19 مارس، 2024، والساعة الآن 5:00 صباحًا بتوقيت نواكشوط
Google search engine

المقاتلون الأجانب في سياق “الرّبيع العربي”: في ضرورة التَسييق ورفض السرديّة الأحاديّة

أبو العباس ابرهام

باحث وكاتب. ألّف كتاب “آلاف السنين في الصّحراء: تاريخ موريتانيا من البواكير حتّى القرن العشرين” (2017)، وترجم بالتشارك “الإسلام في الليبرالية” لجوزيف مسعد (2017). يعمل على دراسة تاريخ العلمنة والتشكّلات الدِّينية في العالم العربي كما في تاريخ الأفكار الإسلاميّة والغربية. نشر عدّة مقالات وأبحاث في صحف ومجلات. يُدرِّس حالياً بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة

مُلخّص

تهدِف هذه الورقة إلى تناول ظاهرة المقاتلين الأجانب في سياق الانتفاضات والقلاقل العربيّة، التي عُرِفت بـ”الرّبيع العربي” (ديسمبر 2010 فما بعده). سأحاجِج أدناه بأنّ هذه الظاهرة تنازِع هيمنة السردِيات الواحِدةL وأنّه من الأسلم النظر في السياقات السياسيّة في كلّ دولة أو منطقة لمحاولة فهم تدفّق وازدهار المقاتلين الأجانب. تُسلِّم هذه الورقة بأهميّة الحدث المتمثِّل في الحرب السوريّة وفي قدرتِه على الاستقطاب؛ ولكنّها تقترِح أيضاً تناول السياقات المحليّة والسياسية والتاريخيّة الحديثة للجهاديين. قبل الوصول إلى هذا، سأتناول ظواهر مرتبطة بهذه الإشكاليات، وبالأخص موقع المقاتلين الأجانب في النظرية وفي التعريف إضافة إلى تقديم تاريخ وجيز لهم. لدواعي التخصّيص لن تركز هذه الورقة على المقاتلين الأجانب على الجبهات الكردية والشيعيّة، وإنّما ستكون زاوية رؤيتها الأساسية المجاهدين السنّة.

مقدِّمة

في عام 2008، أوحى تقرير أمني أميركي أنّ ظاهرة المقاتلين الأجانب في الشرق الأوسط في اضمحلال. فمن بين العشرة آلاف مقاتل أجنبي في العراق، الذين بدأوا في التدفّق إلى العراق منذ 2003، قد انخفض العدد إلى ما بين ثلاثة آلاف إلى 2000 مقاتل. يتعيّن أن نتذكر أنّ نهاية العشريّة الأولي من الألفيّة اتسمّت بالانسحاب الأميركي من العراق وانهزام الجمهوريين وظهور رئيس أميركي جديد اعتقِد لوهلة أنّه سيفتح عهداً جديداً. وفوق كلّ ذلك، فقد تحوّلت المقاومة العراقية إلى حرب طائفية منذ 2006، ومنذ نجاح الاستراتجية الأميركيّة في تعهيد جانب من الصراع إلى الصحوات والعشائر.

وقد وجد كثيرٌ من المقاتلين الأجانب أنفسَهم في احتراباتٍ أهليّة وخصوماً للأهالي المحليين. ومن الجلي أنّ هذه الظروف شجّعت المقاتلين الأجانب (الجهاديين) على الانسحاب إلى دُولِهم. وعلاوة على ذلك، فلم يكن هؤلاء المقاتلون حاضرين كثيراً في مجال الرؤية؛ فمن بين المعتقلين في السجون الأميركيّة في العراق، والذين وصلوا إلى 23000، لم يكن هنالك غير 1% من المقاتلين الأجانب[1]. لقد بدا أن فصل المقاتلين الأجانب كان فصلاً يُغلق. وحتّى إنّ معظم الدول العربية قد بدأت تفتح برامِج للتعامل مع المقاتلين العائدين إما بضبطِهم أو تأهيلهم.

 

لم يكن الأمر طبعاً بهذه البساطة. فالواقِع أن العقد الموالي سيشهد أكبر تطوّر لظاهرة المقاتلين الأجانب في الشرق الأوسط، إطلاقاً. فالحرب الأهليّة السوريّة قد شهدت في الفترة 2011-2014 أكبر نسبة تدفّق للمقاتلين الأجانب في التاريخ الحديث للظاهرة وتجاوزت بذلك الأرقام الكبيرة في أفغانستان وباكستان، والعراق واليمن والصومال[2].

1-تعريف المقاتلين الأجانب

تكاد صفة “المقاتلين الأجانب” تبدو بِدَهية على الأقلِّ في التقديمات الإعلاميّة والشعبيّة. غير أنّ خلاف ذلك سرعان ما يتبادر للناظر في الخصومات الأكاديميّة حول هذا التصنيف. ولا يندر أنْ يكون لهذه الاختصامات -كما غالباً- طبيعة تخاصم الحقول والمناهج الأكاديميّة وتنافر تقاليدها الخاصّة وزوايا رؤيتها. إن التعريف البديهيّ للمقاتل الأجنبي أنّه كلّ من يحمل السلاح في حرب غير حرب وطنه، ليحجب الأبعاد الأهلية، التي تتجاوز الأوطان والحدود، وتستدخل الجماعات الأهليّة والإثنية والطائفية الداخلة والخارِجة في الحيّز الوطني؛ ناهيك عن الامتدادات العوائلية والتي تستقطِب التمدّدات الأسرية في الحروب التي تبدو فيما غير ذلك حروباً حصرية. بل وإنّ تعريف الحدود نفسها، دولياً أو أهلياً أو طائفياً، غالباً ما يكون داخلاً في هذه الحروب. يعني هذا دوماً تعقيد “أجنبيّة” بعض المقاتلين على الصراعات التي تبدو لوهلة أولى غريبة عليهم.

ولا يقتصِر هذا الإشكال على المرتبطين بالصراعات الأهليّة قرابيّاً أو عشائريّاً؛ بل هو معتمِلٌ كذلك في تصنيفات قِتالية أخرى؛ إذ إنّ دارسي العنف السياسي والإرهاب يميلون غالباً إلى رفض تعداد المرتزِقة، الذين يتلقّون أجراً معلوماً، في تصنيف المقاتلين الأجانب، الذين هم بالنسبة إليهم تصنيفٌ إرهابي أو جهاديّ. ورغم أنّ المرتزِقة هم بالغالب مقاتلون أجانب، إلاّ أنّهم لا يستدعون عادَةً اهتمام دارسي العنف السياسيّ (الأشهر بصفة “الإرهاب”)، باعتباره ممارسة قتالية ذات هدف سياسي متمايز عن الاكتساب والاعتياش[3].

إلاّ أنّ هذه التصفيّة للمتقاضين على القتال، والتي استقرّت في الدراسات الأمنية منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، لا تخلو من إشكال، خاصّةً لدى تنزيلها على السياق القتالي في الحرب الأهلية السورية 2011-2018. فالواضِح أنّ أغلب المقاتلين الأجانب يتلقّون رواتِب من الكُتل الجهاديّة كتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) و”جبهة النصرة” و”أحرار الشام”. وقد تراوحت رواتِبُ المقاتلين الأجانب من 200 دولار يدفعُها تنظيم الدولة إلى 50 دولاراً شهرياً يدفعُها لهم تنظيم “أحرار الشام” إضافة إلى أخماسِهم في الغنائم[4]. إنّ من شأن هذه التعويضات أنّ تُعكِّر صفو صورة المقاتل الأجنبي المتجافي عن الارتزاق؛ ولكنّها أيضاً لا تجعلُه مرتزِقاً مطلقاً، فالجلي أنّ أغلب هؤلاء المقاتِلين قد قدِم للمعترك الحربي في وشائج أيديولوجية جهادية جلية، وإن كان بعضُهم قدِم في هجرة حربيّة من مناطق مُفقّرة ومُضطهدة وبالأخصِّ من الصين، كما سنرى.

 

كان الباحث دافيد مالي قد تعامل مع هذه الإشكاليات قبل ظهور الحرب الأهلية السورية ورام تعريف المقاتلين الأجانب بأنّهم كل “غير المواطنين في صراعات الدول الذين التحقوا بالانتفاضات أثناء صراع أهلي”[5].  غير أنّ بعض الإشكاليات ظهرت بعده. فممّا يُعقِّد من تصنيف المقاتلين الأجانب في الحيِّز الجِهادي، وبالأخصِّ في سياق “الدولة الإسلاميّة” (داعش) هو في واقع الأمر الطابع ما بعد الدولتي لداعش. لقد نظّر المهتمّون بالنظرية السياسية إلى هذا البُعد في داعش؛ وبالنسبة لأدغوناس راشيوس من جامعة فيتوتاس ماغنوس بلتوانيا فإنّ “الدولة الإسلاميّة” جمعت ما بعد الدولة الوطنيّة الحديثة (حكم القانون، وإن كان قانوناً شريعياً متنافياً مع المعيارية العلمانية والليبرالية الحديثة، واحتكار العنف، ووجود أجهزة للدولة تقوم بمهام الأمن والرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة الأخرى بما فيها التنظيم والأنشطة الكشفية والدعوية والتربوية، ووجود أيديولوجيا للدولة، وحتّى وجود مواطنة مختلِفة عن المعيارية الليبرالية والمتمثِّلة في بناء مجتمع من المِلل ينقسم إلى المسلمين والذِميين والمُعاهِدين والأحرار والعبيد؛ إلى تشكّل هذه الدولة على ما يُشبِه “حرب استقلال”، إذا نظرنا إلى الجهاد الداعشي أنّه عملية بناء دولة (state formation)، وبين ما بعد الدولة post—state: الإباء عن الاعتراف الدولي، اعتماد المواطنة لدى داعش على المواطنة الروحية أو المعنوية، التي لا تُرسّم بأوراق ثبوتية أو جوازات السفر وإنما في التقسيمات المعنوية بين الذميين والمسلمين والعبيد والأحرار، وأنّ هذه الدّولة قد انبنت أساساً على مفهوم الهجرة وتشكيل مواطنة من خارِج الحيّز الجغرافي قيد التشكيل، الإباء عن سايكس بيكو والإرث الاستعماري للدول القطرية الحديثة بالشرق الأوسط[6].

