28 مارس، 2024، والساعة الآن 12:01 مساءً بتوقيت نواكشوط
Google search engine

السياسة الخارجية الأمريكية – America’s Foreign Policy

المصدر : الموسوعة السياسية

تقوم السياسة الخارجيّة على مبدأ تحقيق المصالح عبر إدارك مصادر القوّة، وتبيان الأهداف التّي تسعى النخب الحاكمة إلى تحقيقها من خلال سلوكها السياسي في البيئة الدولية، وعليه ترتبط السياسة الخارجيّة بحجم الإمكانيات الذاتيّة وحجم الطموح السياسي، إلى جانب تأثر عوامل البيئة الخارجيّة من قوى ومواقف ومتغيرات ومصالح. وتُعبّر السياسة الخارجيّة عن مجمل توجهات الدولة تجاه الدول والفواعل الأخرى، إذ يمكن أن نلمس أدوار أي دولة في السياسة الخارجية من خلال مواقفها وآرائها في السياسة العالميّة، وما يجري من أحداث وتطورات في العالم ، وكيف تنظر إلى حاضرها ومستقبلها وسط كم من الأحداث المتضاربة في خضم التفاعلات الإقليمية والدولية، التي من الصعب على أي دولة النأي بنفسها أمامها في الكثير من القضايات والمواقف.

ولعلّ تحديد مفهوم السياسة الخارجيّة لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أمرٌ في غاية الصعوبة، وذلك لما تتميز به من ناحية المساحة الجغرافية الكبيرة نسبياً وكذلك من حيث المتغيرات السياسية والاجتماعية التي رافقت نشوء الولايات المتحدة منذ استقلالها عن المملكة المتحدة في 1783 حتى يومنا هذا، وما يزيد في صعوبة تحديد الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية؛ هو حجم تأثيرها وفاعليتها على الساحة الدولية وكذلك مكانتها في سلم القوى الدولية.

على هذا وللوصول إلى تصور شامل بخصوص السياسة الخارجية الأمريكية، لابدّ لنا من التطرق للمسار التاريخيّ والعوامل المتعددة التي رافقت نشوء الولايات المتحدة قبل أن نبدأ برصد أهم السلوكيّات التي نستطيع من خلالها رسم نقاط أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية.

لمحة تاريخية 

في عام 1775 كانت الولايات المتحدة راضخةً تحت الاستعمار البريطاني ذو الطابع الاستبدادي الملكيّ المتركز في السواحل الجنوبية لأمريكا الشمالية، وهو ما دفع تلك الولايات للانتفاض والثورة ضد هذا الاستعمار، حتى أعلنت استقللها في الرابع  من تموز 1776 بقيادة جورج واشنطن.

بعد ثمان سنوات، وبمساعدة فرنسا وإسبانيا وهولندا ،هُزمت القوات البريطانية وتم إبرام معاهدة اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات الشمالية عام 1783, وتم وضع أول دستور أمريكي في عام 1787، الذي أصبح نافذاً عام 1789 وعُينَ جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة.

بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية واعتراف القوى الكبرى بها, كان لابدّ لهذه الدولة أن تتبنى سياسات خارجية محددة وخصوصاً تجاه القضايا والملفات المثارة في بيئتها المحيطة، فتبنت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين مجموعة من التوجهات العامة عبر عدّة مراحل واكبت تطورها، و كانت لكل مرحلة من هذه المراحل ميزتها وأثرها في بناء السياسة الخارجيّة الأمريكية. وللتبسيط والإيجاز سنقسم المراحل إلى أربع مراحل وهي:

.1 مرحلة العزلة  :

اتسمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالانعزالية في الفترة الممتدة من الإستقلال حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

فقد خَلُصَ القادة الأمريكيون بعد الاستقلال إلى ضرورة مفادها وجوب بناء دولة قوية قادرة على حماية استقلالها ودرء الأخطار الخارجية عنها، واعتقد الساسة الأمريكيون أنّ هذا لا يتمّ إلا عبر البناء الاجتماعي، والثقافي، والإقتصادي الموجّه نحو الداخل، والنأي بالنفس عن كل الملفات والمشاكل الخارجية.

وهذا ما يفسر عزوف الولايات المتحدة عن الارتباط السياسي بالدول الأوربية، التي تشهد نزاعات ومشكلات فيما بينها في تلك الحقبة خوفاً من انتقال آثارها إلى الداخل الأمريكي.

لقد ظهر الاتجاه الانعزالي للولايات المتحدة مع وصول الرئيس جورج واشنطن إلى الحكم  لبناء القوة الداخلية والحفاظ على الاستقلال، وتكرّس هذا بشكلٍ أكبر مع وصول الرئيس الثاني للولايات المتحدة جيمس مونرو صاحب شعار “أمريكا للأمريكيين”.

تمكنت الولايات المتحدة في هذه الفترة بناء استقرار داخلي وقاعدة إقتصادية لا بأس بها،والتي ستشكل أحد المرتكزات  الأساسية للتوجّه نحو الانفتاح على العالم الخارجي.

.2 مرحلة الخروج من العزلة :

نظرت الولايات المتحدة في بادئ الأمر إلى الحرب العالمية الأولى على أنها حرباً أوربية لا شأن ولا مصلحةً لها فيها، وهذا ما كفل لها ميزة التعامل مع كل الأطراف وخصوصاً من الناحية الاقتصادية التي كونت قاعدة أمريكية ثابتة إلى جانب الاستقرار الداخلي مقابل هشاشة القاعدة الاقتصادية الأوربية، وهذا بالضبط ما كون حافزاً عند الساسة الأمريكيين للتوجه نحو الانفتاح للخارج مابين الحربين .

وفي عام 1916 اقترح الرئيس ويلسون آنذاك وساطة أمريكية لحل الخلافات الأوربية تحت شعار سلام بدون نصر،وإعتُبِر هذا أول مؤشر على نية الولايات المتحدة بالانفتاح على الخارج، وفعلاً دخلت الولايات المتحدة الحرب في 1917 إلى جانب دول الوفاق، حيث شكل هذا التغير في السياسة الأمريكية سبباً رئيسياً لهزيمة دول المحور وبروز الدور الأمريكي على الساحة الخارجية.

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبروز نجم الولايات المتحدة، أعلن الرئيس ويلسن المبادئ الأربعة عشر الشهيرة، التي تناولت مواضيع حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحرية التجارة وفكرة إنشاء تنظيم دوليّ. وعلى هذا النحو خرجت الولايات المتحدة الأمريكية بذكاءٍ من عزلتها التي استمرت منذ استقلالها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، محققةً حجم سياسي من خلال دورها في إنهاء الحرب وحجم إقتصادي من خلال التقليل من الآثار السلبية للأزمة الإقتصادية التي عصفت بالعالم بعد الحرب.

.3 مرحلة السعي نحو الهيمنة العالمية :

على غرار السلوك الذي اتبعته الولايات المتحدة فترة الحرب العالمية الأولى، فإنها نأت بنفسها إلى حدٍ كبير في خضم الحرب العالمية الثانية، حيث لم تتـدخّل في الحـرب بشـكل مباشـر و لم تبـادر بـأيّ سـلوكٍ عسكريٍّ تجاه أي طرف رغم استعدادها للحـرب، إلى أن جـاءت حادثـة “بـيرل هـاربر” التي ضمنت للولايات المتحدة تأييد الرأي العام الأمريكـي للـدخول في الحـرب، ليتوسـع الرد على اليابان بعد ذلك إلى مستوى تحويـل دفـة الحـرب لصـالح بريطانيـا و الـدول المتحالفة.

وكما هو الحال في المرة الأولى ،فإنّ الولايات المتحدة خرجت بوزن دولي وإقتصادي هام جعل منها دولة متأهلة لتوسيع سياستها الخارجية والانتقال من العزلة إلى الانفتاح، لكن وبذات الوقت برز نجم الاتحاد السوفيتي كقاعدة للإشتراكية العالمية مقابل القاعدة الرأسمالية الأمريكية، ما شكل بنية جديدة للنظام الدولي الذي انتقل من التعددية القطبية إلى القطبية الثنائية.

تسببت المصالح المتضاربة وبروز الدولتين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) كقوى عظمى وحيدة ومتنافسة على قيادة العالم، بنشوء ما اصطلح عليه بمرحلة الحرب الباردة التي استمرت حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، في تلك الفترة انفتحت الولايات المتحدة على العالم بشكل كبيير، حيث رافق هذا الانفتاح وجود مجموعة من المصالح المتشعبة للسياسة الخارجية الأمريكية على رأسها إحتواء المدّ الشيوعيّ والسعيّ للهيمنة العالمية.

لقد تجلّت سياسات الولايات المتحدة الرامية إلى الهيمنة العالمية بشكلٍ واضح مع وصول الرئيس هاري ترومان إلى السلطة من خلال التغييرات التي اتخذها في السياسة الخارجية الأمريكية التي تناولت فكرة الحاجة إلى حماية جميع الأحرار في العالم، وهو التفسير الأيديولوجي للمساعدات الأمريكية التي عُرفت بمبدأ ترومان والتي بدأت بتقديم المساعدات لتركيا واليونان عام 1947.

فيما بعد وإضافة إلى مبادئ ترومان فقد نتج ما اصطلح عليه بسياسة الاحتواء التي سعت للوقوف في وجه المد الشيوعي، وقد تجلت بشكلٍ واضح  من خلال خطة مارشال لإعادة بناء القارة الأوربية والمساعدة في إعمار ما دمرته الحرب والتي توجهت بحقيقتها إلى فرض النفوذ الأمريكي على أوربا الغربية وجعلها مناطق نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الفترة الممتدة بين  1963- 1969 انقسمت السياسة الأمريكية نتيجة حرب فيتنام إلى تيارين أُطلِق عليهم؛ الصقور والحمائم، حيث يدعو تيار الصقور إلى مواصلة التدخّل الأمريكي في الشأن الدولي واحتواء المد الشيوعيّ، في حين يدعوا تيار الحمائم إلى السلام وإيجاد صيغ من التوافق بين العملاقين.

مع وصول ريتشارد نيكسون من الحزب الجمهوري إلى سدة الرئاسة تم إتباع سياسة الوفاق بين القطبين والوصول فيما بعد إلى فكرةٍ مفادها؛ أنّه يمكننا العيش بسلام، وعلى هذا بدأت سياسة تخفيض التسليح من قبل الطرفين لإظهار حسن النيّة التي ما لبثت أن انهارت مع التدخّل السوفيتي في أفغانستان.

ومع وصول الديمقراطيّ جيمي كارتر إلى السلطة انتهجت السياسة الأمريكية فكرة الترغيب والترهيب من خلال الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان من ناحية ، والتهديد بعدم قبول المساس بأيّ من المصالح الأمريكية في العالم من ناحية أخرى ،وهنا ظهر ما عُرِف بمبدأ كارتر الذي جاء فيه: “تَعْتَبر الولايات المتحدة الأمريكية أية محاولة سوفييتية تستهدف السيطرة على منطقة الخليج اعتداء على مصالحها الحيوية …، و ستقوم برد هذا العدوان بشتى الوسائل لديها بما في ذلك القوة المسلحة”.

في آخر مراحل الحرب الباردة ومع عودة الجمهوريين إلى الرئاسة مع رونالد ريغـان، بدأت السياسة الخارجيّة تؤسـس لرؤية عالمية أحاديّة قائمة على فكرة نشر النموذج الأمريكي بالجمع بين القوة العسكرية و نشر مبادئ السلام و الديمقراطية الرأسمالية، وهذا مع وضع المصالح القومية الأمريكية فـوق كـل اعتبار، يقول ريغان : “أريد إعادة الاعتبار لأمريكا بعدما أنتقص منها جيمي كارتر”.

 .4 مرحلة الهيمنة على العالم وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 

مع انهيار المعسكر الشرقي بدأت معالم الإنفراد في السيطرة على العالم وفرض النموذج الأمريكي ، فكان لابدّ لأمريكا أن تؤكد للعالم أنها الدولة الأعظم المهيمنة على الشؤون الدوليّة ، وبالتالي تم فتح مرحلة جديدة من الإستراتيجية الأمريكية بإعلان الرئيس جورج بوش الأب عن قيام النظام العالمي الجديد الذي يخلو من الإرهاب ويسعى للعدالة والمزيد من الأمن، ويتيح لأمم العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه أن تزدهر وتعيش معاً بانسجام، وتكرس هذا أكثر مع قدوم كلينتون ،الذي بنا سياسته فيما يُعرف بإستراتيجية “الالتزام والتوسع” على أعمدة ثلاث هي الحفاظ على الهيمنة الحربية الأمريكية في العالم ،وتحقيق الرخاء الإقتصادي وتعزيز وترويج ديمقراطيات السوق الحرّة في العالم.

وفي عام 2001  شَّكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بداية مرحلةٍ جديدةٍ في تاريخ العلاقات الدوليّة، إذ أنها حملت إلى الولايات المتحدة واحدة من أسوأ الأحداث في تاريخها منذ حادثة  بيرل هاربر،  فقد تلقَّت الولايات المتحدة ضربة استهدفت أبرز رموزها الإقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وبالتالي وضعتها أمام مرحلة صعبة كدولة عظمى ومُهيْمنة على النظام العالمي ،ونتيجةً لذلك أعلنت الولايات المتحدة الحرب بكل الوسائل المتاحة على ما وصفته بالإرهاب العالمي وعلى كل من له صله أو علاقة به أو بأفكاره.

وعلى هذا قامت السياسة الخارجيّة الأمريكية زمن بوش الابن على أربعة مبادئ رئيسية هي :

١- استثنائية القوة العسكرية الأمريكية

٢- الحرب الإستباقية

٣- نشر الأفكار الديمقراطية

 ٤- استخدام القوة، وذلك لمجابهة أربعة أخطار تمثّلت؛ بالإرهاب العالمي والدول المارقة والدول الفاشلة وأسلحة الدمار الشامل  .

عند دراسة السياسة الخارجيّة الأمريكية نرى مجموعة من المبادئ الأساسية التي لازمتها منذ الاستقلال ووجهت سلوكها الخارجي إلى يومنا هذا. إلا أنّ دراسة تطور السياسة الخارجية الأمريكية مابين الفترات السابقة تكشف بوجود فترات متقطعة يمكن وصفها بالبراجماتية ،أو بمرحلة استعادة القوة يكون فيها لشخصية الرئيس والجوانب النفسية عموماً لمستها الخاصة في هذا المجال، فنراهم في هذه الفترة يكرّسون معظم اهتماماتهم حول قضايا الإقتصاد والأمن الداخلييَن أكبر مما يكرسونه لقضايا الأمن الدوليّة، فيرون أنّ الإهتمام بالسياسة الخارجية يكون في إطار خدمة المصالح والمتطلّبات الداخلية، و يتجلى هذا بشكلٍ أكبر عند الساسة الديمقراطيين .

ولعل أبرز مثال على ذلك ،هي سياسة كلاً من الرئيسيَن ؛بيل كلينتون و باراك أوباما حينما وجه كلاً منهما من خلال أسلوبه الميّال للحلول الوسط التي تنال رضا معظم الأطراف، معتمدين على المفاوضات، والاتفاقيات الدولية وميلهم نحو العمل المشترك تحت المظلة الدولية ورعاية المؤسسات الدولية المشتركة كالأمم المتحدة وحلف الناتو.

فعامل شخصية الرئيس ذو دور هام في التأثير على السياسة الخارجية خصوصاً إذا ما اقترن ذلك مع سلطات واسعة يخوّل بها الرئيس في ميدان السياسة الخارجية، فيلعب نمط شخصيته المركّبة من مجموعة من الحاجات المميّزة  كالحاجة إلى الإنجاز، الحاجة إلى القوة والسيطرة…. دوراً هاماً في تحديد سلوك الأفراد وبالتالي سلوك صنّاع القرار الخارجي للدول. 

المصادر والمراجع:

محمد السید سلیم، تطور السیاسة الدولیة في القرنین التاسع عشر و العشرين، الطبعة الأولى. دار الأمین
للطباعة و النشر والتوزيع، مصر، 2002.جوزيف ناي، المنازعات الدولیةمقدمة للنظرية و التاريخ، ترجمة: أحمـد أمـین الجمـل و مجـدي كامـل، الطبعـة الأولى. الجمعیة المصرية لنشر المعرفة و الثقافة العالمیة، القاھرة ، 1997.د. خالد المصري , محاضرات في السياسة الخارجية , الأكاديمية السورية الدولية.مصطفى صايج، السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية: التركيز على إدارة جورج ولكر بوش 2000 – 2008، أطروحة دكتوراه في العلاقات الدولية. جامعة الجزائر 2006،2007 .

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة