28 مارس، 2024، والساعة الآن 12:22 مساءً بتوقيت نواكشوط
Google search engine

الساحل والصحراء، إخماد الأتون

الشيخ المامي

القصة: كان أعمر ولد المختار ولد الشرغي أحد قادة إمارة الترارزة، وخاض حروبا شرسة مع جيرانه البراكنة، وكان محور الخلاف بين الإمارتين هو النفوذ على مرافئ النهر السنغالي وقبل إحدى معاركه الطاحنة سألته أمه فيما سيفكر أثناء المعركة، فأجابها (راي انگليسيس) يعني رايات الإنگليز التي يرفعون فوق بواخرهم القادمة لأجل التجارة.

المقال: ليس من الوارد أن نخوض في أحداث لم تتضح معالمها لأمهر مهندسيها الذين يصممون قوالبها بلمساتهم السحرية، وليس من العقلاني أن نشطح في مولد لم تحضر دفوف فرقته الإنشادية، لكن مسألة قضية الساحل وأزواد وقضايا التهريب والمخدرات والسلم والأمن في الشمال المالي والساحل عموما قد أصبحت مهددا رئيسيا للمنطقة عموما ومستقبل شعوبها كما أن عدم احتوائها سيلقي بظلاله على وحدة الدول وأمن شعوبها ناهيك عن الاستقرار والتنمية وإيجاد أرضية خصبة لنشوء إمارات أصولية على النهج الداعشي على غرار ما حدث في الشرق الأوسط سابقا وأفغانستان في وقت أسبق، ما يشعل فتيل أتون كبير في المنطقة، والعالم أجمع سيناله من تداعيات لهيبه شرر يظل حارقا مهما صغر أمره وحقر دوره.

ولأن القضية مستعصية فإن أي تأخير في معالجتها سيجعل فرص نجاح علاجها أقل، وسيوجد عامل وقت لقيام مالا تحمد عقباه في منطقة الساحل، فالنشاط الذي تشهده تجارة الأسلحة والمخدرات فيه والعوائد المالية التي تجنيها المنظمات المختلفة من خطف الأجانب وتهريب السجائر وميلاد العصابات اليومي والصراعات بين تلك العصابات سيهدد أي محاولة للم شمل المنطقة تحت لواء واحد. الحروب في الساحل ليست في الميادين، فمكانها الغرف المغلقة والطريقة الفرنسية فضلا عن تكاليفها المادية والبشرية ليست هي الحل الأمثل أيضاً، فطبيعة ساكنة الإقليم، والتكوين النفسي والتربوي للفرد هناك يجعل أي محاولة لإخضاعه عسكريا من قبل الأوروبيين هو نوع من صيد الأسماك بين الكثبان، وستبوء أي محاولة على غرار تلك الطريقة بالفشل طال الأمد أو قصر.

إن الطبيعة البشرية لساكنة الصحراء وعدم سهولة اندماجهم في الجسم الغريب، بل ورفض الآخر، خصوصا إذا كان هذا الآخر من النوع الذي لا توجد أي قيم مشتركة معه من حيث الدين أو العرق أو اللون أو بقية القيم المشركة بين البشر سوى الآدمية، ناهيك عن الطريقة العسكرية التي يحاول بها معالجة الملف والتي لا يمكن أن تلقى أي قبول من أي نوع كان في المجتمع الصحراوي لتجعل الطريقة الفرنسية محكوم عليها بالفشل قبل وبعد الميلاد.

كما أن حالة اللا حرب واللا سلم التي ظل الإقليم الشمالي في مالي يعيشها طوال العشريات الماضية، وصعوبة إدماج المكون الأزوادي في الكينونة المالية ذات الغالبية الزنجية ما جعل الحكم على ماليته لا يخلو من تجاوز في التصنيف، إذ أن ميولات غالبية السكان وانتماءاتهم الهوياتية مقسمة بين موريتانيا وليبيا والجزائر تلك الحالة هي ما أوصل الإقليم ضمن عوامل أخرى إلى ما وصل إليه من حالة خزان البارود القابل للانفجار في أي وقت وجعله مسرحا مفتوحا أمام الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب والتخريب، وبالتالي كان حتما على الكل التفكير في حل جذري يمكن أن يضمن أقل الخسائر لتلك المعضلة التي تهدد المنطقة والعالم أجمع ويجنبها أفغنة جديدة هي والعالم في غنى عنها.