 

إنّ هذا السياق الذي تتضارب فيه مفاهيم المواطنة مع مفاهيم المقاتلين الأجانب ليُصعِّبُ تعريف المقاتلين الأجانب في السياق الداعشي، ذلك أنّ كثيرين من هؤلاء الموصوفين بالمقاتلين الأجانب إنّما يقومون في واقِع الأمر بكثيرٍ من المهام المواطنيّة، بالمعني الداعشي، وليس بالمهام القتالية. وفي واقِع الأمر، فإن كثيراً من الدراسات تُشيرُ إلى أنّ أغلب خدمات هؤلاء الموصوفين بالمقاتلين الأجانب ليست قتالية وإنّما متعلِّقة بخدمات عموميّة غير أمنيّة. وإذا كان هذا يصدق على النساء المقاتلات، الموصوفات قدحياً بـ”مجاهدات النكاح” في الشرق أو بـ”عرائس الجهاد” في الغرب (Jihad brides)، اللواتي يؤدِّين مهامٍ دعوية وتعليمية وكشفية وأخرى ضرورية للفصل الجنوسي، الذي تقوم عليه الأخلاقيات والأيدلوجيات الداعشية، فإنّ هذا المجال الحربي لا يقتصِرُ فقط على النساء.

 

2-تاريخ موجز للمقاتلين الأجانب في الشرق الأوسط

 

رغم أنّ أغلب الدّارسين المعاصرين لظاهرة المقاتلين الأجانب يميل إلى النظر إليها على أنّها ظاهرة جديدة، وبالأخصِّ أنها مرتبطة بالتحوّلات الأخيرة للإسلام السياسي[7]، فإنّ التاريخ الحديث للعرب قد شهد أصولاً أقدم للظاهرة. وليس هدف هذه الفقرة تقديم استقراء لمحطات هذا النشاط. ولكن من المفيد ربط الظاهِرة في العالم العربي بترابط الحساسيّات الإسلاميّة، وأحياناً الكونيّة، إزاء ما تراه ضيماً على الإسلام أو على الأمّة، سواءً عُرِّفت علمانياً أو دِينياً، ما كان فرصة للفدائية أو الجهاد أو التحرير. وبطبيعة الحال، فإنّ جَوْهرة الإسلام في الجهاد، أو حتّى اعتبار أنّ الجهاد، من حيثُ هو حركة عسكريّة، كان دائماً كامناً في الإسلام يقع في مغالطة اللاتاريخيّة. ومن البيِّن أنّه تمّ إيقاظ هذه الروح الجهادية بجملة من المعطيات الحديثة: أولّها ظهور الدولة الوطنيّة، التي تُشكِّل مواطنيها، الذين يُضحّون من أجلها[8]، وثانيها ظهور أنماط حديثة وسياقات عالمية جديدة لتجييش وتعبئة المقاتلين ونقلِهم إلى جبهات القتال.

 

ولقد تأخّرت هذه الظاهِرة كثيراً في العالم العربي بحيث إنّ مقاومات الاستعمار لم تتواكَب بهجرات مقاتلين أجانب، إلاّ ربّما ما كان من أواخِر الاستعمار المباشر، وبالأخصِّ الحرب الجزائرية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. ولعلّ أهمّ السوابِق في هذا كان في حرب فلسطين 1948 عندما كان المقاتلون العرب المتطوعون، سواءً في الكتائب الرسميّة العربيّة أو في الجماعات الأهليّة المستقلة، مستعدين للحرب لتحرير فلسطين من الغصب الصهيوني. ويرفض عددٌ من الدّارسين اعتبار هذه التطوّعات شبيهة بظاهرة المقاتلين الأجانب المعاصرة بحجّة أنّ معظم المقاتلين العرب في قضيّة فلسطين كانوا مُبتعثين من الحكومات العربيّة[9]. ويمكن بتمحيص مخاصمة هذا الزّعم، ذلك أنّ البعد العاطفي الشعبي في قضية فلسطين في 1948 كان ممّا لا يُمكِن إنكارُه.

 

عموماً، ينظر هؤلاء الدارسون إلى الحرب الأفغانيّة (1980-1988) على أنّها انطلاقة الجهاد واندفاق المقاتلين الأجانب من كلِّ الأصقاع ضدّ اجتياح الاتحاد السوفياتي. كما هو معروف فإن تحالف المخابرات الأميركية والسعودية والباكستانية كان أساسياً في تأطير هؤلاء المجاهدين وتشهيل سفرياتِهم وتنزيلهم وإمدادهم بالأسلحة والتدريب[10]. وكان من شأن المقاتلين الأجانب أنْ استقرّ بعضُهم في أفغانستان وعُرِفوا بالعرب الأفغان، الذين كان لهم دورٌ في تغليب حركة طالبان على بقيّة الفصائل الجهادية بعد مغادرة الاتحاد السوفياتي ثم سقوطه. ولكنّ بقيتهم عادت إلى مرابِعها الأصلية في الفترة ما بين سقوط الاتحاد السوفياتي والنصف الأخير من التسعينيات حيث ساهمت في السياسة المحليّة، التي لم تخلُ من عُنف، كما كان شأن الحرب الأهلية في الجزائر في التسعينيات والجهاديين اللبنانيين في جبال النبطية والعائدين من أفغانستان إلى اليمن.

 

ومع الموجة الثانيّة من أفغانستان، بعد صعود حركة طالبان عاد كثيرٌ من هؤلاء الجهاديين إلى أفغانستان، بمن فيهم بن لادن نفسه، حيث قوّوا حركة الأفغان العرب وأسّسوا تنظيم القاعدة المتحالفة مع المُلاّ عمر. أما المُخلّفون من الجهاديين فسيكون لكثيرِ منهم تكوّن واستئناس ومبايعة مع القاعدة في نضالاتِهم ضدّ الأنظمة في طاجكستان وأوزبكستان والصين (تركستان الشرقية)[11]. كما ظلّت أواصر هذه الجماعات متعالقة في خلايا جهادية سرعان ما استُدعِيت للحرب في الشيشان في 1995 وفي طاجكستان (1998-2001) حيث هاجر كثيرٌ من جهاديي أفغانستان، وبالأخصّ من العرب الأفغان المبايعين للملاّ عمر[12] وإلى البلقان في التسعينيات. وقد كان للأفغان العرب دورٌ كبيرٌ في استنفار الجهاد إلى فوراتِه في كردستان حيث اشتهر ياسين البحر، الذي قاتل كذلك في الشيشان والبوسنة وعبد الرحمن الدوسري وأنور شابان، وهما رائدا الجهاد في البوسنة وسمير السويلم (ابن خطاب) في طاجكستان والشيشان؛ أما في الجزائر فقد اشتهر من العرب الأفغان عبد العزيز مقرن[13].

وما كادت هذه الخلايا والروابط تنام حتى استُدعيت مرةً أخرى في الحرب في العراق بعد اجتياحِه من قبل الولايات المتحدة في 2003؛ ومع انهيار المقاومة في العراق وتحوّلها إلى منعرج طائفي بفعل استراتيجية أبو مصعب الزرقاوي حدث انشقاق ما بين الجهاديين الذين ارتبطَ أكثرهم بالقاعدة وبين استراتيجيات أخرى بذلت جهدها في الطائفية. وسرعان ما أفضى هذا إلى تعدّد الجهاديات واستراتيجياتها. ومع مطلع الألفية كانت هنالك عدّة خطط لتجييش الجهاديين. كانت استراتيجية القاعدة القاضية بتفضيل جهاد العدو الأبعد على العدو الأقرب الإطار الأهّمّ في تجييش المقاتلين الأجانب. فاستراتيجية العدو الأقرب، والتي أدخلها في الاستراتيجية الجهادية عبد السلام فرج مؤلِّف الفريضة الغائبة (1981) كانت استراتيجيّة محليّة لم تستقطِب المجاهدين الأجانب كثيراً.

ولكن ظهور سياقات محلية للعنف السياسي أعطت فرصاً للعائدين من الجهاد الأفغاني وللمتعاطفين معهم؛ وسرعان ما بدأ هؤلاء في مبايعة القاعدة وبدأت القاعدة في تزكية جهادهم. وسرعان ولّد هذا استراتيجية الدعوة العالمية للجهاد، التي كان أبو مصعب السوري، بإعجابه وانتقاداته لبن لادن، أهمّ من بلورَها من منظِّري الجهاد. إلاّ أنّ تطييف الجهاد وبالأخصِّ بعد تحول العراق إلى حكم الغالبيّة الشيعيّة، إضافة إلى ظهور برامِج للحُكم الأهلي وإدارة السياسة المحليّة في مشروعٍ شريعي، قد حوّل ما سيغدو لاحقاً “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى استراتيجية ومشروع أرحب من مشروع القاعدة، التي انهزمت في الحادي عشر من سبتمبر. وقد ظهرت بوادر هذا الصراع حتّى أثناء مبايعة أبي مصعب الزرقاوي للقاعدة، فاختلف جذرياً مع مشروعها المتباعد، ما سترثه حركته الجهادية، داعش، لاحقاً[14]. وقد تزامن هذا مع ظهور استراتيجيات جهادية جديدة تتعدّى ثنائيات العدو القريب والعدو البعيد، التي قسّمت جهاد عبد السلام فرح وعبد الله عزّام وبن لادن، واستبدلتها باستراتيجيات الجهاد العالمي لأبي مصعب السوري[15] واستراتيجية إدارة التوحّش، التأطيرية لتنظيم “الدّولة الإسلامية”.

هنا يدخل ما سُميَ بالرّبيع العربي 2011، وبالأخصِّ المنعرج القتالي فيه في سوريا. فقد استقطب هذا القتال عشرات الآلاف عبر العالم، ليس فقط من الحِلق الجهادية القديمة وإنّما بثّ هذا القتال نفساً جديداً وخلق إطارات جديدة للكثيرين ممّن لم يُحدِّثوا أنفسَهم بقتال سابِقاً. وسرعان ما فاقت سوريا أفغانستان وصارت أكبر نشاط للمقاتلين الأجانب الجهاديين إلى حدِّ الآن. فقد تراوحت التقديرات لهم ما بين 40000 مقاتل إلى 50000 مقاتل. كان عام 2014 عاماً مثّل طفرة في نشاط المقاتلين الأجانب؛ فحسب الأمم المتحِدّة قد ارتفعت نسبة التحاقِهم بالجهادية في سوريا بنسبة 71% في الفترة ما بين منتصف 2014 حتّى مارس 2015[16]. من الراجِح أنّ هذا يتعلّق بعدة تناغمات ما بين التطوّرات السياسية في العراق والشام وبين الدِّيناميكيات الجهاديّة في بلدان المقاتلين الأجانب. فبالنسبة إلى التطوّرات في العراق والشام، شهد هذا الصيف إعلان “الدولة الإسلامية” للخلافة؛ وسرعان ما ولّد هذا طفرة في الهِجرة إلى الدولة الإسلاميّة من مختلف الأصقاع عبر العالم.

 

بعض هؤلاء كانوا مقاتلين موسميين يغدون ويؤوبون ما بين مناطِقهم الأهليّة إلى جبهات القتال ويعودون إمّا للتعبِئة أو لتسويق التجارب الجهادية التي عرفوها في رحلاتِهم القتالية. أحسن الأمثلة على هذا هو بعض المقاتلين الليبيين، الذين أسّسوا أوّل تمدّد للدولة الإسلامية خارج العراق وسوريا، كما سنرى؛ ولكنّ نظيره شبيه في التجارب الجهاديّة في اليمن وتونس، وحتّى في أوروبا؛ ذلك أن جزءاً من سِير الجهاديين الذين نفّذوا أعمال عنف في فرنسا في 2014 و2015 هو أنّهم مكثوا لفترات قصيرة في حلبات الجهاد في سوريا. ومن الجلي أنّ العودة من هذه الرباطات الجهادية قد صار مشكلة مطروحة باستمرار للاستراتيجيات الأمنية شرقاً وغرباً. أما بعضُ الهجرات إلى سوريا فقد كانت فقد كان ينوي الاستقرار والارتحال نهائياً عن مساكِنه الاصليّة. يتعلّق الأخير بمجموعات المُفقّرين المضطهدين من السلفيين القتاليين، كما في حالة السلفيين الصينيين من الأويغور، وكما يتعلّق بازدهار نمط الهِجرة، التي استعادت فيها الجماعات القتالية رومانسيات الهجرة في التاريخ الإسلامية وخرجت جماعات وفرادى إلى منادي الجهاد في الشام.

 

في سوريا انقسم المقاتلون الأجانب إلى عدّة كُتل جهادية، ومنذ 2014 صار أغلبُهم يُحارِبُ إلى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) حيث تمّ تقدير النسبة التي تذهب إليها منهم ما بين 50% إلى ما يزيد على 60% بحسب أرجح المصادر؛ وقد تراوحت أعدادهم فيها ما بين 8000 إلى 15000 مقاتل. أما “جبهة النصرة” (حالياً جبهة فتح الشام) فقد كوّن المقاتلون الأجانب فيها ما ينحو إلى 30% وقد ذهبت الأقليّة من هؤلاء إلى “جبهة أحرار الشام”[17]. كانت هذه الكتل القتالية الكبيرة تمتلك مراكز استقبال وفحص وتكوين عند الحدود التركيّة، وكانت تتسابق على اكتتاب المقاتلين الذين يأتون من بلدانِهم إلى تركيا ويتوجّهون إلى الحدود السورية للقتال[18]. غير أنّ بعض المقاتلين الذين لم ينضووا في هذه الكُتل أو الذين استقلّوا عنها وجدوا لنفسهم ارتباطات أخرى كحركة “شام الإسلام” و”الكتيبة الخضراء” و”جيش المهاجرين والأنصار”.

 

وكان لهذه الكتائب أبعادٌ وطنيّة وسياسية غاباً، رغم هجانتها؛ فمن الناحية الوطنية رابط المقاتلون السعوديون في “الكتيبة الخضراء”؛ ورابط المُقاتلون المغاربة في “حركة شام الإسلام”؛ أما المقاتلون القوقاز، وبالأخصِّ الناطقين منهم بالروسية فقط اشتهروا في كتيبة “جيش المهاجرين والأنصار”. أمّا من الناحيّة السياسية فقد حرصت هذه الجماعات على التجافي عن الكُتل الجهادية الثلاثة بسبب اشتعال حرب أهلية فيها، وبالأخصِ بين داعش والنصرة؛ فأرادت كتائب المقاتلين الأجانب التجافي عن تلك الحرب الأهلية. ورغم أنّ كثيراً من المقاتلين الأجانب قد دخل في المواجهات التي صفّت “جبهة النصرة” ضدّ “الدولة الإسلاميّة”، إلاّ أنّ بعضهم أراد التركيز على الحرب بمعزل عن التوسّطات السياسيّة. ولا شكّ أنّ هذا كان حلماً رومانسياً ذلك أنّ أغلب المقاتلين الأجانب كانوا منخرطين في الكتل الكبيرة وكانوا وقوداً لحروبها فيما بينها وكانوا يتوزّعون على وظائفها الحرسية والدفاعية والهجومية.

 

إلاّ أنّ هذا التمايز والرغبة في الاستقلالية لم يخل من نسبية ومن احتدام. فلم يقبل كلّ المنضوين في جماعات المقاتلين الأجانب المستقلّة رهانات قياديها على إحدى الكُتَل دون الأخر. فقد حاول أبو عمر الشيشاني، قائد “جيش المهاجرين والانصار” وضابط سابق في الجيش الجورجي، أن يميل به إلى “الدولة الإسلامية”، وقد أصبح الجيش بالفعل تنظيماً في الصفوف الأمامية من داعش؛ وقام أبو بكر البغدادي بتعيين الشيشاني قائداً لعمليات داعش الشمالية في الرقةّ وحلب وإدلب في مايو 2013. غير أن ميليشيا “جيش المهاجرين والأنصار”، التي ضمّت أيضاً مقاتلين عرب، رفضت أن تنخذِلَ كلّها مع الشيشاني وبقيَ شِقٌّ منها محافِظاً لوقتٍ على استقلاله بقيادة صلاح الدِّين الشيشاني[19].

 

علاوة على هذا، فإن بعض مجموعات المقاتلين الأجانب، التي فضّلت الانكفاء في تنظيم خاصٍ بها، كما كان مثلاً شأن “جماعة جند الشام”، التي كوّنها أساساً مقاتلون لبنانيون في ريف ولاية حمص الغربيّة، كانت توالي داعش وتتأثّر بها، وإن لم تكن معادية لجبهة النصرة[20]. ويبدو أنّها أرادت الحِفاظ على استقلالها دون ألا تتشارك المُشترك مع بقيّة الفصائل المتصارِعة. أما بعضها الآخر كالكتيبة الخضراء، المحاربة بالأصل في نواحي القلمون، فقد خاض في وقت عمليات مشتركة مع داعش في منطقة حمص ضدّ النظام؛ ولكنّها ظلّت لوقت محافِظة على استقلالها رغم انقسامات فيها. في المقابل بدا أنّ “حركة شام الإسلام”، المغاربية، قد قامت بتعاون مع جبهة النصرة رغم استقلالها[21].

 

عموماً، عصفت التفرّقات الأهلية بين المقاتلين الأجانب. ومع انهيار خلافة داعش في 2017 فإنّ كثيراً من المقاتلين الأجانب قد كُسِروا أو عادوا إلى أوطانِهم أو تفرّقوا بين الجماعات الجهادية الباقيّة في سوريا أو تقطّعت بهم السبل. أما الباقي فقد تحوّل وظيفياً مع داعش، التي رغم انهزامها ميدانياً إلاّ أنّها ما زالت فاعلاً قوياً يعتمد على الهجمات الانغماسية والعمليات الاستشهادية التي أطلق منها المئات في 2017[22].

 

3-المقاتلين الأجانب في النظريّة

 

يُنظر تلقائياً إلى المقاتلين الأجانب أنّهم ظاهِرة مُصاحِبة لظهور خطاب إسلامويّ حديث منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبالأخصِّ منذ ظهور الإسلام السياسي متمثِّلاً في حركة الإخوان المسلمين وعلائقها. غير أن الناظِرين في هذه المسألة رأوا اتساقاً قليلاً بين الإسلاموية والجهادية. صحيح أن الحركات الإسلاموية قد فشّت نمطاً معيّناً من القتال، وبالأخصِّ قتال الأنظِمة، مع أنّ هذا ظلّ تقريباً معدوماً حتى بعد منتصف القرن العشرين، ناهيك أن معظم السلفيين لم يكونوا جهاديين، بعكس المتصوفة لدى احتكاك المسلمين بالاستعمار. فمعظم حركات مقاومة الاستعمار كانت حركات صوفية؛ أما ما وُصِف في القرن التاسع عشر بالسلفية، على خلافِه مع ما يُوصف اليوم بالسلفية، فقد كان، ربّما باستثناء شكله النجدي، حركة مدنية إصلاحية متقاعِدة عن الحرب؛ وقد أذاع تحالفها مع الحداثة الأفغاني ومحمد عبده. أما تطاحن الإسلامويين مع الأنظمة فقد بدأ مع منتصف القرن عندما ظهرت نُخبٌ حكم علمانيّة ذات خطاب وممارسة مصطدِمة مع ممارسة الحركات الإسلامية.

 

ولعلّ القوميّة العربيّة، وبالأخصِّ في نسختِها البعثيّة العراقيّة، ثمّ الخطاب العلماني المعاصر هو أوّل من بدأ في نسبة الجهادية إلى الإسلاموية متمثِّلة في الثورة الإسلامية بإيران. فقد اعتُبِر أنّ هذه الثورة قامت على تصدير الثورة الإسلامية، بما فيها المقاتلون الدينيون. وقد طُرح هذا الخطاب تزامنياً من قبل الأمنوية الخليجية ومراكز البحوث والدراسات الغربية، التي رأت أنّ أثَر الخميني، بما فيه أثره على الإسلام السنِّي، قد أولَد نزعات جديدة في الإسلام السياسي تريد انتزاع الحُكم بحركات قاعدية، وأنّ هِجرة هذه الحركات القاعدية هي المسؤول عن استنفار المقاتلين الأجانب المنضوين في هذه المشاريع الإسلامية. إلاّ أنّ الحقَّ هو أن المقاتلين الأجانب، وإنْ أمكن ربطُهم بالحركات الإسلاميّة، لم يُصبِحوا ظاهرة إلاّ مع الثمانينيات. ولعلّه لا يخفي على المتابع الدور الذي لعبته المخابرات الأميركية والسعودية في تأطير هذه الحركة وتنظيمها[23].

 

أما الأطروحة الثانيّة الأذيع فهي أطروحة فشل الإسلام السياسي، التي قدّمها أوليفر روا. لقد نظر روا إلى تاريخ الإسلاموية على أنّه جملة من القطائع (جمع قطيعة)؛ فالإسلاموية المُحدثة، بعكس التاريخ التقليدي للإسلام، لم تكن حركة علماء، وإنما كانت تحمل معاداة للعلماء (anti-clerical). وبنفس الطريقة حدثت قطيعة ما بين الإسلام السياسي المعتدل وبين الحركات الجذرية، التي سمّاها روا بالأصولية المحدثة (néo-fondamentalisme)؛ فليس لهذه من الاعتماد على الخطابات الدِّينيّة العالِمة غير الإسقاطات المتطرِّفة. وقد نظر روا إلى ظهور التطرّف في هوامش الحركات الإسلاميّة كنتيجة لظهور الاعتدال والمصالحة ما بين الإسلاموية الوسطية مع الحداثة. وبهذا المعنى فإن التطرّف الإسلاموي، المتمثِّل في ظهور المقاتلين الأجانب، هو مؤشِّر لمدى اعتدال الإسلام السياسي الرسمي، وبمعنى ما فشله في أن يكون بديلاً للعلمانية، مع ما يأتي به هذا من مقاومة أطرافِه الجذريّة له أو فرارها بفهومِها إلى الأصقاع الجهادية. بل إن روا نظر أحياناً إلى الأصولية المحدثة على أنّها ترجمة للمشاكل الطبقيّة والحياتية وإعطائها لغة دِينيّة[24].

 

لقد انتُقِدت نظرية روا كثيراً؛ ولكنّ العامل المتعلِّق بتنافر الإسلام المعتدِل مع الإسلام المتطرِّف قد ظهر كثيراً فيما بعد كتابه فشل الإسلام السياسي (1992). والواقِع أنّه كان واضِحاً لأبي مصعب السوري في تحليله لتاريخ الجهاديين في اليمن أنّ الإخوان المسلمين لم يرضوا، بعد أن شاركوا مع الجهاديين في الحرب ضدّ اليسار في جنوب اليمن، على المضي قُدماً في تأسيس دولة الشريعة، بل إنّهم قبلوا باللعبة الدِّيمقراطية والحداثية. وبنفس الطريقة يُحلّل السوري أنّ الجهاديين في الجزائر قد وقعوا في مواجهة مع الإخوان المسلمين، الذي رضوا بقواعد اللعبة السياسيّة العالمية. ويذهب السوري في ثنايا تحليله إلى ربط هذا بالهجرة الثانيّة للجهاديين العرب إلى أفغانستان (1996-2001)، بعد أن فشلت انتفاضاتُهم في الجزائر واليمن[25]. وبهذا المعنى، فإن لازدهار المقاتلين الأجانب علاقة بتناقض إسلامِهم الراديكالي مع الإسلام المعتدل الذي قبل بقواعِد اللعبة العلمانية. وعلى خلاف جيل كيپيل الشهير مع أوليڤر روا[26] فإنّ تحليلاتُه تنزع أيضاً إلى هذا المنحى القائل بفشل الإسلام السياسي كسياق لظهور الجهادية. ويُدلّلُ كيپيل أحياناً على هذا بالإحالة إلى التسرّب من مدرسة الإخوان إلى مدرسة الجهاد سواءً في السياق المصري أو في الحرب الأفغانية[27]. أما حُسام تمّام، دارس الإسلام السياسي بمصر، فقد أشار إلى ترييف حركة الإخوان الذي كان أساساً في تمكّن الأيديولوجيا السلفية منها ومن تحويل تلك التغيّرات في صالح الراديكالية.[28]

 

 

4-في ضرورة التسييق

 

مذهبنا في هذه الورقة هو الانطلاق من صعوبة تقديم سردية كبيرة واحدة ابتداءً؛ ونقترح أنّه لا بدّ من مراجعة المعطيات، بما فيها التحليل السياسي لسياقات تأطير الحركات والهجرات الجهاديّة لمراجعة الإطارات النظرية والتفسيرات القديمة لهذه الظاهِرة المستجِدّة. وما ستفعلُه هذه الورقة فيما يأتي هو اقتراح النظر إلى كلّ حالة، في منظورها السياسي، للخلاص إلى استعصاء تقديم نظرية كونية وشاملة وواحِدة للظاهرة بفعل اختلاف التواريخ المحلية للهجرات الجهادية. ولعلّ الخلاصة هي أنّ الظاهرة ظاهرة فقط في كونيتِها، لا في الظروف والأسباب المحليّة التي تولِّدُها.

 

5-تونس: تمركز ثمّ تبعثر الجهاديّة

 

إنّ السياق التونسي هو سياق هامٌّ لدراسة بعض مظاهر المقاتلين الأجانب. وتكمن هذه الأهميّة في أنّ تونس قد زوّدت المقاتلين الأجانب في الربيع العربي بأكبر عدد منهم إطلاقاً. فالإحصاءات تُعدِّد المقاتلين التونسيين في سوريا ما بين 3000 إلى 5000[29]. من الجلي أنّ ثمّة سياقاً تونسياً لهذا النهضة القِتاليةّ. وكما أظهر دارسو الجهاديّة التونسية[30] فإنّ الأمر لا يتعلّق فقط بتلبيّة دعوة للجهاد أو نفاذ الدِّعاية القتالية من الشام، وإنّما بتفكيك المجتمع السلفي الجهادي في تونس وإخراجه من المجال العام، وبالأخصِّ في صيف 2013. إنّ هذه القصّة التونسية مهمّة في فهم السيناريو الذي أتاح المشاركة التونسيّة القياسيّة في الجهادية في الشام.  ولا بدّ من معاينتها في سياقها العام.

 

فرغم أنّ الحركة السلفية القتاليّة لم تستبشر بالانتفاضة التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، نظراً لمحتواها الأيديولوجي المُمركِز للديمقراطيّة وأنماط الحكم الليبرالي إلاّ أنّها كانت من كبار المستفيدين منه. فقبل الرّبيع كان نظام زين العابدين بن علي قد نجح في هزيمة الجهاديين ووضعِهم في السجون. كانت الحركة الجهادية التونسية قد تراوحت قبل الحادي عشر من سبتمبر ما بين اتجاهيْن: دولي ومحلِّي. فأمّا الدولي فقد عُرِف بـ”جماعة المُقاتِلين التونسيين” وكان قد تأسّس عام 2000 على يدِ سيف الله بن حُسين الذي سيشتهِر بأبي عيّاض ورفيق دربه طارق المعروفي. كان أبو عياض إخوانياً سابقاً ومناضِلاً في حركة النهضة، وقد نجا من قمع بورقيبة ودرس في المغرب وحارب في أفغانستان والتقى ببن لادن؛ واستقرّ به النوى لوقت في الغرب.

 

وسرعان ما ارتبط بالقاعِدة زناضل لها؛ وكانت مساهمته اكتتاب وتنظيم المقاتلين التونسيين وتشكيل كتيبة مبايِعة للقاعدة. وقد وصل هذا التنظيم إلى ذروتِه عندما ساهَم هامشياً في عملية الحادي عشر من سبتمبر، وذلك استباقِ تبعاتِها في أفغانستان باغتيال أسد بانشير، أحمد شاه مسعود، المجاهد الأفغاني وعدو بن لادن والمُلاّ عُمر، والذي كان متوقّعاً أن يكون مخوِّلاً لعمليات انتقاميّة أميركيّة بُعيد الحادي عشر من سبتمبر[31].

 

أما الخلية المحليّة، فخلافاً للخلية الأولى حاولت القيام بعمل مسلّح في تونس. وقد عُرفت بـ”جُند أسد بن الفرات” التي قادها أسعد ساسي في 2006. وقد بدا أنّها كُبِست قبل أن تنضج خططها، فبدت في المواجِهة مع نظام بن علي منسِّقة مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر؛[32] وبدا كأنّها غير محترفة وسرعان ما قبض عليها نظام بن علي وأَودع من تبقّى من رجالاتها السجن، بعد قتلِ بعضِهم في المواجهات.  وقد حقّق بن علي بهذا انتصاره الثاني على الجهاديّة التونسية؛ فقد كان قد وضع الجهادية الدولية، متمثلّة في “جماعة المقاتلين التونسيين” في جيبه في 2003 عندما تقطّعت الأسباب بأفرادِها، بعد ما عُرف بالحرب الأميركية على الإرهاب، وانتهى زعيمها أبو عياض إلى تركيا حيث قبضت عليه أجهزتُها الأمنية وسلّمته إلى نظام بن علي الذي حكم عليه بثلاثة وأربعين سنة من السجن[33].

 

هنا يدخُل ما سُمِيَ بالرّبيع العربي؛ فسقوط نظام بن علي قد أسفر عن فتح باب السياسة الذي كان قد أُغلِق منذ آخر ربيع سياسي في تونس في أواخر الثمانينيات. وكان من المطالب التي لقيَت إجماعاً إطلاق المساجين السياسيين، بمن فيهم الجهاديون من “جند أسد بن الفرات” و”جماعة المقاتلين التونسيين”. وفي هذه الأثناء كانت ظاهرة مألوفة في سوسيولوجيا الحركات الجهاديّة قد حصلت كذلك في تونس: ففي سجون بن علي التأم الجهاديون في حركة واحدة وانتظمت في قيادات وتراتبيات، واستطاعت اكتساب أتباع كُثر في أوساط السجناء من غير المصنّفين أو المتسيِّسين سابقاً. ولم يُغادِر بن علي السلطة إلاّ وكانت حركة مجتمعيّة سلفيّة قد ازدهرت في سجونِه. وسرعان ما أسّست هذه الحركة مجتمعاً سلفياً جمع الدّعوة بالجهادية، ولا سيّما الجهاديّة الخطابيّة، وقد عُرِفت هذه حركة “أنصار الشريعة” لما أُطلِقت من السجون، وسُمِح لها بالعمل في 2011.

 

ورغم تجافي “أنصار الشريعة” عن الأهازيج الدِّيمقراطية التي عرّفت مرحلة ما بعد بن علي إلاّ أنّها ازدهرت في حراك دعوي وسياسي لملمَ السلفيين والقاعِديين التونسيين في حركة واحدة سرعان ما أصبحت كبيرة وشعبيّة. ففي مهرجانِها السنوي الثاني في 2012، الذي نُظِّم في الجامع الكبير بالقيروان حصّلت الحركة ما تراوح بين 5000 إلى 10000 مدعو أو منتسِب، جلّهم من المجتمع السلفي التونسي. وعلى مدى العام المقبل نظّمت الحركة عدّة أنشطة تراوحت بين تأمين الأحياء إلى توزيع الصدَقات والزكوات والتكفّل بالمحرومين والقيام بالجلسات الدعوية والإنشاديّة[34]. وقد بدا أنّ تونس تشهد نمو مجتمع سياسي سلفي شبيه بالمجتمع السلفي المصري، الذي، خلافاً له، قد دخل في المنافسة الدِّيمقراطية من خلال الدخول الدرامي لحزب النور السلفي في السياسة وظهورِه منافِساً للإخوان المسلمين على قيادة وتأطير الإسلام السياسي. ولعلّ ما توّجَ هذا الإزدهار هو ما نقلته المصادر التونسية الحكومية من أنّ الراديكاليين الدِّينيين كانوا يُسيطِرون على 1100 مسجد من عموم لمساجد التونسيّة البالغة 5100[35].

 

إلاّ أنّ هذه الاستراتيجية لم تعنِ إبطال الجهاد القتالي القديم؛ بل في واقِع الأمرِ كانت “أنصار الشريعة” إطاراً للمِّ شمل الجهاديين التونسيين في الحركة السلفيّة حتّى يُؤذن بالجهاد. والواقِع أنّ حركة أنصار الشريعة قد جمعت في هذه الاستراتيجية ما بين السياسة المدنية للسلفيين وبين السياسة القتاليّة لهم. فجذورُها القتالية كانت واضِحة في أصولِها القتالية في البلقان وأفغانستان إضافة إلى المواجهات مع بن علي. ولعلّ خير من مثّل هذا الاتجاه كان أبو عيّاض. أما الجذور الوهّابيّة، أو ما سُميَ بالسلفيّة العلمية، فقد مثّلها الخطيب الإدرسي، رغم أنّ المنظِّرين السلفيين من الأردن وسوريا، أمثال أبو محمد المقدسي، أستاذ أبي مصعب الزرقاوي، وأبو مصعب السوري، ولاحقاً داعش، قد فاقوه السبق في الاستحواذ على عقول شباب الحركة[36].

 

ولعلّ هذه التعدّد الجديد للحركات السلفيّة ما بين حركة مدنية وتفكير جهادي، إضافة إلى بقاء هذه الحركة في المجال السياسي العام هو ما انعكس عليها. فقد كان جلياً أنّ الأمر يتعلّق بحركة جهادية بزغت للساحة بحملات إطلاق سراح قياديي القاعدة في السجون الأميركية والاستنفار للجهاد[37]. ومنذ 2012 دخلت بسرعة في التنازع الأيديولوجي ما بين الإسلاميين والعلمانيين الذي طبَع الرّبيع العربي. فمن ناحيّة تخوّف العلمانيون من أنّ حركة النهضة الحاكمة، ولاسيّما اتجاه رائد الغنّوشي فيها، على خلافِ بعض قياديي الحركة، كان يحمي الحركة السلفية التي عبّرت مراراً عن عدم احترام الأدبيات الدِّيمقراطيّة وأنّه رأى أنّها جزء من الثورة في مقابل العلمانيين الذين رأوا في السلفيين خطراً على المكتسبات الدِّيمقراطيّة.

 

ومهما يكن من أمر فإنّ الجهاديين التونسيين لم يُعطوا للمجتمع السياسي فرصة المداولة بشأنِهم. فمع 2013 بدأوا سلسلة من العمليات القتالية في تونس تمثّلت في ثورة في الشعانبي وفي قتل المناضلَيْن اليساريَيْن: شكري بلعيد ومحمد البراهمي. البقية تاريخ. فقد أدّت امتعاضات الحداثويين في تونس إلى نقمة شعبيّة صعّبت من الرهان النهضاوي على السلفيين، وفرضت خيار حكومة ائتلافيّة، خصوصاً مع تزامنها مع نقمة شعبيّة شبيهة في يونيو في مصر أدّت إلى احتجاجات شعبيّة واسِعة ضدّ حكم الإخوان المسلمين وفي النهاية شرّعت انقلاباً عسكرياً. أما في تونس، فقد نجحت الطبقة السياسية في تلافي الانحدار المصري، ولكنّ أوّل ضحايا هؤلاء كانوا السلفيين، الذين صُفّوا.

 

فقد فكّكت الأجهزة الأمنيّة الحِراك السلفي وتابعت أعيانَه وأوقتهم في السجون. ومن الواضِح الآن لدارسي السلفيّة التونسيّة أن هذا التفكيك كان السياق الأهَمّْ للهجرة الواسِعة (de-territorialisation) للسلفيين وتحوّلهم إلى مقاتلين في الشام وليبيا وحتّى مالي. فقد فرّ أبو عيّاض إلى ليبيا، التي كانت تشهد ربيعاً للحركات القتالية وكان بها تنظيم أنصار الشريعة، وإن لم يكن امتداداً للتيار التونسي، وكانت التعبئة للجهاد في ليبيا قد تمكّنت وتغلغلت في الجهادية التونسيّة. وبالطريقة نفسها، تبعثّر قياديو “أنصار الشريعة” فيما استجاب الكثيرون من القواعد إلى دعوات القتال التي وجّهها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش). ويمكننا أن نستخلصَ من وصول الجهاديين التونسيين إلى خمسة آلاف أنّ المجال العمومي التونسي قد فُرِّغ من قواعِد حركة “أنصار الشام”، التي قُدِّرَ عدد الحاضرين لمؤتمرها الثاني، أي قبل عام من تفكيكها، بالعدد نفسه[38].

 

وبطبيعة الحال، فلا يتوقّف السبب في اكتتاب الجهاديين التونسيين في داعش على مجرّد غلق المجال العام السلفي في 2013؛ بل ويدخل في ذلك الدعاية التي قامت بها الدولة الإسلاميّة وتوفيرها للسياقات الاجتماعيّة الشبكات التعبوية التي عقلنت وسهّلت الانتقالات القتاليّة. وعلى الأقلّْ منذ 2012، كان الإعلام التونسي على وعي ببعضِ هذه السياقات، وخصوصاً الجانب العوائلي منها، الذي قُدِّمَ دوماً باجتزاءات على أنّه “جهاد النِّكاح”. ورغم التقديمات الشعبية أنّ الأمر يتعلّق بسياحات جنسيّة جماعيّة إلاّ أنّ الأمر كان في الواقع جانب من وجود إطارات عوائلية وأخرى متعلّقة بالهجرة إضافة إلى عوامل الدعاية والتعبئة من المراكز الجهاديّة في الشام.

 

6-الوضع في السعوديّة: الدولة والجهاد كاستراتيجية تفريغ

 

يحلُّ السعوديون ثانياً في العدد بعد التونسيين في الهجرة الجهادية إلى سوريا والعراق. لقد دُرِست الحالة السعودية ربّما أكثر من غيرها. ولعلّ التحليل الأذيع في هذا الإطار هو مقاربة جيل كيپيل، الذي نظر إلى ارتباطِ تخريج الجهاديين بتعقيدات النظام السعودي. فهو يقوم بملاعبة الشرعية، المتمثّلة في إنتاج الراديكاليين، بالأمنوية المتمثِّلة في التخلّص منهم بإرسالهم إلى ساحات الحروب بعيداً عن المملكة. فالجزء الأكبر من الجذرية الدِّينية يأتي من النظام التربوي السعودي، ومن خلال السياسية الحيوية التي ينتهِجها النظام بمأسسة الجهاد في ممارسات وعقلانيات يومية. إلاّ أنّ النظام السعودي يضطرُّ مباشرة إلى إخراج هذه الذوات الجهادية التي صنعها بمؤسّساتِه وخطاباتِه وإرسالِها إلى الجهادات في أفغانستان والشيشان والبلقان وأوزبكستان وغيرها. كي لا تكون خطراً على الأمن الداخلي للنظام. وقد نظر كيپيل إلى أصل هذه السياسة في بدء تشكّل الدولة السعوديّة، التي اضطرّت إلى قمع قوتِّها التأسيسية، ألا وهي حركة الإخوان، بعد انتهاء عملية تأسيس الدولة وظهور البترو إسلام[39].

 

ودون أن يتعلّق الأمر بتخاطر فقد نظر اللاحقون إلى نواحٍ من هذه الصورة. فتحاليل توماس هوغهامر (2010) تُظلّل على طرائق تفشِّي الجهاد السعودي من خلال ظاهرة العرب الأفغان في البلقان والشيشان والعراق وأوزبكستان. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن الجهاديين السعوديين كانوا تأسيسيين في الجهادات هنالك.[40] أما تحاليل أديس دريريجة (2015) من جامعة مالايا فتُشير إلى البعد الجهادي للنظام التربوي السعودي ومسؤوليتُه عن إخراج الجذرية الجهادية، وإلى عدم اختلافِ نظامه التربوي، ولا سيّما مقرّراته الدراسيّة، عن النظام التعليمي لداعش[41]. إلاّ أن الدارسين المنتبِهين إلى ديناميكيات التعبئة إلى سوريا والشام فيما بعد الثورة السورية نظروا إلى تصنيفات تعبوية معيّنة، وبالأخصِّ إلى الوشائج الطائفيّة التي زادت من تدفّق المقاتلين السعوديين إلى سوريا. فمع دخول حزب الله في سوريا إلى صالح النظام السوري وانتصارهما في معركة القصير في 2013 ارتفعت الدعاية الطائفية وساهمت، بتأطير رسمي سعودي، في تسويق الجهاد في أوساط المقاتلين. وتُبيّن إحدى الدراسات أن الغالبية في هذه التعبئات كانت مؤسّساتيّة مظلِّلة على الدور التعبوي للمشايخ التابعين للمؤسّسات الرسمية السعودية كالمفتي عبد العزيز آل الشيخ وإمام المسجد الجامع بمكة سعود الشريم، اللذيْن حثّا كثيراً على الخروج في سبيل الله والتصدِّي للنظام السوري وحلفائه الطائفيين[42].

 

7-الوضع في ليبيا: الجهادُ ثقافةً

 

لعلّ السرديّة الأهَمّْ في تنظيم فهم ظاهرة المقاتلين الأجانب في ليبيا هي التواريخ الجِهاديّة والأجواء الأيديولوجيّة والتعليميّة لهؤلاء المقاتلين الأجانب، إضافةً إلى الحرب الأهليّة بين القاعِدة وداعش. فمن الناحيّة التاريخيّة تمتلك مدينة درنة الليبيّة التي صارت معقلاً خصباً للسلفيّة القِتالية بليبيا أحد أعرق التواريخ الجهاديّة. فرغم أنّ ليبيا تتراجع مقارنةً بتونس إلاّ أنّ مدينة درنة تتصدّر أيّة مدينة أخرى في العالم في نسبة تواريخ المشاركة في الجهاد في سوريا، ذلك أنّ نسبة 53% من هؤلاء المجاهِدين قد شاركوا في تواريخ جهاديّة سابقة، وبالأخصِّ في العراق وأفغانستان. وتؤكِّدُ دراسات “نيو أميركا” الأمنيّة على عامل تداول الجذرية القتالية ما بين الأجيال الأسَنّْ والأصغر في المجتمع السلفي بدرنة. ومن الجلي أنّ هذا يُعطي لدرنة أكبر نسبة اتساق ومثابرة على خط الجهادية.

 

وفي واقع الأمر لم تتباطأ المدينة في التحوّل مباشرة بعد الانتفاضة الليبيّة على معمّر القذافي إلى معقل سلفي قتالي. إلاّ أنّ تطوّرات السلفيّة القتالية في الربيع العربي سرعان ما لعبت في تقسيم القتاليين الدرناويين وساهمت في هجرتهم غدواً ورواحاً ما بين الشام ودرنة. فقد بدا أنّ جملةً من الجهاديين الدرناويين في سوريا والعراق قد قبلوا باستراتيجية داعش وفضّلوها على استراتيجية القاعدة. ولا يتضِّحُ من السرد أو التحاليل ما إذا كان هؤلاء قد حبّذوا نموذج الدولة الإسلاميّة قُبيل انضمامِهم للجهاد أو بعد التحاق مقدِّمتهم به. ومهما يكن من أمرٍ فإنّهم سرعان ما أزاحوا القاعِدة، مشكِّلين أوّل نفوذ للدولة الإسلامية خارج منطقتها الأساسيّة في سوريا والعراق، وذلك قبل انتصار السلفية القاعدية التقليدية عليهم. ولعلّ هذا كان جزءاً من تنافر أوسع ما بين الفصيلين قد تطوّر إلى تقاتل في الشام واليمن وإلى تنازع على ولاءات الجماعات الجهادية في مالي وغيرها[43].

 

8-بلجيكا وهولندا: وجه آخر للجهاديّة الأوروبيّة

 

عادةً ما يُنظرُ للجهاديّة الأوروبية على أنّها متعلِّقة بالصراعات الثقافيّة ما بين الإسلام والغرب، أو فشل المواطنة أو العلمنة الفرنسية في إدماج الأجيال اليافِعة من المسلمين في نظام واحد. غير أنّ هذا التحليل المبتذل كثيراً يُخفي أوجهاً أخرى لتعبئة المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى سوريا. وما نقترحه هنا هو النظر إلى الصورة من زوايا أخرى غير زاوية فرنسا المُمركَزة كثيراً. فقد وصل عدد المقاتلين البلجيكيين والهولنديين مثلاً في سوريا إلى أكثر من 600 محارباً في الفترة ما بين 2012 و2015 كانوا ينتمون لإطار مختلِف عن ذلك الذي عقلن انتسابات غيرِهم من الأوروبيين، ولا سيّما الفرنسيين.

 

بادئ ذي بدءٍ يُستدعى أنّ القتال الأجنبي كان تيمة دائمةً في تاريخ الأراضي المنخفضة منذ القرن التاسع عشر عندما حارب المقاتلون البلجيكيون والهولنديون في الحروب البابوية في ستينيات القرن التاسع عشر، كما حاربوا في ثلاثينيات القرن العشرين في الحرب الأهلية الإسبانيّة ضدّ نظام فرانكو. وشاركوا بعد ذلك بالألوف في الحرب العالمية الثانية إلى جانب النازيين. ورغم أن حماس هؤلاء للحروب الأجنبيّة قد خفّ كثيراً إلاّ أنّ الجهاديين الهولنديين والبلجيكيين ظلّوا يتدفّقون، وإنْ بأعدادٍ ضئيلة وأحياناً تكاد تكون معدومة، إلى الجهاد الأفغاني والشيشاني والكاشميري والحرب في العراق. وعلى الأقلّ اشتهَرت في هولندا مقاتِلة بارزة سرعان ما صارت قيادِيّة في جبهة “الفارك” التحرّرية في كولومبيا، وهي تانجا نيجميجير (Tanja Nijmeijer)، مثيرةً اهتماماً شعبياً وإعلامياً ملحوظاً[44].

 

وإذا كانت السرديّة التقليديّة تقرأ الجهاد الأوروبي في إطار الصراع الثقافي بين الإسلام والمؤسّسة الرسميّة، أو بين ثقافة المهاجرين والثقافة القارّة قبلهم، فإنّ هذا، على أهميتِه، لا يشرَحُ كلّ خلفيات المقاتلين الأجانب من الأراضي المنخفضة. ففقط حوالي نصف هؤلاء (تحديداً 45%) قدموا من أصولٍ مغربية أو تركيّة (مع العِلم أن بعض الإحصائيات ترفع النسبة المغربيّة إلى 80%). غير أنّ النسبة الأغلب من هؤلاء قدِموا من المُدن الكبيرة وبالأخصِّ أمستردام وروتردام ولاهاي وأوترخت (بالنسبة لهولندا) وبروكسل وأنويرب وفيلفورد في بلجيكا. والواضح أنّ كلّ هؤلاء مُجنّسون في بلجيكا وهولندا وأغلبُهم في الجيل الثاني أو الثالث من الهجرة، هذا علاوة على أنّ مُعدّل أعمارِهم هو أوائل العشرينيات. وينطبق نفس الشي على التعليم؛ فنسبة 47% من الجهاديين حصلت على شهادات ثانوية وعلى تدريبات تخصّصية وشهادات عليا[45].

 

وإذا كانت إحدى النمطيات الذائعة هي أنّ المقاتلين الأجانب في الرّبيع العربي هم من غير المتعلّمين والفاشلين في الاندماج في نظام المواطنة، فإنّ نسبة كبيرة من الجهاديين من الأراضي المنخفضة كانوا في واقِع الأمر حاصلين على وظائف إضافة إلى أنّ الكثير منهم مواطنين أصليين بتلك البلدان. ثمّ إنّ نصفهم فقط نشأ مسلِماً. والواقع أن نسبةً منهم تصل إلى 6% كانت في واقِع الأمر قد أسلَمت مباشَرةً قُبيل التحاقِها بجبهات القتال في سوريا. وكما هو معلوم من معظم الدراسات عن الحركات القتالية في سوريا فإنّه تعيّن على الدولة الإسلامية (داعش) أنْ تُنظّم دورات تكوينية في الإسلام للقادمين إليها. والطرفة السائدة في هذا هي أنّ كثيراً من هؤلاء ابتاعوا كتب “الإسلام للأغبياء” (Islam for Dummies) المُخصّصة للجهلاء المُطلقين بالموضوع[46]. من الجلي أنّ هذه المعطيات تُعكّر صفو النمطيات التي تُقدّم عادةً عن الجهاديين باعتِبارِهم مسلمين متشدِّدين فاشلين في الاندماج. إلاّ أنّ بعض النمطيات الأخرى لم تتعكّر؛ فمثلاً كان أغلبية الجهاديين من الأراضي المنخفضة من الطبقات السفلي (60%) والوسطى (38%)، وتقريباً لم يكن فيهم أفرادٌ من الطبقة العُليا (2% كلّهم من بلجيكا ولا أحد منهم من هولندا)[47].

 

9-ألبانيا: استئصال “الإسلام” واستقدامه

 

أمّا القصّة التي تُقدّم عن الظروف التي أدّت إلى ظهور حِراك قوي قادَ الجهاديين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي والبلقان وشرق أوروبا المسلم فهي سرديّة مألوفة، وإن لم تُتحدّ غالباً، وهي تنظُر غالباً في الأثر الوهّابي الذي استعاضَ عن الإسلامات الوجدانيّة بإسلامٍ نضالي حربي. إلاّ أنّ أهَمَّ شيء في سوسيولوجيا هذا التحوّل ليس الشكل الاعتناقي البسيط، وإنّما العلاقات المتشابِكة التي حاكت ظهور أثر دينامو جهادي. والغالب في هذه الدِّراسات النظر إلى شبكة العلاقات التي حيكت في الجهاد البلقاني في التسعينات وأولدت جماعات جهادية وعلاقات تمّ إيقاظُها مِراراً إلى الشيشان في التسعينيات ثمّ إلى العراق في مطلع الألفيّة، ناهيك عن بعض أصولِها في الجهاد الأفغاني في الثمانينيات والتسعينيات، تلك المغامرة الدوليّة الكبيرة التي رعتها أميركا ريغان والنظامين السعودي والباكستاني وأسفرت عن أكبر حشد جهادي في القرن العشرين.

 

لقد حدث الانقلاب الوهّابي بعدّة سيناريوهات. ففي ألبانيا مهّد نظام أنور خوجة (1945-1985) لهذا بإفراغ المجال العام من الإسلام. فقد حُظِرَ الإسلام العمومي؛ وفيما أعلنت الدولة نفسها أوّل دولة مُلحِدة فإن التعليم الدِّيني، وحتّى بنية المؤسّسات الدِّينية، قد دُمرِّت. ولذا فإن الحاجة ارتفعت بعد ظهور النظام الدِّيمقراطي في مطلع التسعينيات إلى تنظيم الشأن الدِّين، حتّى يمكن الحوكمة به. وبما أنّ المتعلِّمين الدِّينيين كانوا قد خلوا من المجال الذاتي الألباني لطول فترة خوجة ومتعلّقاتها، فقد استُقدِم الألبان المتعلِّمون في الشرق الأوسط، والذين هربوا بتقاليدهم الدِّينية والذين كان رمزُهم الأبرز الألباني، وأصبح العائدون منهم قياديين للجمعية المسلمة بألبانيا (The Muslim Community of Albania)، التي وإن كانت لها جذورٌ في عشرينيات القرن العشرين فإنّها لم تُصبِح الممثل الرسمي للمسلمين بألبانيا، البالغين 80% من السكان (أي حواليْ مليونَيْ مُسلِم) إلاّ في 2009. ولكن جهود هؤلاء قد سبقت هذا التاريخ القريب.

 

فالجهود الشرق أوسطيّة لإنقاذ الإسلام الألباني كانت متقادمة منذ التسعينيات عندما بدأ البنك الألباني العربي، الذي موّله أسامة بن لادن، أيام كان مستثمِراً إسلامياً بالسعوديّة والسودان، في تمويل بناء المساجد، التي حُوّل كثيرٌ منها في عهد أنور خوجة وانتهاجه نهج الثورة الثقافيّة الماوية إلى مراكز للترفيه والفن. ينضاف إلى هذا إرسال البعثات الطلاّبية إلى مصر والأردن والسعودية وتركيا وليبيا وتركيا وماليزيا، ما أعادَ نسخاً دينيّة احتاجت للانغراس في ذهنيات جديدة وسياقات جديدة. ويُظلّلُ عادةً إلى أنّ هؤلاء المتعلِّمين الدِّينيين قد عادوا ببذرة سلفية وهّابيّة بدأوا يَطبَعون بها التربيّة الدِّينيّة في البلاد. وسرعان ما تداخلت الدعوة بالجهاد، فبن لادن قد زار ألبانيا مرتيّن في 1994 و1998، وقد موّل منظمّة “الحرميْن”، التي عملت على تغطيّة بعض الأنشطة الجهادية والعلاقات العامّة التي ستغدو مهمّة في تأطير الجهادي الألباني[48].

 

بُعيد إعلان الخلافة الإسلامية من قبل أمير داعش، أبو بكر البغدادي، في صيف 2014 شهدت سوريا اندفاعاً ملحوظاً من الجهاديين الألبان، سواء كانوا من ألبانيا أو من الأثنيّة الألبانيّة عموماً. لقد وصل كلّ هؤلاء إلى 650 مقاتِلاً (150 من ألبانيا، و500 من ألبان كوسوفو ومقدونيا). وينظُر الدّارسون للمجاهِدين الألبان عادةً من زاويتَيْن: الأغلبيّة منهم قادِمة من مناطق وسط ألبانيا بما فيها النواحي الرِّيفيّة والذين كاوا عرضة للراديكالية المحليّة، أو في إطارات الجهاد البلقاني. ذلك أنّ عدداً من هؤلاء الجهاديين قدموا من جيش تحرير كوسوفو، كما كان مثلاً شأن المقاتل هيتم ديما، الذي قُتِل في سوريا في يناير 2014. إلاّ أن التحليل بالأيديولوجيا التربوية أو الدِّينية الصرفة ليس كافياً، ذلك أنّ قسماً ثالثاً منهم كان من المهاجرين الألبان العائدين من أوروبا الغربيّة، بعد اندلاع الأزمات الاقتصاديّة الأخيرة بها، والتي انعكست على العمالة المهاجرة من شرق أوروبا. وقد وجد هؤلاء في الراديكاليّة الدّينيّة تعبيراً عن مشاعِرهم وذواتِهم[49].

 

10-الجهاديون الصينيون: الهجرة

 

وبالطريقة نفسها، فإنّ الوضعية في الصين تتعلّق بتصدير الدوافع الأهليّة إلى سوريا. فمع 2016 كان الجهاديون الصينيون قد وصلوا إلى ما بين 300 مقاتلاً بحسب الحكومة المركزية في الصين أو 118 مقاتلاً بحسب ما عدّدته المصادِر الأميركيّة من وثائق داعش. كما هو معروف فإن السياق الجهادي الأبرز في الصين هو ظهور حركة إسلامويّة معارضة في أوساط قوميّة الأويغور (عادةً ما تُكتب ئويغور بالأويغوريّة) منذ تسعينات القرن العشرين وتحديداً في 1994. وصحيح أنّه ينعدِم في المقاتلين الصينيين في سوريا تاريخٌ جهادي قبل هجرتِهم إلى الشام[50]؛ إلاّ أنّ السياق السياسي المحلِّي لجهادِهم بيّن.

 

ففي شمال غرب الصين، في ولاية سنجان، التي حظيت باستقلال مؤقّت في أربعينيات القرن العشرين ظلّ “الجيش التركستاني”، وهو حركة الجهادية الصينيّة الذي مازال يُسمِّي الولاية بتركستان أو تركستان الشرقية (ذلك أن الأويغور هم من أصول تركية، ويُطلِقون على منطقتهم اسم بلاد الترك: تركستان) يزداد معارضة للحكومة المركزية الصينية، وخصوصاً مع تزايد الهجرات من قومية الهان المُسيطِرة واحتكاكها مع الأويغور ومضايقتها لهم. وقد نجح “الجيش التركستاني” في حبك علاقات مع الجهادية العالميّة، وبالأخصِّ مع القاعدة، وكوّن في ذلك علاقات جهاديّة. وإذا كان بعض دارسي هذه الحركة يعتقِدون أن المحافظة والراديكالية الدِّينيّة بسنجان قد تزايدت في السنوات الأخيرة فإن هذا التوجّه قد تحوّل إلى بيعة داعش، بدل القاعِدة، كما دلّ على ذلك أرشيف داعش الذي كشف عن تفاصيل فيما يتعلّق بالهجرة القتالية للتركستانيين الأوغيور وسبل تسهيل وصولِهم إلى داعش[51].

 

مرّةً أخرى، يصعب تنميط الجهاديين الصينيين على المنوال التقليدي الذي نُمِّطت به الحركات الجهاديّة؛ فالغالب فيهم (حواليْ 70%) لم يغادروا مناطِقهم، وينتمون للأصقاع الريِّفيّة ولا تعليم جامعي لهم. وتُرجِّحُ دراسات “نيو أميركا” المنشورة في يونيو 2016 أنّ الأسباب الأهَمّ في الانضمام إلى داعش تتعلّق بنجاح الحكومة الصينيّة في سياستِها الأمنوية المقاومة للراديكالية الدِّينية للأيغور، وببحثِ هؤلاء المحاربون عن مكان جديد للانتماء؛ وبأنّها تتعلّق كذلك بطلب الهجرة المستقرّة، وليس القتال الموسمي أو الأيديولوجي؛ وأنّ نجاح داعش في السيطرة على الموصل كان عاملاً حاسماً في تغليب خيارات الهِجرة في هذه الأوساط[52].

 

الهوامش:

 

[1] انظر مثلاً، محمد حافظ، الجهاد فيما بعد العراق: دروس من العرب الأفغان:

Mohammed M. Hafez, “Jihad after Iraq: Lessons from the Arab Afghans/’ Studies in Conflict and Terrorism, 32: 2 (February 2009): 77.

[2] انظر مثلاً هذه المقالات والدراسات:

Thomas Hegghammer, “Number of Foreign Fighters from Europe in Syria Is Historically Unprecedented. Who Should Be Worried? ” Washington Post (Monkey Cage blog), November 27, 2013;

Alyana Montgomery, Foreign Fighters in the Middle East: Threat Issues, Terrorism Concerns, and Control Efforts, 8.

انظر أيضاً هذه الدراسات الصادرة عن عدّة باحثين بعنوان: ليست سوريا وحدها؟ ظاهرة المقاتلين الأجانب من منظور مقارِن (2017).

Rekawek Ed, Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective Amstrdam: IOS, 2017.

سنشير أدناه إلى عدد من الفصول في هذا المجلّد.

[3] انظر بحث توماس هيغهامر المؤشكِل لظاهرة المقاتلين الأجانب: صعود المقاتلين الأجانب المسلمين: الإسلام والجهاد العالمي:

Thomas Hegghammer, “The Rise of Muslim Foreign Fighters: Islam and the Globalization of Jihad,” International Security, 35: 3 (Winter 2010/11), pp. 53-94.

رغم هذا يبدو أن بعض دراسات الأمم المتحِدة تُشيرُ إلى المقاتلين الأجانب أحياناً بصفة “المرتزقة”: Rekawek Ed, 99.

[4] انظر بحث ماجا غرينوود من جامعة كوبنهاچن، المُعنون (المقاتلين الأجانب لدى الدولة الإسلاميّة والقاعِدة):

Maja Touzari Greenwood, “Islamic State and al-Qaeda’s Foreign Fighters,” Connections: The Quarterly Journal, 1 (2017): 87-97.

[5] انظر بحثه المحوري: لماذا المقاتلون الأجانب؟ مناظير وحلول تاريخية:

David Malet, “Why Foreign Fighters? Historical Perspectives and Solutions”, Orbis 54 (January 2010), 1: 97-114.

[6] أغدوناس رسيوس، مواطنو الخلافة: في إعادة النظر في مفهوم المقاتلين الأجانب

Egdūnas RAČIUS, “Caliphate Citizens: Revisiting the Concept of “Foreign Fighters”  in K. Rekawek Ed, 2017.  Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective, 52-59.

[7] انظر مثلاً أوليفييه روا، فشل الإسلام السياسي

Olivier Roy, L’echeque de L’Islam politique, Paris: Editions du Seuil, 1992.

[8] عن هذه النقطة بالذات انظر وائل حلاّق، الدّولة المستحيلة: الإسلام والحداثة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمرو عثمان، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014، 147-189.

[9] Thomas Hegghammer, “The Rise of Muslim Foreign Fighters: Islam and the Globalization of Jihad,” International Security, 35: 3 (Winter 2010/11), pp. 53-94.

[10] لقد أُلِّفت كثيرٌ من الدراسات في هذا الموضوع لعلّ أكثرها شعبية هو كتاب ستيف كول، حروب الأشباح: التاريخ السرِّي للسي آي أيه وأفغانستان وبن لادن من الغزو السوفياتي إلى العاشر من سبتمبر 2001.

Steve Coll, Ghost Wars: The Secret History of the CIA, Afghanistan and Bin Laden, from the Soviet Invasion to September 10, 2001, New York ; London: Penguin Books, 2004.

انظر أيضاً سرديات إنتاج الإسلام الجهادي في سياق خلق الليبرالية الإمبريالية لإسلام متماشٍ معها في كتاب جوزيف مسعد، الإسلام في الليبرالية، ترجمة جوزيف مسعد وأبو العباس ابرهام، دار جداول، 2018.

[11] عن هذه التجارب انظر الرواية الجهادية في سردية أبو مصعب السوري:

أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، 2004، 735-791.

وعن دور العرب الأفغان في الجزائر انظر كتابه الخاص بالجهاد في الجزائر:

أبو مصعب السوري، مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر، 2004.

[12] عن ترابط الجهاديين في أوزبكستان مع طالبان انظر شهادة أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة، 776-779.

[13] انظر دراسة توماس هيغهامر، الجهاد في السعودية: العنف والوحدوية الإسلامية منذ 1997.

Thomas Hegghammer, Jihad in Saudi Arabia: Violence and Pan-Islamism Since 1979, Cambridge: Cambridge University Press, 2010.

[14] انظر تأريخ ويليام ماكانت للدولة الإسلامية:

William McCants, The ISIS Apocalypse: The History, Strategy, and Doomsday Vision of the Islamic State, New York: Saint Martin’s Press, 2015.

[15] عن الدور الاستراتيجي لأبي مصعب السّوري انظر عمل برنجار ليا، مهندس الجهاد العالمي: سيرة منِظر القاعدة أبو مصعب السّوري

Brynjar Lia, Architect of Global Jihad: The Life of Al-Qaeda Strategist Abu Mus‘ab al-Suri, London: Hurst Publishers, 2007.

[16] K. Rekawek Ed, 126.

[17] ماجا غرينوود، سبقت الإحالة إليه.

[18] نفسه.

[19] انظر مثلاً دراسات أيمن جوّاد التميمي على مدونته، أيمن جوّاد التميمي:

Aymen Jawad al-Tamimi, Muhajireen Battalions in Syria, December 13, 2013. Link

نُفِذّ إليه بتاريخ 15 يناير 2018.

[20] نفسه، وبالأخصّ الشقّ الخاصّ بكتائب المهاجرين في سوريا

[21] نفسه.

[22] عن تحوّلات الدولة الإسلامية بعد سقوطها، انظر:

Michel Depsey, “How ISIS’ Strategy is Evolving” Foreign Affairs, January 18, 2018.

[23] Steve Coll, Ghost Wars: The Secret History of the CIA, Afghanistan and Bin Laden, from the Soviet Invasion to September 10, 2001, New York ; London: Penguin Books, 2004.

[24] Roy, 1992.

[25] أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلاميّة العالمي، 2004.

[26] عن هذا الخلاف الذي ظهر في نقاش حول الجذرية الإسلاموية في 2016 انظر:

Robert F : Roth “The Professor and the Jihadi,” New York Times, April, 5, 2017. Link

تمّ النفاذ إلي في 15 يناير 2018.

وأيضاً:

Cécile Daumas, «Olivier Roy et Gilles Kepel, querelle française sur le jihadisme,» Liberation, 14 Avril 2016. Link

نُفِذَ إليه في 15 يناير 2018.

[27] Gilles Kepel, Jihad:expansion et déclin de l’islamisme, Paris : Gallimard, 2003, 321

فما بعدها.

[28] حسام تمام، الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة، القاهرة: دار الشروق، 2013، 71-93.

[29] انظر الدراسات عن المقاتلين التونسيين في سوريا:

Aron Y. Zelin, The Challenge to Tunisia’s Nascent Democracy; Almakan Orozobekova, “The Mobilization and Recrutment of Foreign Fighters: The Case of Islamic State, 2012-2014”, Connections: The Quarterly Journal, 3 (2016): 83-100.

[30] انظر هنا بالأخصّ تحليل حبيب سيّاح المعنون: “المقاتلون الأجانب التونسيون: بين التشتيت والتجميع المناطقي”:

Habib M. Sayah, “Tunisian Foreign Fighters: Between De-territorialization and Reterritorialization,” in K. Rekawek, Ed. Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective, IOS Press, 2017, pp. 98-107.

[31] نفسه.

[32] أميرة عبد الرازق، النظام السياسي التونسي بين التوجّه العلماني وحركات الإسلام السياسي، القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 119.

[33] انظر تحليل حبيب سياح، المشار إليه أعلاه.

[34] نفسه، 101-103.

[35] Dario Cristiani, “The Geography of Discontent: Tunisia’s Syrian Fighter Dilemma,” Terrorism Monitor 12, 20 (2014): 7-9.

[36] أميرة عبد الرّازق، 119.

[37] Aron Y. Zelin, The Challenge to Tunisia’s Nascent Democracy

[38] حبيب سياح، 103-105.

[39] Gilles Kepel, Jihad:expansion et déclin de l’islamisme, Paris : Gallimard, 2003, 105-135; 321-337.

[40] توماس هيغهامر، الجهاد في السعودية: العنف والوحدوية الإسلامية منذ 1997.

Thomas Hegghammer, Jihad in Saudi Arabia: Violence and Pan-Islamism Since 1979, Cambridge: Cambridge University Press, 2010.

[41] Adis Duderija, “The “Islamic State” (IS) as Proponent of Neo-Ahl ḥadīth Manhaj on Gender Related Issues,” Journal of Women of the Middle East and the Islamic World 13 (2015) 198–240.

[42] Ozokova, 91-95.

[43] New America, All Jihad is Local: What ISIS files Tell Us about its Fighters, July 2016, 16.

[44] انظر مصدرنا الأساسي هنا:

Edwin Bakker & Roel de Bont, “Belgian and Dutch Jihadist Foreign Fighters (2012–2015): Characteristics, Motivations, and Roles in the War in Syria and Iraq”, Small Wars & Insurgencies, 2016 , 27:5, 837-857,

انظر أيضاً:

Jeanine De Roy Van Wuijdezijn, «The Foreign Fighter Phenomenon: Case Study of the Netherlands,»  Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective, 1-11.

[45] نفسه.

[46] The Independent, Leaked ISIS Documents Revael Recruits have Poor Grasp of Islamic faith, August, 16, 2016.

نُفذ إليه في 15 يناير 2018 على هذا الرابط.

[47] Edwin Bakker & Roel de Bont, 843.

[48] Ebi Spahiu, «Foreign Fighters, Religious Radicalism and Violent Extremism in Albania and the

Western Balkans,» ”  in K. Rekawek Ed, 2017.  Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective, 125-133.

[49] نفسه.

[50] انظر مثلاً

نيو أميركا، كلّ الجهاد محلِّي: مالذي تقوله لنا وثائق داعش عن مقاتلِيها

New America, All Jihad is Local: What ISIS files Tell Us about its Fighters, July 2016, p. 26.

[51] انظر مثلاً، واشنطن بوست، آدام تايلور، مكتتبو داعش من الصين لا يناسبون الإطار الاعتيادي- ولعلّه يمكن لوم بيجينغ في ذلك

Adam Taylor, ISIS recruits from China don’t fit a typical profile – and Beijing may be partially to blame, Washington Post, July 20, 2016. Link

[52] New America, All Jihad is Local: What ISIS files Tell Us about its Fighters, July 2016, p. 26.

اقرأ أيضا على مبدأ
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة