية العامة من مخاطر الجائحة.

فالمراكز البحثية والعلمية لم تتمظهر على الاطلاق بصفتها جزء من بنية السلطة العامة بوصفها (وضع استراتيجي من العلاقات ينشأ في مجتمع ما) حسب مشيل فوكو، عاكسة بذلك صورة أنها حبر على ورق، وجزء من تبعية عامة لوضع المسيطر، بل لا يستبعد أن تكون أول من قرر الالتزام بقانون الجلوس في المنازل بوصفها غير معنية باكشاف علاج أو إنتاج خطاب يساهم في تكريس سلطة الدولة لفرض النظام في هذا الوقت العصيب، مع فيروس ينتقل بكل سلاسة من خلال حركة الأفراد إذ إلى الآن تجاوز ال120 دولة حول العالم بل إن الدول التي لم تعلن إصابات يرجح أنها فقط نظرا لضعف ولوج المواطنين فيها للخدمات الصحية لا غير.

واقع المراكز البحثية العربية

في أوقات الرخاء كانت الحالة تقول إن المراكز البحثية العربية تعيش ثورة خاصة في ما بعد الربيع العربي، إذ كانت شخصياتها من الوجوه الإعلامية الثابتة، كما تم الحديث عن تأسيس العديد من المؤسسات البحثية في مختلف المجالات من خلال مسعى الحد من مدى الدولة[1] في الاستحكام بالفضاء العام.

ومع أن الصين تمثل المورد الأول لمختلف الاحتياجات للشرق الأوسط وإفريقيا حيث تتمركز الدول العربية، فان المجتمعات حين أصيبت الصين بجائحة كورونا، بدأت فقط في الالتفات صوب الغرب للبحث عن مصدر جديد لتوريد المعدات الطبية والأفكار وكذلك المساندة للوجستية على كل المستويات لمواجهة الفيروس المستجد.

المراكز المسؤولة عن إنتاج خطاب يكون سلطة في حد ذاته، وكذلك تستفيد منه السلطات بوصفها شريك في الوضع السلطوي القائم، لم يتم التعويل علها بالأساس في حالة تؤكد ان واقعها لا يسمح لها بأن تشكل أي شراكة فعلية ولا قوة اقتراح للمساعدة في المواجهة، وحتى المجالات التي تنشط فيها المراكز البحثية العربية غالبا “مجال إنتاج الخطاب” لم تستطع فيه تحقيق الآمال المعقودة عليها.

إلا أنها وبوصفها جزء من فضاء عام لا يولى أهمية كبيرة للبحث العملي فإن واقع المراكز البحثية كان تجسيدا لمشاكلها التي تعاني بشكل عام، ففي قائمة الدول الاكثر انفاقا على البحث والتطوير تظهر السعودية في المركز 41 عالميا وهي الاولى عربيا بعد دول كباكستان والبرتغال البرازيل وتيوان وغيرها كثير من الدول التي تتفوق عليها الدول العربية في الموارد، فيما توجد قطر ومصر والبحرين والجزائر وعمان والسودان فقط في المئة الاولى من الترتيب[2]، بينما تتصدر امريكا والصين الترتيب بقيمة 500 مليار دولارتقريبا لكل بلد[3]، والسعودية المتصدرة للترتيب العربي لا تتخطى قرابة 12 مليار دولار كإنفاق على البحث العملي والتطوير معا، بينما انفقت على السلاح نحو 26% من الانفاق الحكومي أي 70 مليار دولار في العام 2017 والثالث عالميا[4] بعد امريكا والصين[5].

المراكز البحثية العربية فشلت وتفشل كل مرة باقناع مستثمرين خصوصيين أو عموميين في الاستثمار في المجال البحثي، وهو ما يجعلها تعيش على منح غير كافية حتى لسد ضوررات البقاء، (الايجار والكهرباء والماء)، هذا الوضع يجعل المراكز البحثية بيئات طاردة للباحثين المبتدئين، في حين أن الباحثين الذين يملكونة خبرة أكثر يسعون وراء مؤسسات ذات عائد مادي.

فحسب الباحث في كلية التجارة في جامعة السليمانية خوشي محمد عبد اللطيف فإن الاتحاد الاوروبي وجه ازيد من 3,9 من ميزانيته، الاجمالية للبحث العلمي، أي قرابة 30 بليون يور كما توجه كوريا الجنوبية حوالي 5% من الناتج القومي للبحث العلمي منذ العام 2012[6].

أما مؤشر اليونيسكو فيرصد خلال 20 سنة (1970-1990) ازدياد عدد المهندسين والعلماء من 124 عالما ومهندسا إلى 363 ممارس للبحث العلمي في الدول العربية، ويبدو هذا الرقم ضعيفا إذا ما قورن مناطق اخرى في ذات الفترة، حيث كان في أمريكا 3359 بينما كان في أوروبا 2206.

فحسب بحث صادر عن جامعة الدول العربية 2006 فإن كل مليون مواطن عربي يقابلهم 318 باحث في حين نجد ان الرقم في أوروبا 4500 باحث لكل مليون شخص.

بعض العوائق أمام المراكز البحثية العربية

العوائق المالية: وإن كان الواقع المالي لهذه المراكز يشكل أحد العوائق الكبيرة أمام مهمتها، فان هذه المشكلة ليست مطروحة للمراكز البحثية في دول الخليج أو في بعض الدول التي تولي اهتماما كبيرا للبحث العلمي.

 فمن الواضح للعيان الصرف الكبير الذي تقوم به الدول الخليجية على البحث العلمي بمختلف مجالاته، ومع ذلك فان المجال العلمي الدقيق يغيب بشكل كبير، وكما أسلفنا فالمراكز المهتمة بالبحوث الإنسانية والاجتماعية … لم تنتج هي الاخرى خطابا يذكر في ظل الازمة، وهو ما يؤكد أن الوضع لا علاقة له بالمؤشر المالي على الاطلاق، وإن كانت مقارنة ميزانية إدارات الأمن ومصاريف السلاح[7] بالثقافة تكفي لمعرفة الهوة التي تعيش المراكز البحثية في المنطقة العربية.

سيطرة الدولة: و في سياق مقاربة وضع السيطرة الذي تخضع له المراكز البحثية من الدول نفسها، نجد أنه كان المشكل الأكبر، حيث لم تولي هذه المراكز البحثية والمختبرات أي اهتمام بالمجالات الحيوية وحالات الطوارئ الوبائية أو غيرها، التي يمكن ان تشهد هذه الدول، فكانت الأولويات متركزة على الحروب والصراعات الداخلية التي تعيشها الدول العربية فقط، لذلك كانت طبيعة هذه المراكز أنها مراكز فقط تنتج حسب أولويات الحكومات، والتي تعيش صراعات “وهمية، واقعية ،مفتعلة” في أحيان أخرى من أجل بقاء الحاكم، فعشرات عناوين البحوث الصادرة عن المراكز العربية، كانت في مجلها حول تسخير الخطاب الديني لتكريس السلطة أو لمواجهة الربيع العربي وضرورة التسليح للدولة العربية… الخ، لذلك نجد ان هذه الدول تتنافس شراء الاسلحة الأجنبية وليس الصرف على الانتاج الداخلي للصحة والثقافة و الجامعات، فحسب تقرير اليونيسكو الاحصائي[8] انفقت الامارات العربية المتحدة 2016 ، 0,96 من الناتج المحلي على البحث العلمي والتطوير، في حين انفقت البحرين 2014، 0,10 فقط بينما الجزائر 0,53 في 2017 وسوريا 2015 انفقت 0,01، الرأس الاخضر 2011، 0,07 السودان 0,30، فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) 2013 ، 0,49 العراق 2017 ، 0,04 الكويت في 2017 ، 0,08 في ما صرف المغرب 2010 ، 0,71 السعودية 2013 ، 0,82، تونس 2016، 0,60 مصر 2017 ، 0,61 عمان 2017، 0,22 قطر 2015 ، 0,51، ولم تتوفر معلومات عن لبنان وموريتانيا الصومال واليمن. ويكفي القول إن منطقة  الشرق الأوسط وشمال افريقيا صرفت مجتمعا في 2012 ، حوالي 0,93 من الناتج المحلي على البحث العلمي والتطوير.

غياب سياسات ثقافية واستراتيجية ثقافية للدول:  فعربيا ليس هناك أي بلد سعى الى وضع سياسات ثقافية بشكل يذكر، الا إذا استثنينا بعض الدول كتونس وان كانت تجربتها تعاني من مشاكل جوهرية[9]، بالرغم من بعض المحاولات التي تقوم بها مؤسسات مستقلة مجموعات للسياسات الثقافية في بعض الدول، في اطار مشروع للمؤسسة المورد الثقافي، فقد وجدت مثلا مجموعة السياسات الثقافية الجزائرية والمغربية … الخ .

ففي بلد كموريتانيا التي تعاني ضعفا حادا في الميزانية العامة للدولة، يلاحظ بشكل واضح أن مشتريات الدولة من السلاح تفوق بدرجات مصاريفها على الصحة العمومية، بالرغم من عدم مواجهة البلاد لحرب بشكل مباشر، ونفس الشيء بالنسبة للسعودية التي وجدت نفسها منذ ست سنوات في المعترك اليمني والتي تشتري السلاح أكثر حتى من مما تشرتي الكتب المدرسية، والوضع نفسه في الامارات وليبيا ومصر وقطر …الخ، كلها في فكرة تكريس سيطرة الدولة وستمرار الحاكم أطول وقت ممكن في مقابل تجاهل شبه كلي للبحث العلمي.

خاتمة

العالم الآن يترقب أن يحصل على علاج لفيروس كورونا، ولكن الأنظار موجهة إلى الصين وألمانيا وأمريكا وفرنسا… الخ، ولا أحد يتوقع من العالم العربي أي شيء في هذا المجال، حتى الدول ذاتها التي تعد الشريك الأول في مجال التوريد وتجارة السلاح[10]، إلا أن مجالات البحث العلمي في أبسط انتاجاتها تنتظر من المركزية الغربية، وليس لدينا أي مساعي لإعادة ترميج الواقع وبناء مراكز موازية، فللصدفة أن السياق العربي منذ 17 من مارس 2020 يتداول بهلع دراسة تناقش تأثير كوفيد 19 على خصوبة الرجال المصابين به، إلا أن مصدر هذه الدراسة هو المراكز البحثية الصينية وليس السياق العربي، وهي الآن مسألة علمية معممة على المنطقة، مع أن ابسط ناظر يدرك أن نمط المعيشة والغذاء يستدعي فعلا دراسة عربية خاصة لإظهار مدى الأضرار الناجمة في السياق العربي، التي قد تكون أكبر بكثير مما يواجه الرجال في مناطق أخرى من العالم مقارنة بمستوى المعيشة والرعاية الصحية وغيرها من العوامل.

ما يؤكده واقع المراكز الحثية والجامعات في المجال العربي أننا أمة تتبع في كل شيء حتى في أخص خوصصياتها، وأننا قررنا أن لا نشارك في شيء للانسانية على الاطلاق، سيقول قائل حتما عن أن معظم المخابر الغربية مليئة بالعرب، علماء ومفكرين وباحثين وأطباء، أقول نعم هو كذلك ولكن السؤال الأهم لماذا لا يوجد هؤلاء في جامعات ومخابر ومراكز بحثية عربية؟، وفي هذه النقطة بالذات أختم  بهذه القصة” حين شاهد الموريتانيون اسم مسؤول الصحة العالمية في لنبان السيدة إيمان الشنقيطي، بدء البحث عنها وهل هي موريتانية أم لا؟ الفكرة لم يكن هناك موريتاني لديه أي علم بوجود شخص إسمه إيمان الشنقيطي” وهذا بالضبط هو واقع العرب في المخابر والجامعات الغربية[11].

حلول عاجلة

  • وضع سياسات ثقافية عمومية في الدول العربية سواء بشكل مستقل أو جماعي.
  • توسيع ميزانية البحث العلمي في الجامعات والمخابر والمراكز البحثية.
  • التوجه نحو القطاع البيولوجي بوصفه هو الوقاية الأهم في المستقل.
  • زيادة التمكين للبحث العلمي في السياسات العامة، والتبويب له في الميزانيات العمومية.
  • مراجعة القوانين المسيرة للمراكز البحثية مما يضمن اداءها وجودتها.
  • التحديد الدقيق لخريطة البحث العلمي في الدول والتوزيع على المجالات البحثية.
  • توجيه أولويات البحث العلمي مقارنة مع الظروف المحلية والاحتياجات الوطنية للدول.
  • خطط خمسية للقضاء على بعض المصاعب المرضية كالكبد الفيروسي وغيره.
  • تعزيز الشراكة بين هيئات المجتمع المدني المختلفة والحكومات بوصفها شراكة متوازنة.
  • جعل المؤسسات التعليمية العمومية جزء من المجتمع العلمي في البلاد مما يساهم في تعزيز وتيرة البحث العلمي.

[1] مدى الدولة مصطلح يستخدمه فرانسيس فوكوياما يقصد به سيطرة الدولة وتخلها في مختلف المجالات، مع الاشارة انه يرى ان مدى الدولة يجب ان يكون ضعيفا وترك المهمة للمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، في حسن تمارس هي درو الرقابة، للتوسع في الموضوع يمكن الرجوع لكتاب بناء الدولة لفرانسيس فوكوياما.

[2] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84_%D8%AD%D8%B3%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%B1

[3] قائمة صادرة عن موقع أرقام المهتم بالاحصاءات، https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/560700

[4] يمكن هنا ملاحظة الانتقال من المركز 47 في مجال الانفاق على البحث الى المركز 3 عالميا حين تعلق الامر بالسلاح، وامام دول كبرى حتى في انتاح السلام وتخوض حروب في ذات الفترة من قبيل روسيا واسرائيل.

[5] – انظر تقرير الاناضول التركية   https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%84%D8%AD-%D9%81%D9%8A-2019-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D9%8B%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84/1361657

[6] خوشي محمد عبد اللطيف ، واقع البحث العلمي في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة في توطين التوكنولوجيا (الصين وماليزيا واليابان) أنموذجا، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية، جامعة بابل، 2026 ص 202

[7]  تقرير لدوتشفله الالمانية يؤكد أن – إجمالي الإنفاق العسكري للمنطقة للعربية يقدر بنحو ترليون دولار في السنوات الـ10-15 الأخيرة،

[8] رابط تقرير اليونيسكو ويمكن خلاله مقارنة الدول العربية بالعالم الاخر وخصوصا الصين و الولايات المتحدة الامريكية، https://data.albankaldawli.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS

[9] حيث تعد القوانين التشريعية الخاصة بتونس قديمة، وفيها الكثير من المشاكل التي سعت العديد من اللجان الثقافية التحسين منها ومازال النقاش جاريا حول تحديثها بشكل شبه تام، حسب وزير الثقافة التونسي السابق مراد اصقلي.

[10] حسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” فإن الدول الخليجية تصنق من بين اكبر المشترين للسلاح على الاطلاق. https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D9%8A-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%84-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD/a-42943027

[11] للتوسع في موضوع الانفاق العربي على السلاح يمكن الرجوع للمقال التالي الذي نشرته الوكالات الروسية، بالاعتماد على معهد اسبيري، https://arabic.rt.com/press/942680-%D9%83%D9%85-%D9%8A%D9%86%D9%81%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9/

https://arabic.sputniknews.com/military/201801301029626897-%D9%83%D9%85-%D9%8A%D9%86%D9%81%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D9%83%D9%84-%D8%B9%D8%A7%D9%85/

الفتاوى والتاريخ (دراسة لمظاهر من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا من خلال فقه النوازل)

                                                                                الحاج أحمدو **

استهل المؤلف كتابه” الفتاوى والتاريخ (دراسة لمظاهر من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا من خلال فقه النوازل)” بتوطئة بين فيها بعض التغيرت التي طرأت على الكتابة التاريخية والاتجاهات الجديدة في كتابة التاريخ، وقسم المؤلف عمله إلى أربعة محاور كما يلي:

المحور الأول: اعتبارات أولية :

وقد تعرض المؤلف في هذا المحور إلى الأسباب التي أدت إلى الاهتمام الملحوظ بدراسة النواحي الاقتصادية والاجتماعية من حياة المجتمعات في نطاق الاتجاهات الجديدة في التاريخ التي راهنت على مجموعة من المسلمات كإزالة الحواجز بين التاريخ وباقي العلوم الإنسانية ،و تفاعل تلك العلوم فيما بينها، و التركيز على المدى الطويل على حساب الحدث ذي الإيقاعات الانفعالية السريعة، وانتقال مراكز اهتمام المؤرخ من الزمن الفردي إلى الزمن الاجتماعي حسب التعبير البرود يلي ،أي “من الحياة السياسية إلى البنيات الاقتصادية والاجتماعية والذهنية لإدراك حركية الواقع البشري في مختلف أبعاده وإخراج الكتابة التاريخية من النظرة الوحيدة الجانب لذلك الواقع”.

 وإذا كان توفر هذه المناهج والتقنيات قد مكن مؤرخي الفترتين الحديثة والمعاصرة في البلدان ذات التقاليد العريقة في مجال التوثيق من إحداث ثورة في مجال التاريخ الكمي في الاصطلاح الفرنسي أو التاريخ الاقتصادي الجديد في الاصطلاح الأنغلو ساكسوني  فإن الأمر لم يكن كذلك ـ حسب المؤلف ـ لا بالنسبة لمؤرخي الفترتين القديمة والوسيطة ،والمهتمين بتاريخ الذهنيات في البلدان ذات التقاليد التوثيقية بسبب الغياب الكبير للمعطيات الكمية التي يصعب تعويضها أو بسبب تقطعها في الزمان والمكان، وهو ما دفع ـ حسب المؤلف ـ بعض الباحثين لتعويض هذا النقص في الوثائق إلى استنباط بعض المعطيات الكمية من المصادر القصصية عن طريق استبدال لغة الألفاظ بلغة الأرقام قبل الانتقال إلى  مرحلة ثانية من الرقم إلى الواقع التاريخي المدروس وما ينبغي أن يتخلل مجمل العملية من حيطة واحتراز منهجيين ،وهو ما حدا بالعروي في سياق مقارنته بين التاريخي الكمي و تاريخ الإنتاج وتوظيف كل منهما لمفاهيم الاقتصاد وتقنيات الإحصاء إلى القول :” إن الثروة الحقيقية التي غيرت مسار البحث التاريخي في أواسط الخمسينيات من هذا القرن لم تكن إدخال العدد فحسب بل كانت تطبيق مناهج دراسة الإنتاج على ميادين أخرى باستغلال وثائق غير مؤشرات السوق والمعاش”.

وهكذا دفع النقص الكبير في الوثائق اللازمة لكتابة تاريخ معتبر علميا الباحثين إلى هذا النوع المركب من الرياضة الذهنية أحيانا والدعوة للبحث عن وثائق جديدة أحيانا أخرى لأن تجديد موضوعات وطرق كتابة التاريخ مرتبطة أشد الارتباط بتجديد المصادر.

ومن هذا المنطلق جاء اهتمام بعض الباحثين بالفتاوى والنوازل الفقهية بوصفها مصادر غنية بمعطيات ترتبط كل الارتباط بزمن على  المدى الطويل وبمكان  واسع في أغلب الأحيان إن لم تكن ترتبط بقضية معروفة بعينها وقعت في زمن أو مكان محددين.

واعتبر المؤلف أن الفتاوى والنوازل الفقهية في هذه المنطقة ـ في ظل الاهتمام المتزايد في المنطقة المغاربية بالتاريخ الجديد ـ ما تزال مغموطة وقيمتها الوثائقية مجهولة، بل لم يتسع لها مفهوم الوثيقة في المغرب الأقصى مثلا إلا في سبعينيات القرن الماضي بالنسبة لمعظم المختصين واقتصرت توظيفاتها المحدودة في الأساس على ما يمكن أن يستقى منها من معلومات إخبارية .

ولقد كان هذا الجهل والازدراء بالفتاوى كمصدر تاريخي ـ في مجتمع عربي إسلامي تعتبر حضارته بالدرجة الأولى حضارة فقه وشكلت فيه الفتاوى سلطة مرجعية ـ الدافع حسب المؤلف إلى كتابة هذا البحث المكرس في الأساس لأهمية الفتاوى كمصدر لكتابة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الموريتاني.

وقدم المؤلف لمحة تاريخية موجزة عن استعمال الفتاوى الأكاديمي لتاريخ المنطقة بوجه عام ولاسيما من قبل المؤرخين التونسيين والمغاربة.

المحور الثاني:الفتاوى كمصدر تاريخي :من حقل الإسلاميات الغربي إلى الحقل الأكاديمي المغربي:

واعتبر المؤلف في هذا المحور أن الفضل يعود في لفت الانتباه إلى الفتاوى والنوازل كمصدر للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي العربي بشكل عام والمغربي بوجه خاص في الفترة المعاصرة إلى مجموعة من علماء الإسلاميات الغربيين الذين اهتموا بتراث المنطقة الثقافي وبتاريخها في أبعاده الاجتماعية والسياسية والفكرية.

واقتصر اهتمام المؤلف ـ لاعتبارات تاريخية ولغوية حسب قوله ـ على ما قام به الفرنسيون وتمثلت المحاولات الأولى التي قاموا بها في ترجمة بعض النصوص الإفتائية قبل أن ينصب اهتمامهم في مرحلة لاحقة على تلك النصوص لمحاولة استنطاقها لتعويض النقص الذي تشكوه الحضارة العربية الإسلامية فيما يتعلق بوثائق الأرشيف وخاصة الوثائق ذات المنحى الاقتصادي والاجتماعي.

ويعتبر الأستاذ كلود كاهن من أول من نادوا بضرورة إعطاء أهمية خاصة للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي، معتبرا أن كتب النوازل تستحق عناية خاصة وكرس لها مجموعة من الدراسات وإلى جانب كاهن اضطلع كل من : ربير برينشفيك و هادي روجي إدريس وجاك بيرك بجهود هامة في مجال الاهتمام بفقه النوازل والفتاوى وتوظيفها.

و”إذا كانت جل أعمال هؤلاء قد ظلت ـ حسب المؤلف ـ أسيرة النهج الوصفي المطل على الواقع من الخارج ومحكومة منهجيا بالإشكاليات التاريخانية للخطاب الاستشراقي النابع من محيط تاريخي تحكمه الذات المركزية الأوروبية ،فإن بعضها قد تحرر نسبيا من تلك المعوقات فعاين الواقع واستفاد من التطور الحاصل في العلوم الإنسانية ومناهجها، وقدم خدمات كبيرة لمؤرخي المغرب سواء على مستوى المضمون أو المنهج “.

واعتبر المؤلف أن أهمية هذه الأعمال لا تكمن في مضمونها فحسب،  وإنما فيما سنته من تقليد في مجال استغلال الفتاوى كمصادر تاريخية وإن كان ذلك الاستغلال قد ظل أحيانا استغلالا إخباريا محضا، وهي الطريقة التي ستهيمن ـ حسب المؤلف ـ على المراحل الأولى من تعامل الباحثين الجامعيين المغاربة مع هذا النوع الجديد من الوثائق التاريخية.

وأعطى المؤلف عناية خاصة لأعمال المؤرخين في الساحتين التونسية والمغربية لما تتميزان به  حسب المؤلف من حيوية وريادة في مجال مواكبة وتوظيف المناهج والأساليب الجديدة للبحث في العلوم الاجتماعية عموما والدراسات التاريخية على وجه الخصوص ، ولما يتوفر عليه المؤلف من معلومات تركيبية عن البلدين وإن تقادم بها العهد تونس1978،المغرب1986.

وتظهر الدراسات التي اطلع عليها المؤلف تفاوتا في الاهتمام بفقه النوازل وفي طرق توظيفه بالنسبة لمؤرخي البلدين ، فمن بين عشرين عملا علميا مكرسا للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي التونسي لم يستفد منها حسب المؤلف من الفتاوى سوى ثمان تتعلق بالفترة السابقة للقرن 16م ،أما الأعمال المتعلقة بالقرون اللاحقة (16 ـ 20)  فلم تشر إليها ببنت شفة وإن وظفت كثيرا الأحكام القضائية.

وأرجع المؤلف الأسباب في ذلك إلى  ندرة المعلومات في الحالة الأولى عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المصادر الأخرى، وتوفر مادة وثائقية غنية بالمعطيات الكمية والكيفية عن مناحي المجتمع لدى الباحثين في الحالات الأخرى.

وقد يكون مرد ذلك إلى التجذر التاريخي للسلطة المركزية في تونس وتغلغل أجهزتها داخل جسم المجتمع وهو ما يتجلى بشكل واضح في هرمية تنظيم الوظيفة العلمية في هذا البلد عكسا لما عليه الحال في البلدان الأخرى.

وقد تعززت تلك الخصوصيات مع استيلاء الأتراك على إفريقية سنة 1574م الذين عمدوا إلى احتكار السلطة والهيمنة على المجتمع جاعلين النظر في النوازل من اختصاص المفتين والقضاة الرسميين.

واعتبر المؤلف أن درجة استفادة المؤرخين التونسيين من الفتاوى والنوازل التي حفل بها العصر الوسيط، ما تزال نسبية باستثناء الجهود التي بذلها الأستاذ محمد الطالبي  والأستاذين سعد غراب ومحمد حسين.

وأشاد المؤلف بجهود الطالبي عميد أخصائي تلك الفترة الذي تنبه حسب المؤلف إلى الأهمية البالغة للمصادر الفقهية بشكل عام والفتاوى على وجه الخصوص في دراسة ماضي المغرب الاقتصادي والاجتماعي والتي وظفها توظيفا بنيويا في جل كتاباته عن تاريخ المنطقة.

واقتصر المؤلف على ذكر بعض الأعمال التي قام بها الطالبي كاهتمامه بدراسة الحياة العسكرية من خلال فصل الجهاد من كتاب النوادر والزيادات على ما في المدونة من غريب الأمهات.

وألقى الطالبي حسب المؤلف نظرة فاحصة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إفريقية القرنين 9 ـ 10 م باستغلاله لسبعة وثلاثين فتوى من كتاب مسائل السماسرة للأبياني تتعلق بسماسرة الثياب في مدينة تونس التي انتزعت مكانة القيروان في أواخر القرن 9م.

واستقى الطالبي في دراسته لتاريخ إفريقية المؤسسي الاقتصادي والاجتماعي في القرن 3هـ ـ 9م معلوماته من بعض الكتب:كالمدونة لسحنون، وكتاب:الاموال لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي.

واعتمد الطالبي بوجه خاص على المدونة في تحليل جوانب من الحياة الزراعية مثل:الشفعة والقسمة والعارية والمنيحة ، وقد حلل انطلاقا من تلك النصوص ما امتازت به البنيات الزراعية والاجتماعية في القرن 9م من تفاوت كبير سواء على صعيد الهرمية الاجتماعية أو على صعيد توزيع الثروة وما لعبه الأرقاء من دور بارز فيما حققه ازدهار الزراعة آنذاك من رخاء في إفريقية.

وخلص المؤلف إلى أن الطالبي مهد السبيل للولوج إلى التاريخ الصامت للمجتمعات المغاربية من بابه الواسع.

ويذكر المؤلف في مجال التحقيق ما قام به الأستاذ فرحات الدشرواي  من نشر كتاب :أحكام السوق ليحي بن عمر بن لبابه ، وتحقيق :نوازل المزارعة والمغارسة و المساقات والشركة  من المعيار للونشريسي  من طرف محمد حسن موسى، وتحقيق :الأحكام للشعبي من طرف الصادق الجلوي، وقام الأستاذ انس العلاني  بتحقيق السفر الأول والثاني من كتاب الإعلام بنوازل الأحكام لابن سهل.

ويقدم الاستاذ سعد غراب في بحثه: كتب الفتاوى وقيمتها الاجتماعية الجزأ الأول  من نوازل البرزلي.

واستعرض غراب في البداية الآراء المتضاربة بشأن أهمية الكتب الدينية في دراسة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وميل إمام وفقهاء المذهب المالكي إلى الواقعية في الافتاء وتشبثهم بالواقع وابتعادهم عن الافتراضات النظرية والحيل الفقهية، واعتبارهم للعرف والعادة والعمل كأصول فرعية للتشريع قبل أن يتناول أهمية كتب الفتاوى المغربية، وما قيم به من توظيف تاريخي لها ولا سيما نوازل البرزلي وقيمتها الاجتماعية ليخلص إلى القول إن الثروة الكبيرة الموجودة في مثل هذه التصانيف تسمح لنا بتجشم أتعاب النظر فيها ودراستها وربما تحقيقيها علميا إذ ذاك يمكن لكل إنسان أن يفتش عن بغيته في هذا المنجم الخصب.

ويظهر سعد غراب ما تميزت به مواقف بعض الفقهاء في المدن الإفريقية من قساوة تجاه الأعراب بين الطعن في إسلامهم واستغراق ذمتهم اعتمادا على فتاوى لابن عرفة والبرزلي.

وتجلت تلك النظرة الإزدرائية تجاه المجموعات الريفية في اختلاف فقهاء القرن 8م بشأن التعارض القائم بين التعاليم الشرعية وبعض الممارسات الاجتماعية.

وتناول الأستاذ حسن محمد موسى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذه المسألة بتعمق وحصافة في دراسته عن الريف المغربي( الريف المغربي في أواخر العصر الوسيط ) إذ تعرض لما منح للتاريخ السياسي والعسكري العربي من عناية وما عاناه التاريخ الاقتصادي والاجتماعي من تهميش نتيجة لصعوبة البحث فيه لغياب أرشيف اقتصادي بالنسبة للمغرب الإسلامي وهيمنة كتب الحوليات والتاريخ على المادة الوثائقية وضحالة المعلومات الاقتصادية والاجتماعية الواردة فيها.

 وتناول أهمية كتب الفقه والفتاوى في هذا المضمار وأسباب عزوف الباحثين مستعرضا شروط استنباط المعلومات من الكتابات الفقهية ليخلص إلى المضمون الاقتصادي والاجتماعي لفصل المزارعة والمغارسة من المعيار إذ عالج بحس تاريخي البنية الفلاحية المغربية والمشكلات التي طرحتها على المجتمع الفلاحي المغربي من خلال دراسة وسائل الإنتاج الفلاحي وعلاقات الإنتاج (الشركات الفلاحية) إذ استعرض الهياكل العقارية وسماتها المميزة وعناصر الإنتاج إضافة إلى ظاهرة الخماس ووظيفته وعلاقاته برب العمل.

وخلص المؤلف إلى أن محدودية استغلال الفتاوى في الكتابات التاريخية هي السمة الغالبة على الانتاج الجامعي التونسي، وهو ما يخالف الوضع في المغرب نظرا لتفاوت تطور الهياكل الاجتماعية وتباين طبيعة الدور؟الاستعماري في حقل الإنتاج التاريخي.

وخلص المؤلف إلى أن خصوصية المغرب الأقصى الاجتماعية والسياسية ستتحكم إلى حد كبير في اهتمامات مؤرخيه وطبيعة الإنتاج التاريخي في فترة ما بعد الاستقلال .

وتطرق المؤلف إلى المراحل التي مر بها الانتاج التاريخي في هذا الحقل، وقد تميزت بمرحلتين أساسيتين هما:

*مرحلة التاريخ الوطني: (56 ـ 1975 ):

وقد هيمنت عليها هموم دحض الاستوغرافيا الاستعمارية وتأكيد الهوية الوطنية.

*مرحلة التاريخ الاجتماعي ( 1975 ـ إلى اليوم ).

وهي مرحلة شكلت حسب المؤلف نقلة نوعية في مجال الإنتاج التاريخي بالمغرب سواء من حيث المنهج أو من حيث مجالات الاهتمام .

وحسب المؤلف فإن جهود الجامعة المغربية أخرت على مدى عشرين عقدا من الزمن عن تخريج نخبة من المؤرخين الشباب المنفتحين على العلوم الاجتماعية الأخرى ومناهج البحث المعاصرة ، ولاسيما مناهج علمي الاقتصاد والاجتماع والواعيين بالمتطلبات الجديدة لمهنتهم وواقع البحث في بلادهم إذ انصب اهتمامهم على التاريخ الاجتماعي ( الكلي بمعناه البروديلي ) بدل التاريخ السياسي الذي هيمن على المرحلة الأولى .

وفي ظل هذا التوجه التحديثي اهتم الباحثون بالفتاوى الفقهية ضمن عملية تنقيب واسعة النطاق عن وثائق جديدة تسمح بإعادة صباغة الماضي صياغة معتبرة بشكل علمي.

ويظهر حضور الفتاوى في الأبحاث الجامعية المغربية إذ ارتبط  ارتباطا وثيقا بتطور البحث التاريخي بشكل عام وبتطور المناهج والاتجاهات الفكرية في الجامعة المغربية بشكل خاص.

وحسب المؤلف فقد ظلت الفتاوى حتى نهاية السبعينيات مستبعدة من قبل المؤرخين كمصدر تاريخي، وابتداء من سنة 1970 طرح الأستاذ عبد الله العروي بطريقة أكثر جلاء ضرورة توظيف الفتاوى في كتابة التاريخ المغربي إذ أن “فقه النوازل هو الكفيل بأن يقربنا أكثر من واقع الأوضاع السياسية والاجتماعية لكن هذا النوع من الكتابات ما زال لم يدرس دراسة شاملة”.

وقد أعطى العروي اتجاهات جديدة للبحث التاريخي وابتداء من ذلك التاريخ سيتبلور اتجاهان في مجال استخدام الفتاوى الفقهية كمصدر تاريخي أحدهما تراثي ببليوغرافي  النزعة ، والآخر بنيوي يعكسان ثنائية منهجية واضحة على مستوى العاملين في حقل البحث التاريخي المغربي، وتوجد قواسم مشتركة بين هذين الاتجاهين تتمثل في التزايد الملحوظ لكم المصادر الفقهية المستخدمة واتساع مجال توظيفها زمنيا ونوعيا بحيث لم يعد يقتصر على الفترة القروسطية، وإنما شمل الفترتين الحديثة والمعاصرة.

وسنقتصر في التمثيل لهذين الاتجاهين على عناصر محدودة لها دورها الريادي تجنبا لمزيد من الإفاضة في عنصر لا يشكل جوهر اهتمامنا الآني.

وحسب المؤلف فقد استمر الاتجاه الأول الذي استمر في استغلال الفتاوى استغلالا إخباريا محضا في مجالات مختلفة ويمثله كل من محمد حجي وإبراهيم حركات وعبد اللطيف الشاذلي.

أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه البنيوي الذي مثل نقلة كيفية في الإنتاج التاريخي المغربي ومن بين من سلكوا هذا النهج :أحمد التوفيق و محمد القبلي ومحمد مزين وعبد الله الحمودي وعبد القادر المؤدن  ومحمد اعفيف…

وخلص المؤلف إلى القول إن الفتاوى إذا كانت قد حظيت باهتمام كبير في مجتمعات لها تقاليدها العريقة في مجال التوثيق وتجاربها في مجال البحث التاريخي ،فإننا في المنكب البرزخي أحوج ما نكون إلى الاهتمام الجاد بهذه المادة الوثائقية الثرة وتوظيفها توظيفا بنيويا ونحن نخطو خطواتنا الأولى في مجال البحث التاريخي المعاصر.

المحور الثالث:الفتاوى الموريتانية من الكم إلى الكيف:

ويتطلب الحديث عن الكم والكيف في الفتاوى المتعلقة بما يعرف بموريتانيا حسب المؤلف التأريخ لتلك الفتاوى في هذا المجال ببعديه الجغرافي والبشري التاريخيين، إذ يرتبط الاستفتاء والإفتاء في هذا المجتمع كما في غيره من المجتمعات الإسلامية بتاريخ اعتناقه الإسلام وحظه من الثقافة العربية الإسلامية.

وإذا كانت التقاليد العالمة المحلية ترجع تاريخ دخول الاسلام إلى صحراء الملثمين إلى النصف الأول من القرن الثاني الهجري فإنه لا جدال في أن هذا الاسلام ظل سطحيا ويفتقر إلى العمق المعرفي حتى أواسط القرن 5هـ على الأقل.

وإذا كانت حركة المرابطين قد وطدت إسلام صنهاجة الصحراء ووضعت له دعائم عقائدية وثقافية ـ ما فتئت تترسخ مع الأيام ـ بقضائها على بقايا المعتقدات السابقة على الإسلام وتوحيدها الجميع في مذهب فقهي وعقائدي واحد وتعميقها المعارف الدينية والثقافية بإقامة المؤسسات التعليمية.فإن المنطقة حسب المؤلف لم تحقق على ما يبدو اكتفائها المعرفي إلا في القرن 10هـ ـ 16م :”إذ لم نعثر ـ يقول المؤلف ـ قبل هذا القرن على فتاوى لمفتين محليين إذ استثنينا ما أوردته الكتب الإخبارية عن الافتاءات التي كان يصدرها شفهيا على الأرجح ابن ياسين من حين لآخر بينما كان الاستفتاء معروفا في المنطقة منذ القرن 5هـ على الأقل”.

وحسب المؤلف فلا يمكن التعويل على الفتاوى كمصدر للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي الموريتاني قبل الفترة الحديثة خلافا لما عليه الحال في تونس والمغرب.

وكانت أولى الفتاوى المحلية مع اند عبد الله بن سيد أحمد ت1530م وجيله من علماء ولاته و تينبكتو و تيشيت التي كانت من أولى مراكز  الإشعاع الثقافي في المنطقة وستترسخ ظاهرة الإفتاء وتنتشر في عموم البلاد خلال القرون اللاحقة مع الانتشار العمودي والأفقي للمعارف العربية والإسلامية وانتقال مركز الثقل المعرفي من المدن إلى البوادي.

ومن خلال عملية تقص أولية للفتاوى والمفتين المعروفين في الفترة ما بين القرن 16 والنصف الأول من القرن الـ 20 أحصى المؤلف 250 مفت منهم 85 لهم مجامع إفتائية ضخمة أحيانا ومرتبة حسب أبواب الفقه و”ليس لهذه الأرقام حسب المؤلف أية دلالة حصرية”.

 ويعتبر القرن 17 قرن ظهور المجامع الإفتائية الكبرى في موريتانيا مع محمد بن المختار بن الأعمش ( ت1107 /1695 م ) ومحمد بن أبي بكر الهاشم الغلاوي  ( ت 1098 / 1686 م ) والقاضي عبد الله بن محمد بن حبيب العلوي ( 1102 / 1692 م )  والحاج الحسن بن آغبدي الزيدي (ت 1192 / 1711م ) .

كما ظهرت في هذا القرن أولى عمليات تطويع الفقه المالكي للواقع المحلي المعيش بترجيح عرف البلد ـ أحيانا ـ على مشهور المذهب اعتبارا لمقاصد الشرع وحرصها على مصلحة الناس في كل زمان ومكان.

ويظهر الجدول التصنيفي التالي لـ 250 مفت و82 مجمعا إفتائيا تزايدا مضطردا لهم عبر العصور الأخيرة .

الجدول:1

القرن عدد المفتين عدد المجامع الإفتائية
16 5 ؟
17 15 4
18 62 25
19 94 29
النصف الأول من ق:20 74 24
المجموع 250 82

و سنلاحظ أن عموم المناطق الموريتانية قد عرفت الإفتاء إذا حاولنا توزيع هؤلاء المفتين توزيعا جغرافيا وأن هناك ـ على ما يبدو ـ تعالقا كبيرا بين حظ المناطق منه ومستوى إشعاعها الثقافي أو وعيها الفقهي على الأقل ،كما يتضح من الجدول الموالي:

القرن 16 17 18 19 النصف الأول من ق 20 المجموع الجزئي
شرقي البلاد 4 4 26 10 4 48
الوسط 1 1 10 11 13 36
الشمال ـ 5 5 7 3 20
الجنوب الغربي ـ 5 21 66 54 146
المجموع 5 15 62 94 74 250

فالإفتاء في القرن 16 قد اقتصر على المنطقتين الشرقية والوسطى من البلاد حيث كانت لمحور تينبكتو  ولاته تيشيت الهيمنة الاقتصادية والثقافية منذ أواسط القرن 14 م .

ومع التحولات التي عرفتها المنطقة في ملتقى القرنين 16 ـ 17م وما انجر عنها من تبرمات  سياسية وهجرات بشرية ( ولا سيما من المراكز القروية إلى الأرياف ) وزحزحة مسالك التجارة البعيدة المدى نحو الغرب سنلاحظ تقلصا تدريجيا في عدد المفتين في شرق ووسط البلاد وظهورهم بشكل ملحوظ في الشمال والجنوب الغربي.

أما القرن 18م الذي استقرت فيه ـ عموما ـ الخريطة البشرية والسياسية للمنطقة فقد كان نسبيا ـ حسب المؤلف ـ قرن رخاء اقتصادي وازدهار ثقافي تلمس مظاهره المختلفة في مدونات المفتين الذين تكاثر عددهم في ذلك القرن في عموم البلاد ولاسيما في شرقها ووسطها وجنوبها الغربي.

وستستمر نفس الظاهرة في القرن 19م والنصف الأول من القرن العشرين و”إن كنا ـ حسب المؤلف ـ نلاحظ خلال هذين القرنين صعودا ملحوظا لعدد المفتين في المنطقة الجنوبية الغربية أكثر من غيرها من مناطق البلاد الأخرى.

وأرجع المؤلف ذلك إلى “خصوصية العوامل التي أثرت في تطور المنطقة المعاصر أو إلى نقص في المعلومات المتوفرة لدينا حتى الآن ـ يقول المؤلف ـ عن الإفتاء والمفتين  في هذه الفترة ولاسيما في المنطقتين الشرقية والوسطى”.

ولإعطاء فكرة كمية وكيفية أكثر ملموسية عن الفتاوى وأهميتها في دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الموريتاني اختار المؤلف  عينة من 6 مفتين موزعين على القرون:17،18،19م تشتمل على 1453 فتوى تمثل المسائل المتعلقة بالحياة الاقتصادية منها 27.84% ( 406 فتوى)  في حين تمثل الفتاوى ذات المنحى الاجتماعي 44.87% (652 فتوى) وهو ما يمثل في مجموعه 72.81% (1058 فتوى).

 ويمثل الجدول التالي تلك المعطيات بالتفصيل بالنسبة لكل مفت:

اسم المفتي العدد الإجمالي للفتاوى المصنفة حقل الفتوى عددها النسبة الجزئية النسبة العامة
محمد بن المختار بن الأعمش (1625ـ 1695) 286 فتوى الحياة الاقتصادية 115     40.20%
فتاوى المعاملات 87 75.65%
فتاوى العبادات 28 24.34%
الحياة الاجتماعية 75     26.22%
الأنكحة وما يتعلق بها 45 60%
العلاقات الاجتماعية 30 40%
الحياة الدينيةوالثقافية 96     33.56%
الحياة الدينية 75 78.12%
الحياة العلمية 21 21.87%
سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم(1740ـ1818) 333 الحياة الاقتصادية 55 ؟ 16.61%
الحياة الاجتماعية 206 ؟ 61.86%
الحياة الدينية 72 ؟ 21.62%
أحمد بن العاقل 74 الحياة الاقتصادية 25     33.78%
فتاوى المعاملات 9 36
فتاوى العبادات 16 64
الحياة الاجتماعية 18   24.32%
الأنكحة وما يتعلق بها 12 66.66
    العلاقات الاجتماعية 6 33.33  
الحياة الدينية 14 ؟ 18.92%
القضايا السياسية 17 ؟ 22.97%
محنض بابه بن اعبيد (1771 ـ 1860) 280درست منها 203 الحياة الاقتصادية 91     24.32%
فتاوى المعاملات 61 67.03
فتاوى العبادات 30 32.97
الحياة الاجتماعية 52     25.61%
الأنكحة وما يتعلق بها 22 42.30
العلاقات الاجتماعية 30 37.69
الحياة الدينية والثقافية 60     29.55%
الحياة الدينية 40 66.66
الحياة العلمية 20 33.33
الشيخ سيديه بن المختار بن الهيبه ( 1776 ـ 1868) 332 الحياة الاقتصادية 58     18.01%
فتاوى المعاملات 19 32.76
فتاوى العبادات 39 67.24
الحياة الاجتماعية 193     59.94%
الأنكحة وما يتعلق بها 78 40.41
العلاقات الاجتماعية 115 59.58
الحياة الدينية والثقافية 54     16.77%
الحياة الدينية 25 46.30
الحياة العلمية 29 53.70
القضايا السياسية 17 ؟ 05.28%
محمذن فال بن متالي 225 الحياة الاقتصادية 62     27.55%
فتاوى المعاملات 33 53.23
فتاوى العبادات 29 46.77
الحياة الاجتماعية 106     47.11%
الأنكحة وما يتعلق بها 19 17.92
العلاقات الاجتماعية 87 82.08
الحياة الدينية 57 ؟ 25.33%

منزلة الفتاوى المتعلقة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية من مجموع فتاوى 6 مفتين من أهل القرون:17،18، 19:

إن نظرة إجمالية سريعة إلى الجدول الاستنباطي تظهر أن القضايا الاجتماعية بمعناها الضيق( الأنكحة وما يتعلق بها من ممارسات ،والعلاقات الاجتماعية بين فئات  المجتمع …) قد احتلت الصدارة من الناحية الكمية في إفتائات هؤلاء المفتين ( حوالي:45% من المجموع العام ) على مدى ثلاثة قرون في مناطق مختلفة من البلاد ، وإذا ما أضيف إلى هذا الرقم نسبة الممارسات الدينية والثقافية من تلك الفتاوى فإن نسبة مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية ستصل إلى 72% وهذا يعني أن هذا المجتمع كان أكثر حركية و أقل رتابة مما توحي به النظرة الانطباعية العامة عن واقعه، وأن الحياة الاجتماعية كانت تطرح على سكان المنطقة من النوازل التي تتطلب تأسيسا فقهيا أكثر مما تطرحه حياتهم المادية التي لم تتجاوز نسبتها 28%من تلك المدونة الإفتائية. 

أما إذا أخذنا فتاوى كل مفت على حدة، واقتصرنا على القضايا الاجتماعية المحضة فإننا نجدها قد فاقت غيرها من القضايا في فتاوى كل من سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم والشيخ سيديه بن المختار بن الهيبة، ومحمذن فال بن متالي حيث بلغت نسبتها:56.74% من مجموع فتاويهم بينما تفوقت عليها القضايا الاقتصادية في فتاوى محمد بن المختار بن الأعمش، وأحمد بن العاقل ، ومحنض بابه بن اعبيد.

وأرجع المؤلف أسباب ذلك إلى المحيط الطبيعي والتاريخي لهؤلاء الذين كان عليهم مدار الإفتاء في المناطق التي عاشوا فيها، فقد عاش بن الأعمش في القرن 17م  بمنطقة آدرار الجبلية القاحلة ذات الحجم السكاني المحدود والتي تقوم حياتها المادية في الأساس على زراعة الواحات والتجارة عبر الصحراء، وتحديدا في مدينة شنقيط التي كانت في ذلك الوقت تعرف بداية ازدهارها الاقتصادي، وتألقها الحضاري باعتبارها محطة أساسية في تلك التجارة وملتقى لقوافل الحج  بالمنطقة ومركزا علميا مهما ،ومن الطبيعي في مجتمع كهذا أن تحتل المشكلات ذات الطابع الاقتصادي الصدارة على حساب القضايا الاجتماعية فقد أصدر ابن الأعمش 87 فتيا بشأن المعاملات وحدها (البيع ،السلم ،المطل ، الضمان،العارية ،الشركة،القراض،الإيجار،الجعل،الوديعة… ) منها 30 فتيا تتعلق بالبيع ،و12 بالإجارة،و7 بالمطل،في حين أصدر 44 فتيا بشأن الأنكحة 21 تتعلق بالزواج و20 بالطلاق و3فتيا بالعدة والاسترعاء والحضانة…

أما ابن العاقل فقد عاش جل حياته في القرن 18 بمنطقة اترارزة السهلة الساحلية التي تقوم حياة سكانها على الرعي ( ولاسيما تربية الأبقار) والتجارة والزراعة بدرجة محدودة، وفي منطقة إيكيدي  بوجه خاص ووسط المجتمع الشمشوي المعروف بتمسكه بالمثل الدينية وبنهجه الأخلاقي المتميز.

وقد عرفت المنطقة في عهده استقرارا سياسيا واجتماعيا بعد الاضطرابات والهزة العنيفة التي عرفتها في أواخر القرن 17م جراء حرب شرببه ، وبداية رخاء اقتصادي لعبت فيه عائدات تجارة العلك مع الأوربيين دورا مهما،وإذا كانت فتاويه ذات الطابع الاقتصادي أعلى نسبة من فتاويه ذات المنحى الاجتماعي ( 33.78% مقابل 24.32% من مجموع فتاويه) فإن فتاوى العبادات في الصنف الأول قد فاقت فتاوى المعاملات ( 64%مقابل 36% من الفتاوى المتعلقة بالحياة الاقتصادية.

 وإذا قارنا عدد فتاوى الحقلين الأساسيين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي فإن فتاوى الأنكحة أهم بقليل من فتاوى المعاملات (12 مقابل 9).

وعاش محنض بابه خلال القرن 19م بنفس المحيط الطبيعي والبشري الذي عاش فيه أحمد بن العاقل ،وعرفت المنطقة في عهده عصرها الذهبي سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي، وكانت تجارة العلك مع الأوربيين، وما يتولد عنها من نشاطات اقتصادية،وإشكالات فقهية تعيش أوج ازدهارها في عهد هذا المفتي القاضي المركزي للإمارة ،وأخذت تلك الإشكالات حيزا ملحوظا من اهتماماته واهتمامات معاصريه.

وبالعودة إلى فتاويه فقد هيمنت عليها الإشكالات الاقتصادية (44.83%مقابل 25.61% للاستشكالات الاجتماعية) ولاسيما قضايا المعاملات التي استحوذت على 67.03%من الفتاوى المتعلقة بالحياة الاقتصادية.

فقد أصدر 39 فتيا بشأن البيوع وما يتعلق بها من معاملات في حين لم تتجاوز فتاوى الأنكحة ومتعلقاتها 16 وهو ما يمثل نسبة 2.43% وهذا يعني أن الإشكالات التي طرحتها حياة الناس المادية في تلك المنطقة خلال النصف الأول من القرن 19 كانت  أهم من تلك طرحتها حياتهم الاجتماعية.

وارجع المؤلف السبب في ذلك إلى ما عرفه النشاط الاقتصادي في المنطقة من تعقيدات ومستجدات بفعل التغلغل البضاعي في حين ظلت الحياة الاجتماعية تعيش رتابتها التاريخية  حسب المؤلف بمنأى عن المؤثرات الخارجية.

ولتوضيح أهم القضايا ذات الطابع الاقتصادي التي تناولها هؤلاء المفتون يقدم المؤلف فتاوى ابن الأعمش ومحنض بابه والشيخ سيديا فقط التي تمكن من الحصول على جرد شبه دقيق لها كما يظهر من الجدول التالي:

4

موضوع الفتاوى عددها نسبتها الحقلية* نسبتها من المجموع العام**
البيوع وما يتعلق بها 77 29% 7.90%
السلم 10 3.78% 1.02%
القيم وأنواعها 9 3.4% 0.92%
القرض 9 3.4% 0.92%
الضمان 8 3.03% 0.92%
الإجارة والكراء 17 6.44% 1.74%
الشركة 3 1.13% 0.30%
الربا 10 3.78% 1.02%
المداراة 12 4.55% 1.23%
الزكاة 28 10.6% 2.97%
الحبس والوقف 39 14.77% 4%
أشكال من التعاون الاقتصادي ( ونكالة ـ خلط الطعام عند صانعيه) 3 1.13% 0.3%

*  تبلغ فتاوي هؤلاء المفتين الثلاثة ذات الطابع الاقتصادي 264 فتوى .

** مجموع المدونة الافتائية الماخوذة كعينة تبلغ 974 فتوى.

وعلى الصعيد الاجتماعي فإن الجدول التالي يبين أهم الاستشكالات الاجتماعية المطروحة على هؤلاء المفتين بوصفها تجليات لممارسات المجتمع ونظام قيمه الذهنية .

أهم القضايا الاجتماعية المثارة في فتاوى العلماء الثلاثة.

موضوع الفتوى عددها نسبتها الحقلية نسبتها من المجموع العام
الزواج وما يتعلق به 107 23.44% 10.98%
الطلاق 39 12.18 4%
العتق والولاء 19 5.94 1.95%
المغارم 4 1.25 0.41%
الفداء 3 0.94 0.31%
وضعية الرقيق 5 1.56 0.51%
استغراق الذمة والنظرة إلى بني حسان 17 5.31 1.75%
قضايا التصوف 65 20.31 6.67%
الجنايات 18 5.62 1.85%
القضاء والتقاضي 31 9.69 3.18%
الصدقة والهبة 12 3.75 1.23%

ويقسم المؤلف القضايا الاجتماعية الواردة في هذا الجدول تبعا لحضورها في المدونة الإفتائية إلى ثلاثة محاور هي:

1ـ الأنكحة أو ما يقع بين اثنين .

2ـ الممارسات  السوسيودينية.

3ـ العلاقات بين الفئات الاجتماعية.

وقد شكل المحور الأول المشغل الاجتماعي الأساس في حياة المجتمع آنذاك باستحواذه على 146 فتيا من أصل 320 فتوى (45.62%) وهو ما يعكس حسب المؤلف  تفاعل النصوص الشرعية مع الجانب الاجتماعي بقوانينه الفرعية السائدة وشبكات بناه القرابية والفئوية بمستوياتها المختلفة.

فقد مثل الزواج نسبة 73.28% ( أي 107 فتيا) من فتاوى الأنكحة بينما مثل الطلاق 26.71 % (39 فتيا) وهو ما يشكل حسب المؤلف مؤشرا على أن تفشي ظاهرة الطلاق في المجتمع إذ ذاك كان محدودا نسبيا وأن الحياة الأسرية كانت تتسم بنوع من الاستقرار لاسيما وأن 20من فتاوى الطلاق تتعلق بالقرن 17م وبمفت واحد حسب المؤلف.

واحتلت الممارسات السوسيودينية المنزلة الثانية من الناحية الكمية حيث تناولتها المدونة الإفتائية في 126 فتيا 65 منها مكرسة لقضايا التصوف و31 للقضاء و18خاصة بالجنايات و12 بالصدقة والهيبة.

وأشار المؤلف إلى أن فتاوى التصوف خاصة بالقرن 19 ذلك القرن الذي حققت فيه تلك الظاهرة انتشارا أفقيا لم يسبق له مثيل في الأراضي الموريتانية الحالية ،وأن تلك الفتاوى صادرة عن الشيخ سيديا  الكبير وحده الذي كان رائد القادرية في الجنوب الغربي الموريتاني.

أما محور العلاقات بين الفئات الاجتماعية فقد اشتمل على 48 فتيا (15% من مجموع الفتاوى الاجتماعية) كرست 19 منها لإشكالات العتق والولاء و17 باستغراق الذمة ونظرة الزوايا ـ القيمين على الإفتاء والإنتاج المعرفي بوجه عام حسب المؤلف ـ إلى بني حسان، و5 بالرقيق ووضعيته القانونية في ذلك المجتمع، و4 بالمغارم  و3 بظاهرة الفداء.

المحور الرابع: الفتاوى في الزمان والمكان أو من الفقه إلى التاريخ:

حاول المؤلف في هذا المحور رصد بعض مظاهر الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتلمس العلاقات الوثيقة بين الأحداث الاجتماعية والمؤشرات الاقتصادية والتفاعل بينهما عبر الزمن البطيء  من خلال تجليات فتاوى علماء القرون الثلاثة الماضية من خلال المدونة الإفتائية التي تعتبر بحق”أرشيف مجتمع بلا أرشيف”.

وستتمحور النماذج المستقرأة حول بعض أساليب التعامل الاقتصادي والممارسات الاجتماعية والعلاقات بين فئات المجتمع.

أـ أساليب التعامل الاقتصادي:

وأكد المؤلف أن هذه البلاد لم تعرف قبل عشرينيات القرن العشرين استخدام العملة وتحديدا سنة 1919، حسب مختلف الشهادات التاريخية ففي القرن 15م يؤكد سادا موستو عدم وجود الدراهم المسكوكة،كما يؤكد ذلك فالانتين فيرناندس في مطلع القرن 16 في معرض حديثه عن سكان الأراضي الموريتانية الحالية حين قال:(إن العرب ليست لديهم عملة باستثناء الفضة التي تأتيهم من بلاد النصارى والتي هي أغلى عندهم من الذهب (…) فليست لديهم وسيلة أخرى للشراء أو للبيع سوى مقايضة مادة بأخرى). ويقول شامبونو في الربع الأخير من القرن17 إن (كل التبادل يتم عن طريق المقايضة دونما استخدام للعملة). كما أكد ذلك الشيخ محمد المامي في القرن19 عندما اعتبر أن (التقويم بالعروض في أرض لا سكة فيها تشهد له الأصول)، وقال بضرورته( في بلادنا التي لا توجد فيها السكة (…) وإنما عروض تغلب في هذا الجزء من البلد وغيرها يغلب في جزء آخر ويتعين التقويم بها). وأشار المؤلف إلى أن الرأي القائل بالتقويم بالعروض ذهب إليه أكثر من مفت في البلاد. و”هكذا ـ يقول المؤلف ـ  ظلت طرق التعامل تسودها المقايضة حيث لعبت المواشي وبعض المواد المحلية دور وسيلة التبادل الأساس في هذه الفترة أو تلك ، وإذا ما تركنا جانبا الدور الذي لعبه الملح والذهب في التجارة الصحراوية (…) فإن الودع وبيصة النيلة والأنعام قد شكلت وسائط التقويم والتبادل الأساسية في البلاد تبعا لخصوصيات كل منطقة”.

ب ـ الممارسات الاجتماعية:

واعتبر المؤلف أن المشغل الاجتماعي كان حاضرا حضورا مكثفا في فتاوى الفقهاء الموريتانيين في القرون الماضية حيث تعكس فتاويهم مشاكل مجتمعهم وممارساته الاجتماعية على اختلاف مظاهرها.

إذ “من الطبيعي ـ يقول المؤلف ـ في مجتمع قبلي من البداة الرحل يعيش تقلبات الظروف الإيكولوجية لمحيط طبيعي  غير مضياف، وشحا في مصادر عيش يعتمد ـ في الأساس ـ على الإنتاج الرعوي المتميز بالقلة ،وتسيبا سياسيا متأصلا ،من الطبيعي إذن أن يعرف هذا المجتمع ضروبا من الفوضى والمظالم ذات الجذور المادية والاجتماعية كالسلب والنهب والمداراة والمغارم”.

وقد احتفظت لنا النصوص الإفتائية منذ القرن 5هـ /11م بمعطيات عن شيوع ظاهرة السلب والنهب في المنطقة واستفتاء أهلها عن موقف الشرع من الأموال المغصوبة إذ استفتى  مرابطوا الصحراء ابن رشد عن مسالة غصب نزلت عندهم.

ويؤكد اللمتوني استمرار تلك الظاهرة في مجتمعه خلال القرن 9هـ /15م وتعج المصادر الإخبارية المحلية في القرون اللاحقة بحوادث السلب وما يصاحبها  عادة من عنف،كما طفحت إفتاءات العديد من الفقهاء في القرون الثلاثة الماضية بمظاهر مختلفة من الإشكالات التي طرحها الغصب والنهب على الناس في مشارق هذه الجزيرة السودانية ومغاربها.

ويختم المؤلف حديثه عن السلب والنهب بالقول “إن الأمر يتعلق بظاهرة ضاربة الجذور في تاريخ هذا المنكب البرزخي (…) فقد مورس في عهد المرابطين (…) وفي عهد الإمارات الحسانية (…) ويمارس اليوم ـ يقول المؤلف ـ في ظل الدولة المركزية على الممتلكات العمومية بشتى الطرق،وليست  الكزرة (القسر) بمظاهرها الاقتصادية والسياسية والعسكرية سوى إحدى التجليات المعاصرة لظاهرة الغصب والنهب المتأصلة في هذه الأرض فالمسلكيات والعقلية المحركة لتلك الممارسة هي نفسها وإن اختلفت الأساليب والطرق باختلاف العصور وأنماط العيش… “. وإذا كان السلب والنهب حاضرين في المجامع الافتائية للعلماء الموريتانيين فإن “المداراة والمغرم” قد شكلت مشغلا بارزا لدى العلماء الموريتانيين وشغلت حيزا كبيرا من مجامعهم الإفتائية في القرون الثلاثة الماضية لكثرة ما طرحت من إشكالات بالنسبة للأفراد والمجموعات في هذا البلد. وقد تولدت هاتان  الظاهرتان عن ظروف الفوضى الأمنية وسيادة قانون الغاب في بلادهم السائبة.

ج ـ العلاقات بين الفئات الاجتماعية:

واقتصر حديث المؤلف في هذا المحور على نظرة الفئة الزاوية ـ القيمة على الإفتاء ـ إلى الفئة الحسانية صاحبة السلطة الزمنية في موريتانيا الأمس ومعالجة الفقهاء لإشكالية العلاقة مع الأتباع والموالي والأهلية القانونية للرقيق.

وإذا كانت آراء المفتين بهذا الخصوص تحاول الاستناد إلى مرجعية فقهية مالكية عامة ـ ولاسيما في قراءتها المغربية فإنها تنطلق في الغالب الأعم من العادات المنبثقة من الواقع الهرمي للمجتمع القائم على تقسيم وظيفي للعمل ، وما انجر عنه عبر الزمن ـ من علاقات اجتماعية  غير متكافئة بين مختلف فئاته.

وركز المؤلف على القضايا التالية:

1ـ نظرة الزوايا إلى حسان: إذ انطلقت مواقف الفقهاء حسب المؤلف من بني حسان(بالمعنى الوظيفي) من مقولة “استغراق الذمة” التي عالجوا من خلالها حسب المؤلف جملة من القضايا تتعلق بمعاملتهم وحكم هداياهم وودائعهم وتصرفاتهم وأحباسهم… ولم يجد هؤلاء الفقهاء بينهم ـ حسب المؤلف ـ كلمة سواء بشأن بني حسان ربما بسبب اختلاف بيئاتهم وتباين سلوك المعنيين فيها،فانقسموا طرائق قددا منها حيث انطبعت مواقف البعض بالتسامح في حين امتازت مواقف البعض الآخر بالتشدد وعدم الإنصاف تجاه تلك المجموعة.

2ـ الفقهاء وإشكاليات العلاقة مع الأتباع والموالي:

إذ اعتبر المؤلف أن الفقهاء ينظرون إلى الأتباع والموالي الذين لا يحمون أنفسهم (بركاب ولا كتاب) نظرة ازدراء ، واعتبر المؤلف أن مصدر تلك النظرة الدونية إلى الأتباع يعود إلى الرغبة في إبقائهم في حالة التبعية للمجموعة الأروستقراطية بقطبيها الزاوي والحساني.

ورأى المؤلف “أن الفقهاء وإن كانوا حريصين عادة على تمثل موقف الشرع المجرد في فتاويهم وأحكامهم يظلون مع ذلك محكومين ـ عن وعي أو غير وعي ـ بظروفهم المكانية والزمانية وواقعهم الاجتماعي وبنيتهم الذهنية التي تؤطر مواقفهم ورؤاهم وهذا ما يفسر ـ يقول المؤلف ـ اتحاد نظرتهم الاجتماعية لهذه المجموعة،واختلاف آرائهم فيما يتعلق بإشكاليات العلاقة معها، وتتبع المؤلف آراء بعض الفقهاء بشأن مال الأتباع، وإشكالية العتق والولاء والأهمية القانونية للرقيق.

وختم المؤلف كتابه بجملة من الملاحق نورد عناوينها مرتبة مع الإحالة إلى الصفحة في الجدول التالي:

رقم الملحق عنوان الملحق الصفحة
1 قائمة المفتين الذين شملتهم عملية التقصي الأولية 137 ـ 145
2 فتوى الشريف حمى الله التيشيتي بشأن النهب 146 ـ 147
3 فتوى الشريف محمد بن فاضل التيشيتي  بشأن المداراة 148 ـ 149
4 صورة أصلية من وثيقة تتعلق بالغصب الناجم عن عدم دفع المغرم ودفع ذلك المغرم 150 ـ 151
5 نموذج لوثائق المداراة التي تكاثرت في القرن19م 152
6 فتوى الشيخ سيدي المختار الكنتي عن حكم الأموال المأخوذة من المحاربين  واللصوص 154 ـ 162
7 فتوى لابن الهاشم الغلاوي بشأن الانتفاع بهدايا الظلمة 163
8 نظم امحمد بن أحمديورة  في الرد على من عاب عليه وعلى قومه الانتفاع بمال الظلمة ومستغرقي الذمم 164 ـ 168
9 فتوى محمدفال بن محمذن (ببها) بشأن إشكال وراثة المستظل بهم من المستظلين أو الانتفاع بأموالهم 169
10 الطعن في أهلية مستغرقي  الذمة القانونية 170 ـ 171

وقد يكون من المفيد أن نختم هذه القراءة بما ختم به المؤلف في المقدمة حين قال”… وعسى أن يساهم هذا العمل في نفض الغبار عن هذا الكنز الوثائقي الثمين الغائب حتى الآن من مصادر واهتمامات مؤرخينا وأن ينير سبل استغلاله المنهجي والتاريخي الكفيل بتعويض جفاف وحدثية مصادرنا التقليدية”.

ولله الأمر من قبل ومن بعد .

_٢٠١٨٠٩٢٩_١٠٥٣٤٤.JPG

……………….

*الفتاوى والتاريخ تأليف د . محمد المختار ولد السعد ، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة نواكشوط (1985-2004)، باحث في دائرة القضاء بدبي منذ العام 2009 ، أستاذ بجامعة عجمان بالإمارات العربية المتحدة ، له أزيد من 10 كتب منشورة منها الإمارات والنظام الأميري الموريتاني، الفتاوى والتاريخ الذي بين أيدينا

** الحاج أحمدو ، باحث في المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية – مبدأ