لقد كان حلم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه أن يوحد جميع الشعوب ذات الهوية المتقاربة والقواسم المشتركة في المنطقة تحت راية واحدة، وقد نجح مسعاه في أن يوحد شعوب الضفة ذات البقرة والمنجل، مع شعوب الأقاليم الأخرى ذات النخلة والجمل، لكن مسعاه فشل مع ثاني اختبار حينما اصطدم مع غرض في نفس أبومدين، ما أدى في الأخير إلى الإطاحة به، لكن المختار ظل مؤمنا بفكرته تلك حتى كتابة مذكراته.

لكن الوضع الآن قد تغير تسعين درجة، والعالم ككل بما فيه أوروبا وأمريكا أصبح يفكر في حل نهائي لأزمة الساحل، وحل قضية الساحل لن يتحقق إلا من نواكشوط.

إن تأسيس قوة الساحل المشتركة ومجموعة G5 وما اصطدمت به تلك القوة من عراقيل وندرة في التمويل لتجعل التفكير في أنها الحل الأمثل للقضية نوع من المبالغة المشكوك فيها، كما أن السياسات التشاركية التي تنتهجها الحكومات المالية مع سياسي الإقليم لا تعدو كونها مسكنات تذهب الألم لحظيا مع بقاء أصله، والمطلوب الآن هو الحلول الجذرية، حتى ولو تطلب ذلك بتر العضو من الأساس.

لا مراء في أن إعادة خريطة المنطقة أمر غير سهل ويتطلب جهدا كبيرا. لكن الأهداف السامية لأمن شعوب المنطقة وتكاتف الجهود من قبل القادة والشعوب وأصحاب الرأي سيجعل الأمر لا يخلو من سهولة رغم صعوبته.

حينما سأل صحفي قناة الجزيرة بيبه ولد امهادي قائد الأركان الحالي محمد ولد الغزواني عن الشيء الذي يجعل خيار الانقلاب متاحا أمام العسكري، أجابه بأن ذلك الخيار رغم صعوبته يكون سهلا إذا هانت النفس في سبيل الهدف. لذلك فإن قضية أزواد تكون سهلة جدا إذا هانت نفوس قادتنا السياسيين ونخبنا ومفكرينا عليهم في سبيل تحقيق هدف إحلال السلم في منطقة الساحل.

كان عبد الرحمن الداخل هو من أسس الدولة الأموية في الأندلس، لكن عبد الرحمن بن الحكم الناصر كان هو من أرسى دعائمها، ولذلك كان في نظر المؤرخين هو المؤسس الحقيقي لتلك الدولة.

ولا يتردد أي موريتاني مهما كان انتمائه في أن المختار ولد داداه هو مؤسس موريتانيا لكن الرئيس بيجل ولد هميد حتى وقت قريب يرى بأن المختار هو من رمى البذرة الأولى والعقيد ولد الطائع هو من أسس الدولة الوطنية، لكن من سيحل مشكلة أزواد لن نتردد جميعا في أنه المؤسس الحقيقي كما هو حال عبد الرحمن بن الحكم.

إن انتهاج مبدأ التفاوض والحوار على الجبهتين الداخلية والخارجية وإشراك الطيف الوطني واتخاذ مبدأ الحزم في حالما تطلب الأمر ذلك، إضافة إلى التنسيق المتبادل مع شركاء مجموعة الخمس وفرنسا والأمم المتحدة، والتنسيق مع الأخوة في دولة مالي وإشراكهم في كل أبعاد الملف، لأجل التوصل إلى صيغة يتم بها ضم إقليم أزواد إلى موريتانيا سيكون أول لبنة صحيحة في طريق حلحلة المشكل المستعصي منذ أمد بعيد.

ظلت آسيا الوسطى وشمال الصين ما قبل جنكيز خان مقسمة إلى عدة قبائل متحدة منها قبائل الميركيت والنايمان والتتار والمغول والكراييت، كانت كل منها بارزة بذاتها ولكن علاقاتها في كثير من الأحيان غير ودية تجاه بعضها البعض كما يتضح من الغزوات الفجائية التي حدثت بينها والتي يغلب عليها طابع النهب وأحيانا الانتقامية.

كان أول ظهور لجنكيز خان في أواخر القرن الثاني عشر حيث قدم نفسه حليفا لزعيم قبيلة الكراييت طغرل صديق والده العزيز وتسمى تلك الصداقة “أخوة الدم”.

توطدت تلك العلاقة عندما خطف الميركيتيون “بورته” زوجة جنكيز ، فطلب مساعدة طغرل فاستجاب له بإعطائه مائتي ألف مقاتل من الكرايت، واقترح بأن يشرك معه صديق طفولته جاموقا، الذي أصبح بعد ذلك خانا على قبيلته. وبالرغم من نجاح تلك الحملة التي أدت إلى تحرير “بورته” وهزيمة المركيت الشديدة، إلا أنه مهد طريق الانقسام بين أصدقاء الطفولة جاموقا وجنكيز. فقد كان جنكيز قبل ذلك قد تعاهد مع جاموقا عهد الدم، وأن يظلا نصيرين لبعضهما البعض إلى الأبد.

بعد أن استتب الأمر لجنكيز خان اتجه إلى إصلاح الشؤون الداخلية، فأنشأ مجلس”قوريلتاي” ودعاه للاجتماع، وفيه تحددت لأول مرة شارات ملكه، ونظم إمبراطوريته، ووضع لشعبه دستورًا محكمًا يسمى “قانون الياسا” لتنظيم الحياة، بعد أن رأى أن الأعراف والتقاليد المغولية لا تفي بمتطلبات الدولة الجديدة، ولم تكن مدونة، فأعاد النظر في بعضها، وقبل بعضها الآخر، ورد ما رآه غير ملائم.

كان توزيع الخصوم الرئيسيين في اتحاد المغول الكونفدرالي بداية القرن 13 كما يلي: النايمان غربا والمركيت في الشمال والتانجوت جنوبا، وفي الشرق يوجد التتار وأسرة جين الصينية. ولم يمض عقدان حتى تمكن جنكيز من تكوين اتحاد مغولي مصغر من أتباع ومستشارين. وتمكن من خلال حكمه وضم القبائل المتناحرة من كسر التقليد بين المغول وإلغائه نهائيا، ذلك أن توزيع المناصب يكون على أساس الولاء للدولة والكفاءة وليس حسب الروابط الأسرية، وهو حافز للطاعة المطلقة.

ونحن هنا لا نقدم الجانب الظلامي والانتقامي لشخصية جنكيز بل إن تركيزنا عليه يظل كنموذج موحد القبائل متفتتة ومتشرذمة أسس منها أعظم وأقوى إمبراطورية في التاريخ، دعك من ما هو متواتر عندنا في كتب التاريخ العربي، فمن الطبيعي أن تكون نظرة المؤرخ العربي إلى جنكيز مشوهة بحكم المذابح التي نفذ ضد العرب، ودعك من شخصية جنكيز كما يصورها الصينيون فقد كان بالنسبة لهم مخلصا ورمزا، بل يجب أخذ الحكم عليه من زاوية محايدة، وهنا نورد ما ذكره المؤرخ الألماني (بيرتولد شبولر) عن شخصيته حيث قال:

(إن صفات جنكيز خان الفائقة وشخصيته الفذّة لا تظهر في انتصاراته العسكرية فحسب، بل في ميادين أخرى ليست أقل أهمية إذ لا يسعنا إلا أن ننظر بإكبار وإعجاب إلى منجزاته كمشرّع قانوني، ومنظّم للأمّة المغولية).

لن يكتب التاريخ إلا من سعى لكتابته. ولن يخلد التاريخ غير من وضع بصمة عليه، وليس بتأسيس مطار أو مدينة في إحدى المجابات يدخل قائد إلى صفحات التاريخ، بل إن عظمة القائد تبقى بحجم طموحه، ليس شرطا أن يتحقق ذلك الطموح فعلا بل إن السعي إليه هو أكبر دليل علي صدقه، وبالتالي سيحسب له.

والأمة التي تنحصر اهتماماتها بعدد مأموريات الرئيس ليست أمةً تنافس، بل إن الأهداف يجب أن تسمى أكثر من ذلك بكثير. وليس مطلوبا منا ككتاب أن نتفرغ لتافه القضايا وهناك ما هو أهم كإعادة توحيد الأرض. وليس مطلوبا من المشرع غير وضع قانون يقدم درأ المفاسد على جلب المصالح.

إن بلدا ما زال طور التأسيس لهو بلد في حالة طوارئ. وحالة الطوارئ لها إكراهاتها فالقوانين فيها ذات طابع عرفي مثل أوقات الثورات تماما. وما يتطلبه البلد هو المزيد من الاستقرار الداخلي. وأي تغيير في هيكلة الحكم لن يضمن استمرار القادم الجديد على نفس الهدف، فلكل غربال جديد شدة. وكل داخل له دهش. والموازنة الحالية في رقعة الشطرنج هم أكثر من درس ملف الساحل، وأكثر من عمل عليه في الإطار المشترك. وأي تغيير فيها سيلقي بظلال سلبية على الملف.

تنازلت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني عن ولاية تيرس الغربية مجانا واستلمها المغاربة دون تعب. ظل الجزائريون على موقفهم، وأثر ذلك على كل الملفات المشركة بما فيها اتحاد المغرب العربي “المشلول”. لم تستطع سنوات الحرب ولا مقتل اسويدات ولد وداد والولي مصطفى أن تؤثر على اللحمة الموريتانية الصحراوية. فـ(يدي قد ضربت عيني) من الطرفين.

تضررت رمانة الميزان السكاني للبلد كثيرا بتنازل اللجنة العسكرية عن تيرس الغربية وتعالت أصوات جديدة ما كان لها أن تسمع في الموازنة – الصحيحة – ما قبل التنازل الغريب، وفقدت موريتانيا جنتها ومنتجعاتها وأكثر مناطقها ملائمة لسكن الآدمي.

إن البدء في مباشرة تسوية الملف الأزوادي بالتشارك مع الإخوة الماليين وفي إطار مجموعة G5 قبل عيد الاستقلال وما يصاحبه من شحنات وطنية مرتفعة – داخليا – سيكون أول خطوة في طريق نجاة شعوب المنطقة والعالم أجمع، كما أنه أول لبنة في الهيكل الصحيح لحل مشكل الصحراء وضم المجزء إلى بعضه.

ليس محمد السادس بالحسن الثاني فمحمد السادس رجل تنمية وبناء وما يحتاجه هو المزيد من الاستقرار ، والحسن رجل توسع وما يحتاجه هو المزيد من الحروب. والقبائل العربية في الصحراء ذات الجذور المتفرقة شمال وجنوب “سنتور” قد ملت الحرب ومصاحبة البندقية، وأصبحت تحن إلى السلم، والعالم أجمع قد سئم المماطلة في حل المعضلة، وغالبية الجزائريين قد ضاقت بالحدود المغلقة مع أقرب جار وأخ، والإستكانة الشعبية ما عادت مضمونة ما بعد ثورات الربيع العربي. وسبل التفاهم بين الجزائر وموريتانيا متاحة أكثر من أي بلد غيرها، وقنوات ذلك تبدأ من القصر الرمادي بنوكشوط، فأذرع الأخطبوط الموريتاني في الساحل هو الوحيدة التي يمكن أن تلقى ترحيبا شعبيا ونخبويا من الساكنة المحلية في الساحل والصحراء.

إن التنسيق مع القوى الحية الداخلية في ملف إحلال السلم في الساحل، من منظور المصالح الكبرى للبلد أمر لا مفر منه. فهذا أهم حدث ستشهده موريتانيا ما بعد 1960.

لم يسجل التاريخ للمعارضة الوطنية أن تخلت عن قيادات البلد في الأوقات الصعبة. فقد جمدت المعارضة جميع أنشطتها إبان حادثة رصاصات اطويلة مثلا، لكن مبدأ الإشراك والتنسيق مع جميع القوى مطلوبان من قبل النظام في الحالات المشابهة. كما أن عدم الخوض في الملف بما لا يخدمه أمر مطلوب من جميع القوى السياسية. في حالة إعادة رسم خرائط البلدان تكون الدولة في حالة طوارئ، وحالة الطوارئ لها قوانينها، والقانون يسري على الكل، مهما كانت حصانته.

لا يتوقع من إعلامي أن ينظر للتضييق على الإعلام، لكن تحلي القوى الإعلامية بالروح الوطنية أمر مطلوب في هذه الحالة. كما أن الصحفي يجب أن يمارس الرقابة الذاتية قبل أن ينشر أي كلمة فيما يخص الملف.

لقد تغيرت الأسلحة الحربية في الفترة الأخيرة، فسلاح الكلمة والعدسة أصبح أشد فتكا وتدميرا. رصدت الولايات المتحدة عشرات الملايين لنقل وتموين الصحافة في حربها على العراق، وجندت مئات الجنود من أجل حمايتهم. قصفت مكاتب صحفية واغتالت صحفيين كانوا يدورون خارج فلكها غب الحرب. فقد فهم الأمريكيون أن سلاح العدسة والحرف في عالمنا اليوم أشد فتكا من الرصاص.

الأمر هنا يختلف رغم اتفاقه، فالحروب الناعمة ليست كالحروب الخشنة، حتى وإن اتفقت الأهداف. الولايات المتحدة خاضت حربا شرسة ومدمرة، وألقت بجل ترسانتها العسكرية في أتونها، وموريتانيا ستدفع بفريق من المفاوضين – الأكفاء – داخل غرف الحوار المغلقة على جبهات مختلفة ودور الجيش سيختصر على تأمين المناطق التي تم الاتفاق على تنازل الإخوة عنها طواعية عبر الحوار، لكن النشر في الموضوع يجب أن يظل بتنسيق مع الجهات السيادية، فهناك ما يمكن أن يقال وهناك ما يجب الإمساك عنه.

مجموعة الخمس يجب أن تقوم بدورها فالمكاسب مشتركة وموريتانيا ستتولى الجانب الأصعب، والعالم كله سيربح من المقاربة، فتأمين باريس يبدأ من كيدال. الأوروبيون يجب أن يدفعوا مقابل تأمين مصالحهم ومصالح شعوبهم، المقاربة التنموية في الإقليم هي ما يضمن السلم الدائم. لذلك يجب أن يدفع الأوروبيون مقابل أمنهم. دعم التعليم والاقتصاد في الإقليم يجب أن يكون سخيا، فإعادة التأهيل لها مفرداتها ومتطلباتها، الدول والصناديق الخليجية يجب أن تساهم ببذخ، فطرق التهريب والإرهاب في الصحراء الكبرى متصلة ببعضها البعض، وتأمين الاستثمارات الخليجية في المغرب وأوربا ومصر يبدأ من “غاو” والقضاء على جيوب الإرهاب له ثمنه الضخم. وإخلاء الساحل من القوات العسكرية هو الهلاك المدمر على أمن الشعوب المحيطة وما بعد المحيطة، والدخول في مغامرة كهذه لا بد له من محفزات، والمحفزات لا بد أن تكون مغرية ومغرية جدا.

التحرك الموريتاني يجب أن يحظى بقبول عام، والأذرع الموريتانية يجب تمتد في آن واحد، جميع القنوات التي يمكن استخدامها يجب أن تفتح، وليس بالسلاح وحده يمكن حسم المعارك، فمعركة التنمية والحوار مع الجماعات الأصولية المنتشرة في الإقليم يجب أن تتجاوز الأساليب التقليدية، فروح القانون مقدمة على نصه في معاجم المصالح. ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح.

يعدد الصحفي محمد محمود أبو المعالي في إحدى مقالاته عشرات الكتائب الجهادية التي تتخذ من أزواد مسرحا لتحركاتها بعد أن كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية هي الجماعة الأصولية المسلحة الوحيدة في الإقليم. وقد فتح سقوط نظام العقيد القذافي أزواد على مصراعيه أمام الكتائب والجماعات. وتشير المصادر إلى أن الأمر سيظل في ازدياد ما دامت الظروف مؤاتية لذلك، وبالتالي فإن أي تأخر في معالجة الملف سيكون له ثمنه. فشلت جميع المقاربات التي رسمت لمعالجة الملف أو قاربت الفشل، سواء كانت أمنية أو غير ذلك، وهذا أمر طبيعي، فمن المستحيل أن يقبل جسم لا تتحد جيناته مع جسم آخر أن يزرع فيه بنجاح، وبالتالي فان جسم أزواد يجب أن يزرع في جسم يمكن أن يقبله بحكم الاتحاد الجيني.

للعبرة: ظلت إمارة عمورية شوكة في خاصرة الخلافة منذ عهد الخليفة عمر رضي الله عنه الذي فتحها صلحا حتى احتلها الخليفة العباسي المعتصم، وضمها للخلافة فلم يسمع لها بعد ذلك ركزا.

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة